تقارير وإضاءات

“صائدو المسلمين”.. تعرَّف جرائم “فاغنر” في وسط إفريقيا وغربها

“صائدو المسلمين”.. تعرَّف جرائم “فاغنر” في وسط إفريقيا وغربها

مع خفوت صدى الوجود الفرنسي في وسط وغرب إفريقيا وما رافقه من جرائم وأحداث وصفت بالدموية، تعلو أصوات الجرائم التي ترتكبها مرتزقة فاغنر الروسية، المرتبطة بطريق غير مباشرة بالكرملين والرئيس بوتين شخصياً وفق تقارير صحفية عدة.

مازال النفوذ الروسي في وسط وغرب إفريقيا يزداد اتساعاً، مقابل تهاوي الفرنسيين، في كمَّاشة استعمارية، تقبع وسطها أحد أفقر الأماكن في العالم وأغناها من ناحية الموارد الطبيعييَّة. بعد أن نجحت في استمالة زعماء تلك البلدان، تستخدم موسكو في بسط سيطرتها كل وسائلها المتاحة، على رأسها المرتزقة الذين يعدون بمثابة “الصيد التجريبي” بالنسبة للكرملين، حيث يسمحون لهم بتنفيذ العمليات العسكرية دون المخاطرة السياسية. راسمة سيناريو فيلم رعب، يعيشه مدنيُّو المنطقة، ومسلموها على وجهٍ أخص، عنوانه البارز “مسلحو فاغنر”.
جرائم حرب “فاغنر” في إفريقيا
في تقرير لها، تكشف الأمم المتَّحدة تفاصيل جرائم الحرب التي ينفِّذها المرتزقة الروس في جمهوريَّة إفريقيا الوسطى، والتي سقطت تحت نفوذ موسكو منذ عام 2017، في صفقة سياسية أبعدت خلالها فرنسا عن المشهد السياسي بالبلاد، إلى أن أعلنت باريس الشهر الماضي تجميد دعمها الاقتصادي والعسكري لبانغي.
يكشف التقرير الذي أنجزه محققون دوليون، ونشرت عنه نيويورك تايمز الأمريكية، بأن المرتزقة الروس التابعين لشركة فاغنر نفذوا عمليات عسكريَّة “قتلوا فيها مدنيين ونهبوا منازل وضربوا بالرصاص المصلين في مسجد خلال عملية عسكرية كبيرة في وقت سابق من هذا العام”. مؤكداً أن ذلك كان خلال قيادة المرتزقة الروس لقوات النظام الحاكم بجمهورية إفريقيا الوسطى، في هجوم شن مطلع هذه السنة لطرد متمردين من عدَّة بلدات. رداً على محاولة تحالف من المتمردين لتخريب الانتخابات.
وهذا الوقت الذي وثَّق فيه المحققون الدوليون، عبر أدلة مصورة وشهادات موثقة من السكان المحليين والمسؤولين، الانتهاكات الروسية في حق مدنيي دولة تعد الأكثر فقراً في العالم. حيث شملت تلك الانتهاكات “استخدام القوة المفرطة والقتل بدون تمييز واحتلال المدارس والنهب على قاعدة واسعة، بما في ذلك المنظمات الإنسانية”.
من بين ما وثَّقه التقرير، هجوم القوات الحكومية التي قادها الروس في فبراير/شباط على مسجد التقوى في منطقة بامباري، حيث قتل خلاله 6 مدنيين على الأقل، برصاص الروس الذين داهموا المسجد وفتحوا النار على المصلين. ووثق التقرير كذلك، مقتل خمسة مدنيين آخرين على يد قوات فاغنر، بمن فيهم اثنان من أصحاب الاحتياجات الخاصة.
فيما تدَّعي موسكو كون وجودها بالبلد الإفريقي يقتصر فقط عل مستشارين غير مسلحين للحكومة، اتضحت حقيقتهم كمرتزقة قادوا عمليات عسكرية كبيرة لانتزاع السيطرة على تجارة الألماس من يد المتمردين.
فاغنر.. شبح بوتين
يقف التقرير ذاته على أن “المرتزقة الروس لهم حضور بارز في مراكز التعدين الرئيسية”، كما ينشر عن رسالة من مجموعة العمل بشأن استخدام المرتزقة إلى مدير شركة “لوباي إنفست” جاء فيها: “شوهد المتعهدون الأمنيون في أكثر من مرة يشاركون في أعمال عدائية بل وتعرضوا لأضرار جسدية، جرحوا أو قتلوا”.
فيما تعد بداية التدخل الروسي في إفريقيا الوسطى سنة 2017، عندما طالب رئيس الجمهورية الفقيرة الأمم المتحدة آنذاك بتخفيف حظر السلاح عن بلاده من أجل شراء أسلحة تدافع بها القوات الحكومية عن نفسها. حينها اقترحت موسكو التبرع لبانغي بأسلحة خفيفة، مقترح لقي ترحيباً دولياً، لكن سرعان ما تحوَّل إلى وجود أمني مكثَّف، قوامه الأساسي مجموعة فاغنر التي يديرها رجل الأعمال يفغيني بريغوجين المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصياً، والملقب إعلامياً بـ”طباخ الكرملين”.
في تقرير لها الأسبوع الماضي، عنونته بـ”فاغنر.. الجيش الشبح لحرب بوتين”، كشفت صحيفة لوفيغارو الفرنسيَّة عن خارطة انتشار قوات فاغنر بالقارة الإفريقية، وكونها ظل النفوذ الروسي بالمنطقة. هذه القوات التي برزت إلى السطح مع اندلاع الاقتتال في أوكرانيا سنة 2014، شاركت في أعمال عسكرية بسوريا مع أن لا شرعية قانونية لوجودها هناك. في إفريقيا، تشارك في العمليات في ليبيا بجانب قوات حفتر، ودرَّبت متمرِّدي حركة “فاكت” التشادية، فضلاً عن وجودها بكلّ من جنوب السودان وموزامبيق وإفريقيا الوسطى.
ووفقاً لما أورده تقرير الصحيفة الفرنسيَّة، فإن فاغنر هو “السر الروسي المتحفظ عليه بشكل أقل”. رغم أن بوتين نفى مراراً وجود أي علاقات رسمية أو عسكرية مع المرتزقة، قائلاً في مقابلة سابقة له: “هم لا يمثلون مصالح الدولة الروسية ولا يتلقون أموالاً من الدولة الروسية”. كذلك يوضح التقرير دورها في أمرين: “تزويد الكرملين بإمكانية الإنكار أثناء انتشار المقاتلين في مناطق الحرب والعمل كأداة جاهزة لتعزيز نفوذه مع الدول المستقبِلة”.
فيما أطماع الروس ليست مقتصرة على إفريقيا الوسطى، بل هي تلاحق كل الدول المجاورة، مستغلة انهيار النفوذ الفرنسي في المنطقة، هكذا نجدها ترمي صنارتها ناحية مالي بعد الانقلاب المزدوج الذي عصف بحكومتها، وبعد إعلان فرنسا إنهاء عملية “بارخان” التي كانت تقودها في الساحل من أجل محاربة الجماعات الجهادية المسلحة. هذا ما يقره تقرير لوفيغارو كذلك، إذ يورد بأن قوات من فاغنر نفذت مؤخراً عمليات استكشافية داخل التراب المالي.

(المصدر: تي آر تي TRT)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى