زر التطبيع.. هكذا هدم السيسي الجبهة العربية المعادية لـ”إسرائيل”
إعداد الخليج أونلاين
كان وصول عبد الفتاح السيسي إلى السلطة في مصر بمنزلة الهدية الكبرى التي قُدمت لدولة الاحتلال الإسرائيلي من السعودية والإمارات، التي يصفها المحللون المصريون بالممول الرسمي للانقلاب العسكري على أول حكم مدني وصلت إليه مصر عام 2012.
لكن الجيش الذي قاد الانقلاب لم يعد لديه ذات الدعم الشعبي في مصر وفي الوطن العربي أيضاً، فقد خسر أغلبه نتيجة للفساد المستشري في كل دائرة حكومية، بالإضافة لانتهاكه لحقوق الإنسان، وتطبيعه الصريح والعلني مع “إسرائيل”.
فمنذ أكتوبر 2013، أي بعد الانقلاب في مصر بنحو 3 شهور، كشفت صحيفة “معاريف” العبرية أن وفداً إسرائيلياً زار القاهرة عقب عزل الرئيس الراحل محمد مرسي، والتقى قيادة الجيش للتأكد من تواصل التعاون الأمني بين الجانبين.
واعتبرت الصحيفة أن التعاون الأمني بين “إسرائيل” والجيش المصري “أصبح من العمق والاتساع” بشكل لم يسبق له مثيل.
على مثل هذه العلاقة بدأ التعاون المصري الإسرائيلي؛ وفق أسس جديدة ومنطلقات حددتها حكومة الاحتلال، بقيادة بنيامين نتنياهو، والسيسي متوافق معها بشكل كامل، وهو ما طغى على منطقة عربية كان الجيش المصري أبرز أذرعها في قلب المنطقة العربية.
ومن المهم القول إن علاقة الشراكة بين نظام السيسي و”إسرائيل” أضعفت أي نوايا عربية للدفاع عن القضية الفلسطينية والتلميح لمحاربة الاحتلال، حيث تقع مصر على أبرز جبهة مفتوحة نحو “إسرائيل”، في حين ضمنت تل أبيب الجبهات الأخرى الملاصقة؛ بتطبيع قديم مع الأردن، وفوضى في سوريا، وحصار على قطاع غزة.
كما بدت دول عربية أخرى ذات اقتصادات قادرة على حشد أي تصعيد ضد “إسرائيل” مؤيدة لمسيرة السيسي في التطبيع؛ فقد كانت السعودية والإمارات أبرز داعمي النظام المصري بعد انقلابه، وأغدقت عليه حتى ثبت أركان حكمه.
“إسرائيل” ما قبل السيسي
بالعودة إلى ما قبل تلك الاجتماعات، حيث تسلم الرئيس الراحل، محمد مرسي، رئاسة مصر عام 2012، واستمر لعام واحد في سدة الحكم، بدت “إسرائيل” منزعجة للغاية من وجوده، وبدأت بتحصين الحدود مع مصر بشكل أكبر، ورفعت الجاهزية العسكرية في البلاد.
فقد ذكرت صحيفة “ذا ماركر” الإسرائيلية تقريراً، في مايو 2015، قالت فيه: إنّ “نفقات ميزانية الحرب الإسرائيلية عام 2010 كانت تبلغ 64.4 مليار شيكل (18.1 مليار دولار)، ارتفعت في أعوام 2011 و2012 إلى 66.8 مليار شيكل (18.8 مليار دولار)”.
وأضافت الصحيفة أنه في عام 2013، خلال عهد مرسي، نشرت “إسرائيل” خططاً لبناء وتجهيز 4 ألوية جديدة على حدود دولة الاحتلال مع مصر في سيناء؛ ما جعل الموازنة ترتفع إلى 70 مليار شيكل (19.7 مليار دولار).
لكن بعد ظهور السيسي في المشهد السياسي المصري تخلت “تل أبيب” عن خططها العسكرية وتقلصت الميزانية إلى 62 مليار شيكل (17.4 مليار دولار) فقط، مبينة أنه “لولا التطور السياسي في مصر لازدادت النفقات الأمنية الإسرائيلية بنسبة 40% على أقل تقدير”.
وفي عام 2014، اختارت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية عبد الفتاح السيسي شخصية العام في الشؤون الإقليمية.
وقد أورد الباحث الفلسطيني صالح النعامي على صفحته بموقع “تويتر” العديد من آراء المسؤولين الإسرائيليين في الصحف المحلية حول الانقلاب الذي قاده السيسي في مصر، فقد نقل عن وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق، بنيامين بن إليعازر، أن “احتفاظ العسكر بصلاحيات الحكم في مصر يمثل مصلحة قومية لإسرائيل”.
في حين قال وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق، موشيه أرنس: إن “صعود السيسي أفضى إلى انهيار الجبهة العربية المعادية لإسرائيل نهائياً، وقد اكتشف هو وبعض الحكام العرب أن القواسم المشتركة التي تربط أنظمتهم بإسرائيل كبيرة، على رأسها مواجهة الإسلام الأصولي”.
ويرى مراقبون أنّ هذا المبدأ تشترك فيه كل من دولة الاحتلال الإسرائيلي ومصر والسعودية والإمارات والبحرين، حيث إنها تعادي الإسلاميين وتزج بهم في السجون بحجة التطرف، وهي تمارس أنواعاً أفظع بكثير تجاه شعوبها.
شراكة استراتيجية
التناغم الإسرائيلي مع النظام المصري تحول بعد فترة وجيزة من الانقلاب العسكري إلى علاقة أكثر وداً وقرباً، وتحدث السيسي، في يناير 2016، عن “السلام الدافئ مع إسرائيل”، أثناء افتتاح مشروعات حكومية في مدينة أسيوط.
وفي فبراير 2017، فجرت صحيفة “هآرتس” قنبلة صحفية أخرى؛ قالت فيها إن نتنياهو التقى بالرئيس عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ووزير الخارجية الأمريكي وقتها، جون كيري، في منتجع العقبة الأردني على البحر الأحمر، في 21 فبراير 2016، ويبدو أن هذا اللقاء كان الأول من نوعه بين الطرفين.
في إطار ذلك سبق للقناة العاشرة الإسرائيلية أن قالت، في 28 فبراير 2016: إن “السيسي يتحدث بشكل دوري مرة كل أسبوعين مع نتنياهو، وإن الأول التقى السفير الإسرائيلي بالقاهرة حاييم كورين عدة مرات، وإن التعاون الأمني بين الجانبين يزداد قوة وكثافة”.
هذا الدفء في العلاقة فتح المجال على تعاون أكبر بين الجانبين في ظل الوضع الأمني المتردي في سيناء؛ فقد قالت دراسة بحثية إسرائيلية: إن “مصر تواصل حربها ضد الجماعات المسلحة في سيناء من خلال شراكتها مع إسرائيل في المجالين الأمني والعسكري”.
وأضافت الدراسة الصادرة عن معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، عام 2017، أنه “رغم عدم تحقيق نجاحات مصرية في هذه المواجهة العسكرية فإن نجاح المجموعات السلفية الجهادية في نقل عملياتها الدامية إلى داخل القاهرة يدفع الأخيرة لتوثيق تعاونها مع تل أبيب، رغم أن الكشف العلني عن هذا التنسيق مع إسرائيل لا يروق للنظام المصري؛ خشية غضب الرأي العام”.
ويقول الخبير الإسرائيلي في تاريخ الشرق الأوسط، أوفير فينتر، (في ذات الدراسة)، إنه بسبب المصلحة المشتركة الأمنية المصرية الإسرائيلية فقد وافقت الأخيرة للجيش المصري على دخول سيناء بقوات تتجاوز المتفق عليه في اتفاقية كامب ديفيد الموقعة بينهما قبل ثلاثة عقود.
وبحسب فينتر فإن مستوى الثقة الأمنية لدى الأجهزة الأمنية في الدولتين وصل إلى مستوى نقل تل أبيب إلى القاهرة تكنولوجيا عسكرية واستخبارية عملياتية، فضلاً عن قيام الطائرات الإسرائيلية بتنفيذ غارات عسكرية في سيناء بموافقة القاهرة.
وختمت الدراسة بالقول إنه رغم ما تقدمه “إسرائيل” من دعم للجيش المصري في حربه داخل سيناء فإنها لم تحصل على تأييد من الرأي العام المصري، على العكس من ذلك؛ فإن المصريين يتهمونها بالوقوف خلف تنفيذ بعض العمليات التي تشهدها سيناء.
تعاون وعمليات مشتركة
ولم تتوقف الأمور هنا، فقد كشفت صحيفة “نيويورك تايمز، في فبراير 2018، النقاب عن شن الطائرات الإسرائيلية غارات جوية على سيناء لضرب مواقع المسلحين الموجودين في سيناء بموافقة السيسي.
وقالت الصحيفة الأمريكية: إنه “على مدى أكثر من عامين قامت طائرات بدون طيار إسرائيلية، وطائرات هليكوبتر، ومقاتلات، بغارات جوية سرية بلغت أكثر من 100 غارة داخل مصر، وفي كثير من الأحيان أكثر من مرة في الأسبوع، بموافقة الجيش المصري”.
وأردفت الصحيفة: إن “تعاون الجيش المصري والجيش الإسرائيلي في شمال سيناء هو الدليل الأكثر دراماتيكية على أن سياسة المنطقة يُعاد تشكيلها بهدوء”، مبينة أن “وجود أعداء مشتركين مثل داعش وإيران، دفعت قادة العديد من الدول العربية بهدوء إلى مواءمة متزايدة مع إسرائيل”.
اهتزاز دور الجيش المصري
وفي ظل الوضع الداخلي المتردي اقتصادياً وأمنياً ومعيشياً، ظهر الجيش المصري أمام العالم فاقداً لهيبته؛ بسبب الأسلوب الذي أدار به السيسي البلاد، وتعرضه للسخرية المستمرة على وسائل التواصل الاجتماعي من القوات المسلحة باعتبارها العنصر الأول والأساسي في الفساد المستشري بكل مناحي الحياة اليومية.
ويبدو أن الشعوب العربية أيضاً لم تعد تعول على الجيش المصري ولا على غيره في موضوع مواجهة “إسرائيل”، خصوصاً إذا ما نُظر إلى الأمر من ناحية التطبيع المُعلن، والعلاقة “الرومانسية” بين النظام المصري والحكومة الإسرائيلية.
وزاد في اهتزاز هيبة الجيش المصري الارتباك الذي ظهر مؤخراً في مؤسساته في التعامل مع التسريبات التي كشفها أحد المقاولين الذين تعامل معهم.
فقد ذكرت تقارير إعلامية أن جيش البلاد تأثر بشكل كبير جراء تسريبات المقاول والفنان المصري محمد علي، وأحدث خلافات واسعة داخل مؤسساته.
وقد أقر السيسي خلال مؤتمر للشباب في القاهرة، يوم 14 سبتمبر الجاري، بما سرّبه محمد علي من بناء قصور رئاسية جديدة، مؤكداً أنه سيواصل بناء المزيد “لأنه يبني دولة جديدة” لكل المصريين وليس لنفسه، على حد قوله.
وأقسم أن ما أشيع عن تأخير إعلان وفاة والدته أو تجديد مقبرتها وما أشيع من أمور حول ذلك كله كذب وافتراء.
وقال إن “الأجهزة”، في إشارة إلى المؤسسات الأمنية والمخابراتية ببلاده، طلبت منه عدم الحديث في هذا الأمر، مضيفاً: “كادوا يبوسوا (يقبلوا) إيدي من أجل ما أقولش الكلام ده”.
وكان محمد علي أصبح منذ أيام حديث الشارع المصري، بعد نشره فيديوهات على حساباته بمواقع التواصل، يكشف فيها عن فساد كبير بمؤسسة الجيش، و”إهدار المال العام من قِبَل الرئيس عبد الفتاح السيسي”.
وتصدَّرت تصريحات علي -وهو صاحب شركة أملاك للمقاولات- وسائل إعلام عربية، وبات المصريون والعرب المهتمون بـ”قضايا الفساد في مصر” التي تحدَّث عنها علي يترقبون مقاطع الفيديو التي ينشرها الواحد تلو الآخر على حساباته.
(المصدر: الخليج أونلاين)