مقالاتمقالات مختارة

شهادة محمد حسان للعسكر

شهادة محمد حسان للعسكر

بقلم ممدوح إسماعيل

لم يكن تواجد الداعية المصرى محمد حسان يوم الأحد (8 آب/ أغسطس) مجرد شهادة مواطن أمام محكمة استدعته، إنما كان تواجدا سياسيا خطط له العسكر في ساحة المفروض أنها للقانون وتحقيق العدالة، وليس للكيد السياسي باستغلال الدين. وأتوقف في نقاط لتوضيح ذلك:

أولا: كان استدعاء الشيخان محمد حسان وحسين يعقوب كشاهدي نفي مثيرا للتعجب، بسبب مواقفهما السابقة التي لا تصلح قانونا لأن يكونا شاهدي نفي، بل شاهدي إثبات.

وتم الاستدعاء في شهر نيسان/ أبريل 2021، فحضر محمد حسين يعقوب وحدث ما حدث في شهادته من استفادة إعلام العسكر من شهادته بكل ما فيها كمادة للهجوم على الدعوة الإسلامية والدعاة والسلفيين والإخوان، خاصة أنها كانت وقت صدور أحكام الإعدام في قضية رابعة وتأجلت لحضور محمد حسان الذي جاء بعد أن هدأت تماما حملة إعلام العسكر بعد ما يزيد على الـ50 يوما.

ثانيا: حضر محمد حسان، وبمتابعة كل ما دار في جلسة المحكمة يجد المتابع بوضوح اختلاف أسلوب القاضي تماما عن أسلوبه السابق مع حسين يعقوب وتناغمه مع محمد حسان في الأسئلة، ما يؤكد الاتفاق المسبق على حوار الجلسة الذي تؤكده علاقة محمد حسان الشخصية بالسيسي.

ثالثا: الأصل أن الأسئلة القانونية من المحكمة للشاهد لا بد أن تتعلق بوقائع الدعوى المادية وليس بالأفكار، خاصة أن الدستور المصرى نص في المادة (47): “حرية الرأي مكفولة”، والأسئلة في الفكر لا بد أن تتعلق بالواقعة المادية في الدعوى.

وهنا وظيفة الدفاع الذي في الأصل أن يأتي بالشاهد كي يبرر ملابسات الفكر ليجعله دفاعا شرعيا للمتهم وسببا للتخفيف عن المتهم، لكن المحكمة خرجت عن كل ذلك إلى ذاكرة الأندلس ومحاكم التفتيش في كل كبيرة وصغيرة عن الحالة الدينية العامة في مصر ومشاكلها مع السلطة. وكانت إجابات محمد حسان كلها تتناغم مع الدولة وحتمية الإذعان لها بتبريرات دينية تتوافق تماما مع الدولة، بدون أي إشارة إلى تعسف واستبداد السلطة، مثل الفكر الجامي السعودى الذي يعطي الولاء المطلق للحاكم مهما فعل من موبقات ولا يعترض عليه.

وهنا نقطة أن هذه الإجابات ليست مستغربة ولا نتيجة خوف، فهذه قناعات محمد حسان. فتاريخه دائما متوافق مع السلطة من أيام حكم مبارك، وله مقابلة شهيرة مع قناة العربية في بداية ثورة 25 يناير يطالب الشباب بعدم التظاهر، وبعدها كان يدعو للمجلس العسكرى على جبل عرفات. وهذه قناعاته وله الحرية في ذلك.

رابعا: عندما سئل محمد حسان عن الإخوان لم يفكر بل أجاب بطريقة تؤكد أن السؤال معروف، فقال: إن الإخوان سعوا للحكم وحصلوا على رياسة الدولة والوزراء (وهو خطأ واضح) والبرلمان والشورى.. فشلوا لأنهم أداروا الدولة بفقه الجماعة وليس بفقه الدولة.

هذا حقه في الرأي وفيه جزء من الحقيقة، ولكن الحقيقة تصرخ هنا. فقد حكم العسكر مصر ثماني سنوات بفقه العسكر وتعسكرت كل مؤسسات الدولة، حتى الدين والرأي والفكر والسياسة تعسكروا ولم يعترض محمد حسان. وقام العسكر بالسيطرة على كل شيء في الدولة، من وزارات إلى برلمان وشورى بانتخابات تمثيلية مزورة، ومحافظين من العسكر، ووقعت الدولة المصرية في عهدهم في مصائب لم تحدث في تاريخ مصر؛ من بيع سيادتها وأرضها في تيران وصنافير، والتفريط في ماء النيل في اتفاقية المبادئ. الغريب أن محمد حسان قام بالدعوة للوقوف مع من فرّطوا في ماء النيل!!

ثم قال إن الإخوان أعلنوا “الشرعية أو الدماء”، ولم يذكر كلمة عن الانقلاب العسكري، إنما قال: “إن الإخوان قاموا بعداء للدولة والجيش والشرطة والإعلام والقضاء”. وهنا التاريخ يصرخ ويقول للشيخ محمد حسان: قف، هذه ليست تبريرات دينية تجمع لها دليلا. والإخوان في كتاب التاريخ لم يحدث منهم ذلك، بل قالوا: سلميتنا أقوى من الرصاص، وتعرضت مقارهم للحرق فسكتوا واعتصموا مع الشعب سلميا، فتم قتلهم ومن تعاطف معهم من الإسلاميين والشعب في الحرس الجمهورى والمنصة ورابعة والنهضة وسيدي جابر ومناطق لا تحصى. وقد سالت دماء الآلاف من المصريين علانية على يد العسكر الذين رفعوا صوت الرصاص والدبابة على الشرعية.

وقد كان الجميع ينتقد يد الرئيس محمد مرسى الضعيفة الحانية مع القضاء الذي كان يعلن تمرده، والإعلام الذي عفا عن تطاوله ولم يسجن واحدا من الإعلاميين، والشرطة كانت لا تعمل. ثم أليس هذا القضاء الذي تمدحه اليوم كنت تنتقده في خطبك لتطبيقه للقانون الوضعي هو والإعلام الذي ينشر الفساد؟ وجاء في كتاب دروس للشيخ محمد حسان: “وتحكيم القوانين البشرية من صنع المهازيل من خلق الله”. وقال محمد حسان في المصري اليوم بتاريخ 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011: “إن الإعلام رأس الفتنة”.

وكان عجيبا قول محمد حسان إنه طلب أن يتنازل مرسي كما تنازل الحسن لمعاوية حقنا للدماء!! وأتعجب من جرأته على التشبيه، وكيف يصل به الحال أن يشبه السيسي العسكرى الانقلابي المتهم بقتل آلاف المصريين وبجريمة الخيانة العظمى طبقا للقانون العسكري الباب السادس (م138أ) بالصحابي الجليل معاوية رضي الله عنه؟ فالحدث مختلف والإسقاط في غير محله تماما وشكله بشع، والتفصيل يطول. إنما الغرض من التشبيه هو إيجاد دليل يسقط به في العقل الجمعي لتزيين صورة السيسي وانقلاب العسكر الدموي. ولا يفوتني أيضا أن د. مرسي رحمه الله ليس الحسن بن علي رضي الله عنه (ولايفوتنى التذكير بأنني لست من الإخوان وبعض الإخوان يتطاولون عليّ لنقدي لهم، إنما الحق يعلو على الجميع).

خامسا: توافق محمد حسان مع المحكمة قائلا إن الفكر القطبي هو المنشئ للجماعات الإرهابية، بدون تروٍ وتدقيق علمي. وأتعجب من هذا التغيير الحاد عندما أراجع كلام محمد حسان عام 2004 وهو مسجل بصوته، حيث قال: “فنسأل الله عز وجل أن يجعل الشيخ سيد قطب رحمه الله عنده من الشهداء، فهو الرجل الذي قدّم دمه وفكره وعقله لدين الله عز وجل. نسأل الله أن يتجاوز عنه بمنّه وكرمه، وأن يغفر لنا وله، وأن يتقبل منا ومنه صالح الأعمال، وأنا أُشهد الله أني أحب هذا الرجل في الله”. فما الذي حدث كي يكون فكر سيد قطب رحمه الله الآن سببا للجماعات الإرهابية؟

سادسا: كان لافتا أن المحامي يسأل عن قيام محمد حسان بمراجعات للمعتقلين، وهو شيء عجيب قانونا لأن الأصل أن الدفاع أتى بمحمد حسان كشاهد نفي كي يقدم تبريرات دينية تساعد الدفاع في مرافعته لا أن يسأله عن مراجعات، ما يؤكد اتهام المتهم قبل الحكم عليه. وهذا يأخذنا إلى أن كل ما دار في الجلسة متفق عليه كشهادة للعسكر.

ويبقى أن القضية ليست إخوانا وعسكرا، إنما ظلم واستبداد طفح في كل أنحاء مصر وحرق الأخضر واليابس، وصرخ بالأنين منه قطاع كببر من الشعب.

وأخيرا، مهمة عالم الدين أن يقول للظالم توقف، إن الله حرّم الظلم والله لا يحب الظالمين، أما أن يسكت ويتوافق مع الظلم وينبش بأظافره في أجساد المظلومين ويقول لهم صراخكم لا يوافق الشرع لأنه ضد الصبر؛ فهو يساعد الظالم على ظلمه، وفتنة للمظلوم وتضييع لمكانة الدعوة والعلماء.

المصدر: عربي21

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى