مقالاتمقالات مختارة

رؤيةٌ شرعيةٌ للمقاديرِ المُعاصرةِ لنصابِ الزكاةِ وفديةِ الصوم

رؤيةٌ شرعيةٌ للمقاديرِ المُعاصرةِ لنصابِ الزكاةِ وفديةِ الصوم

أ. د. حسام الدين عفانة

يقول السائل: أرجو توضيح نصابِ الزكاة وفديةِ الصوم بالمقادير المعاصرة، وأرجو أن تُعَلِّقَ على قول مَنْ جعل نصاب الزكاة للعام الماضي هو نصاب الزكاة للعام الحالي، أفيدونا ؟

الجواب:

أولاً:مقدار نصاب الزكاة توقيفي ثابت عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فعن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال:(ليس عليكَ شيءٌ – يعني في الذَّهَبِ- حتى تكونَ لكَ عِشرونَ دينارًا، فإذا كانت لكَ عشرونَ دينارًا وحال عليها الحَوْلُ، ففيها نِصفُ دينارٍ، فما زاد فبِحِسابِ ذلك) رواه أبو داود والبيهقي وحسَّنه الحافظ ابنُ حَجَرٍ وصحَّحه الألباني في صحيح سنن أبي داود.

وأجمع العلماء على ذلك ونقل الإجماعَ عددٌ من العلماء كالشافعيُّ وأبو عُبيدٍ القاسِمُ بنُ سلَّام وابنُ المُنْذِر وابن بطَّال والماورديُّ والقاضي عِياض، فالنصاب هو عشرون مثقالاً من الذهب، أي عشرون ديناراً، وهو الدينار الذهبي الذي كان معروفاً في عهد النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأصله من الروم، وأقرهُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ووزنه مطابقٌ للأوزان المكية، حيث قال: النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم:( الوزنُ وزنُ أَهْلِ مَكَّةَ والمِكْيالُ مِكْيالُ أَهْلِ المدينةِ) رواه أبو داود والنسائي، وصححه العلامة الألباني .

فقد أخبَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بأن الوزن المعتبَرُ في الزَّكاةِ في النُّقودِ يَكونُ لأهلِ مكَّةَ لأنَّهم أهلُ تجارةٍ، وعِلمُهم بالموازينِ أكثَرُ مِن غيرِهم.

ولما كان عهدُ الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ضربَ النقود، فكان الدينارُ الذي سكه معادلٌ للدينار المعروف في عهد النبي صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وقدَّر العلماءُ المعاصرون الدينارَ الإسلامي الذي سكَّه عبد الملك بوزن أربعة غرامات وربع الغرام، وقد ثبَت ذلك التقدير عن طريقِ تتبُّعِ أوزانِ الدنانير الأموية المحفوظةِ في المتاحِفِ العربيَّةِ والغربيَّةِ، حيث قام مجموعةٌ من العلماء والباحثين بوزن عددٍ كبيرٍ من دنانير عبد الملك بن مروان، فوجدوا أن متوسط وزنها أربعة غرامات وربع الغرام، وهذه الطريقةُ هي أمثلُ الطُّرُقِ

لمعرفةِ الدِّينار الشَّرعيَّ، وأبعدُها عن الخطأِ، وأقرَبُها إلى المنهجِ العلميِّ؛ لابتنائِها على استقراءٍ واقعيٍّ لنقودٍ تاريخيَّة، لا مجال للطَّعنِ في صحَّتِها وثُبوتِها. انظر بحث الإطعام في الكفارات بالمقادير المعاصرة.

وبناءً على ذلك يكون نصاب الزكاة هو خمسة وثمانون غراماً من الذهب عيار (24 قيراط) (20×25 ,4 =85 وحسب سعر الذهب عيار 24 اليوم الاثنين 11 رمضان 1441هـ الموافق 4/5/2020 م =194.81 شيكل× 85= 16559 شيكل ويساوي بالدينار 3345ديناراً ويساوي 4612 دولار

ثانياً: ينبغي أن يعلم أن تقدير نصاب زكاة النقود يكون بالذهب وليس بالفضة، لأن من المعلوم أن مقدار النصاب من الذهب – عشرون ديناراً – كانت تساوي مقدار نصاب الفضة في عهد النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولكن سعر الفضة أخذ في الهبوط بعد ذلك العهد إلى أن صار الفرق بين النصابين كبير جداً بينما بقي الذهب محافظاً على سعره إلى وقتنا الحاضر مع اختلاف يسير ونظراً للهبوط الكبير في سعر الفضة، رأى كثيرٌ من العلماء المعاصرين، أن تقدير النصاب في الزكاة بالذهب هو الصحيح، نظراً لثبات سعر الذهب دون الفضة.

ففي هذا اليوم الاثنين 11 رمضان 1441هـ الموافق 4/5/2020 م سعر غرام الفضة 999 (24 قيراط )= 1.69 شيكل× 595= 1000 شيكل تقريبا ويساوي 285 دولار ونصف أي حوالي 203 دينار

فهل يعتبر غنياً من ملك هذا المبلغ؟ ومعلوم أن الزكاة واجبة على الغني، لما ثبت (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عنْه إلى اليَمَنِ، فَقالَ: ادْعُهُمْ إلى شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَنِّي رَسولُ اللَّهِ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً في أمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِن أغْنِيَائِهِمْ وتُرَدُّ علَى فُقَرَائِهِمْ) رواه البخاري.

وقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:( إنَّما الصَّدَقةُ عن ظَهرِ غِنًى) رواه أحمد وابن حبان وغيرهما وإسناده صحيح .

ثالثاً: ينبغي التنبيه على أن الأخوة في دار الإفتاء والبحوث الإسلامية في الداخل الفلسطيني (كفر قاسم) قد اعتمدوا نصاب زكاة العام الفائت وهو

12700 شيكل ليكون هو نصاب الزكاة هذه السنة، بسبب الاضطراب الاقتصادي في “عام الكورونا” كما قالوا.

وحجتهم أنّ استصحاب سعر الذهب، في زمن الاستقرار (سنة 1440 هـ – 2019م)، لجعله معيارًا في اعتبار النصاب في “عام الكورونا”، أَوْلى من اعتماد سعر الذهب والسِّلع في زمن الاضطراب وعدم الاستقرار في هذا العام، “عام الكورونا ” (سنة 1441 هـ -2020 م).

وهذا كلام باطل شرعاً واستعمال لدليل الاستصحاب في غير محله ونتيجة هذا القول:أنه إن زكى أحدٌ ماله وفق هذا النصاب 12700 شيكل فهو لا يُزكي ماله بطريقةٍ صحيحةٍ شرعاً، لأن النصاب حسب سعر الذهب اليوم 16559 حيث يوجد فرق بمقدار 3859 شيكل، وهذا يجعل إخراج الزكاة غير جائز.

كما أن الأخوة في المجلس الإسلامي للإفتاء في أم الفحم، قدروا نصاب زكاة النقود 15800 ش والفرق بين المجلسين 3100 شيكل وهذا أمر مؤسف جداً؟؟؟

رابعاً: وأما مقدار الفدية في الصوم فقد قال تعالى:{ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}سورة البقرة الآية 184، فإن الواجب على الذي لا يطيق الصيام، كالرجل الهَرِمِ وكذا المرأة الهَرِمِة، إطعام مسكين عن كل يوم من رمضان، ويُلحق بهما المريضُ مرضاً مزمناً لا يرجى شفاؤُه، كالمصاب بالسرطان وغيره من الأمراض التي لا يُرجى شفاؤها.

وقد اختلف أهل العلم في مقدار طعام المسكين المذكور في الآية الكريمة، فقد ورد عن جماعة من الصحابة كعمر وابنه عبد الله وابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين، أن ذلك يُقَدَّر بمدٍ من الحنطة عن كل يوم من رمضان، فقد روى الدارقطني بإسناده الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:(إذا عجز الشيخ الكبير عن الصيام أطعم عن كل يوم مداً مداً).

وروى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:(مداً من حنطة لكل مسكين).

وروى عبد الرزاق في المصنف عن سعيد بن المسيب قال: (هي في الشيخ الكبير، إذا لم يطق الصيام، افتدى مكان كل يوم، إطعام مسكين مداً من حنطة).

وروى عبد الرزاق في المصنف عن عكرمة بن عمار قال: (سألت طاووساً عن أمي وكان بها عطاش -مرض- فلم تستطع أن تصوم رمضان، فقال: تطعم كل يوم مسكيناً).

ووردت آثار أخرى عن بعض الصحابة والتابعين قدَّروا الإطعام فيها بمدين، وهو قولٌ وجيهٌ يدل عليه ما ورد في فدية ارتكاب محظور من محظورات الإحرام، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم:( أطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع) رواه البخاري ومسلم.

والمدُّ ربعُ صاع والصاع يساوي 2176 غراماً أي أن المد يساوي 544 غراماً أي نصف كيلو وزيادة قليلة.

والمقصود بالطعام في الكلام السابق، أي يطعم من غالب قوت أهل البلد، وكانوا يطعمون الحنطة والشعير والتمر، وأما في زماننا فالقمح والأرز والطحين فهي غالب قوت الناس في بلادنا

وإذا أطعم المسكين وجبة واحدة من الطعام مشبعة فإن ذلك يجزئه.

وينبغي التنبيه على أنه يجوز إخراج القيمة بدلاً عن الإطعام، أي إعطاء المسكين نقوداً بقيمة الطعام. ويقدر ذلك بعشرة شواكل عن كل يومٍ.

خامساً: أنبه على أن الخصومات التي خُصمت من رواتب الموظفين لا يجوز احتسابها من الزكاة أو من صدقة الفطر لعدم وضوح جهة صرفها.

وخلاصة الأمر:

أن مقدار نصاب الزكاة توقيفي ثابتٌ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقد أجمع العلماء على ذلك.

وأن تقدير النصاب في الزكاة بالذهب هو الصحيح، نظراً لثبات سعر الذهب دون الفضة.

وأن تقدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية في الداخل الفلسطيني (كفر قاسم) نصاب زكاة العام الفائت وهو 12700 شيكل ليكون هو نصاب الزكاة هذه السنة كلامٌ باطلٌ شرعاً واستعمالٌ لدليل الاستصحاب في غير محله.

وأن مقدار الفدية في الصوم هو إطعام مسكين عن كل يوم من رمضان، ويُقَدَّر بمدٍ من الحنطة والمد يساوي 544 غراماً أي نصف كيلو وزيادة قليلة.

والطعام من غالب قوت الناس في بلادنا والغالب فيه القمح والأرز والطحين.

وإذا أطعم المسكين وجبة واحدة من الطعام مشبعة فإن ذلك يجزئه.

وأنه يجوز إخراج القيمة بدلاً عن الإطعام، أي إعطاء المسكين نقوداً بقيمة الطعام ويقدر ذلك في رمضان الحالي 1441 هـ بعشرة شواكل عن كل يومٍ.

والله الهادي إلى سواء السبيل

(المصدر: شبكة يسألونك الإسلامية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى