مقالات مختارة

ضرورة تجديد الخطاب الديني في شأن المرأة

بقلم د. سامي بن عبدالعزيز الماجد

يُلاحظ بعد الانفتاح المعرفي الثقافي وتقنيات الإنترنت، تغير ملحوظ في مستوى الخطاب الديني وبخاصة في ما يتعلق بقضايا المرأة، بعد عقود من الزمن كان يراوح مكانه وينحصر همه في مناكفة حركات التغريب والتحرير، خصوصاً قضايا المرأة وكأن معاناتها ومظالمها لم تطَلْها إلا من هذه الجهة،

وتناسينا في خضم هذه المعركة معاناتها ومظالمها في مجتمع يدّعي تحكيم الشريعة واحترام المرأة وتوقيرها.. في تلك الفترة وقعت المرأة ضحية صراع بين طائفتين، و جيِّرت قضيتها رمزاً تتنازعه هاتان الطائفتان وتقتاتان عليه، وجعل السياسي قضيتَها ملهاة يُشغل بها عنه تلك الطائفتين!

تبين بعد عقود من الصراع أن المرأة ليست مجرد درة مصونة وجوهرة مكنونة، فيكون قصارى همِّنا معها الحفاظ عليها كأنها جسدٌ بلا روح ولا عقل! وتبين بعد عقودٍ أن الإحالة إلى توقير الإسلام للمرأة ونصرته لحقها واستعطافِه الرجال عليها لا يكفي في الدفاع عنها، ولا في إثبات أنها في مجتمعنا في خير حالٍ، هي فيه أفضل من المرأة الغربية في مجتمعها.

كنا نبحث عن مظالم المرأة ومعاناتها في الدول الغربية فنقابلها بصورة مثالية جميلة رسمها الإسلام للمرأة وأمرنا بتحقيقها واقعاً مشهوداً، نقارن (واقعاً) غربياً بـ(تنظيرٍ إسلامي) متمثلٍ في أحكام شرعية راقية منصفة، متعامين عمداً عن واقعها غير المشرف في مجتمعنا، هل نحن إلى هذا الحد من تخمة النفاق الاجتماعي حتى نغالط واقعاً ونستنصر بتنظيرٍ وتشريعٍ كثير منه غائب عن واقعنا؟!

كنا نصوّر أن المرأة ظلمت وأهينت ممن قصد تغريبها وتحريرها بالمفهوم العلماني، لكن الواقع يشهد علينا بمرارة أن الظلم لم يدخل عليها من باب واحدٍ، بل من أبواب كثيرةٍ متفرقة، بعض الظلم دخل عليها من باب الأعراف والتقاليد القبلية، ومن المؤسف أن يدخل عليها الظلم والهضم والمصادرة والتهميش من باب ما نزعم أنه شرع محكم! ا

وحينها صار الظالم لها يسمّى عادلاً مقيماً لحدود الله، غيوراً على حرماته، وصارت الجناية على المرأة باسم الشريعة عدلاً وإنصافاً، ولو ضاعت بسببه حقوقٌ لها. وألزمتْ بما لا يلزمها شرعاً و سمي ذلك واجباً شرعياً! لا أعني بذلك طاعة الزوج بحق القوامة، فهذا حكم شرعي محكم، ولا اشتراط الولي في النكاح فلهذا دليله الشرعي المعتبر، وإنما عنيت سوء تطبيقٍ لمفهوم القوامة، ولمفهوم الولاية،

ورأينا استغلالاً للنفوذ وتعسفاً في ممارسة الحق،ا

فأوجب الرجل على المرأة زوجةً أو بنتاً طاعةً له مطلقة، ا

وعضلَها في نكاحها بحق الولاية، ومُنعتْ من ميراثها،ونَهبَه من يسمَّى وليها أو قيّمها ظلماً وعدواناً، ا

فإن شاءت أن تطالب بحقها وترافع في قضيتها في مجالس القضاء أوقف القاضي قبول طلبها على حضور وليها!ا

وإن شاءت أن تستثمر مالها اشتُرِط عليها إذن ولي أمرها! ا

وإن هي طُلقتْ ظلت تحت رحمة طليقها أن يتفضل عليها بإسقاط اسمها من دفتر عائلته وإعطائها صك طلاقها،ا

وإن شاءت ابنته أو زوجته أن تدرس في أي مرحلة من مراحل التعليم(العام) فقبولها معلَّق بموافقة ولي الأمر، مع أن دراستها في بيئة محافظة مستقلة عن الرجال. ا

فإن نحن شئنا أن ننتصر لها فعلينا أن نعيد النظر في بعض القرارات والأنظمة التي صارت ثغرة يتسلل منها الرجل لابتزاز المرأة واستفزازها ومصادرة حقها والتعسف في استعمال السلطة، وتلك القرارات والأنظمة ليست لها قداسة الشرع المنزل، ولا تعدو أن تكون اجتهاداً غير موفَّق، كان سببه ما تشربته النفوس من لوثات العادات والتقاليد المهينة للمرأة زوجةً أو بنتاً أو أختاً.

من تتبع جهود بعض المناشط الدعوية المؤسسية المعنية بالمرأة فسيجد اقتراباً أكثر من همومها ومعاناتها الواقعية، وإن نافسه إصرار من البعض على خطابه التقليدي المتخرم، وهي بالجملة تقدِّر مدى ما تعانيه من الظلم والجناية. وليت مشاريعنا الشرعية والاجتماعية تواصل الجهد في تذليل عقباتها، والاشتغال بها أكثر مما تشاغلنا به من خصومات مفتعلة أو مقصود بها التلهي بها عن القضايا الكبرى للمجتمع ومؤسساته المدنية.

إن العقبات كثيرة أمام المرأة لتسترد حقها المضيَّع، وجهلُها بحقها هو أحد هذه العقبات، كم من حقٍ فات على المرأة لأنها لا تدري أنه حقٌ لها مشروعٌ أصلاً، فمن المهم إذاً تبصيرها بحقوقها، وكم كان رائعاً أن بعض المؤسسات الاجتماعية الخيرية المعنية بشؤون المرأة وهمومها قد بدأت العملَ فعلاً في تدوين موسوعة ميسرة تحصر للمرأة حقوقها التي كفل لها الشرع.

أدرك تماماً أن مما زاد معاناة المرأة في مطالبتها بحقها ما ثقلت به إداراتنا الحكومية من بيروقراطيا مزعجة وفساد إداري فاشٍ يعاني بسببه الرجل كما تعاني بسببه المرأة؛ لكن ألا ترون أن تذليل هذه العقبات والعمل في هذه الإصلاحات أجدى من ملاحقة المرأة لمنعها أن تبيع لبنات جنسها ملابسهن الخاصة؟! ا

ليس يجدينا في نصرة المرأة أن نتغنى بالمنجزات الشرعية التي كفلت للمرأة حقوقها، فالتغني بذلك لا يرفع عنها ظلماً واقعاً ولا يرد لها حقاً مضيعاً، ما لم تترجم تلك المنجزات الشرعية المنصوصة في الكتاب والسنة إلى واقع ملموس؛ فالعمل في ذلك يوفر علينا الجهد في إقناع المرأة وغيرها أن شرعها وقضاءه قد حفظ لها ما لم يحفظه لها غيره.

المصدر: الاسلام اليوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى