مقالات

شيخ الدعوة “عبد الله الفنتوخ” في ذمة الله

بقلم محمد لافي

إذا كان فقد العالم بموته ثلمة في الإسلام لا يسدها إلا خلف له كما جاء في بعض الآثار , فإن موت من اتصف مع العلم بالدعوة إلى الله تعالى مصيبة وخسارة بلا شك , والعزاء في أمثالها من المصائب الرضا بقضاء الله تعالى وقدره , والصبر على تلك النازلة , رجاء أن يخلف الله على المسلمين العوض والخير فيما أصابهم .

هذا ما يمكن أن يقال في مصاب المسلمين عموما – وأهل المملكة السعودية على وجه الخصوص – بوفاة الشيخ الداعية عبد الله بن ابراهيم الفنتوخ , مدير إدارة الدعوة بدار الإفتاء سابقا ، وعميد كلية الشريعة بالرياض سابقا ، والذي توفي مساء أمس الثلاثاء , وسيُصلى عليه عصر اليوم بجامع الملك خالد بأم الحمام في الرياض بإذن الله .

كثيرة هي الصفات والسمات التي تميز بها الشيخ في حياته , لعل أهمها وأبرزها الدعوة إلى الله تعالى عن علم وبصيرة وهدي من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , والتي لا يمكن حصر آثارها الإيجابية على المجتمع السعودي والخليجي عموما , الأمر الذي يجعل من رحيله مصابا جللا , لا يمكن أن يقارن برحيل أي مسلم لم تكن له تلك السمات والآثار .

ومن هنا يحسن الحديث بعد وفاة أمثاله من العلماء والدعاة عن أهم نقاط حياتهم , و أبرز المحطات المضيئة في سيرتهم الذاتية , عسى أن تكون محفزة لمن بعدهم من طلاب العلم ورجال الدعوة إلى الله , للتشمير عن ساعد الجد في طلب العلم كما فعلوا , والاقتداء بصبرهم على تكاليف الدعوة ومشاقها .

مولد الشيخ ونشأته

ولد الشيخ عبد الله بن ابراهيم الفنتوخ في قرية “القصب” التابعة لمحافظة الشقراء التي تبعد 190 كم شمال غرب العاصمة الرياض عام 1349 هجري , و رزقه الله تعالى والدين كريمين موجهين , فأرسلاه منذ نعومة أظفاره إلى كتاتيب تلك القرية – التي لم تعد قرية كما كانت الآن – , فحفظ القرآن الكريم وهو لم يتجاوز 16 من عمره , وقرأ القرآن الكريم على الشيخ عبد العزيز بن محارب في تلك الفترة .

طلبه للعلم

طلب الشيخ الراحل العلم في السابعة عشر من عمره , حيث سافر إلى الرياض ليتتلمذ على يد مفتي البلاد حينها الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ وأخيه عبد اللطيف بن ابراهيم , وقد حصّل الشيخ الراحل علما غزيرا في تلك السنة المباركة , فقرأ على يد مفتي البلاد كتاب التوحيد والعقيدة الواسطية والقواعد الأربعة للإمام محمد بن عبد الوهاب , ومن زملائه في طلب العلم في تلك الفترة الشيخ عبد الرحمن البراك .

تابع الشيخ طلبه للعلم في المدينة المنورة هذه المرة , حيث قرأ على خاله الشيخ عبد الله بن عبد الوهاب زاحم كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب , كما تتلمذ على يد الشيخ القاضي محمد الخيال وغيره من العلماء الثقات .

كما التحق بالمعهد العلمي بالرياض بعد افتتاحه , وكان من أبرز العلماء الذين تولوا التدريس في المعهد حينها : الشيخ محمد الأميري الشنقيطي , والشيخ عبد الرزاق عفيفي , وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز….ليتخرج الشيخ الراحل من ذلك المعهد عام 1379 هجرية .

الوظائف التي أُسندت للشيخ الراحل

تولى الشيخ في مسيرته العلمية والدعوية الكثير من المناصب الدينية الرفيعة , و التي إن دلت على شيء فإنما تدل على ثقة العلماء به وبعلمه ودينه وخلقه , ومن أبرز المهام التي أوكلت إليه :

1-        الصلاة في المسجد النبوي إماما , وإسناد مهمة العمل بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أثناء وجوده بالمدينة المنورة .

2-        التدريس في المعهد العلمي بالرياض قبل أن يتخرج , حيث أسندت إليه مهمة التدريس وهو ما يزال في السنة الثالثة في ذلك المعهد .

3-        أسندت للشيخ مهمة التفتيش بعد تخرجه من المعهد العلمي مباشرة عام 1379 هجري .

4-        كما أسند إليه القضاء بعد تخرجه أيضا , إلا أنه لم يكن يحرص عليه ولم يرغب في الاستمرار في هذا العمل , فدعا الله تعالى أن لا يكلفه القضاء , وألح على الشيخ محمد بن ابراهيم أن يعفيه من ذلك العمل , فتم له ما أراد رغم أن الشيخ محمد كان حريصا على بقائه بالقضاء , لأنه كان يرى أن الزاهد في هذا العمل من أمثاله هو الجدير بأن يبقى فيه لذمته وصلاحه .

5-        أسند للشيخ الراحل أيضا مهمة نيابة رئيس مدارس محاكم الشرقية , حيث كان ينوب عن رئيس تلك المدارس : ابراهيم بن الحقيل .

6-        أسندت إليه أيضا مهمة إدارة معهد الإحساء الديني , وبقي مديرا للمعهد 10 سنوات حتى عام 1390 هجري .

7-        أسندت إليه عمادة كلية الشريعة واللغة العربية معا لمدة ستة أشهر , ثم عمادة كلية الشريعة فقط بعد أن أسند للشيخ عبد الله التركي عمادة كلية اللغة العربية .

8-        وأخيرا أسندت للشيخ مهمة العمل بحقل الدعوة إلى الله تعالى مع رئيس دائرة الافتاء الشيخ محمد بن ابراهيم في بداية الأمر , ثم مع الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله , حيث تولى الشيخ “الفنتوخ” إدارة الدعوة في الداخل والجزيرة العربية , وبقي في هذا المنصب ما يقارب الـــ20 عاما .

الدعوة في حياة الشيخ الراحل

لا شك أن المدة التي قضاها الشيخ الراحل في العمل بالدعوة إلى الله تعالى طويلة , ولا يمكن بحال من الأحوال أن تسند مهمة خطيرة وحساسة كهذه في المملكة طوال تلك المدة إلا لرجل يتمتع بالعلم والحكمة والاتباع لهدي كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .

لقد آثر الشيخ الراحل مجال العلم والدعوة على القضاء , لعلمه بعظيم مسؤولية منصب القضاء , ويقينه بفضل الدعوة عند الله تعالى , وكيف لا والله تعالى يقول في محكم كتابه الكريم : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } فصلت/33 , والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : (فَوَاللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ ) صحيح البخاري برقم/2942

ولعل من أهم البصمات التي تركها الشيخ الراحل , والآثار الإيجابية في مسيرته الدعوية الطويلة , والتي ما يزال حصادها وثمارها مستمرا حتى كتابة هذه السطور: فكرة إنشاء مكاتب الدعوة بالمملكة العربية السعودية , فجزاه الله عن المملكة والمسلمين عموما كل خير .

كان منهجه في دعوة الناس إلى الله تعالى التفاؤل لا اليأس والتشاؤم , مؤكدا أن هذا الدين محفوظ بحفظ الله تعالى له , ومنبها المتشائمين من بعض المعاصرين إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِىَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ ) صحيح مسلم برقم/5059

كما كان ينبه الدعاة إلى وجوب التفاؤل , والاعتقاد بأن هذا الدين لا يمكن أن يضيع أو يزول , وأنه لا بد لمن يريد ان يسلك طريق الدعوة إلى الله أن يلتزم طرقها المشروعة المبينة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

نعي علماء ودعاة المملكة الشيخ الراحل

نعى كثير من علماء ودعاة المملكة العربية السعودية الشيخ الراحل “الفنتوخ” , وهو ما يشير إلى مكانته بين العلماء والدعاة , ومنزلته وموقعه المهم في المجتمع السعودي الذي فقد بموته داعية فريدا من نوعه .

ومن أبرز من نعاه من العلماء الثقات :

فضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن سليمان العمر رئيس الهيئة العالمية لتدبر القرآن، عضو الهيئة العليا لرابطة علماء المسلمين , و المشرف العام على مؤسسة ديوان المسلم الذي نعى الشيخ بتغريدة على موقعه الرسمي على “تويتر” بقوله : رحمك الله أيها المبارك وغفر لك , وجبر مصاب أهليك ومحبيك , فكم اهتدى على يديك من ضال , وكم نبهت كلماتك من غافل” , كما قال في تغريدة أخرى : “رحم الله شيخنا عبدالله الفنتوخ، عميد كلية الشريعة ومدير الدعوة بالداخل سابقا، وجبر مصاب أهله ومحبيه”

من جهته دعا الشيخ الدكتور عائض القرني للراحل بقوله : اللهم اغفر للعلّامة والداعية الكبير #الشيخ_عبدالله_الفنتوخ، وأسكنه الفردوس الأعلى، وأحسن عزاء أهله وذويه.

أما الدكتور عبدالعزيز آل عبداللطيف فقد نعاه بتغريدة قال فيها : رحمه الله كان سببا رئيسا في إنشاء وإحياء مندوبيات الدعوة في المدن والقرى والأحياء قبل أكثر من ثلاثة عقود , مضيفا : زرته وخالطته مراراً، فكان باذلا للدعوة إلى الله، صاحب خلق رفيع ، وابتسامة حاضرة ، ورأي حصيف .

كما نعاه الكثير من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي مما لا يمكن إحصاؤه , فرحم الله شيخ الدعوة الراحل , وأحسن عزاء أهله وذويه ومحبيه , ورزق الأمة خلفا لأمثاله من العلماء والدعاة الذين تفقد الأمة الكثير بموتهم.

المصدر: موقع المسلم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى