اسم الكتاب: سُؤالات تَحكيم الشَّريعة.
اسم المؤلف: د فهد بن صالح العَجْلان – مَشاري بن سعد الشَّثْري.
عدد الصفحات: 139 صفحة.
الناشر: مركز البَيان للبُحوث والدِّراسات -الرِّياض-.
نبذة عن الكتاب:
مِن أُسُس الشَّريعة الغَرَّاء تحقيق مَصالِح العِباد في الدُّنيا والآخِرة، وذلك بجَلْبِ النَّفْع والخَيْر لهم، ودَفْع الضَّرَر والشَّرِّ عنهم، وما مِن حُكْم شَرْعي نَزَل إلا لِتَأمين إحدى المَصالِح أو لِدَفْع إحدى المَفاسِد، أو لِتَحْقيق الأَمْرَين معًا، فما مِن مَصلحَة في الدُّنيا والآخِرة إلَّا وقد راعاها الشَّرْعُ الحكيم، وما مِن مَفْسَدة في الدُّنيا والآخرة، إلا وبَيَّنَها للنَّاس ونَهاهُم عنها، وأَرْشَدهم إلى اجْتِنابِها والبُعْدِ عنها، فالشَّريعة هي كُلُّ ما جاء به الإسلامُ مِن العَقائِد والأخلاق والعِبادات والمُعامَلات والحُدود، وعلى مَدارِ تاريخ الإسلام لم يَظْهَر أَحَدٌ يقول بِتَرْك العَمَل بالأَحْكام الشَّرعيَّة، أو يَجْهَر بِرَفْضِها ورَجْعِيَّتِها، فلمَّا تَرَدَّت أحوالُ العالم الإسلاميِّ، وتَساقَطَت بُلدانُه تحت وَطْأة المُحْتَل، اسْتَطاعت يَدُه العَبث في مُكوِّنات العالم الإسلاميِّ، وعلى رأسِها “شَريعتُه” فصار الأَمْر إلى تَنْحِيَتِها، وحينها جاء السُّؤال بـ “تَحْكيم الشَّريعَة”.
وهذا الكتابُ (سُؤالات تَحكيم الشَّريعَة) يَستعرِض فيه الباحثان قَضيَّةَ تَحكيم الشَّريعَة بشَكْل مُوجَز، يُعرَض بطريقَة طَرْح السُّؤال ثم التَّنْقيب عن حُلولِه وإشْكالاتِه.
وقد قَسَّما الكتابَ إلى مُقدِّمة لَطيفَة، وثَمانِية سُؤالات وخاتِمَة
في “المُقدِّمة”
تَحَدَّثا عن الحالة الفَريدَة التي تَمُرُّ بها الأُمَّة الإسلاميَّة، وأنَّ التَّاريخ الإسلاميَّ على مَرِّ عُصورِه وما حدث فيه مِن سُقوط وانْحِدار لم يَشْهَد تَنْحِيَة للشَّريعَة قَطُّ، وأنَّ النِّداء والمُطالَبة بتَحْكيم الشَّرْع لم يَنْشأ إلَّا مِن عُقودٍ قَليلة واكَبَتْ حِقْبَة الاحتلال -أو ما يُسمى بالاستعمار- وما قَبْلَها بقَليل، فبعدَ سَيْطَرة المُحْتَلِّ على بِلادِ الإسلامِ، قاموا بإقْصاءِ مَرْجِعِيَّة الشَّريعَة بقُوَّةِ الحُكْم ونُفُوذ السُّلْطَة، ممَّا أَشْعَل شَرَارَةَ النِّقاشِ والسِّجالات المُتَعَلِّقة بِتَحْكيم الشَّريعَة، حتَّى نَهَضَ كَثيرٌ مِن العُلماءِ والدُّعاةِ والمُفَكِّرين لِمُناقَشة هذه القَضِيَّة، حتَّى نَقَضوا كلَّ شُبْهَةٍ، وأَسْقَطوا تلك التَّصَوُّرات الفاسِدَة بالكُلِّيَّة، ومع ذلك الجُهْد المُتواصِل بَقِيَ هذا السُّؤالُ مُلْتَهِبًا، والنِّقاش حوله مِن أَسْخَن القَضايا الفِكريَّة والعَقَدِيَّة .
ثمَّ افْتَتَحا الرِّسالة بالسُّؤال الأوَّل وهو تحت عُنوان “الشَّريعَة الغامِضَة”
وطَرَحا فيه فِكْرة الاخْتِلاف في الشَّريعَة المُطَالَب بِتَطْبيقِها، فالاخْتِلاف في تَفسير الشَّريعَة وإقامَة الأحْكامِ يعني عَبَثِيَّة المُطالَبة بِتَحْكيم أَمْرٍ غير مُتَّفَقٍ عليه، فأيُّ شَريعَة نُطَبِّق؟
ثم بَيَّنَا أنَّ هذا السُّؤال الذي يَطْرَحُه المُعادِي لِتَحْكيم الشَّريعَة حالَ عَرْضِ هذه القَضيَّة قَديم، ومع هذا فلا يَزال يُطْرَح بِشَكْلٍ مُستمِرٍّ مَلحوظٍ، وله رَواجٌ ظاهِرٌ عند عَوامِّ المُسلِمين.
ثم قَامَا بالرَّدِّ على هذا السُّؤال وتَبْيِينِ ما فيه مِن مُغالَطات، وكان رَدُّهُما عليه في نِقاطٍ عِدَّة، مِن أَهمِّها:
– حَتْمِيَّة الاخْتِلاف بين الشَّرْع والقَدَر:
فبَيَّنَا أنَّ الاخْتِلاف بين البَشَرِ سُنَّة كَوْنِيَّة قَدَّرَها الله بين عِبادِه، وأنَّ الخِلافَ الواقِع بينهم ليس شيئًا جديدًا نَشَأ في هذا العَصْر حتَّى صار بِحاجَةٍ إلى اجْتِهاد أو بَحْثٍ عن المَوْقِف منه؛ بل هي سُنَّة الله الكَوْنِيَّة، ومع وُجودِه وحَتْمِيَّة وُقوعِه فإنَّ الله تعالى أَمَرنا حين الاخْتِلاف بالرُّجوعِ إلى الوَحْيِ، كما قال تعالى : {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} فَمَعَ وُجودِ الخِلافِ طُوْلِبْنَا بِتَحْكيمِ الشَّريعَة.
– تَعَدُّد تَفْسيرات المَفْهوم لا يُلغي فَعالِيَّتَه:
فلا يَزال الخِلافُ واقعًا في مَسائِل كثيرة، ولم يَقُل أحدٌ في يومٍ مِن الأيَّام إنَّ وُجودَ هذا الاخْتِلاف يَسْتلزِم إلغاءَها، أو الشَّكَّ في مَضمونِها، فإذا كان الاخْتِلاف في تَفسيرِ حاكِمِيَّةِ الشَّريعَة يُؤدِّي إلى التَّشْكيك فيها فالاخْتِلاف في الدِّيمقراطيَّة والحُرِّيَّة مثلًا يجب أن يُؤدِّي كذلك إلى إلغائِهِما والتَّشْكيكِ فيهما.
– المَوْقِف مِن تَعَدُّد التَّفسيرات:
لِمَعْرِفة كَيفيَّة التَّعامُل مع تَعَدُّد التَّفسيرات لا بُدَّ مِن إدراك ثلاثة مُستويات مُهِمَّة في فِقْهِ الخِلافِ:
أَوَّلًا: أنَّ ثَمَّةَ مِساحةً قَطْعِيَّةً مِن الشَّريعَة ليس فيها أي خِلاف.
ثانِيًا: أنَّ الأحكامَ الشَّرعيَّة التي وَقَع فيها الاخْتِلاف تَقَع في إطارِ فِقْهي مُعَيَّن لا تَتَجاوَزُه.
ثالِثًا: جاءَت الشَّريعَة بِمَنْهَجِيَّة عِلْمِيَّة لِكَيْفِيَّة التَّعامُل مع الاخْتِلاف وطَرائقِ تَحريرِ القَوْلِ الأقرب للصَّوابِ.
فبهذه المُستويات الثَّلاثَة نُثْبِت أنَّ المَطلوب ليس اتِّباع رَأْيٍ مُعَيَّنٍ، بل هو اتِّخاذ مَرْجِعِيَّة الشَّريعَة.
– إشْكالِيَّة الغُلُوِّ في تَحكيمِ الشَّريعَة:
ما زال كارِهُو تَحكيمِ الشَّريعَة يُوَظِّفون النُّفور الشَّعْبِي مِن جَرَّاء تَصَرُّفات بعضِ الغُلاةِ المُنْتَسِبين إلى الشَّرْع في تَحقيق التَّرْوِيع والتَّخْوِيف مِن تَحكيمِ الشَّريعَة.
فلا شَكَّ أنَّها طَريقة مُؤَثِّرة تُوَصِّل البَعْض إلى قَناعَة راسِخَة بِرَفْض حاكِمِيَّة الشَّريعَة لِسُقوطِه في المَشاعِر الآنِيَّة، وارْتِهانِه للصُّورةِ الإعْلامِيَّة، ممَّا يُعَدُّ مِن الهَوى الذي لا يُعْفي الإنسانَ مِن واجِبِ خُضوعِه لِحاكِمِيَّة الشَّريعة، وليس هذا الأَمْر بجديدٍ على حالتِنا المُعاصِرة؛ بل لا يزال مَوجودًا مِن عَشَرات السِّنين.
ثمَّ بَيَّنا أنَّ وُجود تَصَوُّر غَلَا في مَفهومِ الشَّريعَة لا يُمكِن أن يُؤثِّر في أَصْل القَضيَّة ومَضمونِها .
ثمَّ افْتَتَحا السُّؤال الثَّاني تحت عنوان “الشَّريعَة المُوَظَّفَة”
ومُفادُ السُّؤال: هل تَعَرُّض تَحكيمِ الشَّريعة إلى التَّوْظيف مِن قِبَلِ الحُكومات يَسْتَلْزِم إبْعادَها؟
ثمَّ أَخَذَا في الإجابَةِ عن هذا السُّؤالِ، فبَيَّنَا أنَّ قَضيَّة تَحكيمِ الشَّريعَة لا تَنْفَرِد بإمْكانِيَّة التَّوْظيف والاسْتِغلال مِن قِبَل المُفْسِدين، وأنَّ كلَّ القِيَم والمَعاني يُمكِن تَوْظيفها، فالحاكِم الظَّالِم يُمكِن أن يَتَدَثَّر بالشَّريعَة، أو الحُرِّيَّة، أو العَدْل إلى ما لا يُحْصى مِن القِيَم فيَسْتَخدِمُه لِتَحقيقِ مَآرِبِه الخاصَّة.
وأنَّ الحَلَّ يَكْمُن في كَيفيَّة الحَيْلولَة بين الظَّالِم وبين هذا التَّوْظيف، لا أن نُفكِّر في إلغاءِ الشَّريعَة انْتِقامًا مِن هذا الظَّالِم، لأنَّ مَعْرَكَتَه حينها لن تكون مع الظَّالِم؛ بل مع الشَّريعَة.
ثمَّ نَصَّا على أنَّ مَن يَطْرَح هذا الإشكال يَرَى حاكِمًا مُعيَّنًا قد ظَلَم النَّاسَ باسْمِ الشَّريعَة، فيَغْضَب ويَرفُض تَحكيمَها، وكان عليه أن يَخْطو الخُطْوَة الصَّحيحَة بأن يَمنعَه مِن تِوْظيفِها واسْتِغلالِها عَمَلِيًّا، لِئَلَّا تكون الشَّريعَة أُلْعُوبَة بِيَدِهِ.
ثمَّ وَضَّحَا في خاتِمَة الجَوابِ عن هذا السُّؤالِ جُملةً مِن الأُمورِ:
أوَّلًا: أنَّ تَحكيمَ الشَّريعَة ليس مِثالِيًّا تَجْرِيدِيًّا يَسْبَح في الأَذْهان والأَحْلام؛ بل ثَمَّةَ أُنْمُوذَجُ الحُكومَة النَّبَوِيَّة.
ثانِيًا: أنَّ أكْثَر المُتَخَوِّفين مِن تَحكيمِ الشَّريعَة لارْتِباطِها في نَظَرِهِم بالاسْتِبْدادِ هُمْ في الحَقيقَة مِن أَكْثَر النَّاسِ جَهْلًا بِحَقيقَتِها.
ثالِثًا: أنَّ النَّاظِر في حَقيقَة الشَّريعَة يَتَقَرَّر له أنَّ حُكْم الشَّريعَة حُكْم عَدْلٍ ورَحْمَةٍ وخَيْرٍ وإحْسانٍ.
ثمَّ انْتَقَلَا إلى السُّؤال الثَّالِث الذي عَنْوَنَا له بـ “الشَّريعَة التَّاريخيَّة”
وخُلاصَة السُّؤال أنَّ التَّشْريع الإسلامي نَزَل وطُبِّقَ في بِيئة وزَمَن قابل لِتَطْبيقِه، فهَلْ الدَّولة الحَديثة بمُتَغَيِّراتِها ومُسْتَجَدَّاتِها تَقبَل هذا النِّظام القَديم؟
ثم أَخَذَا في الإجابَةِ عنه بِبَيان حَقيقَة الدَّولة الحَديثة، وبَيَّنَا أنَّ الدَّولة الحَديثة تُخالِف شَكْل الدَّولة التَّاريخيَّة في تُراثِنا بلا شَكٍّ، فالتَّاريخ لا يَعلَم هذه الدَّولة القُطْرِيَّة ذات السُّلُطات المُتَعَدِّدة بالنِّظام الحَديث، ولهذا اتَّخَذ البعضُ هذا ذَريعَة للقَوْل بأنَّ النِّظام السِّياسي الحالي يقوم على هَيئة مُختلِفة تمامًا عن النِّظام الأوَّل وبالتَّالي لا بُدَّ مِن وُجودِ الدَّولة التَّاريخيَّة لِتَطبيق الشَّريعَة عليها.
وبَيَّنَا أنَّ هذه السَّطْحِيَّةَ في قِراءَة طَبيعَة النِّظام السِّياسي في الإسلامِ كَشَفَت لنا عن خَلَلٍ عَميقٍ في إدْراكِ مَفهومِ تَحكيمِ الشَّريعَة، فَلَيْسَت هي دَعْوة إلى اسْتِنْساخ تاريخي يُطابِق الدَّولة التَّاريخيَّة، أو هَدْم النُّظُم المُعاصِرة وتَفْكيك مُؤَسَّساتِها، فمِثْل هذه الأُمور مِن المُتَغَيِّرات التي لا يَلزَم فيها المُحافظَة على نَمَطٍ مُعَيَّنٍ، مع اسْتِثْناء ما يَتَعارَض صَراحةً مع الشَّريعَة الغَرَّاء، وعليه فالمَوقِف حين النَّظَر في طَبيعةِ وِفاقِ الدَّولة الحَديثَة مع أحكامِ الشَّريعَة أن تُفْرَز مُكَوِّنات الدَّولة الحَديثة، وتُعْرَض على الشَّريعَة الإسلاميَّة.
ثمَّ قَامَا بِذِكْرِ فَريق آخَر يَتَبَنَّى تَحكيم الشَّريعَة والدِّعايَة لها، ولكن بِجِهَةٍ مُعاكِسة، فأَخْرَجوا نُسْخَة مُنَقَّحَة حَسْبَ المزاج اللِّيبرالي السِّياسي، فكأنَّهُم بذلك قاموا بِعَمليَّة بَتْرٍ للقَدَمِ لِتَلْتَئِم مع حَجْم الحِذاءِ المُهْتَرِئ.
ثمَّ خَتَمَا كَلامَهُما بِتَوْضيحٍ هامٍّ، وهو أنَّ مُراعاة القُدْرة والإمكان ليست مِن قَبيلِ تَقديمِ المَصْلَحة على النَّصِّ كما يَتَوَهَّمه البعضُ، وأنَّ هذه الدَّعْوى فيها قُصورٌ كَبيرٌ بِفِقْهِ الحُكْم الشَّرعي ومُتَعلِّقاتِه وشُروطِه.
ثمَّ افْتَتَحا السُّؤال الرَّابِع تحت عُنوان “الشَّريعَة المُطَبَّقَة”
فالشَّريعَة مُطَبَّقَة ولا يَحولُ بينها وبين النَّاس شيءٌ فَهَا هُم يُصَلُّون ويَصومون ويَتَعَبَّدون، فأيَّ شَريعَةٍ تُريدون تَطبيقَها؟
ثمَّ بَيَّنَا أنَّ النَّاظِر في مَضمون هذا السُّؤال يَظُنُّ أنَّه يَحْكِي خَبَرًا سارًّا؛ ولكنَّ المُتَأَمِّل يَرَى أنَّ مَضمونَه غير صَحيح، وأنَّ أَصْل الخَلَل الذي بُنِيَ عليه هذا السُّؤال هو نَفْس الخَلَل الواقِع في مَفهوم الشَّريعَة عند مَن يُثِيرُ هذا السُّؤال.
ثمَّ قَالَا: إنَّ طارِح هذا السُّؤال يَرْمِي مَن يُطالِب بالتَّحْكيم أنَّه يَتَّخِذ مِن تَحكيمِ الشَّريعَة سُلَّمًا لِتَحْقيق مآرِبِهِ الخاصَّة، وهو مَحْض افْتِراء صارِخ ومُغالَطة فَجَّة، ولا يُمكِن لِمَن يَتَبَنَّى هذا السُّؤال أن يُصَوِّر الواقِع بهذه الصُّورة المُنافِيَة تَمامًا لِمَا يَراهُ النَّاسُ.
– وبَيَّنَا أنَّ صاحِب هذا السُّؤال يَتَسَلَّل مِن خِلال هذا السُّؤال إلى أنَّ الشَّريعَة لم تأت بِنِظام سِياسي مُحَدَّد؛ بل تركت هذا لاجْتِهاد النَّاس، وعليه فلا حاجة عندهم لإثارة سُؤال تَحكيمِ الشَّريعَة أَصْلًا.
– ثم قَامَا بمُناقَشة هذه الدَّعْوى، وتَوَصَّلا إلى أنَّ دَعْوى مَجيء الشَّريعَة بمبادئ عامَّة فقط تَفْريط وقُصور، وأنَّ المَبادِئ العامَّة الكُلِّيَّة عندهم مِثل الحُرِّيَّة والمُساواة والعَدالة تُنْتَقَض بأن يُقال: المَبادِئ الأساسيَّة هي تَحكيم الشَّريعَة، والعُبودِيَّة لله، وإِعْلاء كَلِمَة الله تعالى، وأنَّ طَبيعة البَرامِج التَّفْصيليَّة في الإسْكان، والبَطالَة، والفَقْر، والتَّعْليم، والتَّنْمِيَة، والصِّحَّة، وغيرها بَرامِج لِكافَّةِ التَّيَّارات، فلها أن تَجتهِد في تَقديم أفضل البَرامِج التي تَراها مُحَقِّقَة لِمَصْلَحَةِ النَّاس.
وجاء السُّؤال الخامِس تحت عُنوان “الشَّريعَة المُخْتَزَلَة”
وتَوْضيحه أنَّ مَن يُطالِبونَ بِتَحْكيم الشَّريعَة رُؤْيتُهم قاصِرَة فلا بُدَّ أن نَقِفَ حائِلًا دون تَحكيمِها.
– ثمَّ قَامَا بِحَلِّ هذه الإشْكالِيَّة بِطَريق نَقْضِ الذَّات، فبَيَّنَا أنَّ كلَّ الجُهود التى تَسْعى لِتَحْكيم الشَّريعَة يجب أن تُنْتَقَد وتُحاسَب وتُراجَع، وأنَّ رَفْعَها رايَة الشَّريعَة لا يُعطيها حَصانَة عن النَّقْد والتَّقْويم.
– ونَصَّا على أنَّ الاعْتِراض بالقُصورِ يَسْتَوْجِب البَحْث عن الكَمال، فالمَوْقِف الصَّحيح حالَ وُجودِ سُوء فَهْمٍ للشَّريعَة مِن قِبَل بعضِ المُدافِعين، يَدْفَعُنا إلى تَقويمِ الخَطأ، ولا يَدْفَعُنا هذا إلى تَرْك التَّحْكيم، فدَعْوى أنَّ الشَّريعَة مُخْتَزلة يَقْتَضِي مِنَّا أن نُحافِظ على الشَّريعَة.
– ثمَّ إنَّ دَعْوى الاخْتِزال ومُناقَشَتها لا تكون مع مَن لا يُؤمِن بتلك القَضايا أساسًا، فالنِّقاش في الاخْتِزال إنَّما يكون مع المُؤمِن المُسَلِّم بهذه الأحْكامِ.
وكان السُّؤال السَّادِس بعُنوان “الشَّريعَة المُشَوَّهَة”
التَّطْبيقات الواقِعَة لِتَحْكيم الشَّريعَة تَطبيقات مُشَوَّهَة فلِمَ نُساعِدُ على إنْتاج مِثْلِها؟
– فالسُّؤال يُثير إشْكالِيَّة وُجود تَطْبيقاتٍ للشَّريعَة في عَصْرِنا مُشَوَّهَة، فالمُساعَدَة على تَطبيقِ الشَّريعَة ما هي إلَّا مُساعَدَة في إنْتاج صُورةٍ مُشَوَّهَةٍ جَديدة، وهذه المُقَدِّمَة تُفْضِي بلا شَكٍّ إلى التَّخَلِّي عن تَحكيمِ الشَّريعَة.
– والنَّاظِر في هذه الإشْكالِيَّة يجد أنَّها انْطَلَقت مِن نُقْطَة التَّجارِب المُشَوَّهَة، وهو مُنْطَلَق مُشَوَّه لا يَسيرُ وَفْقَ مَنْهَجٍ عِلْمِيٍّ مَوْضوعِيٍّ، فوُجودُ المِثالِ المُشَوَّه يَدفَع إلى تَطبيقِ الشَّريعَة بالطَّريقَة المِثالِيَّة، وإلَّا كان ضَربًا مِن التَّعَسُّف ناتِجًا عن رَغْبَة وَثَّابَة للتَّخَلُّص مِن الشَّريعَة.
وبِاسْتِعراض إدانات خُصومِ المَشْروع الإسْلامِيِّ نَجِدُ أنَّ مَلَفَّاتِهم طافِحَةٌ بأحكامٍ يَنْقُصها الكثير مِن العَدْل والمَوْضوعِيَّة؛ بل تُعاني مِن فَقْرٍ حادٍّ في المَعْلومات أيضًا.
وجاء السُّؤال السَّابِع تحت عُنوان “الشَّريعَة المُنْتِجَة للنِّفاق”
فإكْرَاهُ النَّاس على الانْقِيادِ للشَّريعَة يُورِث مُجْتَمعًا مُنافِقًا وهو مُنافٍ لِمَقاصِد الشَّريعَة كما قال تعالى {لَا إِكْرَاهَ في الدِّينِ}.
وبَيَّنَا أنَّ أَصْل هذا الاعْتِراض يُثارُ مِن قِبَلِ اتِّجاهاتٍ شَتَّى مِن أَهمِّها:
– مَسار يَقول بأنَّ تَحكيمَ الشَّريعَة إكْراهٌ إلَّا أن يكُون عَبْرَ الانْتِخابات، وهذا واقِع في إشْكال عَميقٍ، لأنَّ تَطبيقَ الشَّريعَة إن كان إكْراهًا ويُورِث النِّفاق فهذا حاصِل سَواء بِتَصْويتٍ أو بُدونِ تَصْويت، فإن لم يكُن مِن حَقِّك أن تَفْرِض على الأَقَلِّيَّة حُكْمَ الشَّريعَة إلَّا عَبْرَ التَّصْويت فليس مِن حَقِّك أن تَفْرِض عليهم بعد التَّصْويت، وإن كان يُورِث النِّفاق قبلَ التَّصْويت فهو يُورِث النِّفاق بعدَ التَّصْويت كذلك، فما الذي يُحَصِّلُه التَّصْويت؟
ثمَّ بَيَّنَا خَطَأ القَوْل بأنَّ تَطبيقَ الشَّريعَة يُورِث النِّفاق مِن وُجوهٍ أَهمُّها:
– الخَلْط بين الإكْراهِ في الدُّخولِ في الإسْلامِ وبين الالْتِزامِ بأَحْكامِه.
– الغَفْلَة عن طَبيعَة نُشوءِ النِّفاقِ.
– عدم إدْراكِ مَفهومِ النِّفاقِ.
ثمَّ افْتَتَحا السُّؤال الثَّامِن بعُنوان “الشَّريعَة التَّقْليدِيَّة”
قال المُخالِف: إنَّ تَحكيمَ الشَّريعَة يُنْتِج انْتِهاكًا صَريحًا للحُرِّيَّة؛ لأنَّه مَفهومٌ تَقْليدِيٌّ لَمَّا تُطَبِّقه الدَّولة، ومِن المُفْتَرَض أن تَحْفَظ الحُرِّيَّات والحُقوق؟
ثمَّ أَجَابَا بأنَّ الحِوارَ المَوْضوعيَّ يجب أن يَتَّجِه إلى البَحْث عن الأفْضَل في حِفْظ حُقوقِ الإنسانِ وضَمانِ الحُرِّيَّات، فهل يُمكِن ذلك ضِمْن إطارٍ دِينِيٍّ، أم إطارٍ وَضْعِيٍّ؟ فهذا هو المَدْخَل الصَّحيح في التَّفْكير، وحينها يَظهَر فَضْلُ المَرْجِعِيَّة الدِّينيَّة.
– ثمَّ أَجَابَا عن حَقيقَة اتِّهامِ الشَّريعَة بانْتِهاك الحُرِّيَّات وبَيَّنَا أنَّ الانْتِهاك الذي يَتَحَدَّثون عنه يَرجع إلى أَمْرَيْن:
الأَمْر الأوَّل: التَّطبيقات الفاسِدَة التي تُنْسَب إلى الشَّريعَة.
الأَمْر الثَّاني: الأحْكام الشَّرعيَّة التي تُخالِف المَنْظومَة اللِّيبرالِيَّة وتَراها مُنْتَهِكَة للحُرِّيَّات؛ ولكِنَّها ممَّا جاءَت به النُّصوصُ الشَّرعِيَّة كالأَحْكام التي تُخالِف فيها المَرأةُ الرَّجُلَ، أو أَحْكام الحُدودِ وغَيرِها.
ثم خَتَما الكِتابَ بِخَاتِمَةٍ مهمَّةٍ بَيَّنَا فيها بعضَ الحَقائقِ، وهي:
– قَطْعِيَّة تَحكيمِ الشَّريعَة.
– كَيْفِيَّة تَحكيمِ الشَّريعَة.
– واقِعِيَّة تَحكيمِ الشَّريعَة.
المصدر: الدرر السنية.