مقالاتمقالات مختارة

شيوخ ابن زايد وأسلمة الفرعونية

شيوخ ابن زايد وأسلمة الفرعونية

بقلم أ. د. أحمد الريسوني

بعد إقدام الكيان الإماراتي على الاندماج العلني في المشروع الصهيوني الليكودي، انطلقت كل الأجواق والأبواق التابعة للإمارات في حملة التأييد والتمجيد والتحميد، سعيا إلى تبييض هذا العمل وقلب حقيقته ومقاصده..

ولم يكن مفاجئا أن ينضم صنف الشيوخ إلى جوقة المداحين والمؤيدين؛ فهم إنما تم استيرادهم وتجنيسهم وترئيسهم لهذا الغرض.

لكن المفاجئ الذي لا ينبغي السكوت عنه عند هؤلاء الشيوخ هو ترديدهم وترويجهم لعبارات وصياغات تبريرية للفعل الشنيع، ومحاولةُ الإيهام بأنها من الشرع ومن مسلَّماته.

من ذلك قول الشيخ عبد الله بن بيّه حفظه الله وأصلح باله: “إن هذه المبادرة هي من الصلاحيات الحصرية والسيادية لولي الأمر شرعا ونظاما”. وقولُـه: “ولي الأمر هو وحده المقدِّر للمصلحة والمحقق للمناط، فيما يتعلق بالحرب والسلام والعلاقات بين الأمم”.

وقولُ الشيخ فاروق حمادة، الموظف بديوان ولي عهد أبو ظبي: “العلاقات الخارجية بين الدول في الحرب والسلم والمصالح وغيرها من اختصاص ولي الأمر وحده، وإلا يتمزق البلد”..

وقال آخرون مثل قول الشيخين البارزين..

والمثير للاستغراب والتعجب، هو أن أيّـًا من هؤلاء الشيوخ لم يجرؤ على ذكر أي تقييد أو محاولة ترشيد لهذا التفويض المطلق الذي منحوه لولي أمرهم، فلم يقل أحد منهم مثلا: في حدود الشرع، أو في حدود الثوابت والقطعيات، أو بمشورة أهل العلم والرأي، أو وفق المبادئ والقواعد الشرعية المعتمدة…

ولو لم يكن ولي أمرهم هذا متفرعنا وطاغيا، لقلنا: إنهم يصنعون منه فرعون، ويدفعونه للطغيان دفعا.

وهنا لا بد من رفع التحدي، لوقف الافتراء على الشرع المطهر ووقف الكذب والتلبيس على أمة محمد صلى الله عليه وسلم..

أتحدى كافة القائلين بهذه المقالة الخبيثة أن يأتونا بأثارة من علم تدل على وجودها في شرع الله..

وأما الذي يدل على بطلانها، وعلى ضدها، فنصوص لا تحصى من الكتاب والسنة. وأذكر بعضها:

أولا: أنّ هذه المقولة إنما حكاها القرآن الكريم عن فرعون، فهي مذهب فرعون وشرعُه. ففرعون، كل فرعون، هو الذي يقول للناس، لا رأي لكم إلا ما أراه لكم، ولا مصلحة ولا رشد لكم إلا ما أقرره لكم.. وهو الذي قرر وذكر لقومه أنه أفضل وأرشدُ من نبي الله موسى عليه السلام، فلما سلَّموا له بذلك وأذعنوا، حكم الله بفسقهم وسقوط قيمتهم، وبأنهم لا يستحقون حتى الحياة..

قال تعالى {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَاد} [غافر: 29]،
وقال أيضا: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ} [الزخرف: 55، 56].

وأما شرعنا وكتاب ربنا، فقد أمرا بالشورى في الأمور العامة. وأول الذين أُمروا بذلك وامتثلوه: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابتُه الكرام رضوان الله عليهم، ثم المسلمون وولاة المسلمين من بعدهم.

قال تعالى:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38]، وقال عز وجل خطابا لنبيه عليه الصلاة والسلام: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159].

وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما رأيتُ أحدا قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان صلى الله عليه وسلم أكثر ما يستشير أصحابه: في شؤون السلم والحرب والمعاهدات. وما أكثر ما ترك رأيه وأخذ برأي أصحابه المخالف لرأيه، إلا ما جاءه فيه وحي خاص.

وهذا جانب سأعود – إن شاء الله تعالى – لتجليته بمزيد من البيِّـنات والبيانات..
وأشير في ختام هذا المقال إلى مغالطة أخرى يموه بها هؤلاء المشايخُ على الناس، وهي الإيحاء بأن ما أقدمت عليه الإمارات هو معاهدة صلح وسلام بينها وبين “إسرائيل”. وأسألهم: متى كانت الإمارات في حالة حرب مع إسرائيل؟ وأين تحاربوا؟ ومتى كان ذلك؟

وإذا ظهر أن الكيانين المندمجين مؤخرا، لم تكن بينهما حرب ولا تهديد بحرب في أي يوم من الأيام، وأنهما في وئام وتعاون وسلام منذ سنين عديدة، ثم ظهر ذلك منذ اغتيال القائد الفلسطيني المجاهد الشهيد محمود المبحوح، بمدينة دبي، في يناير 2010م، فلماذا هذا الضجيج عن الصلح والسلام، وعن اختصاص وليهم بشؤون الحرب والسلم؟

نعم الإمارات الآن منخرطة في عدة حروب وصراعات، هي في أمس الحاجة إلى الخروج منها وإراحة الشعوب من شرورها وويلاتها..فهي تخوض حربا في اليمن،
وهي تخوض حربا في ليبيا،
وهي تخوض صراعا مريرا ضد قطر،
وهي تخوض حروب استئصال ضد جماعة الإخوان المسلمين، وغيرهم من الدعاة والحركات الإسلامية وحركات المقاومة الفلسطينية،
وهي في حالة عداء متزايد ومحاربة متصاعدة لتركيا.

فإذا كانوا يريدون فعلا – لا كذبا – نشر السلام والوئام، فليفعلوا هذا على هذه الجبهات، وفي هذه الحروب التي أوقدوا نيرانها وباؤوا بأوزارها..

وبالمناسبة أود أن أسأل عن ذلك المنتدى الشهير (منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة!) الذي يرأسه الشيخ ابن بيه: ماذا نشر، وماذا عزز، من سِلْم بين المجتمعات المسلمة؟ بل حتى بين فردين اثنين من المسلمين؟

(المصدر: هوية بريس)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى