مقالاتمقالات مختارة

دور العلماء والدعاة في المجتمع

بقلم أ.د. إسماعيل علي محمد

إن للعلماء والدعاة إلى الله تعالى دوراً عظيماً في تعزيز الإخاء بين المسلمين، والقضاء على ما يعترض سبيله ويوهن قوته؛ ذلك أنهم ورثة الأنبياء في التغيير والإصلاح، وهم دائماً حَمَلة مشاعل الهداية، وصِمَام الأمان للخَلق من الضلال والهلاك، بما يقومون به من جهود البيان والبلاغ، والنصح والإرشاد، والأخذ بأيدي الناس إلى صراط الله المستقيم.

ويجدر بالعلماء والدعاة أن يضطلعوا – في هذا الشأن – بواجبات مهمة، منها:

1- أن ينصحوا للمسلمين – حكاماً ومحكومين -، وأن يبينوا للجميع أهمية الأخوة الإسلامية، ومنزلتها من الشرع، وينبهوهم إلى خطورة شأنها وضرورتها، ويبينوا آثارها في حياة الأمة أفراداً ومجتمعات، وأن يذكِّروهم بكل ما من شأنه أن يُرغبهم في التمسك بأخوتهم والالتفاف حولها، ويحذرهم من إهمالها وتضييع حقوقها.

إن على العلماء – في هذا الزمن خاصة – أن يجتهدوا في الدعوة إلى تقوية أواصر الأخوة الإسلامية، وإحياء التضامن الإسلامي؛ حيث إن المسلمين في هذا العصر قد زادت معاناتهم، وهانوا على غيرهم – أفرادا وجماعات – بسبب انفراط عقد أخوتهم وضعف الولاء فيما بينهم، فما أشد حاجتهم إلى الوحدة الإسلامية المبنية على أساس الإخاء في الدين، لدرء المفاسد التي تحيط بهم، والفتن التي تغشاهم وتكتنفهم.

2- ومن واجب العلماء والدعاة أن يعملوا على تعميق التدين الصحيح لدى جماهير المسلمين، حيث إن هذا الأمر يخدم قضية النهوض بالأخوة الإسلامية، ذلك أن شعائر الدين وتشريعاته تُقوي رابطة الإخاء في نفس المؤمن المتبع لدينه، المتمسك بشرائعه وشعائره، فإذا ما زكت روح التدين لدى المسلمين ازدهرت روح الأخوة، وثبتت دعائمها فيما بينهم، وقد سق أن أشرنا إلى أن التشريعات الإسلام المختلفة دوراً كبيراً، وأثراً بالغاً في إحياء الترابط والأخوة والوحدة بين المسلمين.

وحقاً ما قاله «جمال الدين الأفغاني»: «لو ترك المسلمون وأنفسهم بما هم عليه من العقائد، مع رعاية العلماء العاملين منهم، لتعارفت أرواحهم وائتلفت آحادهم»[1].

3- ومن واجب العلماء والدعاة في هذا الشأن أن يبددوا سحب اليأس والقنوط، ويعمقوا الآمال في نفوس الأجيال بتجاوز هذه الحال التي آلت إليها أمتنا من الفرقة والتشتت، والوهن والتردي، وأن يبثوا في جموع المسلمين في العالم أن التلاقي على الأخوة والاتحاد في ظلها، والتماسك برباطها على الوجه الذي شرعه الله – عز وجل – أمرٌ ممكن في هذا الزمان، على الرغم من وجود المعوقات، وأن عودة المسلمين إلى موقع الريادة والسيادة، وتبوء مقام الصدارة في العالم ليس بالأمر المحال، بل إن هناك بوادر يقظة في العالم الإسلامي قد بزغ فجرها ولاح نورها، وغدًا – بمشية الله – تشرق شمسها، ويعم الكون ضياؤها.

«ولذلك لا نيأس من أن تعود الوحدة الإسلامية كما بدأت قوية، وتجعل من المسلمين جماعة واحدة، تقف أمام الكتلة الشرقية والكتلة الغربية، وغيرها من الكتل التي تتجمع وليس فيها للإسلام مكان، وأن الجماعة الإسلامية ستكون مصدر خير للإنسانية كما كانت في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وعصر الراشدين من بعده، بل عصر الملوك الذين كانوا يَحكمون المسلمين وهم مجتمعون، سواء أكان الحكم كما جاء في القرآن والسنة، أم خالفوه في مناهج قلت أو كثرت»[2].

4- ومن واجب العلماء والدعاة أن يجاهدوا بالقلم واللسان لإزالة المعوقات الفكرية والثقافية التي تقف حجر عثرة في سبيل تحقيق أخوة المسلمين، وتجمعهم ووحدتهم على أساس دينهم، فيكشفوا زُيوف وتلبيس الدعوات الضالة الهدامة التي تعاكس وتحارب مبدأ الإخاء الإسلامي، وتناهض وجوده وتفعيله في نفوس المسلمين وواقعهم، وذلك مثل الدعوة إلى القوميات والعنصريات، والدعوة إلى هجر اللغة العربية الفصحى، واستبدال اللهجات العاميةبها وإحلالها محلها، وأن يعملوا على مقاومة وإزاحة أسباب وعوامل الفُرقة والتنافر بين المسلمين كالتعصب المذهبي الممقوت، وغير هذا من المعوقات التي يصنعها أعداؤنا أحياناً، أو نصنعها نحن أحياناً أخرى.

5- وينبغي على العلماء والدعاة أيضاً توظيف الأحداث والنوازل التي تنزل بالمسلمين، والمصائب التي يرميهم أعداؤهم بها، في تدعيم وتعزيز مبدأ الأخوة الإسلامية، والتدليل على أهميته وضرورته في حياة الأمة، فها هي ذي المصائب التي تلحق بالمسلمين في أرض الرباط فلسطين، من قبل إخوان القردة والخنازير، وبمؤازرة الصليبين الحاقدين، حيث يتعرضون لأشنع ضروب الإيذاء والتنكيل، من قتل للأنفس وهدم للبيوت وتفجيرها على من فيها من المسلمين، نساء وأطفالاً وشيوخاً، وتجريف للأرض المزروعة وإتلاف للأخضر واليابس، بل وقتل متعمد للأطفال، وهتك للعورات والحرمات…، كل هذا وغيره على مرأى ومسمع من العالم الذي يدعي التحضر، وتحت سمع وبصر ما يُسمى بالنظام الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الزمان.

وليس الأمر مقصوراً على المسلمين في فلسطين؛ بل هناك المسلمون في كشمير يسامون الفتنة من قبل عُبَّاد البقر في الهند، وطالت الفتنة كذلك المسلمين في الفليبين من قِبل النصارى، وفي الشيشان من قِبل الملاحدة في روسيا… كل هذا والمسلمون كأنهم عن هذا العالم غائبون!!

علينا – نحن العلماء والدعاة – أن نبين لعموم المسلمين أن هذه الفتن التي تلحق بالمسلمين هنا وهناك وهنالك ما كانت لتحدث لولا أن عقد المسلمين مُنفرط، وأخوتهم مضيعة، أو قل مغيبة، ووحدتهم الإسلامية غير قائمة، والولاء بينهم لا أثر له في الواقع… فكانت الفتنة، وكان التقطيع مستمرًا في الجسد الإسلامي المخدَّر في هذه الآونة، وهذا من أعظم آثار غياب الأخوة والتلاحم بين المسلمين، وصدق الله القائل: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ [الأنفال: 733].

فينبغي الحرص على توظيف هذه الأحداث الجسام في إيقاظ مشاعر الإخاء بين المسلمين، وحملهم على التحقق بالأخوة الإسلامية، والقيام بحقوقها، لتصبح ذات نفع وجدوى في حياتهم، وتكون سبيلاص إلى التمكين، وإرضاء الله رب العالمين.

6- ثم إن على علماء الأمة ودعاتها أن يقدموا من أنفسهم القدوة الحسنة أمام عموم المسلمين في التحقق بالأخوة الإسلامية والحفاظ عليها، فينأوا بأنفسهم عن الإتيان بما من شأنه أن يَضْعِف الإخاء بين المسلمين، ويوهن من ترابطهم وأخوتهم.

وعلى سبيل المثال هناك بعض العلماء والدعاة المعاصرين نراهم – مع الأسف – أداة تخريب للأخوة الإسلامية، وتمزيق لها؛ حيث ينفخون في رماد التعصب المذهبي الممقوت، ويعملون على إحيائه من موات، فيُحْدِثون بهذا من الانقسامات والفرقة في صفوف المسلمين الكثير، وللأسف يتبع هذه الانقسامات شحناء وبغضاء وتدابر، ولا سيما مع غياب فقه الاختلاف وآدابه!!

لقد رأيت بعض من ينتسبون إلى العلم والدعوة ما إن يحل أحدهم في مكان إلا ويثير الفرقة فيه، ويحدث التحزَّب والتنافر، والعداوة والبغضاء، بسبب ما هو عليه من تعصُّب مذهبي مقيت، يكتنفه سوء أدب ورذالة خُلق مع المخالفين في الرأي، في حين أن ذاك الاختلاف الحاصل في الرأي لا يتجاوز محيط الأحكام العملية الفرعية التي من المحال أن يجتمع العلماء فيها على رأي واحد!!.

7- ومن واجب العلماء والدعاة للحفاظ على الأخوة، وإرساء دعائمها، والنهوض بها بين المسلمين، أن يحرصوا في كتاباتهم وبحوثهم، وملتقياتهم ومؤتمراتهم على تبني القضايا والموضوعات الفكرية والعلمية التي تجعل التواصل بين المسلمين على الدوام نابضا بالحرارة والحيوية، مفعما بالنشاط والقوة.

وذلك مثل قضايا:

• الأمة الإسلامية ومكوناتها، والروابط التي تربط بين أفرادها.

• الأقليات الإسلامية في العالم ومشكلاتها، وما يتصل بماضيها وحاضرها ومستقبلها، وواجب بقية المسلمين حيالها.

• عالمية الإسلام ودعوته.

• الخلافة الإسلامية تأصيلا وتطبيقا.

• الولاء والبراء، والنصرة والتكافل والتضامن بين المسلمين.

• ترشيد الصحوة الإسلامية، وإزالة أسباب التفرق بين مكوناتها.

• الوحدة الإسلامية، معوقاتها وعوامل تحقيقها…، ونحو هذه القضايا التي من شأنها أن تعمل على إيقاظ الأخوة وتفعيلها بين المسلمين، وتحول دون غيابها من حياتهم.

8- ومما ينبغي أن يقوم به العلماء والدعاة في هذا الشأن كذلك، أن يعملوا على استمرار التآخي والتواصل والتلاقي بين المؤسسات والجمعيات العلمية والدعوية في أنحاء العالم الإسلامي، وفي بلاد الغرب، كالجامعات الإسلامية، والمعاهد والمجامع العلمية، والمراكز البحثية، والجمعيات والهيئات المعنية بشأن الدعوة الإسلامية، والمؤسسات الشرعية والمراكز الإسلامية في الغرب… فهذه ونحوها من الهيئات يجب أن يحرص القائمون على أمرها من أهل العلم والدعوة على أن يكون بينها تعاون مشترك، وتنسيق للجهود والأعمال، وتبادل للمنافع، بما يُعَزَّز وحدة المسلمين، ويوقظ فيهم – على الدوام – مشاعر الإخاء، مهما تناءت ديارهم، وتباعدت أقطارُهم.

وإذا كانت المؤسسات السياسية ودوائر الحكم في العالم الإسلامي قد عجزت في عصرنا الحاضر عن استمرار التواصل والتلاقي والتآخي فيما بينها – لأسباب ما -؛ فينبغي أن تبقى المؤسسات والمجامع العلمية والهيئات الدعوية معيناً لا ينضب، ومدداً لا ينقطع، ورافداً لا يتوقف عن العطاء والإسهام بدور فعال وحقيقي في النهوض بعملية الإحياء للإخاء بين المسلمين على وجه البسيطة، وبعث مشاعر الأخوة بين أفراد الأمة الإسلامية، أينما كانوا، وفي أي زمان عاشوا.

إنه مما لا شك فيه أن للدين سلطاناً على النفوس لا يَعْدله سلطان، وإن لعلماء الدين ومؤسسات العلم والدعوة – من هذا المنطلق – تقديرا خاصا لدى الناس، ولذا فإن بإمكانهم أن يؤدوا دوراً عظيماً، ويؤثروا تأثيراً بالغاً في جمع شتات المسلمين، ولمِّ شملهم، وتوحيد صفوفهم تحت راية الأخوّة الإسلامية، إذا رُزقوا الإخلاص وعلو الهمة.

وإن جماهير المسلمين في المشارق والمغارب لتنتظر من علماء الأمة ودعاتها الربانيين الكثير والكثير في إصلاح الخلل، ورأب الصدع، ورتق الفتق، ولا غرو؛ فهم ورثة الأنبياء في العلم والدعوة والإصلاح، فليتقدموا على بركة الله، وليعملوا في جد، وليؤملوا – بمشيئة الله – خير النتائج، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.


[1] مجلة المنار، من محاضرة الشيخ «مصطفى عبد الرزاق» في «رينان والأفغاني»، مجموعة الأعداد الكاملة ج 24 ص 466، أصدرها الشيخ «محمد رشيد رضا»، وقد أنشئت سنة 1315هـ، وصدر العدد الأول منها في (22 من شوال 1315هـ 15 من مارس 1898م)، وكان الشيخ «رشيد رضا»، يكتب على الصفحة الأولى: «المنار مجلة شهرية تبحث في فلسفة الدين وشؤون الاجتماع والعمران»، وكان آخر من تولى إصدارها – بطلب من أسرة الشيخ «رشيد رضا» -؛ الإمام «حسن البنا» إلى أن توقفت عن الصدور في سنة (1359هـ – 1940م).

[2] الوحدة الإسلامية، محمد أبو زهرة، ص 4 – 5.

(المصدر: شبكة الألوكة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى