رسالة إلى بعض العلمانيين السوريين
بقلم عبد الحليم عباس
أصدقائي.. لن أحييكم بتحية الإسلام لإنها قد تستفزكم.. ولن أذكر اسم الله كثيراً لأن ذلك قد يكون مؤشراً على تخلفي ورجعيتي.. كيف لا وأنا العبد الفقير الذي أشرب الشاي بينما تحتسون قهوتكم بكل رقي.. وأنا أقرأ الصحف.. وأنتم تطالعونها “بأكابرية”.. وأنا أنتمي إلى الشعب الفارغ فكره.. الغارق بجهله.. المتمسك بكل غباء بإرثه الحضاري.. المحب لعقيدته بتبعية عمياء.. شعب لا يمكن له أن يداني غزير علمكم.. ووفير فهمكم وإدراككم.. كيف لا وأنتم السابحون في بحور الحرية وإن كنتم تصادرون حق مخالفيكم في اختيار شكل دولتهم ونظام حكمها.. وأنتم الدائرون في فلك الديمقراطية كما النجوم وإن كنتم تدعون إلى حظر الأحزاب الدينية.. وأنتم المنصهرون في بوتقة اللاطائفية وإن كنتم تتكتلون وتتحزبون في غالبكم حسب أديانكم ومذاهبكم.. وأنتم المنسجمون مع مبادئكم حد التماهي في إبعاد كل الأديان عن الدولة.. وإن كنتم ترمون الإسلام دون غيره بصائبات سهامكم.
أصدقائي.. باسمي وباسم الغوغاء من شعبكم.. أعتذر من سمو مقامكم على كل الفظائع التي ارتكبناها بحقكم وبحق الوطن.. نعتذر لأننا حملنا السلاح بوجه قاتلنا.. ولم نواجهه بكتب بلاك وبورتون وبازانو ولوتز.. نعتذر لأن شرذمة صغيرة مسلمة ومؤمنة بعقيدتها ولا تتعدى الثمانين بالمائة من الشعب السوري قد انتفضت شبه وحيدة ضد الظلم والقهر.. وأفسدت الثورة الحقيقية الفكرية الكبرى التي كنتم على وشك البدء بها من الشانزليزيه والبانهوف وهونولولو.. نعتذر منكم لأن تعصبنا وإنتماءنا العقدي قد جعلنا ننتظر مضادات الطائرات كثيراً.. ولو كنا استمعنا لكم منذ البداية لأسقطنا الميج والسوخوي بنظريات بيستمان ومورت.. نعتذر منكم لأننا كأكثرية مسلمة متخلفة قد ثرنا مرددين “الله أكبر” و”قائدنا للأبد سيدنا محمد”.. ولم يخطر ببالنا أن نستورد شعباً سيخياً أو هندوسياً أو بوذياً أو نطرح مناقصة عامة للتعاقد مع ملايين من العلمانيين ليقوموا بالثورة بدلاً عنا..
أصدقائي.. أعدكم أننا في الثورة المقبلة سنضعكم في مقدمة المظاهرات التي لم يمنعكم عنها إلا تعصبنا وتطرفنا.. أعدكم أنكم أنتم من سيقود المظاهرات بعد أن فقدنا الساروت “الإسلامي الإرهابي”.. لترددوا ونردد معكم نحن المسلمون المتمسكون بغباء بعقيدتنا “لا للإسلامية.. سوريا علمانية”.. أعدكم أننا سنحتسي القهوة معكم وبكل رقي.. وسننهل من غزير ثقافتكم من قلب الحصار.. وتحت القصف والدمار.. في حلب والغوطة وحمص ودرعا.. لا يهم.. فصوت الفكر المستنير يعلو على صوت الغراد والسكود.. ومعاداة الإسلام هي من ستحصد أرواح جنود الأسد وتوقف إجرامه.
أعدكم بكل أمانة أننا سنجتث من أفواه الأمهات الثكالى “حسبي الله ونعم الوكيل”.. وسنعلم أبناءنا أن “الله أكبر” طائفية بغيضة.. تستفز مشاعر النخبة في مجتمعنا.. وسنطلب من “الإرهابيين” المجاهدين أن يرقصوا السامبا والتانغو بدل أن يسجدوا لله شكراً عند كل انتصار.. ثقوا تماماً أن كلمة “شهيد” ستسقط من قاموسنا لأنها ذات مدلولات دينية مشؤومة.. ولن نلقن الذي يقفون على أعتاب الموت الشهادتين.. بل سنعلمهم أن يقولوا “المجد لروحي.. فالأرقد بسلام في غياهب الأفق السرمدي”..
أصدقائي.. وبعد كل ما قلته.. استأذن رقي فكركم وسعة اطلاعكم.. لأذكركم أنا الغوغائي البسيط.. عديم الثقافة والفهم.. بأن العلمانية هي فصل الدين عن الدولة وليست فصل الدين عن الشعب.. ولا سلب العقيدة من نفوس الناس أو استهداف الدين.. ولا هي إعادة تشكيل للشعب وقولبته بكل ما يحمله من موروث ديني وثقافي حسب رؤيتكم ومفاهيمكم.. علمانيتكم هي إرهاب فكري ومجتمعي طالما أنها لا تحظى بقبول أكثري ولا تلتزم بالمبادئ التي أسست عليها.. ومع ذلك كله لا تقلقوا.. فأنا واثق بأن نظرياتكم وأفكاركم ستجد مكاناً لها عند السوريين.. إذ يقول فيرينز.. تلك الفكرة التي لا تشغل حيزاً في قلوب الشعوب.. ستجد حتما مكاناً لها تحت أقدامه.
(المصدر: مدونات الجزيرة)