مقالاتمقالات المنتدى

دور الحج في الثورة على قوالب الأمكنة!

دور الحج في الثورة على قوالب الأمكنة!

 

بقلم أ. د. فؤاد البنا

 

من يتأمل طبيعة الشعائر التعبدية في الإسلام، سيجد أن من أهم مقاصدها تحرير المسلم من أسْر القوالب الزمانية والمكانية التي تعود على السباحة فيها بطريقة آلية تنتقص من مكانته الإنسانية وإمكانات فاعليته.

وإذا كان الصيام ثورة على قوالب الزمان، فإن الحَجّ ثورة على قوالب المكان، حيث يخرج المرء من إطار الجغرافيا والأماكن التي تعوّد على العيش فيها بصورة قد تكون شديدة الصرامة، لدرجة أنها تزرع في دواخله الرتابة وتجعله أشبه بالآلة التي تدور في فلك واحد بشكل ثابت!

وحينما يخرج من أسّر المكان المعتاد، فسينطلق ليسيح في أرجاء مختلفة من أرض المشاعر المقدسة، وتتراوح بين الوادي والجبل والسهل في مكة وأكنافها، مختزلةً أبعاد الزمان ليرى إبراهيم وهاجر وإسماعيل ومحمداً صلى الله عليه وسلم وصحابته يتحركون على أصقاع هذه الأرض، هذا بجانب ما يصادفه في رحلته من بلده إلى مهبط الوحي ومثوى الأفئدة من أشخاص وأفكار ومناظر وأشياء مختلفة، حيث يتعانق الزمان والمكان ليمنحا الحاج خبرة لم يعرفها وطاقة لم يألفها، ليعود متجدداً بلا ضنك ومتوهجا بلا انطفاء؛ وذلك بما كسر من قوالب الإلفة والاعتياد وما أضاف من قصص التعارف وخبرات التآلف بين ألوان وأجناس شتى، وبين ألسنة وثقافات متعددة.

ولا شك بأن الخروج من قالب المكان، يسهم بقوة في تخليص المرء من أوزار الاعتياد وأثقال السآمة والملل، فيعود متجددا لدرجة أنه يرى في المناظر التي ألفها طيلة حياته ما لم يرَ من قبل، وتتحرر طاقاته المكبوتة، وتنطلق فاعليته للعمل في آفاق أرحب وبإرادة أكبر!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى