زيارة وفد طالبان لأنقرة.. ماذا وراء الحملة لتشويه حكام أفغانستان الجدد؟
بقلم د. ياسين أقطاي
بعد سيطرة حركة طالبان على أفغانستان بشكل كامل، بدأت أولى الاتصالات الرسمية بين الحكومة الجديدة وتركيا بزيارة وفد أفغاني رفيع المستوى إلى أنقرة، كان على رأسه وزير الخارجية بالوكالة أمير خان متقي. وقد قوبلت هذه الزيارة -كما كان متوقعا- باهتمام كبير من وسائل الإعلام العالمية والتركية.
في الواقع، يعود جزءٌ كبير من هذا الاهتمام إلى الصورة النمطية عن حركة طالبان، على أنها حركة متطرفة ومختلفة عن السائد. فتم التركيز في الصور التي التُقطت بمطار أنقرة على ارتداء وفد طالبان نعالا بدلا من الأحذية، ويُنظر إلى ممارسات الحركة على أنها لا تتوافق مع المعايير العالمية من ناحية المظهر وأساليب القتال وطريقة الحكم. ففي عالم لا يقبل الاختلاف في تطبيق البروتوكولات واللباس وأنماط السلوك المعتادة في إدارة الدول الحديثة، لا أحد يحاول فهم أفغانستان بجدية.
عادة ما يقوم الغرب بتسخير التخصصات العلمية المختلفة، مثل علم الاجتماع والأنثروبولوجيا وعلم النفس وعلم الأعراق، في سبيل معرفة الأعداء الذين يواجههم؛ إذ تقوم المهمة على رصد كل تلك المعلومات وتجميعها ثم إعادة “فلترتها” وصياغتها للعالم من منظور غربي. ورغم أن هذه العملية من تجميع للمعلومات وصياغتها لا تتعدى مجرد كونها رصدا للواقع، فإنها تقدم حدا أدنى من المعرفة والفهم.
توجد بعض الدراسات الاجتماعية حول طالبان، وقد نُشرت سابقا في الغرب، لكنها لا تُستخدم على نطاق واسع في وسائل الإعلام لفهم طبيعة الحركة، ومن النادر أن تجد أثرا لهذه الدراسات في وسائل الإعلام التركية على وجه الخصوص. فلا توجد أخبار إيجابية عن طالبان منذ سيطرتها على أفغانستان، وأغلب التقارير عن الحركة مبنية على الأحكام المسبقة. ولا تزال معاناة النساء في ظل حكم طالبان، وتدخل الحركة في ملابس الناس، أبرز ما يتصدر عناوين معظم الوكالات الإخبارية.
لا شك أن هذا النوع من التقارير يخدم أهدافا كبرى، وتحديدا ترسيخ فكرة أن نموذج طالبان يمثل الشكل النهائي للحكم الإسلامي، وأن هذا النموذج قد يمتد إلى تركيا ودول أخرى، وقد تحدث أمور مماثلة لما تشهده أفغانستان إذا وصل الإسلام السياسي إلى السلطة في هذه الدول. الخوف من الإسلام (الإسلاموفوبيا) هو ما يتم إنتاجه وضخه في هذه الأخبار، ويمكن القول إن زيارة الوفد الأفغاني لتركيا جاءت تحت وطأة هذا الضغط الإعلامي. لهذا السبب، ركزت وسائل الإعلام على أن الجانب التركي نصح الوفد الأفغاني بعدم إجبار النساء على ارتداء الحجاب.
في الحقيقة، يحرص المسلم على أن ينصح أخاه المسلم بكل ما ينفعه، ووجود الوفد الأفغاني في تركيا يختلف عن وجوده في أي دولة أخرى. من حق جميع المسلمين وواجبهم أن يقدموا النصيحة لإخوانهم، خاصة أن أي قرار ستتخذه طالبان لن يؤثر على الأفغان فحسب، بل على جميع المسلمين في أنحاء العالم أيضا. لكن الطريقة التي تناولت بها وسائل الإعلام هذه النصيحة تشير إلى حجم الضغوط التي تمارس على تركيا.
بالمناسبة، لدى تركيا الحق في إجراء اتصالات على أعلى المستويات مع أفغانستان، نظرًا للعلاقة التاريخية والثقافية بين البلدين. ويهدف التركيز على تشويه صورة طالبان إلى منع تركيا من إقامة هذه الاتصالات بطريقة استباقية، ولا يخدم سوى أهداف من يرغب في حرمان تركيا من المزايا التي تتمتع بها على الأرض بسبب تاريخها ومواقفها وهويتها.
يجب على جميع الأطراف أن تأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن حكومة طالبان هي أول حكومة تتمكن من السيطرة على البلاد بشكل كامل خلال آخر 40 عامًا؛ إذ لم تتمكن أي إدارة أفغانية أو سوفياتية أو أميركية من الوصول إلى هذا المستوى من السيطرة طوال السنوات الماضية. سواء أكنت تحب طالبان أم لا، عليك أن تقبل أنها القوة المسيطرة على البلاد في الوقت الحالي. وإذا لم تقبل بهذه الحقيقة، فلن تتمكن من المشاركة في أي ترتيبات سياسية متعلقة بمستقبل أفغانستان. إن قبول طالبان بوصفها واقعًا على الأرض لا يعني بالضرورة تبني فهمها للدين أو أسلوبها في الحكم أو نهجها في معالجة كثير من القضايا.
من المؤكد أن تفسير طالبان للشريعة وممارساتها تتسم بنوع من الراديكالية، إلا أنه من الضروري أيضا أن ندرك أن هذا التفسير مرتبط إلى حد ما بثقافة البلاد وطبيعة المجتمع الأفغاني، وهو تفسير محدود مكانيا ولا يمكن تصديره إلى الخارج. ولا يمكن تفسير التركيز على الخطر الذي تشكله هذه الخصوصية الثقافية على العالم بأسره إلا عبر صناعة الخوف، ولم يعد سرا أن نعرف الجانب الذي ينشر هذا الخوف.
بطبيعة الحال، فإن تكلفة شن حرب استقلال استمرت 20 عاما ضد الولايات المتحدة قد أدت إلى تشكيل واقع مختلف. فنحن أمام وضع جديد حاليا، وحتى الولايات المتحدة -التي قاتلت الحركة واضطرت إلى الانسحاب مؤخرا- في طريقها إلى تطبيع علاقاتها مع طالبان.
هناك من قال مؤخرا -بعد زيارة الوفد الأفغاني- إن الوقت حان لتقوم تركيا باتصالات مع نظام الأسد، بعد أن اجتمعت بمن يوصفون بالإرهابيين. لكن رغم أن تركيا عملت في أفغانستان تحت مظلة الناتو، فإنها لم تعامل طالبان أبدا بوصفها “حركة إرهابية”، كما أنه ليس من العدل أن نقارن طالبان بالأسد، فطالبان لم تقتل شعبها.
تقاطع تركيا نظام الأسد ليس لأنه مدرج في قائمة الإرهاب، أو لأن لدينا وجهة نظر مختلفة معه، أو لأن تفسيره للدين الإسلامي مختلف تمامًا عن تفسير تركيا؛ كل خطوة يقوم بها الأسد داخليا تؤدي إلى آلاف القتلى والمذابح وانتهاكات حقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية، وهو لا يتوقف أبدًا. لم تقاتل طالبان ضد تركيا، ولم تستخدم القوة غير المتكافئة ضد شعبها ولم ترتكب أي مذابح بحق الأفغان.
من الواضح أيضا أن الولايات المتحدة ليست دقيقة في تعريف الإرهاب؛ فلقد قامت بوضع حماس على قائمة الإرهاب، وهذا الأمر مرفوض بشكل قاطع بالنسبة لتركيا. كما تقوم الولايات المتحدة بدعم حزب الاتحاد الديمقراطي -الذي تعتبره تركيا حركة إرهابية- عن طريق مدّه بالسلاح. ومع ذلك، لا ترفض الولايات المتحدة مقابلة حركة طالبان في الوقت الحالي، رغم أنها حاربتها وهُزمت منها.
يلجأ الفارون من اضطهاد الأسد في سوريا إلى تركيا، وينضمون إلى المعارضة. ويأتي المهاجرون الأفغان إلى تركيا أيضا، لكن على عكس السوريين، لا يحملون معهم رسالة حول شرعية الحكم في أفغانستان، لأنهم غادروا البلاد لأسباب اقتصادية وليست سياسية. ربما ينقل المهاجرون الأفغان رسالة حول الوضع الاقتصادي مفادها أن الوقت قد حان لأن تسهم تركيا في إصلاح الاقتصاد الأفغاني، ومساعدة دول العالم الإسلامي بشكل عام.
المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين