عبد العزيز الطريفي.. قصة عالم حُرمت منه الأمة
بقلم صلاح الدين حفافصة
عبد العزيز بن مرزوق الطريفي اسم ذاع صيته بين الشباب بسبب انتشار مقاطعه على منصات التواصل الاجتماعي وحصولها على ملايين المشاهدات والمشاركات، مع أنّ الشيخ ليس له قناة رسمية أو شيء من هذا القبيل ولكنه حبّ الناس له وتعلّقهم الشديد به، وُلد الشيخ بدولة الكويت سنة 1976 وليس كما يعتقد البعض بأنه وُلد بالسعودية، ولكن انتقل إلى المملكة وهو صغير في السن لم يميّز بعد.
كانت بدايته الأولى مع طلب العلم والقراءة عندما بلغ من العمر الثالثة عشر، ويحكي هو عن نفسه أنه بدأ بحفظ المتون العلمية، وكانت له حافظة خارقة مقارنة بأقرانه، ومع وصوله لسنّ الخامسة عشر فقط كان قد قرأ عشرات المجلدات، وكان يمضي جُلّ وقته بين صفحات الكتب بعيدا عن اللهو واللعب وتضييع الوقت، وفي سن السابعة عشر كان الشيخ قد قام بتلخيص بعض الكتب التي يقرأها مثل تفسير ابن كثير وزاد المعاد وغيرها ، ومن هناك بدأت تتشكل عنده ملكة العلم وحب التأليف، وكان لا يزال حريصا أشد الحرص على القراءة، فظلّ يقرأ من 10 إلى 13 ساعة في الأيام العادية، وحتى 15 ساعة في الأجازات والعطل ما بين قراءة وكتابة.
كما التحق بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض وأكمل فيها دراسته الجامعية، ثم عمل بعد ذلك باحثا شرعيا في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد. من مشايخه الذين تلقى العلم منهم الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، وعبد الله بن عبد العزيز بن عقيل، وعبد الرحمن بن ناصر البراك، وعبد الكريم الخضير، وصفي الدين المباركافوري والاتيوبي وغيرهم الكثير من العلماء والأساتذة الأجلاء.
للشيخ عبد العزيز الطريفي صولات وجولات حول دول العالم الإسلامي، فمن المغرب إلى تونس إلى مصر وحتى الهند، كان يطلب بها العلم ويجلس عند المشايخ، أو لأي غرضي علمي آخر، ولكن حسب ما يحكي فأكثر رحلاته تأثيرا في نفسيته هي رحلته للهند حيث أقام هناك مدة طويلة يطلب العلم ويعمل على تزكية نفسه في ظلّ جو مساعد على ذلك.
أما فيما يخص مؤلفات الشيخ فهي كثيرة، وليست كثرة نوع ولكنها مليئة بالفائدة والعلم الغزير مما يدل على سعة اطّلاعه، فهو يحفظ عشرات المتون وآلاف الأشعار، بل ويحفظ الكثير من الكتب كاملة، ومن كتبه المطبوعة الفصل بين النفس والعقل وهو أشهر ما ألّفه ولاقى انتشارا في أوساط الشباب وطلبة العلم، لما جمع فيه من معقول ومنقول بطريقة عجيبة فريدة، من كتبه الأخرى “المغربية في شرح العقيدة القيروانية”، التفسير و”البيان لأحكام القرآن”، “صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم”، “الحجاب في الشرع والفطرة”، وكثير من الكتب الأخرى النافعة.
والشيخ له طريقة فريدة في الرد على الأسئلة فهو يؤصل المسألة ثم يأتي بكافة الأقوال المشتملة عليها ثم يبني بعد ذلك قوله، وهذا ما جعل الاقبال عليه للفتوى أكبر من غيره من العلماء والفقهاء.
قامت السلطات السعودية في يوم 23 أبريل سنة 2016 باعتقال عبد العزيز الطريفي، ونشر في ذلك اليوم بالتزامن مع الحادثة سلمان العودة رسالة قال بأنّها وصلته من جوال الطريفي وفيها “أنه ليس بمعتقل ولا موقوف بل في مكان لائق لمناقشة بعض الأمور” ولكنه لا يزال منذ ذلك الحين معتقلا حتى الآن.
بعد البحث ظهر لي أنّ الطريفي نشر تغريدة في وقت زيارة الرئيس السابق للولايات المتحدة باراك أوباما قال فيها “يظن بعض الحكام بأنّ تنازله عن بعض دينه ارضاء للكافر سيوقف ضغوطهم، وكلما زاد درجة دفعوه أخرى، الثبات واحد والضغط واحد، فغايتهم (حتى تتبع ملّتهم)”، وهذا يمكن أن يكون سببا مباشرا لقيام السلطات الأمنية السعودية باعتقاله، ففي ذلك الحين كانت قد بدأت الحملة الهوجاء على الدعاة والمصلحين وزجّهم في السجون بدون سبب، ومن لم يوجد له تهمة لفّقوا له تهمة “الخارجية والتحريض ولاة الأمر” أو “التطرف والتكفير”، وهي تهم معلّبة جاهزة للاستعمال في أي وقت.
للشيخ نظرة خاصة لطبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم فهو يرى أنها يجب أن تقوم على أساس العدل وغياب الظلم، فقد دعا لنصرة المعتقلين في السجون السعودية ظلما وعدوانا، ودعا لنصرة المظلومين في ليبيا وسوريا ولم يدّخر جهدا في ذلك، وحاول بقدر استطاعته لفت الأنظار إلى ما يحدث للمسلمين في تلك الدول من تنكيل وتشريد على يد الظالمين والمعتدين.
أما مجمل كلامه في مسائل التكفير وما شابهها فهو لم يخالف أقوال علماء أهل السنة والجماعة، على عكس ما تتهمه بعض الأطراف بأنه تكفيري ويدعو للخروج على الحاكم، وكل ذلك محض افتراء، ولقد حُرمت الأمة بالفعل من علمه بسبب اعتقاله، فمع أنه يزال صغير السن نسبيا الا أن لديه مؤلفات عديدة مفيدة للغاية، وكان سيتضاعف عددها لو كان حرا طليقا يكتب ويؤلف ويبدع، أمثال الشيخ الطريفي تحتاجهم الأمة عندما تدلهّم بها النوازل وتحيط بها الأزمات،فهنا يظهر معدن العلماء الربانيين من العلماء المزيفيين الساعين لمتاع الدنيا.
(المصدر: مدونات الجزيرة)