مقالاتمقالات المنتدى

صناعةُ الفَراعنة

صناعةُ الفَراعنة

 

بقلم أ. د. فؤاد البنا

(المنتدى)

 

? النَّفخُ في الطغاة:
إن رؤية الجماهير وهي تهتف في موكبك بحياتك، ورؤية الحشود وهي تلبي دعواتك مهما كانت تافهة أو مؤلمة، لاشك أن هذا ينفخ في المرء روح الغرور حتى يُطغيه، حيث تنبجس عيون الكبر من أحجار ذاته الصلصالية: {إنّ الإنسان ليطغى أن رآه استغنى}.
ولقد وصل فرعون إلى قمة الطغيان بادعائه الألوهية عندما رأى الشعب المصري يهتف بحياته، كما أشار إلى ذلك تعالى بقوله: {فحَشَر فنادى فقال أنا ربُّكم الأعلى ..}، وينم فعل الحشر عن بالغ الإهانة للناس الذين يُدفَعون كالأنعام من قبل جنود الطاغية، ثم إن استخدام حرف الفاء في العطف يشير إلى هذه المشاعر التي اختلجت في صدره، حيث انتفخ حتى ظن أنه إله، ونادى في الناس معلناً أنه صار إلهاً، وليس أي إله وإنما الرب الأعلى!

? خطورةُ الملأ:
زيَّن الملأ لفرعون الطغيان وحرّضوه على ظلم موسى وقومه: {وقال الملأ من قوم فرعون أتَذَرُ موسى وقومَه ليفسدوا في الأرض ويَذرك وءالهتَك؟! قال سنُقتِّل أبناءَهم ونَسْتحيي نساءَهم وإنّا فوقَهم قاهرون} [الأعراف: 127]، وهؤلاء هم نافخو كير الفتنة وصُنّاع الطغاة الحقيقيون في كل زمان ومكان، حيث تتكسّر بقايا الخير في الحكام على أحجار الوسوسة والتحريض التي تقوم بها بطانات الظلم والضلال؛ ولذلك فقد كان الخلفاء الراشدون يعتنون جيدا ببطاناتهم.

? تفريق الطغاة للشعوب:
من أهم أعراض الطغيان وثماره الزَّقّومية تقسيم المجتمع إلى شيع وأحزاب، ولذلك ذكر الله هذا الأمر بجانب حديثه عن استعلاء فرعون وطغيانه، فقال تعالى: {إن فرعون عَلَا في الأرض وجعل أهلَها شيعاً يستضعف طائفةً منهم يُذبِّح أبناءَهم ويَسْتحيي نساءَهم إنه كان من المفسدين} [القصص :4]، كأن هذا التقسيم من السمات الثابتة للطغيان، إذ يؤدي إلى انشغال الشعوب بنفسها، مما يطيل من أعمار الطغاة.

? آية الله فرعون:
من لم يعتبر بآيات الله المبثوثة في الأكوان والمجتمعات صار آية لغيره، وأبرز مثال لذلك هو فرعون الذي كفر بكل آيات الله بما فيها المعجزات التسع لموسى؛ فجعله الله آية للناس إلى قيام الساعة، قال تعالى: {فاليومَ نُنَجّيك ببدنك لتكون لمن خلفَك آيةً وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون} [يونس :92].
ولقد حضّ الله الناس على إزالة حجاب الغفلة عن بصائرهم، وحرّضهم على اكتشاف كُنه الآيات الاجتماعية والاستفادة منها قبل الوصول إلى هذا المصير، فقال تعالى: {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كانت عاقبة المكذبين}، إنها دعوة قرآنية بيِّنة للاستبصار بالعواقب والاعتبار بالمآلات، من خلال السعي الناظر في الأرض التي ما فتئت تحتضن الكثير من آثار المكذبين.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى