سياسات عمر بن عبد العزيز المالية في تحقيق أهدافه الاقتصادية.. الزكاة نموذجاً
بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)
إنّ السياسة المالية بإيراداتها ونفقاتها تعتبر أداة هامة لتحقيق الأهداف الاقتصادية، لذلك بدأ عمر بن عبد العزيز في فترة خلافته سياسته المالية بزيادة الإنفاق على عامة الشعب، فأنفق في رد المظالم حتى أنفذ بيت مال العراق، وجلب إليه من الشام [سيرة عمر، لابن عبد الحكم، ص 129]، وأنفق على المشاريع الزراعية، ومشاريع البنى الأساسية، كما أنفق على الرعاية الاجتماعية لجميع طبقات الشعب، وفي جانب الإيرادات سعى إلى إلغاء الضرائب الظالمة، فرفع الجزية عمن أسلم، وألغى الضرائب الإضافية التي كانت تؤخذ من المزارعين، وألغى المكوس والقيود، كما حافظ على حقوق بيت المال المسلوبة، فأعاد إليه القطائع، والمظالم، وأوقف امتيازات الأمراء والموظفين، وبالغ في الاقتصاد في الإنفاق الإداري والحربي [السياسة الاقتصادية والمالية لعمر، ص 58]، كل ذلك أدى إلى إطلاق الطاقات، فنمت الزراعة والتجارة، وجنى ذلك بزيادة ونمو الإيرادات، فزادت إيرادات الزكاة والخراج والعشور، وفاضت ميزانية الدولة، فوجّه عمر الفائض لزيادة الإنفاق العام لتحقيق الأهداف الاقتصادية.
ونلاحظ في التاريخ كلما استقام أمر الدولة وسارت على نهج الشريعة الإسلامية الغرّاء فاض ميزانها المالي، ولم يشعر أفرادها بعسف ولا إرهاق، ولم تهمل مصلحة من مصالحها، وكلما اعوج أمر الدولة، وحادت عن سبيل الشريعة، اختل التوازن المالي، فميزانية الدولة مراة عدلها وجورها، ونظامها وفوضاها [السياسة الاقتصادية والمالية لعمر، ص 58].
هذا وقد تكونت إيرادات بيت المال زمن عمر بن عبد العزيز من: الزكاة والجزية والخراج والعشور والخمس والفيء.
وقد اهتم عمر بالزكاة وحرص عليها لأنها حق فرضه الله للفقراء والمساكين والمنقطعين، والمستعبدين، ولا يجوز التهاون فيه، واهتمّ بتوزيعها على مستحقيها، فأمر ولاته بالبحث عنهم وإعطائهم حقهم، وفي حالة عدم وجود فقراء أو مساكين أو محتاجين أمر عمر بشراء رقاب المستعبدين وإعتاقهم من مال الزكاة. وعزم عمر على اتباع هدي النبي (ص) في الزكاة، وكان الولاة قبله قد تهاونوا فيها، فأخذوها من غير حقها، وصرفوها في غير مصارفها[سيرة و مناقب عمر، لابن الجوزي، ص 129].
ومن مظاهر اتباعه للسنة فيها طلبه لكتاب رسول الله (ص) في الصدقات، ولكتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأمره بأن تنسخ هذه الكتب فنسخت له، وكانت تشتمل على صدقة الإبل والبقر والغنم، والذهب، والورق، والتمر، والحب، والزبيب، وبيّنت الأنصبة لكل هذه الأصناف [السياسة المالية والاقتصادية لعمر بن عبد العزيز، ص 61].
واتبع عمر السنة في مصارف الزكاة، فاستشهد بقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التّوبـَـة: 60]، ثم أمر أن توضع الصدقات كما أمر الله تعالى في كتابه [سيرة عمر، لابن عبد الحكم، ص94]، كما اتّبع عمر السنة في جباية الزكاة؛ فعين عمالاً ثقاة مؤتمنين وأمرهم بجبايتها دون ظلم أو تعدٍّ وأمرهم بكتابة براءة إلى الحول لدافعها. وأمر عمر بأخذ الزكاة من جميع الأموال التي تجب فيها، فأخذت من عطاء العمال ومن المظالم إذا رُدّت لأصحابها، ومن الأعطية إذا أخرجت لأهلها.
وأكد عمر على أحقية كل قوم بزكاتهم إذا لم يستغنوا، وعندما أحضر العمال الزكاة إلى عمر أمرهم بردّها وتوزيعها في البلاد التي جمعت منها.
وكان لهذه الإصلاحات الاقتصادية في جباية الزكاة أثر على زيادتها، ولقد ساهمت سياسته الاقتصادية إلى زيادة تحصيل الزكاة، فتوفيره لأجواء الأمن والطمأنينة، واهتمامه بإقامة المشاريع الأساسية للزراعة والتجارة واتّباعه لسياسة الحرية الاقتصادية المقيّدة، وإلغاؤه للضرائب الظالمة، أدّت جميعاً إلى ازدهار التجارة والزراعة وإلى زيادة حصيلة الزكاة [ملامح الانقلاب، ص 135].
ولقد كان عمر من الموسعين لإيتاء الزكاة، برز هذا من خلال فقهه في زكاة الثروة الزراعية، وزكاة الإبل العامة، وزكاة السمك، وزكاة العسل، وهذا الفقه من شأنه أن يزيد الأموال الخاضعة للزكاة، مما يؤثر على زيادة جبايتها.
وأما زيادة الدعوة زمن عمر، ودخول أهل الذمة في الإسلام أفواجاً فالراجح أنه رفع من حصيلة الزكاة، لأن هؤلاء المسلمين الجدد فيهم الأغنياء وفيهم الفقراء، وسيدفع الأغنياء حقاً مفروضاً عليهم وهو الزكاة، وأما سيرة عمر وتقواه فقد أثرت على دفع الزكاة للدولة مباشرة لزيادة الثقة بين الحاكم والمحكوم، وهذا واضح من تدافع الناس لأداء
الزكاة عندما سمعوا بخلافة عمر، وهذا يؤدي إلى زيادة حصيلة أموال الزكاة وزيادة اثارها الاقتصادية عند إنفاقها في مصارفها.
وتؤكد الروايات التاريخية أن الزكاة كانت فائضة عن حاجات الناس في ذلك الزمن، فكان الرجل يأتي بزكاته، فلا يجد من يأخذها، ومن أسباب هذا الفائض اندفاع أفراد المجتمع للعمل والإنتاج، فكثر عدد المؤدِّين للزكاة، وانخفاض عدد القابضين لها [السياسة المالية والاقتصادية لعمر، ص 69].
ملاحظة هامة: “استفاد المقال مادته من كتاب: “عمر بن عبد العزيز”، للدكتور علي الصلابي، واعتمد في كثير من معلوماته على كتاب: “الساسة الاقتصادية والمالية لعمر بن عبد العزيز” بشير كمال بشير عابدين.
المراجع:
- السياسة الاقتصادية والمالية لعمر بن عبد العزيز، بشير كمال بشير عابدين، رسالة ماجستير، جامعة اليرموك، الأردن.
- سيرة عمر بن عبد العزيز، لابن الجوزي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى.
- الخليفة الراشد والمصلح الكبير عمر بن عبد العزيز، د. علي محمد الصلابي، دار ابن كثير الطبعة الأولى، 2005م.