مقالاتمقالات مختارة

رؤيةٌ شرعيةٌ لتجارةِ الأغذيةِ منتهيةِ الصلاحيةِ وغيرِ الصالحةِ للاستهلاك الآدمي

رؤيةٌ شرعيةٌ لتجارةِ الأغذيةِ منتهيةِ الصلاحيةِ وغيرِ الصالحةِ للاستهلاك الآدمي

بقلم أ. د. حسام الدين عفاتة

يقول السائل: تطالعنا وسائلُ الإعلام باستمرارٍ بضبط الجهاتِ الرسمية لمواد غذائية غير صالحة للاستهلاك الآدمي في الأسواق، فما الحكم الشرعي في التجار الذين يسوِّقونها ويغشون الناس بها،أفيدونا؟

الجواب:

أولاً:لا شك أن هنالك كمياتٍ كبيرةٍ من الأغذية غير الصالحة للاستهلاك الآدمي الموجودة في أسواقنا،ويقوم كثيرٌ من التجار ببيعها لجمهور المستهلكين،وما تُعلن الجهاتُ الرسمية عن ضبطه منها قليلٌ من كثيرٍ مع الأسف الشديد.

إن جشعَ وطمعَ هؤلاء التجار هو الدافعُ الرئيس لتسويق الأغذية غير الصالحة للاستهلاك الآدمي،ولا يعنيهم أنهم يلحقون الأذى والضرر بالناس،والمهم عندهم أن يحصلوا على المال، ولو كان ذلك على حساب صحة الناس وأموالهم، فقد ازداد جَشَعُ التُّجّار وطمعهم في هذه الأيّام كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حيث قال:(لَوْ أنَّ لابنِ آدمَ وادِيًا من ذَهَبٍ لابْتَغَى إليهِ ثانيًا،ولَوْ أُعْطَي ثانيًا لابْتَغَى إليهِ ثَالِثًا،ولا يَمْلأُ جَوْفَ ابنِ آدمَ إلَّا التُّرَابُ،ويَتُوبُ اللهُ على مَنْ تابَ) رواه البخاري ومسلم.

وإن مما يؤسف له أن الصدقَ في التجارة تراجع بشكلٍ كبيرٍ بعد غلبةِ الجشعِ والطمعِ على كثيرٍ من التجار، وأصبح نادراً إلا عند من رحم الله عز وجل ،وأين هؤلاء التجار من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مع النَّبيينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ) رواه الترمذي وقال:حديث حسن.

وعن رفاعة رضي الله عنه أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون فقال:( يا معشرَ التُّجارِ!فاستجابوا لرسولِ اللهِ،ورَفعوا أعناقَهم وأبصارَهم إليه،فقال:إنَّ التُّجارَ يُبعثون يومَ القيامةِ فُجارًا؛إلا من اتَّقى اللهَ،وبَرَّ وصدق)رواه الترمذي وقال:حديث حسن صحيح،فالبرُّ والصدقُ والتُقى منجاةٌ للتاجر من النار يوم القيامة.

ألا يعلم هؤلاء التجار أن بيعهم للأغذية غير الصالحة للاستهلاك الآدمي،يترتب عليه إلحاقُ الضرر والأذى بالمستهلكين،بل قد ينتج عن ذلك حالاتُ تسممٍ كثيرة،يقول مدير عام الصحة الأولية:[التسممات الغذائية أكثر من ذلك بكثير،الحالات التي تظهر في السجلات الرسمية تشمل فقط التسممات التي أدخلت للمستشفيات أو تمَّ التبليغُ عنها رسميًا،لكن المريض الذي يكون قد ذهب لطبيبٍ خاصٍ أو عيادةٍ خاصةٍ أو عيادةٍ حكومية وعنده التهابات معوية وإسهال،طبعاً لن يتم الدخول في تحقيق اذا كان ما يعانيه بسبب تسممٍ غذائي أم لا ].

ثانياً:لا شك أنه يحرم شرعاً بيعُ الأغذية غير الصالحة للاستهلاك الآدمي وكذا بيعُ الأغذية المصنعة المنتهية الصلاحية،وهذا نوعٌ من الغش الصريح،وهو من المحرمات،فعن أبي هريرة رضي الله عنه:(أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ -كومة قمح أو شعير-فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا،فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ:مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ -أي المطر- يَا رَسُولَ اللهِ،قَالَ:أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ،مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي)رواه مسلم.وفي رواية أخرى:( مَنْ غَشَّنا فَلَيْسَ مِنِّا).

قال الإمام النووي:[ومعناه ليس ممن اهتدى بهديي واقتدى بعلمي وعملي وحسن طريقتي،كما يقول الرجل لولده إذا لم يرض فعله لست مني] نيل الأوطار 4/240.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم:(من غشَّنا فليس منَّا،والمكرُ والخداعُ في النار)رواه ابن حبان والطبراني وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل5/164.

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم قال:(المسلم أخو المسلم،ولا يحل لمسلمٍ إذا باع من أخيه بيعاً فيه عيبٌ أن لا يُبينه)رواه أحمد وابن ماجة وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل 5/165.

وبعد سؤال أهل الخبرة في هذا الشأن،فإن استهلاك الأغذية غير الصالحة للاستهلاك الآدمي وكذا الأدوية والأغذية التي انتهت صلاحيتها،قد يلحق الضرر والأذى بمن يستهلكها.ومن المعلوم أنه يحرمُ على المسلم أن يلحق الضررَ بغيره،لما ورد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا ضرَرَ ولا ضِرار )رواه ابن ماجة والدارقطني والحاكم وغيرهم،وهو حديثٌ صحيحٌ كما قال العلامة الألباني.

وينبغي أن يُعلم أنه إذا ثبت لحوقُ ضررٍ بمن استهلك الأغذية غير الصالحة للاستهلاك الآدمي،وكذا الأدوية والأغذية التي انتهت صلاحيتها،فإن مَنْ باعها يكون مسؤولاً عن ذلك وضامناً،وينبغي أن يُعاقب على ذلك.

وينبغي أن يُعلم أيضاً أن مَنْ يُسهم ويساعد في بيع الأغذية غير الصالحة للاستهلاك الآدمي،وكذا الأدوية والأغذية التي انتهت صلاحيتها،أو من يُسهل ذلك،أو يتستر عليه،فإنه شريكٌ في الإثم ويستحق العقوبة أيضاً.

ثالثاً:حدد قانون الصحة العامة رقم (20) لسنة 2004م الحالاتِ التي تعتبر فيها الأغذيةُ غير صالحةٍ للاستهلاك الآدمي في المادة (18):يحظر تداول الأغذية إذا:1. كانت مخالفة للمواصفات والشروط المحددة من قبل الوزارة. 2. وقع بها غش على نحو يغير من طبيعتها. 3. كانت غير صالحة للاستهلاك الآدمي،أو ضارة بصحة الإنسان.

وورد في المادة (19):يعتبر المنتج الغذائي غير صالح للاستهلاك الآدمي إذا:

1. حدث تغير في خواصه الطبيعية من حيث الطعم أو المظهر أو الرائحة.

2.ثبت بالتحليل حدوثُ تغيرٍ في تركيبته الكيماوية أو إضافة مواد كيماوية غير مسموح بها أو تلوثه بأحد الملوثات الكيماوية أو البيولوجية أو الإشعاعية.

3. كانت مدة صلاحيته منتهية وفقاً للتاريخ المدون عليه.

4. تمَّ تداوله في ظروفٍ أو بطرقٍ غير صحية.

وورد في المادة (20):يعتبر المنتج الغذائي ضاراً بصحة الإنسان إذا:

1. كان ملوثاً بالميكروبات أو الطفيليات أو المبيدات أو المواد المشعة أو غيرها،على نحوٍ من شأنه إحداث المرض بالإنسان.

2. كان منتجاً من حيوانٍ نافقٍ أو مصابٍ بأحد الأمراض التي تنتقل عدواها إلى الإنسان.

3. كانت عبوته تحتوي على مواد ضارة بالصحة.

4. احتوى على مواد ضارة أو سامة أو معادن ثقيلة أو مواد حافظة أو ملونة أو غيرها والتي من شأنها إحداث المرض بالإنسان.

وورد في المادة (27):إذا ثبت من الكشف الظاهري أو من التحاليل أن العينة مخالفة للمواصفات أو الشروط الخاصة بتداول الأغذية أو ضارة بصحة الإنسان أو غير صالحة للاستهلاك الآدمي أو مغشوشة.

تتولى الوزارة بالتنسيق مع الجهات المختصة اتخاذ التدابير اللازمة لإتلاف المواد الغذائية التي أُخذت منها تلك العينة على نفقة من يتحمل المسؤولية عن ذلك.

وورد في قانون حماية المستهلك رقم(21)لسنة 2005م المادة(8):يُحظر الاحتفاظُ في مواقع الإنتاج والصنع والتخزين والعرض والبيع،وكذلك في وسائل نقل البضائع والأسواق والمرابض والمسالخ بالمنتجات أو الأدوات أو الآلات التي تُمكن من غِش السلع،بما فيها:

1- الموازين أو المكاييل غير المعتمدة من الآلات غير الصحيحة المعدة لوزن السلع أو كيلها.

2- السلع المغشوشة أو الفاسدة أو المنتهية أو غير المطابقة للمواصفات المعتمدة.

3- السلع التي لا تتمتع بسلامة التداول القانوني في بلد المنشأ أو جهة المنشأ وفقاً لما توصي به الجهات المختصة.]

رابعاً:قررت القوانينُ المعمولُ بها في بلادنا عقوبةَ من يتعامل بالأغذية غير الصالحة للاستهلاك الآدمي،وكذا الأدوية والأغذية التي انتهت صلاحيتها،وحمَّلتهُ مسؤولية الضرر الناتج عن ذلك،فقد ورد في قانون حماية المستهلك رقم (21) لسنة 2005م مادة (10):يكون المزود النهائي مسؤولاً عن الضرر الناجم عن استخدام أو استهلاك المنتج المحلي أو المستورد الذي لا تتوافر فيه شروط السلامة أو الصحة للمستهلك أو عدم الالتزام بالضمانات المعلن عنها أو المتفق عليها،ما لم يثبت هوية منْ زوده بالمنتج،وأثبت كذلك عدم مسؤوليته عن الضرر الناجم.]

وورد تحت عنوان العقوبات في المادة (27):مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد لأية نتيجة جرمية ناشئة عن ارتكاب أية مخالفة لأحكام هذا القانون يعاقب من يرتكب المخالفات التالية بالآتي:

1- كل من عرض أو باع سلع تموينية فاسدة أو تالفة،أو تلاعب بتاريخ صلاحيتها،أو احتفظ بالموازين أو المكاييل غير المعتمدة من الآلات غير الصحيحة المعدة لوزن السلع أو كيلها في الأماكن المحددة في المادة (8) من هذا القانون،يعاقب بالسجن لمدة لا تزيد عن عشر سنوات أو بغرامة لا تتجاوز عشرة آلاف دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً،أو بكلتا العقوبتين،مع إتلاف البضاعة الفاسدة،وضبط الموازين والمكاييل غير المعتمدة.

2-كل منْ عرض أو باع منتجاً مخالفاً للتعليمات الفنية الإلزامية،يعاقب بالسجن لمدة لا تزيد عن ستة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز خمسمائة دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً،أو بكلتا العقوبتين.

3-كل منْ عرض أو باع منتجاً ينطوي استعماله على خطورة ما،دون أن يؤشر أو يرفق به تحذيراً يبين وجه الخطورة والطريقة المثلى للاستعمال أو الاستخدام،وكيفية العلاج في حال حدوث ضرر ناتج عن الاستخدام،أو خالف أحكام المواد (11،19)من هذا القانون،يعاقب بالسجن لمدة لا تزيد عن ستة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز خمسمائة دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً،أو بكلتا العقوبتين.]

وعلى الرغم من هذه العقوبات المنصوص عليها إلا أنها غير رادعةٍ للتجار ذوي النفوس المريضة،الذين يبغون كسب المال بأي طريقٍ ولو كان على حساب صحة المستهلكين.

ويعود عدم ردعها لأنها لا تطبق بشكلٍ صحيحٍ ولأنها غير كافية،تقول رئيس نيابة مكافحة الجرائم الاقتصادية:”القوانين التي تحكم عملنا فيها ما هو قديم جداً يعود إلى الستينات في الأردن،مثل قانون العقوبات وقانون الحِرَف والصناعات وقانون الملكية الفكرية وقانون الجمارك والمكوس ونظام الرسوم على المنتجات المحلية … الخ،أما القوانين التي تم اصدارها في عهد السلطة، فتشوبها نواقص، وعند إخضاعها للواقع اتضح عدم مسايرتها لتطور الجريمة الاقتصادية”. https://arij.net/report

وبناءً على ما سبق فلا بدَّ من ضبط الأسواق ومراقبتها،فإن الله يزعُ بالسلطان ما لا يزعُ بالقرآن، كما قال عثمان رضي الله عنه.ولا بدَّ من تشديد العقوبات على التجار ذوي النفوس المريضة الذين يتعاملون بالأغذية غير الصالحة للاستهلاك الآدمي وكذا الأدوية والأغذية التي انتهت صلاحيتها،لأن الأمر جدُّ خطيرٍ،فإنه يتعلق بصحة الانسان،ولا شك أن المحافظة عليها مطلبٌ شرعيٌ.

وخلاصة الأمر:

أن جشعَ وطمعَ التجار هو الدافعُ الرئيس لتسويق الأغذية غير الصالحة للاستهلاك الآدمي،ولا يعنيهم أنهم يلحقون الأذى والضرر بالناس،والمهم عندهم أن يحصلوا على المال.

وأن الصدقَ في التجارة تراجع بشكلٍ كبيرٍ بعد غلبةِ الجشعِ والطمعِ على كثيرٍ من التجار،وأصبح نادراً إلا عند من رحم الله عز وجل.

وأن بيع الأغذية غير الصالحة للاستهلاك الآدمي،يترتب عليه إلحاقُ الضرر والأذى بالمستهلكين.

وأنه يحرم شرعاً بيعُ الأغذية غير الصالحة للاستهلاك الآدمي وبيعُ الأغذية المصنعة المنتهية الصلاحية.

وأنه إذا ثبت لحوقُ ضررٍ بمن استهلك الأغذية غير الصالحة للاستهلاك الآدمي،والأدوية والأغذية التي انتهت صلاحيتها،فإن مَنْ باعها يكون مسؤولاً عن ذلك وضامناً،وينبغي أن يُعاقب على ذلك.

وأن مَنْ يُسهم ويساعد في بيع الأغذية غير الصالحة للاستهلاك الآدمي،والأدوية والأغذية التي انتهت صلاحيتها،أو من يُسهل ذلك،أو يتستر عليه،فإنه شريكٌ في الإثم ويستحق العقوبة أيضاً.

وأن العقوبات المنصوص عليها في القوانين غير رادعةٍ للتجار ذوي النفوس المريضة،الذين يبغون كسب المال بأي طريقٍ ولو كان على حساب صحة المستهلكين.

وأنه لا بدَّ من ضبط الأسواق ومراقبتها،فإن الله يزعُ بالسلطان ما لا يزعُ بالقرآن،كما قال عثمان رضي الله عنه.

والله الهادي إلى سواء السبيل

(المصدر: شبكة يسألونك الإسلامية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى