صورة من واقع الصراع العلماني الإسلامي(الأحزاب الإسلامية) 2
بقلم صهيب مقداد
“أرادوا تنصيب الإسلام ضامنًا للنظام إزاء خطر شيوعي محتمل” الكاتب التركي يشار كيبلان.
ما بعد إعدام رئيس الوزراء التركي عدنان مندريس 1960 م، لم تكن الساحة السياسية أو الإجتماعية في تركيا بأفضل حال، بل عانت تركيا من التطرف وصراع الشوارع وظهور جماعات مسلحة، كما عانت من كثرة في الاغتيالات السياسية، ولأن الإسلام السياسي كان حاضرًا في تركيا حتى بعد إعدام مندريس فهو فصل من فصول الرواية المليئة بالصراعات والإصرار والمحاولة مرة وأثنتين وأكثر، أراد قادة الجيش وحماة العلمانية، طرح الإسلام السياسي كمعاون للدولة وللأتاتوركية لا كبديل عنها، وهو ما يمكن أن نسميه: محاولة علمنة الإسلام.
ليتم طرح إسلام يتوافق مع توجهاتهم ومخططاتهم ولا يخشون على علمانيتهم من أن تطرح أرضًا على يد الإسلاميين في الساحة السياسية التركيا، إضافة إلى حاجتهم للإسلام السياسي في مواجهة الإيديولوجيات الأخرى من شيوعية وغيرها.(1)
لنستنتج مما سبق:
1-إثبات التيار الإسلامي وجوده بشكل فعلي وواسع كقوة لا يمكن إغفالها وتجاهلها
2-التيارات الإسلامية تزعج العلمانيين وتُنغّص عليهم مئآربهم
3- قد يُفسّر ذلك سكوت المنظومة العسكرية عن بعض نشاطات الإسلاميين لقرابة ثلاثة عقود من الزمن
4-كره الشعب لسلطة العسكر
رحل عدنان مندريس وولد تورغت أوزال، ولد في عام 1927 م وتولى منصب رئيس وزراء تركيا وثم رئيسًا لتركيا، يتم تعريفه على أنه اقتصادي ليبرالي؛ فقد كان أوزال على الاستراتيجية الساعية للتسوية بين العلمانية والإسلام، وقد دخل مجال السياسة، في انتخابات 1983 م سُمح لثلاث أحزاب فقط أن تخوض غمار الانتخابات:
-حزب الديمقراطية الوطني
-حزب الشعب
-حزب الوطن الأم
وقد كان العلمانيين يتوقعون فوز الحزب الوطني أو حزب الشعب لأنهم مدعومين من قبل الجيش وقادته في حين أن النتائج جاءت مفاجئة لهم؛ فقد اختار الشعب الحزب الأم بقيادة تورغت اوزال
كان اوزال يعرّف نفسه على أنه علماني التوجه، ومع ذلك إذا ما تطرقنا لاوزال على المستوى الشخصي فقد كان يؤدي الصلاة بشكل منتظم وقام بفريضة الحج والأهم من ذلك أنه كان من أصحاب الطريقة النقشبندية، أما على ما قام به للإسلاميين، فقد سمح لهم بدخول مجالات الاقتصاد والصحافة والاستثمار، وفي عام 1991 م قام القصر الرئاسي باستضافة احتفالات بالمولد النبوي الشريف.(2)
لم ينقلب الجيش على أوزال كمن سبقوه مع ما قدمه للإسلاميين، فقد سمحت سياسة أوزال الإقتصادية لظهور “سوق دينية” داخل تركيا، ومن الجدير بالذكر أن جماعة فتح الله غولن إستفادت بشكل كبير من هذا الإنفتاح السياسي، فأول قناة دينية ظهرت في تركيا كانت عام 1993 م وهي متصلة بجماعة كولن(3) وقد دعمت جماعة غولن في غير مرة تورغت أوزال.
استمر تورغت أوزال في مسيرته السياسية إلى أن توفى 17 أبريل 1993 م، جراء تعرضه لأزمة قلبية في أنقرة-هكذا كانت الرواية-إلا أن البعض قد شكك بأن الوفاة كانت طبيعية وأنه قد تعرض لعملية إغتيال دفعت الكثير من الأطراف لفتح أبواب التحقيق، وكانت البداية من رسالة وصلت لزوجة تورغت أوزال تخبرها بأن قاتل زوجها يُقيم في أذربيجان.
أشارت جميع الدلائل إلى أن وفاة تورغت أوزال لم تكن وفاة طبيعية، ومنها ما صرّح به نجل تورغت ووزير الصحة في عهد أوزال، يقول نجل تورغت أوزال، أحمد تورغت أوزال: عادة ما يكون في القصر الرئاسي طبيبان وسيارة أسعاف، لكن في ذلك اليوم لم يكن لا طبيب ولا سيارة اسعاف.(4)
كما صرح خليل شيفغن، وزير الصحة في حكومة ازوال: لقد كان في تركيا سيارات إسعاف متطورة ويمكن إجراء عملية جراحية فيها منها أربعة في القصر الرئاسي، ولكن في يوم الحادثة تم سحبها حتى لا يتم إسعافه.(5)
وبقيت لغزًا إلى اليوم لم يُحل، فهي نهاية غامضة لرجل سياسي حاول الجمع بين طرفين من الصعب أن يلتقيان، وصحيح أن الجيش لم ينقلب عليه لكنه أيضًا لم يكن مرغوبًا لديهم، فقد تحداهم في العديد من الملفات والقضية الكردية من أبرزها.
من الصعب على أحدهم قراءة الأحداث بشكل جيد دون الغوص في التفاصيل والأحداث والتدقيق في الأمور فالساحة التركيا تعيش صراع شد وجذب وتحالفات وتقدم ثم تراجع، كالأحجار على رقعة الشطرنج، التي يضع لها اللاعب الخطة ثم يتراجع إذا وجد فرصة أفضل أو لاحظ ثغرة في خطته، ومن المشاهد التي توصف التناقض في الشارع التركي، في أبريل 1993 م، وفي الجنازة الرسمية في أنقرة، قادت فرقة أوركسترا عسكرية جنازة تورغت أوزال، وهي تعزف “مارش الموت” لشوبان، وكان ذلك في الشارع الرئيسي المسمى شارع “أتاتورك”
وعلى النقيض من ذلك شارك مئات الألوف في الجنازة في إسطنبول حيث تم دفن الجثمان، وهم يصلون الظهر في مسجد السليمانية، وهم يهتفون “الله اكبر الله اكبر” على طول الطريق إلى المقبرة.
المصادر:
1- السيف والهلال، رضا هلال، صفحة 152
2- الجزيرة، شخصيات، تركيا، تورغت اوزال
3- صعود الإسلام السياسي في تركيا، أنجيل راباسا، ف. ستيفن لارابي، صفحة 70.
4- وثائقي الجزيرة، نهايات غامضة- ملابست وفاة الرئيس التركي الأسبق تورغت أوزال.
5- المصدر السابق.