صفقة القرن.. القصة الكاملة
بقلم آية وليد شمعة
رغم أن مصطلح “صفقة القرن” جديد، فإن مضامين خطة ترامب ليست جديدة كلها؛ فقد جرى الحديث عن جزء منها عام 2006 ضمن ما عرف بتفاهمات أولمرت-عباس، التي قيل حينها إنها مشاريع اتفاقات تنتظر نتائج الانتخابات “الإسرائيلية” التي جرت بغير ما تشتهيه سفينة أولمرت.
وفي عام 2010 كتب مستشار الأمن القومي “الإسرائيلي” السابق جيورا أيلاند مقترحاً بأحد حلَّين لتسوية القضية الفلسطينية: أولهما؛ فدرالية أردنية-فلسطينية؛ من خلال إعادة تأسيس الدولة الأردنية على شكل ثلاث ولايات: الضفة الشرقية، والضفة الغربية، وقطاع غزة.
والثاني؛ تبادل المناطق: وهو مبني على أساس أن تتنازل مصر عن 720 كيلومتراً مربعاً من أراضي سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المستقبلية، بإضافة مستطيل يمتد من رفح إلى حدود مدينة العريش طوله 24 كيلومتراً وعرضه ثلاثون كيلومتراً.
ومع أن مقترحات أيلاند لم تترجم إلى خطة رسمية معلنة؛ فقد كشفت صحيفة هآرتس “الإسرائيلية” في 19 فبراير 2017 عن لقاء سري عقد بالعقبة (الأردن) خلال إدارة أوباما، وتحديداً في 21 فبراير 2016، بحضور رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الأمريكي في حينه، جون كيري، والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني، ونوقشت خلاله أفكار “جديدة” للحل “النهائي، وطُرحت خطة إعطاء أراضٍ من سيناء للفلسطينيين.
معالم الصفقة:
يوضح مسؤول ملف المفاوضات في السلطة، صائب عريقات في تقرير له من 12 بنداً، الخطوط العريضة للخطة الأمريكية، أبرزها كما يلي:
- الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل سفارتها إليها.
- اختراع إدارة الرئيس ترامب عاصمة لدولة فلسطين في ضواحي القدس (خارج إطار 6 كيلومتر) عن حدود عام 1967.
- الإعلان خلال شهرين أو ثلاثة على أبعد حد، على موافقة إدارة الرئيس ترمب على ضم الكتل الاستيطانية “. وهي مسألة لا تزال قيد التباحث الأمريكي الصهيوني، فالرئيس الصهيوني نتنياهو يطرح ضم 15%، فيما يقترح ترامب 10%.
- الإعلان عن “مفهوم أمني مُشترك لإسرائيل، ودولة فلسطين، يشمل هذا المفهوم، أربع نقاط، وهي أن دولة فلسطين “منزوعة السلاح مع قوة شُرطية قوية”، وإيجاد تعاون أمني ثنائي وإقليمي ودولي وربما يشمل مشاركة الأردن ومصر وواشنطن، والباب سيكون مفتوحا أمام دول أخرى، مع “وجود قوات إسرائيلية على طول نهر الأردن والجبال الوسطى، وذلك لحماية الدولتين”، وأخيرا “يبقى الكيان الصهيوني على صلاحيات الأمن القصوى، بيدها لحالات الطوارئ.
- انسحاب القوات “الإسرائيلية”، وإعادة تموضعها تدريجياً، خارج المناطق (أ + ب)، في الضفة الغربية، مع إضافة أراضٍ جديدة من المنطقة (ج)، وذلك حسب أداء السلطة (دون تحديد جدول زمني) وتعلن دولة فلسطين بهذه الحدود.
وتمثل المناطق “أ” نحو 18% من مساحة الضفة، وتسيطر عليها السلطة الفلسطينية أمنيا وإداريا، فيما تمثل المناطق “ب “21%، وتخضع لإدارة مدنية فلسطينية وأمنية صهيونية؛بمعني أن تكون الدولة الفلسطينية، على مساحة قطاع غزة الموسع، و39% من مساحة الضفة الغربية.
- اعتراف دول العالم، بدولة عبرية كـ“وطن قومي للشعب اليهودي، وبدولة فلسطين وطنا قوميا للشعب الفلسطيني”.
- تضمن “إسرائيل”، حرية العبادة في الأماكن المُقدسة للجميع مع الإبقاء على الوضع القائم بها حاليا.
- على “إسرائيل” تخصيص أجزاء من مينائي أسدود وحيفا، ومطار اللد للاستخدام الفلسطيني، على أن تكون الصلاحيات الأمنية بيد الدولة العبرية.
- إيجاد ممر آمن بين الضفة وقطاع غزة تحت سيادة الاحتلال.
- أن تكون “المياه الإقليمية، والأجواء، والموجات الكهرومغناطيسية”، تحت سيطرة إسرائيلية، دون الإجحاف بحاجات دولة فلسطين.
- إيجاد “حل عادل” لقضية اللاجئين من خلال دولة فلسطين .
المبادئ العامة للصفقة:
إن أي خطة مستقبلية أياً كان مضمونها لن تتجاوز السقف “الإسرائيلي” وستأتي منسجمة تماماً مع الرؤية الصهيونية، وهي بالتأكيد رؤية اليمين الصهيوني الذي لا يؤمن إلا بأرض “إسرائيل التوراتية”، والتعامل مع الفلسطينيين مجرد قضية سكان على بعض الأراضي المتنازع عليها، ولكن بالمجمل فإن أي خطة ستنطلق من المبادئ التالية:
– نهاية ما يسمى “حل الدولتين” واستحالة العودة لخطوط عام 1967 كحدود لأي كيان فلسطيني مستقبلي.
– عدم شمول القدس بأي حل مع إعادة هندسة ديمغرافية لتحقيق أغلبية يهودية 88% في القدس المحتلة بشطريها الشرقي والغربي.
– توطين اللاجئين وتعويضهم في أماكن سكناهم، مع عودة أعداد محدودة إلى الكيان الفلسطيني في غزة.
– إقامة كيان فلسطيني أقل من دولة، مع نوع من العلاقة بين الأردن والضفة الغربية، وغزة مع مصر، بترتيبات أمنية.
– التعامل مع كيانين منفصلين في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع إمكانية توسيع قطاع غزة باتجاه شمال سيناء أو البحر أو كليهما في سياق تبادل أراضٍ إقليمي.
حلول جغرافية لتمرير الصفقة:
الصفقة المزمعة تتعاطى مع حقائق الأمر الواقع، وتحديداً في ما يتعلق بواقع الاستيطان في الضفة الغربية، والكتل السكانية الفلسطينية المقطعة الأوصال على امتداد مساحة الضفة الجغرافية، والانقسام السياسي والجغرافي بين الضفة وغزة، والهواجس الأمنية الصهيونية في الضفة، مع ما يتطلبه ذلك من السيطرة على غور الأردن وعلى المناطق الاستراتيجية في الضفة مع كيان فلسطيني منزوع السلاح، وذلك من خلال حلول جغرافية، يمكن إيجازها على النحو التالي:
– مشروع الجنرال جيورا ايلاند: القاضي بضم ثلاثة أضعاف مساحة قطاع غزة، من سيناء، وإقامة ميناء بحري ومطار دولي. مقابل منح مصر 600 كيلومتر من صحراء النقب جنوب “إسرائيل”.
– خطة أفيغدور ليبرمان وزير الجيش الإسرائيلي: وتشمل ضم الكتل الاستيطانية “لإسرائيل” في الضفة الغربية، مقابل ضم أراضٍ يسكنها عرب خاضعة للسيطرة “الإسرائيلية” (المثلث) إلى الدولة الفلسطينية المستقبلية.
– خطط نفتالي بينت (الوزير في حكومة نتنياهو وعضو المجلس الوزاري المصغر) التي طرحها عام 2016 وتحدث فيها عن ضم المنطقة المصنفة (C) في الضفة الغربية حسب اتفاق أوسلو والتي تبلغ حوالي 61% من مساحة الضفة الغربية إلى “إسرائيل”، وخلق شبكة تواصل في الضفة الغربية تشمل طرقاً وأنفاقاً وربما جسوراً.
– خطة إسرائيل كاتس (وزير المواصلات في حكومة نتنياهو) المتعلقة بقطاع غزة، وتشمل بناء جزيرة اصطناعية في بحر غزة على بعد 4.5 كم تتصل بالساحل بواسطة جسر خاضع للتفتيش، وتضم الجزيرة ميناء ومنشآت للطاقة وربما أيضاً مطاراً.
مواقف الأطراف:
السلطة الفلسطينية:
رغم أن السلطة تبدي رفضا معلنا للصفقة، إلا أنه تسود شكوك في حقيقة موقفها؛ فقد سبق أن رحب رئيس السلطة محمود عباس خلال لقائه مع الرئيس المريكي دونالد ترمب بدوره لتحقيق صفقة القرن. وأخذت السلطة موقف الرفض العلني بعد إعلان ترمب بشأن القدس ونقل السفارة الأمريكية إليها، فيما تحدثت العديد من وسائل الإعلام عن لقاءات سرية عقدت خاصة بين المخابرات الأمريكية وماجد فرج بحضور أطراف إقليمية. كما يذهب بعض المحللين إلى أن العقوبات الجماعية التي فرضتها السلطة ضد قطاع غزة، وتعطيلها مسيرة المصالحة؛ إنما هو للدفع بشكل مباشر أو غير مباشر نحو تنفيذ الصفقة على أرض الواقع.
حركة حماس:
بشكل قاطع وحاسم، أعلنت حركة حماس رفضها لصفقة القرن، وتعهدت بمقاومتها، وعدم السماح بتمريرها مهما كلف من ثمن، وتعهدت الحركة على لسان رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية بإفشال الصفقة.
كيان الاحتلال الإسرائيلي:
الاجراءات التي يمارسها الاحتلال “الإسرائيلي” في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تؤكد رغبته في إتمام صفقة القرن، من خلال تكريس سياسة الأمر الواقع، عبر استمرار الاستيطان، وتصديق الكنيست “الإسرائيلي” على العديد من القوانين العنصرية، منها بالقراءة الأولى على مشروع قانون “القدس الموحدة” الذي تكون القدس بموجبه هي “العاصمة الأبدية للشعب اليهودي”، وفق زعمهم.
الأطراف الإقليمية
معظم الدول العربية، تعلن رسميا رفضها المساس بحقوق الشعب الفلسطيني، ولكن وسائل الإعلام الدولية تكشف عن موافقة بعض هذه الدول على الرؤية الامريكية وأنها تستخدم نفوذها المالي لتمريرها، وأن الأمر يتعلق بكيفية إخراج هذه الموافقة إلى الرأي العام. وأثارت عمليات التهجير الواسعة التي جرت لعشرات الآلاف في سيناء مخاوف من أرضية لتمرير بعض جوانب الصفقة؛ في ظل تأكيد رسمي علني وفي اللقاءات مع الفصائل على رفض التنازل عن أي شبر من الأرض المصرية.
التحديات والآفاق:
تواجه صفقة القرن العدد من التحديات المتعلقة بتسوية قضايا الحل النهائي (اللاجئين، الحدود، السيادة والسلاح، القدس، الماء)، وتحديات أخرى متعلقة بمدى كفاءة إدارات الرؤساء المعنين بالصفقة، فجميعهم يعانون من اتهامات داخلية وتواجههم عدة قضايا، بالإضافة إلى كثرة الصراعات الإقليمية، وهو ما سبب تراجعاً في الاهتمام الدولي بالصراع العربي “الإسرائيلي”. كما أن تشابك الصفقة وتعقيداتها وحساسية الملفات التي تتناولها؛ تجعل هناك صعوبة في إمكانية تطبيقها، في ظل الاعتبارات التالية:
- الإشكاليات السياسية التي يعاني منها الكيان الصهيوني، بسبب غموض مصير رئيس الوزراء الصهيوني “نتنياهو” بعد عرضه للقضاء الصهيوني مؤخراً.
- الإشكاليات السياسية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، فإدارة الرئيس الأمريكي “ترمب”، تتخذ خطوات متسارعة في تجاه صفقة القرن، والتي ربما قد لا تكون بتنسيق دولي، مما سيؤدي إلى تعارض المخططات الدولية وتحديداً بين تركيا وأمريكا، وروسيا وأمريكا؛ وبالتالي تعطيل الصفقة.
- الموقف الفلسطيني، إذ إن جميع الفصائل تعلن رفضها للصفقة، وإصرارها على إفشالها، كما أن موقف السلطة ورغم الالتباس والشك الكبير في حقيقته؛ إلا أنه يتبنى على العلن على الأقل رفض الصفقة، والأهم من كل ذلك الوعي الشعبي والإرادة الشعبية التي تفجرت على شكل مسيرة العودة الكبرى، وأظهرت استعداد الشعب للتضحية والنضال رغم الظروف الصعبة والقاسية.
- الشرعية الدولية: يعلم ترمب تماماً أن قراراته واجراءاته وما يريده من صفقة القرن تتعارض مع القرارات والقوانين الدولية؛ وأنها انتهكت هذه القوانين والقرارات.
- خطورة الملفات التي تتناولها صفقة القرن؛ خاصة البعد الاقتصادي بها وقضايا (الغاز)، وهي مسائل أمن قومي بالنسبة للعديد من الدول، وأن حل هذه القضايا بالنسبة لها ليس بهذه السهولة عبر صفقة ما.
السيناريوهات المحتملة
وفق مدير مركز “مسارات” المحلل السياسي هاني المصري، “نحن أمام ثلاثة سيناريوهات لصفقة القرن:
- السيناريو الأول: ألا تطرح هذه الصفقة أصلاً؛ لأن الإدارة الأميركية تقول منذ نحو عام: إنها بصدد طرح صفقة القرن ولم تفعل.
- السيناريو الثاني: “أن تطرح على أمل استئناف المفاوضات للتخفيف من رفضها وتهيئ من قبولها لاحقاً، وذلك عبر استدراج القيادة الفلسطينية لاستئناف المفاوضات، عبر الموافقة على جزء ورفض جزء من الصفقة من القيادة الفلسطينية، وهذا ليس سهلاً”.
- السيناريو الثالث: فيتمثل في أن “تطرح الولايات المتحدة الأميركية الصفقة وتحمل الفلسطينيين مسؤولية ما سيحدث، لا سيما أن بعض الدول العربية أبدت موافقة على التعاطي مع الإدارة الأميركية من دون حل القضية الفلسطينية، في ظل الحديث عن حلف إقليمي ضد إيران”.
وختم قائلاً: “هناك معارضة غير كافية لإحباط صفقة القرن، لكن أيضاً كافية لعدم تمريرها بسهولة، وعلى سبيل المثال لو كانت هناك معارضة ميدانية كما جرى في قطاع غزة بالأسابيع الماضية، سوف يحدث تغيير ليس فقط على صعيد صفقة القرن، وإنما على مجمل القضية الفلسطينية، لأن ذلك سوف يمنح أملاً بتسوية أفضل وفيها الحد الأدنى مما يريده الفلسطينيون”.
مخاطر الصفقة على القضية الفلسطينية:
يهدف المشروعُ الجديد إلى تفكيك قضية فلسطين إلى جزئيات صغيرة، لا علاقة لها بالحق والقانون، لتصبح ملفاً من عشرات آلاف الملفات في العالم، ضمن ملفات الإحسان والعطف، والانتعاش الاقتصادي!
وتمرُّ عمليةُ تفكيك القضية الفلسطينية، وفق الصفقة بالمراحل الآتية:
– تحييد العرب عن قضية فلسطين، وتحويل القضية، من قضية عربية مقدسة، إلى مُسبِّب مزعومٍ في كل كوارث ومصائب العرب، ليُصبحَ الفلسطينيُّ مطارَداً، مكروهاً.
– أما مرحلة التفكيك الثانية، فهي لا تقلُّ خطورة عن الحلقات السابقة، لأنها تستهدف النسيج الفلسطيني الحزبي، فقد تخلَّت أحزابٌ كثيرة عن أبجديات التقاليد الحزبية الوطنية الرئيسة، وأبرزها التزامها بفلسطينيتها، وبجماهيرها، وبقضيتها، فتحول بعض التنظيمات إلى (شركات حزبية) مساهمة، ووكالات حزبية، تتبع في الحقيقة مالكي هذه الشركات من غير الفلسطينيين، فزُجَّ الفلسطينيون في الخلافات العربية، وأصبحوا أطرافا فيها، وأحلافا في الصراعات الدينية، الدينية. هذه العولمة الحزبية الفلسطينية، غير المدروسة، أدَّتْ إلى إضعاف الوحدة الفلسطينية، أدتْ إلى أخطر مرحلة في تاريخ فلسطين، الاقتتال والانقسام.
– أما حلقةُ التفكيك الثالثة، فهي ضرب نواة هذه القضية، وهي التحرير، والعودة، والقدس، واستبدال هذه الركائز النضالية بقضايا جزئية، أبرزها؛ الموظفون، والاستيطان، وتشكيل الوزارات، والكهرباء، والموازنات، المياه.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية / المركز الفلسطيني)