“صفقة القرن” في ميزان الفقه
إعداد قطاع الدعوة والتثقيف الشرعي بجمعية الإصلاح
انتشر في الآونة الأخيرة الحديث عما يسمى بـ»صفقة القرن»، التي يقودها الرئيس الأمريكي «دونالد ترمب»، وتتعلق بتغيير مسار حل القضية الفلسطينية، لتحل محل قرار الأمم المتحدة بإقامة دولتين؛ واحدة للكيان الصهيوني، والثانية لفلسطين وعاصمتها القدس، والمعروفة بحدود عام 1967م.
نتناول في هذه الأسطر الحكم الشرعي في بعض بنود الصفقة كما ذكرتها دراسة لـ»المركز الفلسطيني للإعلام»:
الأول: الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني:
ومضمون هذا هو الاعتراف بالدولة العبرية، وأن اليهود هم أصحاب الحق في فلسطين، ومثل هذا الاعتراف حرام شرعاً، وهو كبيرة من الكبائر، وخيانة للأمة، وضياع لديار المسلمين.
وقد صدرت عدة فتاوى تحرم الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، من أهمها:
فتوى دائرة مجلس الإفتاء العام في عمَّـان بالأردن:
حيث أصدرت دائرة مجلس الإفتاء العام في عمَّـان بالأردن فتوى بحرمة الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، وذلك عقب خــروج قـرار من مجلس الكونجرس الأمريكي القاضي بذلك.
ومما جاء فيه: «إنَّ قرار الكونجرس الأمريكي القاضي بضم القدس يشكل عدواناً صارخاً على عقيدة كل مسلم في الأرض، وتعتبر الولايات المتحدة شريكاً في الظلم والعدوان الذي تمارسه «إسرائيل».. القدس الشريف جزء من عقيدة كل مسلم يحافظ عليها كما يحافظ على دينه».
فتوى لجنة الفتوى بالجامع الأزهر عام 1947م:
كما صدرت فتوى عن لجنة الفتوى بالجامع الأزهر عام 1947م، بوجوب الحفاظ على المسجد الأقصى، وحرمة قبول تقسيم فلسطين حسب قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 1947م، الذي يقتضي الحل على أساس وجود دولتين؛ الأولى عبرية، والأخرى عربية.
وقد وقّع عليها 26 عالماً من علماء الأزهر الشريف، وعلى رأسهم بعض شيوخ الأزهر وبعض ممن تولوا منصب دار الإفتاء المصرية وكبار علماء الأزهر، مثل الشيـخ محمـد حسـنين مخـلوف، والشيخ عبدالمجيد سليم، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد دراز.
ومما جاء في فتوى الجامع الأزهر: «إنَّ قرار هيئة الأمم المتحدة قرار من هيئة لا تملكه، وهو قرار باطل جائر ليس له نصيب من الحق والعدالة؛ ففلسطين ملك العرب والمسلمين».
ثانياً: التنازل عن القدس والضفة:
وفحواه أن يتم الاعتراف بأحقية الكيان الصهيوني بالقدس باعتبارها جزءاً من الدولة العبرية، وكذلك أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وهو أيضاً لا يجوز شرعاً.
وقد صدرت فتاوى عديدة بحرمة التنازل عن أي شبر من أرض فلسطين، ومن ذلك:
فتوى جمع من فقهاء الأمة:
فقد صدرت فتوى من أكثر من 60 عالماً وفقيهاً في الأمة عام 1410هـ، على رأسهم الشيخ محمد الغزالي، والشيخ د. يوسف القرضاوي، والشيخ د. وهبة الزحيلي، ود. خالد المذكور، ود. عجيل النشمي، ود. جاسم مهلهل الياسين، والشيخ نادر النوري، ود. توفيق الواعي، ود. عيسى زكي.. وغيرهم، تحرّم الاعتراف بأي حق لليهود في فلسطين، أو التنازل عن أي شبر من أراضيها، ويشمل ذلك – بالطبع- الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني.
ومما جاء في الفتوى: «لا يجوز بحال من الأحوال الاعتراف لليهود بشبر من أرض فلسطين، وليس لشخص أو جهة أن تقر اليهود على أرض فلسطين أو تتنازل لهم عن أي جزء منها أو تعترف لهم بأي حق فيها.
إن هذا الاعتراف خيانة لله والرسول وللأمانة التي وكل إلى المسلمين المحافظة عليها، والله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ {27}) (الأنفال)، وأي خيانة أكبر من بيع مقدسات المسلمين والتنازل عن بلاد المسلمين إلى أعداء الله ورسوله والمؤمنين».
فتوى الشيخ ابن باز:
كما سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن حكم الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وما الواجب على المسلمين فعله، فأجاب: «فالواجب عليهم الدفاع عن دينهم وأنفسهم وأهليهم وأولادهم وإخراج عدوهم من أرضهم بكل ما استطاعوا من قوَّة»، وقال: «فالواجب على الدول الإسلامية وعلى بقية المسلمين تأييدهم ودعمهم ليتخلَّصوا من عدوهم، وليرجعوا إلى بلادهم».
فتوى الشيخ عكرمة صبري:
كما أفتى الشيخ عكرمة صبري، مفتي فلسطين سابقاً، بحرمة التنازل عن أي شبر من فلسطين، وحرمة الاعتراف بالكيان الصهيوني.
ومما جاء في الفتوى: «يحرم التنازل عن القدس كلها أو عن جزء منها، كما يحرم الإقرار للدولة اليهودية الغاصبة بالسيادة عليها، ومن باب أولى يحرم قطعاً أن يُعطَى اليهود جزءاً من ساحة المسجد الأقصى لبناء هيكلهم المزعوم عليه، وإن أي اتفاق بين اليهود وأي قيادة عربية يتم على هذا الأساس يعد باطلاً من أساسه لعدم مشروعية محله؛ لأن محل هذا الاتفاق هو تمليك جزء غال من أرض الإسلام للعدو الغاصب أو إقرار لسيادته عليه، وهذا غير مشروع بالنص والإجماع؛ أما النص فقوله تعالى: (وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً {141}) (النساء)، ومعنى الآية: لا تجعلوا للكافرين على المؤمنين سبيلاً.
ومن أبرز السبل والكبائر أن يقر عدوان اليهود وغصبهم بتنازل أو باتفاق يوقع عليه قادة نصبوا أنفسهم لحماية الأرض والعرض والمقدسات».
ثالثاً: التنازل عن حق العودة:
كما أفتى علماء المسلمين بحرمة التنازل عن حق عودة اللاجئين، ومن ذلك فتوى الشيخ عكرمة صبري، ومما جاء فيها: «إن التعويض عن الأرض الفلسطينية كبيعها سواء بسواء ولا يجوز مطلقاً شرعاً، وينطبق على الذي يأخذ التعويض عن ممتلكاته الفتوى الصادرة عن علماء فلسطين منذ الثلاثينيات من القرن الماضي التي تنص على التحريم القطعي؛ لأن الأرض الفلسطينية ليست سلعة للبيع والشراء، فهي وقفية مباركة مقدسة، كما أن علماء الأمة الإسلامية وقتئذ وحتى يومنا هذا قد أصدروا فتاوى مؤيدة لهذه الفتوى.
لذا فإن عبارة «حق العودة والتعويض معاً» جائزة شرعاً؛ أي أن اللاجئ له الحق في العودة إلى دياره، كما أن له الحق أيضاً في المطالبة بالتعويض عن الأضرار والمعاناة والخسائر التي لحقت به وبأولاده وأحفاده.
في حين أن العبارة التي تقول: «حق العودة أو التعويض» لا تجوز شرعاً؛ لأن المحظور قائم فيها؛ لأن التعويض عن الأرض محرم شرعاً.
أما الذي لا يرغب في العودة فليس له الحق بأخذ التعويض مطلقاً، مهما كانت الأسباب والمبررات.
وستبقى أرض فلسطين لأهلها ولجميع المسلمين إلى ما شاء الله، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها».
ويقول الشيخ يوسف القرضاوي:
«أصدرنا فتوانا بتحريم قبول التعويض عن أرض فلسطين بالنسبة للاجئين المشردين في أنحاء العالم، ولو بلغ مئات المليارات، فأوطان الإسلام لا تقبل البيع ولا التنازل أو التعويض عنها بحال من الأحوال».
بيان إسطنبول:
صدر في مدينة إسطنبول التركية، يوم الثلاثاء 25 يونيو الماضي، بيان عن عدد من الهيئات الشرعية، على رأسها: الاتحاد العالمي لعلماء السلمين، هيئة علماء فلسطين بالخارج، رابطة علماء المغرب العربي، هيئة علماء المسلمين في لبنان، دار الإفتاء في ليبيا، هيئة علماء المسلمين في العراق، هيئة علماء المسلمين في الجزائر والسودان ولبنان وبغداد، وغيرها من هيئات الفتوى في العالم.
وملخص هذا البيان ما يلي:
1- التأكيد على أن قضية فلسطين إسلامية وليست فلسطينية، وحرمة التنازل عن ذرة من أرض فلسطين أو الإقرار بادّعاء حق اليهود الصهاينة فيها.
2- حرمة عقد أي اتفاقية مع العدو الصهيوني تقرّ أو تعترف بحقه في إقامة كيانه المغتصب على أرضنا المباركة أو أيّ جزء منه.
3- المشاركة في ورشة البحرين حرامٌ شرعاً وخيانةٌ لله ورسوله والمؤمنين وخيانةٌ للأمانة والمقدسات ودماء الشّهداء.، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ {27}) (الأنفال).
4- وجوب التحرّك لإفشال هذه الورشة ومواجهتها، كلٌّ حسب تخصصه ومجاله، وعليه فإنّه يجب على كل قادر على بذل شيء من الجهد ألا يدّخره مهما كان يسيراً، وأياً كان مجاله؛ سياسياً أو إعلامياً أو إرشادياً أو تعليمياً أو تعبوياً أو غير ذلك، وهذا من ضروب النّفير الواجب والجهاد المبرور، قال تعالى: (انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {41}) (التّوبة).
والخلاصة:
إن «صفقة القرن» خيانة لله ولرسوله وللإسلام وللمسلمين، بل هي خيانة للإنسانية، والمشتركون فيها آثمون عند الله، مخطئون في حق فلسطين والعرب، ويجب محاكمتهم.
(المصدر: مجلة المجتمع)