(بقلم مفتاح بن منين – مدونات الجزيرة)
ما تحتاجه الأمة اليوم إصلاح شامل لكامل مفاصل الحياة المتضررة بكم هائل من السياسات الفاشلة التي حكمت المنطقة العربية والتي تداولت على حكمها لفترة طويلة جداً، تعرضت خلالها لشلل تام في كامل قواعدها الحيوية التي ترتكز عليها الدول لبقاء قوتها، بنموها الاقتصادي وانتعاشه وبصلاح سياستها ورشاد حكمها.
فبات من الضروري أن تمر الأمة بهذا المشروع النهضوي لتتمكن من العودة لريادة والتقدم كما كانت زمن حضارتها العريقة التي ملكت العالم كله تحت مضلتها لقرون بفضل انتعاش حياتها الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية نتيجة عمل إصلاحاتها ونظامها الوقائي الذي عم كل جوانب الحياة لدى الأمة.
وشمولية الإصلاح يقصد به مس شامل لأعمدة الحياة لدى الدولة فما هو معطل فيها يتم تشغيله وما هو فاسد يتم إصلاحه وما هو صالح يتم الحفاظ عليه ووقايته، وتحتاج أيضاً مقابل ذلك لكامل أفراد المجتمع بعد تأهيلهم لهذا العمل المعقد العميق كل حسب تخصصه ووظيفته التي يعمل بها.
الثورة الفرنسية مثالاً:
مرت أوروبا في العصور الوسطى بجمود شمل كامل مجالات الحياة بسبب القيود التي فرضتها الكنيسة آنذاك بتعطيل كل آليات التحضر باسم الكفر والبدع التي اختلقتها تعاليمها، فجعلت مجرد التفكير في هذا الكون كفراً بواحاً وتمرداً على تعاليم الكنيسة المقدسة فكان كل فرد يعمل عقله في هاته العلوم الكونية معرض لخسارة رأسه تحت آلة المقصلة.
فجاءت الثورة الفرنسية أنهت قيود الكنيسة وحررت الفرد من هاته القيود وأعطته كامل حريته الاجتماعية بنظام اجتماعي عادل يساوي بين الأفراد في الحقوق، فهذا كان أول علاج قامت به الثورة لتجعل المواطن مهيئاً لخدمة بلده.
أعادت الثورة الفرنسية بما تحمله من قيم إنسانية واجتماعية مجرى الحياة في كامل مجالاتها واعتمدت على الإصلاح الشامل لأعمدت الدولة المتهالكة بسبب دكتاتورية الفاشية للكنيسة.
ما نشاهده اليوم في الحضارة الغربية المتطورة هو عمل إصلاحي شمولي لكامل عجلات الحياة المعطلة، وبعد هذا النظام المعالج جاء دور الوقاية والمراقبة المستمرة تحسباً من ظهور أي فساد أو كسل في إصلاح الفساد الذي قد ينتشر ويتوسع داخل أركان الدولة، ثم عملت على سن قوانين مشددة تجرم كل ما قد يؤدي إلى تعطيل الحركة التنموية التي وصلت لها البلاد بفضل الجهود المبذولة.
الإصلاحات السياسية الاقتصادية والاجتماعية:
ما نحتاجه من إصلاح يعتمد على ثلاثة أشياء مهمة تعد العمود الفقري لقيام الدول وبها تقاس قوة الدولة وضعفها وعليها تستند الأرقام لمعرفة ازدهار هاته الدولة أو تخلفها وعليها تعتمد الدول للهيمنة على العالم كله، فالتحكم في هاته الأعمدة الثلاث يصبح العالم كله تحت إرادتك ومشيئتك.
الإصلاح الاقتصادي:
ببناء اقتصاد قوي يساعد على الحياة الرفاهية للمواطن بتوفير احتياجاتها الضرورية والكمالية التي تواكب عصر الحداثة والتطور من مواصلات واتصالات، وببناء البنية التحتية من تعليم وصحة وغيرها بحيث يجد المواطن راحته بفضل تلك الأشياء المسخرة لتسهيل معيشته.
الإصلاح السياسي:
إنشاء نظام ديمقراطي يقوم على صندوق الاقتراع، باختيار الشعب لنظام الحكم المناسب لتسيير البلاد بقوانين شرعية أقرها الدستور، والتي من بين قوانينه الحفاظ على الحريات والمساوات بين المواطنين على اختلاف آراءهم ومعتقداتهم وعروقهم.
الإصلاح اجتماعي:
الحفاظ على تماسك المجتمع بمحاربة العنصرية والتفريق على حسب العرش أو القبيلة أو الانتماء لغير الوطن وكذلك بنشر القيم الأخلاقية التي تحافظ على سلامة الفرد من الانحلال والطيش وكذلك محاربة العنف بكل أشكاله، ويعد الإصلاح الاجتماعي أهم الأعمدة الثلاث التي ترتكز عليها الدولة فلذلك كان صلاح المجتمعات الروح التي تقوم عليها الدولة والتي تبقى حية لزمن أبعد.