مقالاتمقالات مختارة

رسالة مفتوحة إلى الشيخ ابن بيه

رسالة مفتوحة إلى الشيخ ابن بيه

بقلم الحسن ولد ماديك (باحث في تأصيل القراءات والتفسير وفقه المرحلة، رئيس مركز إحياء للبحوث والدراسات)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أقرأ لك وأسمع فأجِدُنِـي أمامَ دعوةٍ جادَّةٍ إلـى دِينٍ جديدٍ وجعلْتَ دَلِيلَهُ الشّرعيّ وتأصيلَه ومَرْجِعِيَّتَهُ (مُوافقَةُ مَزاجِ الحاكم) بِاتِّـخاذِ مَا حَسَّنَهُ الْـحاكِمُ ولِـيُّ أَمْرِكم حَسَنًا شَرْعِيًّا واتِّخَاذِ ما كَرِهَهُ الحاكِمُ ولِـيُّ أمْرِكم قبيحًا شَرْعِيًّا، وإنّها لسابِقَةٌ في تاريخِ الإسلام أن لا يَرَى فقيهٌ أصولِـيٌّ في تشْريدِ العامّةِ وتمزيقِها وتحريقِها في اليمَن وسوريا وغزّة وليبيا مُنْكَرًا وأن لا يَرَى فِي بَرامِيلِ بشار الحارِقَة ولا في تَـحريقِ غزَّة وتهجيرِ الفلسطينيين إرهابًا وأن لا يَرَى في حَبْسِ حَمَلَةِ العلم الشرْعِيِّ ورِجال الفِكْرِ في قَعْرِ مُظْلِمَةٍ ظُلْمًا وأنْ لا يَعتبِرَهم مِن إخوانِهِ فِي الدِّينِ بل يسلُبُهم مِن الـحُقوقِ الإنسانيّة ما يُقِرُّ بِه لـجميع الْـمِلَلِ والنِّـحَلِ إلا المسلمين وأن لا يَرَى وَجها شَرْعِيًا ولو مَرْجُوحًا لإدْخَالِ الْـمُسْلِمِينَ في مَبَادِئِ السِّلْمِ والتسَامُحِ.
إنّ مُغالَطَةَ العامَّةِ وتجهيلَها بتسخِيرِ دِينِ اللهِ الْمُنَزَّلِ (الإسلامِ) في الدِّعايَةِ لِمَزاجِ حاكمٍ أو محبوبٍ لَـمِن أفجَرِ الفجورِ وأطغَى الطغيانِ وأظهَرِ مظاهِرِ النِّفاقِ وإنّه لـمُحْبِطٌ دَعوَى نشْرِ السِّلْمِ والتسامُح وإنّه لـمِنَ الْقَولِ على اللهِ ما لَـمْ يُنَزِّلْ بِه سُلطانا.
أيُّها الشيخُ الوقور سلَّمَكَ اللهُ
أُعيذُكَ بِاللهِ مِن حالِ هيْئَةٍ وَصَفَها الحاكمُ بكِبارِ العلماءِ كانتْ تُكْرِمُ الإخْوانَ وتُزَكِّهم فَلَمَّا تَغَيَّرَ مَزاجُ الحاكم انْقَلَبوا رأْسًا على عَقِبٍ مُرْتَدِّين عن فتاويهم السَّابِقَة وإن يَنْقَلِبْ مَزاجُ الحاكِمِ غدًا فَبِأَيِّ وَجْهٍ سيُخاطِبونَ العامَّةَ.
وإذ لستُ مِن الإخوان وإنَّـما مِن الْـمُسلِمِين الراغبين عن الانتساب إلى مَذهبٍ أو حِزْبٍ أو طائفة مُقِرٌّ بِفَضْلٍ في الإخوان ومنه سِلْمِيّتُهم وحِرْصِهم على التعايُشِ مع الغيرِ رغمَ حِرْمانِي مِن مُؤسّساتِهم ومنابرِهم العلميّةِ إقراري بأن في كل مذهب وفِرقة وطائفة مِن المسلمين نَصِيبا مِن الخيرِ ونسبةً مِن الحقِّ تَزِيدُ على إقرارِنا بأنّ مع اليهود والنصارى نصيبا مِن الحقِّ ومِنْهُ إقرارُهم بأنّ الله هو خالِقُ السَّماواتِ والأرض وبأنّه أرسل رُسُلا وبأنّه سيبعثُ الناس بعد الموت للحساب، ومُقِرٌّ بأنّ مِن الإنصاف والعدْل في دِينِ الإسلامِ أن ليسَ كُلَّ صوفِـيٍّ خُرافِـيًّا وليْسَ كُلُّ سَلَفِـيٍّ تكفيرِيًّا وليْسَ كلُّ يَهودِيٍّ صهيونِيًّا وليْسَ كلُّ نصرانِـيٍّ صليبيًّا وليْسَ كُلُّ حاكِمٍ متفرْعِنًا جَبَّارًا فِـي الأرضِ يسفِكُ الدِّمَاءَ ويُعَذِبُ مُعارِضِيهِ.
أيُّها الشيخُ الوقور سلَّمَكَ اللهُ
أدعو ربِّـي لِيُكْرِمَكَ بَقَيَّةَ عُمْرِكَ بتوبَةٍ نَصوحٍ تتفرَّغُ بها لتِبْيَانِ ما انغلقَ على البشرِيَّةِ مِن كُلِّيَّاتِ القرآن ومِن غَيْبِه الذِي يُوشِكُ أن يُصْبَحَ شهادةً فهو أزْكَى لك وأبْقَى مِن حُظْوَةٍ قليلةٍ زائِلَةٍ وبانتظارِ يومٍ خَطِيرٍ مُنْتَظَرٍ فـي الدُّنْيَا وإن صَدَقَ ظَنِّـي فَلن يتأخَّرَ عن 2021.
إنّ المثاني في قوله تعالى:
﴿وَهُوَ الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ﴾[الأنعام 73] ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾[مريم 38 ـ 39] وتضمّن حرف الأنعام وَصْفَ ثلاثة أيامٍ أوَّلُها يوم خَلَقَ اللهُ السماوات والأرضَ وقد مضى وانقضى ووَسَطُهما يوم يَقُول اللهُ كُنْ فَيَكُونُ وهو مُنْتَظَرٌ في الدُّنيا وآخِرُها يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصور وهو مُنتظَرٌ بعد الموت.
وتضمّن حرف مريم وصفَ ثلاثة أيام أحدُها يَومُ يُحْشَرُ النَّاسُ يأتُونَ رَبَّهم للحساب وثانيهما يومُ كان القرآن يتنزّلُ وثالِثها يومُ الْـحَسْرَة حِينَ يَقْضِى اللهُ الْأمْرَ والنَّاسُ في غفلةٍ وهم لا يُؤمنون.
إن قوله تعالى ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ لمن المثاني مع قوله ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ أيْ هو يوم الحسرة الذي سيَقضِى اللهُ فيه الأمرَ فجأة في الدنيا موطِنِ الغفلة والإيمان.
أيُّها الشيخُ الوَقُورُ
أرجو أن لا يُشْغِلَنَّكَ خِذْلَانُ حَمَلةِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ المخطوفين في السجون الوطنية ولا تجريم الإخوان المسلمين بتهمة الإرهاب والتطرف عن الاستعداد ليوم الحسرة يوم يقولُ اللهُ كُن فيكونُ قَضاءً منه ستنقَلِبُ بِه الموازين والمفاهيمُ ويَتِمُّ به نفاذ وعْدِ اللهِ ﴿وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾[هود 3] العاشر ربيع الآخَر 1442 هـ

(المصدر: رسالة بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى