مقالاتمقالات مختارة

زنجبار الإسلامية.. الحكاية المنسيّة!

زنجبار الإسلامية.. الحكاية المنسيّة!

بقلم صلاح الدين حفافصة

أرض زنجبار أو ما كان يطلق عليها لقب “أندلس أفريقيا” لعظمة الرّقي الذي وصلت إليه في أزمنة مضت، فقد تربّع أسطولها إبّان الحكم العربي على مرتبة متقدمة كثاني أقوى أسطول بحري بعد بريطانيا متفوقا على أعتى الدول الاستعمارية كفرنسا والبرتغال وغيرها، وعمّ في أرجائها الأمن والأمان وازدهار التجارة وحركة النقل خاصة من خلال موانئها العالمية، وسنكتشف في خضم هذا المقال تاريخ هذه الدولة العريقة، والمؤامرات التي حيكت ضدها، ونبيّن حقيقة الوجود العماني العربي الذي يحاول أعداء الإسلام اظهاره في شكل استعمار واضطهاد ضد الشعب الزنجباري، كما ولا بد التنويه أنه لا يوجد مقال جاد يتكلم عن تاريخ زنجبار بشكل جدي وعميق، أما الكتب فهي تعد على الأصابع وأغلبها صدر من علماء وكتاب غربيين.. فيا للحسرة.

موقع زنجبار وأهميته الجغرافية

تقع جزيرة زنجبار في المحيط الهندي وهي عبارة عن مجموعة من الجزر تبتعد بمقدار 35 كيومترا عن ساحل تنجانيقا، وتبلغ مساحتها إجمالا نحو 2461 كيلومترا، وتعد ثاني أكبر جزيرة في أفريقيا بعد مدغشقر، ولها موقع استراتيجي كان سببا في اقدام العديد من الدول الاستعمارية على محاولة احتلال زنجبار للهيمنة على حركة النقل في الساحل الشرقي لأفريقيا، وكذا السيطرة على المحور الحيوي الذي يربط أرض الجزيرة العربية بالساحل الافريقي والذي كان يسهّل من عملية تنقل الافراد والبضائع والسفن.

الإسلام في زنجبار

تقول الدراسات التاريخية أنّ بدء دخول الإسلام إلى زنجبار كان في السنة 65 للهجرة، أو في السنة 74 هجريا على اختلاف الروايات، مع أول هجرة عمانية عربية إلى الساحل الافريقي بعد أن وقعت حروب بين العمانيين وجيوش الحجاج بن يوسف الثقفي، ما اضطرهم للهجرة إلى تلك السواحل، ومن هناك انطلقت مسيرة الإسلام في زنجبار، ومع أنّ هذا ليس أول احتكاك بين العرب والأفارقة في تلك المنطقة، فالعلاقات بين الطرفين تمتد إلى القرن الأول ميلادي، حيث كانت بينهم علاقات تجارية وكانت الموانئ في زنجبار تعجّ بالسفن العربية.

واستمرت العلاقات بين العرب والزنجباريين سنوات طويلة وكان المسلمون يشكلون 70 بالمئة من السكان، إلى حين الاجتياح البرتغالي لزنجبار الذي تم بعد مرور الرحالة البرتغالي “فاسكو دي جاما” على سواحل أفريقيا الشرقية عندما كان عائدا من الهند سنة 1449 م، وبعد 51 سنة من ذلك التاريخ كان الأسطول البرتغالي الحربي قد رسى على سواحل زنجبار وتمكّن من اخضاع كافة الجزر بالقوة وبحرق الأخضر واليابس وتدمير البيوت على قاطنيها، حتى قال أحد الشيوخ الذين عاصروا تلك النكبة في رسالة بعثها إلى جزر مجاورة لتحذيرهم من المحتل البرتغالي: “ليس فيها حي ولا رجل ولا امرأة ولا صغير ولا كبير ولا طفل ولا رضيع وكل من عجز عن الهرب قتل أو مات حرقا”، فكانت تلك الفترة من أكثر الأيام فتكا وترويعا في تاريخ أفريقيا الشرقية بأسرها، وهنا يظهر للباحث المنصف ما قدّمه العرب المسلمون من أمان ورخاء لإخوانهم الأفراقة والسواحليين وبين ما قدّمه الاستعمار الغربي من قتل وتشريد وحرق.

سلطان عمان يلبّي نداء أهالي زنجبار

بعد تلك النقطة السوداء من التاريخ استمر حكم المستعمر البرتغالي طيلة قرنين من الزمن، حتى جاء اليوم الذي توحّد فيه السكان الأصليون وطلبوا النجدة والعون من سلطان عمان آنذاك، فلبّى النداء وجهز جيشا عربيا قويا أجلى البرتغاليين بالكامل من أرض زنجبار ولقنّهم درسا شديدا لم ينسوه، وهزمهم شرّ هزيمة، ومنذ ذلك الحين دخلت زنجبار رسميا تحت حكم سلاطين عمان الذين تعاقبوا على تسيير شؤونها بما يراعي مصلحة الزنجباريين والعرب على حد سواء، مع وجود تقصير هنا وهناك بسبب طيش بعض السلاطين وحدوث فتن أثناء التنازع على السلطة، ولكن كانت الأوضاع مستقرة بشكل عام.

 

الحركية العلمية في زنجبار

شهدت زنجبار صحوة علمية خاصة بعد قيام الدولة البوسعيدية، حيث كثرت المؤلفات، وأضحت مهوى العلماء من المناطق المجاورة فساهموا في نهضتها العلمية والفكرية، كما عكفت الدولة على تعليم الناس دينهم، وفتح المدارس القرآنية التي يسمونها “الخلاوي” أو “الدوكسي”، ومن كبار علماء زنجبار نذكر منهم: محمد بن علي المنذري وكان رئيسا للقضاء في عهد السلطانين سعيد وولده ماجد، يوسف بن ناصر الخروصي الذي هاجر إلى زنجبار قادما من عمان سنة 1300هـ، سعيد بن علي المغيري صاحب كتاب “جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار”، سليمان بن محمد بن سليمان العلوي، محسن بن علي البرواني، علوي بن عبد الرحمن المشهور باعلوي، وغيرهم المئات من العلماء الأجلاّء الذين كان كثير من على مذهب الامام الشافعي رضي الله عنه.

بداية النهاية

واستمر الحكم العربي العماني لزنجبار قرونا طويلة من الزمن، حتى أواخر القرن الثامن عشر وبالتحديد سنة 1891م حيث بدأت الوصاية البريطانية على زنجبار، بسبب قلقها من القوة العسكرية لزنجبار وأسطولها الحربي وما قد يشكله ذلك من خطر على مصالحها في المنطقة، وأيضا كان للفتن التي وقعت بين أفراد الأسرة الحاكمة دور خطير في زعزعة الاستقرار، تقسمت على اثره الامبراطورية العمانية، فانتهزت بريطانيا الفرصة وأعلنت وصايتها على زنجبار التي دامت 70 سنة، مع أنّ الشعب الزنجباري كان لا يزال تربطه علاقات وطيدة بالعرب وكان تحت حكم العمانيين وإن بطريقة غير مباشرة بسبب انفصال مسقط عن زنجبار بالتدريج حتى حدث الفصل التام بين الدولتين.

وتحلّ الكارثة..

وفي منتصف ليلة 11 من يناير 1963 شق هدوء الليل صوت الرصاص في أرض زنجبار الآمنة المطمأنة لتبدأ رواية كانت عبارة عن مجزرة راح ضحيتها 20 ألفا من العرب القاطنين في زنجبار، حيث حدثت ثورة بايعاز من قوى الاستعمار متبعة سياسة -فرق تسد- وجرّاء مؤامرات ماكرة لتحريض السكان ضد العرب، مما تسبب في انهاء الحكم العربي لزنجبار وتوابعها خلال يوم واحد، ففي صباح 12 يناير سقطت الدولة وطُمست الهوية على أيدي شعب غُرّر به من قبل قوى الشر العالمية.

هذه القوى الشريرة التي ما برحت منذ عرفت أفريقيا حتى اليوم وهي تحاول قصارى جهدها في احداث الفتن وزرع القلائل في أرجاء هذه القارة، فبهذه العقلية سادت وتسلطت على رقاب الناس، ونهبت الخيرات التي بنت على أنقاضها امبراطوريات ومماليك ادّعت الحضارة والانسانية زورا وبهتانا.

ضياع زنجبار من أيدي العرب

بعد تلك الحادثة الأليمة التي أنهت حكم العرب في زنجبار، تم توحيد زنجبار مع تنجانيقا في السابع والعشرين من سنة 1964، لتتشكل بعد ذلك دولة تنزانيا المتعارف عليها اليوم، فانقطعت العلاقات الرسمية بين العرب وزنجبار بضع سنين مع استمرار العلاقات التجارية والاجتماعية على الرغم مما حدث، وكانت أول زيارة لرئيس تنزانيا سنة 2012 التقى خلالها السلطان قابوس، حيث قدم اعتذارا رسميا عن المجازر التي وقعت ضد العرب عامة والعمانيين خاصة.

تحوي زنجبار اليوم على حوالي 300 مسجد على صغر حجمها، مع وجود آثار الحضارة العربية الإسلامية ماثلة في كل شبر من أرض زنجبار، تروي تاريخ أمة لعب بها المستعمر فانقلبت على اخوانها المسلمين ونسيت قرونا من الرقي والازدهار، تحولت بعدها إلى غابات وفقر مدقع وغياب للهوية، وانقياد تام للمستعمر.

الكثير اليوم من أبناء زنجبار لا يعرفون حقيقة تاريخهم وانتمائهم، وزاد الأمر سوءا تقصير العرب في إعادة احياء هذا التاريخ ونشره وبثّه بين الناس، فالدراسات والبحوث والمقالات عن زنجبار وما وقع بها تكاد تكون منعدمة، وما وجد منها فهو حبيس أدراج الباحثين في الجامعات والمراكز المتخصصة، و المحزن في حكاية زنجبار أنّ هناك أمة تنكرت لتاريخها واستبدلت العزة بالمهانة والقوة بالضعف، فذاقت وبال أمرها وخسرت ما بنته طيلة قرون طويلة من حكم الإسلام على أرضها جرّاء اتباعها لدسائس المستعمر الذي لم يرد بفعله هذا الا القضاء على الإسلام وأهله في منطقة أفريقيا الشرقية والتي كانت زنجبار لؤلؤة تضيئ في سمائه ومنطلق الإسلام والفتوحات ابان الحكم العربي.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى