بقلم د. عبد العزيز كامل
الانتصار الذي حققه المقدسيون مؤخرًا في معركة البوابات والكاميرات – بالرغم من أنه لم يتعد حدود العودة للوضع السيئ بعد طروء الوضع الأسوأ على المسجد الأقصى – يُسجَل للمقدسيين الفلسطينيين فيه فخار الوقوف وحدهم في وجه آلة الطغيان اليهودي الجبارة، كما يسجل على الأنظمة العربية عار تكرار الفرار من ميدان معركة الأمة ضد أعدائها الحقيقيين في فلسطين ؛ إلى معارك أخرى هامشية وفرعية ضد أعداء وهميين أو مختلقين، برغم استمرار ضياع القدس وأسر الأقصى..
والعجيب أن تلك الأنظمة لا تمل من استثمار المصائب الواقعة على الأمة في فلسطين وغيرها، فالانتفاضات والهبات الفلسطينية التي كانت غالبا ردود فعل عزلاء على جبروت اليهود المتكبرين الأذلاء؛ كانت تجد دائمًا من زعماء العرب المزعومين من يتاجر بها، ويتصنع البطولة في دعمها والوقوف وراءها، في الوقت الذي يبذلون فيه قصارى جهدهم لاحتوائها والالتفاف الماكر عليها، لإنقاذ اليهود من تطورها وامتداد أمدها كلما تجاوبت وتفاعلت جماهير المسلمين معها..
لكن.. وبعد إدمان الفشل طوال ما كان يسمى بـ (الصراع العربي الإسرائيلي) وبعد مرور مئة عام على احتلال نصارى الإنجليز لفلسطين عام 1917؛ ومضى نحو سبعين عامًا على تسليمهم إياها لليهود عام 1947، وانقضاء خمسين عامًا على سقوط القدس بأيديهم عام 1967 ؛ لم يعد تحرير الأرض المقدسة ولا تخليص المسجد الاقصى بحاجة الى فورات وتظاهرات وقتية عارضة ؛ سرعان ما تنطفئ جذوتها وتنتهي صلاحيتها، بعد انفضاض الناس عن انتفاضتها، ولم يعد لبيانات الشجب والاستنكار والتنديد والوعيد أي احترام بعد أن أصبح – حتى العوام – يشجبونها ويستنكرون وينددون بصدورها ممن لا يقدر على التأثير في مجريات الأحداث بها..
لم تعد ردود الأفعال الموقوتة في زمانها ومكانها كافية للخلاص ولا شافية للصدور، ما لم يصحح المسلمون الصادقون في العالم بصورة جذرية مسار المسيرة المتجهة نحو النصر المنشود لاسترداد القدس والأقصى المفقود وغيره مما بِيع وضُـيع من المقدسات والمقدرات والحُرمات؛ بأن يضبطوا خُطاهم على منهاج الحق المبين ، ويربطوا خطط جماعاتهم بوثاق الاعتصام بحبل الله المتين. فالنصر الذي وعَد الله به مَنْ نَصَره ؛ له أهْلٌ هم للنصر أهْل ، وقد عُرفوا في شريعتنا بـ (الطائفة المنصورة) فاشتُق لهم من النصر اسمًا، لأنهم يمثلون طائفة من الأمة وُعدت بالنصر لحملها لمؤهلات ذلك النصر، وقد دلت نصوص السُّنة على أن تلك الطائفة تتجمع ، ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس؛ كلما أفسد اليهود وعلوا علوًا كبيرًا ، وكذلك فيما حوله من أراض النبوات والنبوءات ..
والحقيقة التي لا جدال فيها أن تلك الطائفة التي تواترت الأحاديث بوجودها وحتمية نصرها؛ مهما كان مقدار مخالفتها وخذلانها.. لم تعطها تجمعات ولا جماعات ولا هيئات المسلمين في الشام وما حولها لليوم الجهد الجدير بها، ولا التحري العملي الواجب لخصائصها، من حيث تحقيق مواصفاتها وتطبيق مؤهلاتها شرعًا…بدلًا من التغني بأحقية تمثيلها واقعًا ، أو التمني لحتمية ظهورها قدرًا…!!
دلوني… مَنْ مِنْ جماعات المسلمين اليوم – دعك من مجتمعاتهم وحكومات دولهم – تتطابق مواصفاتها مع خصائص تلك الطائفة؛ التي تواترت الأحاديث المصرحة بنصرها للحق كله، بما يمكنها من نصر الله لها على معسكر الأعداء كله.. وذلك في الحديث المروي بإسناد صحيح في مسند الإمام أحمد برقم (22320) والطبراني في الكبير برقم (7643) ؛ وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ( لاتزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: (ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس)..
غياب مواصفات تلك الطائفة – التي تواترت بشأنها الأحاديث – على الوجه المرجو.. هو أفصح إجابة… وأوضح تفسير؛ لأوضاع التردي التي تحياها أمتنا في مخاضها العسير..!
(المصدر: موقع الأمة)