بقلم د. حمزة ال فتحي
تلك الآلة، واتجاه خلائق واسعة الى تعطيل العقل، وتلك النعمة المذهلة، والتي يسعد بها الإنسان ويعز، حتى يصيروا كالتماثيل، وقد قالوا : ( إنسان بلا عقل ثمثال بلا روح ) !
فيحاكون ويقلدون، ويمضون بلا مراجعة او تدقيق،،،،!
من نحو دور (الإمعات السلوكية)، والتي تتعامل مع المجتمع بعفوية تامة، او قدسية عالية، وتحرم نفسها توهجات العقل الإنساني، وانتشاره التغييري، والإصلاحي، والإبداعي، والإنمائي والبنائي،،.!
وأما طرق الاستقالة العقلية فكالتالي :
١/ الغيبوبة العقلية: والتي تجعل العقل في دهليز الغياب التام المطبق، فتتراكم عليه الشقاوات والإتاوات، فيصاب بالغيبوبة الشالة لحركته، ومن ثم إبداعه وفاعليته….! قال تعالى:(( وقالوا لو كنّا نسمع أو نعقل ما كنّا في أصحاب السَّعير ))سورة الملك . فقد ورث الكفار والضلال عن آبائهم تعظيم الأصنام، وأبوا أن يكفوا عنها، ولم يفكروا في ضعفها وعجزها، حتى رأوْا اليقين يوم القيامة (( أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون )) سورة الطور .
٢/ التسليم العلمي: لكل ما هو علمي، أو يحمل صفة العلمية والرسمية والإعلامية، التي يتصور تباعدها عن المين والتزييف،،،!
وفي الحقيقة هي توظيف لأدوات العصر المتمدن لاستلاب عقول وأفهام ، وجعلها خاوية على مداركها ومناكبها،،،! فالباب فيه عدة نصوص، والعلماء ليسوا عشرات بل مئات وآلافا، والمذاهب الفقهية أربعة وليست واحدا…! فلا يُسلم إلا لنصوص قاطعة، ودلائل ثابتة، وأما آراء العلماء فليست حجة إلا بالدليل الصحيح الصريح..!
٣/ الرضى القرائي: والذي يتسم بتقديس كل مكتوب وتوقير كل مؤلف، لا سيما إذا الطباعة فاخرة، والدار مشهورة ظاهرة،،،! فلم يبق إلا التسليم بكل اجتهاد أو رؤية منقولة،،،! وبدون رأي او نقد وتعقب،،،!
وليس ذلك للأعلام المهرة، بل حتى من دونهم، بمجرد النشر والذيوع،،،!
وهذا بلا شك مزلق منهجي، واستقالة معلنة لجوهر العقل الإنساني…!
ومن كتب أو صنف لا يفكر في القبول المطلق، بل يدرك أن القراءات المتوالية تصحيح وتنقيح للمكتوب، والمهم أن يعمل النقاد فيها عقولهم ، قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله( الفكرة من العقل ).
٤/ الانبهار الرمزي: إما بأمم لا يتصور ضعفها وتراجعها، أو بأشخاص علت مكانتهم، او بأمكنة بذخت حضاراتها،،! فلا يتوقع تراجعهم على المستوى الذهني لديه،،،!
وبالتالي يصنع لهم (صنما داخليا)، وأبهة نفسية تتعصى على الزوال،،،! يكون من آثارها هزيمته الفكرية والنفسية، والتي تحمل سمة التأبيد، ما لم يزلزلها بمعاول الحق البين، والدليل المحقق …! (( وقل جاء الحق وزهق الباطل )) سورة الإسراء .
ومن هنا نشأ التعصب المذهبي، والتقليد المشيخي، بسبب تعلق التابع بمدرسة أو شيخ مؤثر، أو عالم محبوب، لا يدعي العصمة، ولكن الأتباع سحبوا عليه جلباب العلم، الذي لا ينخرم ولا يتعثر، فوقع الغلط، وحلّ المصاب..! وقد قال الإمام أحمد رحمه الله ( لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري ، وخذ من حيث أخذوا ).
ولما رأى الفاروق عمر رضي الله عنه طلاب أبي بن كعب رضي الله عنها وقد التفوا عليه، عاتبه وقال : (امشِ مع طلابك فإنها ذلة للتابع ، فتنة للمتبوع ..)!
٥/ التغذية الجسدية: والتي يبالغ فيها مبالغة عمياء، على حساب الغذاء العقلي والروحي، الذي هو طعم الحياة وأساسها وجوهرها،،،!
فبدلاً من أن يمارس التنمية الفكرية لمجالات عقله وتفكيره، يقصّر في تغذيته وتدريبه، والسفر به إلى عوالم النضج والاستيعاب،،!
ويظل تعويله على الغذاء الجسدي، دون الغذاء الفكري، بحيث يتقدم عقله، ويرتقي تفكيره، ويتهمم لبطنه، ولا يحزن لخواء عقله…!! ولا ارتياب أن المبالغة في ذلك تشوش على العقل وتخفي تجلياته، وقد قيل: ( البطنة تذهب الفِطنة ).
٦/ التلقين التربوي: والذي يُعتمد جملة وتفصيلا في مناهجنا التعليمية، مع إغفال الجانب النقدي والحواري تجاه تربية النشء، وتفعيل دوره الإنمائي…!
وتريد منهم الاقتناع التام، والرضى المصمَت على الدروس والمعلومات والمسموعات…!
ولم ننهج معهم منهج الحفظ والفهم، حتى نحقق نظرية التكامل التربوي،،!
فللحفظ أوقاتٌ وللفهم مثلُها// وأي جفا فيها نزلّ ونعطبُ
٧/ النظرة الأحادية: والمعتمدة على نص واحد، أو مرجع واحد، أو طريقة واحدة، حتى تصاب بالتبلد، وتستنكر الخلاف والتعدد، فتعاند وتكابر، حتى تصاب بالتعصب والانغلاق، وتأبى السعة والشمول، قال أيوب السختياني رحمه الله( لا يعرف الفقه، من لم يشم أنفه الخلاف )!
٨/ ضعف التفاعل الاجتماعي: والاكتفاء بما تبثه وسائل الإعلام، أو التعويل على قول الأكابر، وتربية النفس على الصمت والسكوت المهين، ولو مع الأخطاء..!
وراي من رأيكم، وانا واحد منكم، والغلط بين، والتخبط جلي..! ولكنه يضعف او يجبن، أو يتردد، او يستحي، معولا على غيره، ولربما كان في رأيه السداد، وفي مشاركته حسن الصواب…!
٩/ تقديس الاستبداد: من خلال رفض الحوار، ونبذ الشورى، والاعتداد بالقول، والانتهاج الفرعوني الدكتاتوري(( ما أريكم إلا ما أرى )) سورة غافر .
فيسلّمون لمثل تلك ممارسة، بل ربما أضفوا عليها هالة من التبجيل والقداسة، حتى تعمى البصائر، وتضلل الأجيال…!
وإن رفض الأب حوار الأبناء ، ومنع المعلم طلابه من النقاش، ذريعة لتمكين الاستبداد، وتكميم الأفواه، وهو ما يرفضه الإسلام (( الدين النصيحة )) وقد نصح الحباب بن المنذر لرسولنا صلى الله عليه وسلم، فاستجاب له وألان، قال تعالى (( وأمرهم شورى بينهم )) سورة الشورى . والله الموفق ..
ومضة/ (لا ينمو الجسد إلا بالطعام و الرياضة، ولا ينمو العقل إلا بالمطالعة و التفكير ) مثل ألماني .
المصدر: الاسلام اليوم.