تقارير وإضاءات

دفاعا عن الدين أم رفضا للتطبيع.. لماذا هاجم شيخ الأزهر “الإبراهيمية”؟

دفاعا عن الدين أم رفضا للتطبيع.. لماذا هاجم شيخ الأزهر “الإبراهيمية”؟

إعداد محمد عبدالله

طغت تصريحات شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب الخاصة بموقفه مما يسمى “بالدين الإبراهيمي الجديد” على احتفالية بيت العائلة المصرية، التي أقيمت أمس الاثنين، بمناسبة مرور 10 سنوات على تأسيس البيت عام 2011.

وأثارت كلمة الطيب ردود فعل واسعة بين كتاب ونشطاء ومفكرين، حيث أكد بعضهم أهمية الكلمة في الدفاع عن العقيدة الإسلامية ومفاهيم الحوار والتعايش الحقيقي بين أتباع الرسالات السماوية، فيما ذهب آخرون إلى التأكيد على البعد السياسي للكلمة والمتعلق بالقضية الفلسطينية ومحاولات التطبيع الجارية حاليا.

خلال كلمته، قال شيخ الأزهر أحمد الطيب إن الدعوة لما يسمى “الدين الإبراهيمي” هي دعوة لمصادرة حرية الاعتقاد والإيمان والاختيار، مؤكدا أن اجتماع الناس على دين واحد أو رسالة سماوية واحدة أمر مستحيل، مشيرا إلى الفرق بين احترام عقيدة الآخر والاعتراف بها، وأن ذلك لا يعني إذابة الفوارق بين العقائد والملل والأديان.

حديث الطيب، الذي أدلى به للمرة الأولى، جاء من أجل إيضاح ما كان يعتقد أنه بحاجة إلى توضيح، أو التنبيه له، وقطعا لما وصفها بالشكوك والظنون التي يُثيرها البعض، وردا على منتقدي التقارب والحوار بين الأديان بدعوى الترويج لديانة موحدة تسمى “الإبراهيمية”، بحسب شيخ الأزهر وصفحة الأزهر على موقع فيسبوك.

جدير بالذكر أن بيت العائلة المصرية تأسس في عام 2011، بقرار من رئيس الوزراء المصري وقتها تضمن أن يكون البيت برئاسة شيخ الأزهر، وبابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ومقره الرئيسي مشيخة الأزهر بالقاهرة، ويعمل على استعادة القيم العليا في الإسلام والمسيحية، ويهدف إلى الحفاظ على النسيج الوطني ومنع الفتنة الطائفية.

ما “الإبراهيميات” الجديدة؟

لكن ما هذه الدعوة التي لا يعرف شيخ الأزهر شيئا عن ملامحها وقسماتها، وما علاقتها بالمصطلحات التي طرقت آذان العالم مؤخرا مثل “اتفاقيات أبراهام” في إشارة إلى التطبيع بين الإمارات والبحرين وغيرهما من جهة وإسرائيل من جهة أخرى.

في كتابه “الإبراهيمية.. بين خداع المصطلحات وخطورة التوجهات” يقول أستاذ الدعوة الإسلامية والأديان بجامعة الأزهر إسماعيل علي، “كثر تداول مصطلح (الإبراهيمية) منذ الإعلان عن اتفاق تطبيع كلّ من الإمارات والبحرين مع الكيان الصهيونيّ المحتل، برعاية أميركية، وأُطلق اسمُ (أبراهام) على الاتفاق”.

ومع أن “الإبراهيمية” مصطلح ديني عقائدي يرتبط برمز ديني ـ بالإجماع ـ فإن الدعوة إليها، بحسب إسماعيل، لم تكن بعيدة عن السياسة ومراميها، ولا منفصلة عن مؤسساتها ومخططاتها، وخدمة مشاريعها، ولا سيما في الواقع المنظور الذي يشهد حضورا كبيرا لـ”الإبراهيمية” في أروقة السياسة ودهاليزِها.

ورأى أستاذ الدعوة الإسلامية والأديان، أن الغرض الحقيقي هو تحقيق المصالح الغربية الصهيونية، وتدمير الأديان السماوية، خاصة الإسلام والمسيحية، وإضاعة الحقوق، وتزييف التاريخ، وتغيير الواقع، لصالح المخططات الصهيونية، بحسب وصفه.

أما بيت العائلة الإبراهيمية، فهو مشروع يجمع مسجدا وكنيسة وكنيسا تحت سقف صرح واحد، حيث أعلنت دولة الإمارات في سبتمبر/أيلول 2019 عن خطط لبناء صرح يجمع بين الديانات السماوية الرئيسية الثلاث، ويجري تشييده في جزيرة السعديات بالعاصمة الإماراتية أبو ظبي.

دعوة ليست بالجديدة

في هذا السياق، أشاد الأمين العام السابق لجبهة علماء الأزهر يحيى إسماعيل حبلوش، بتصريحات شيخ الأزهر واعتبرها خطوة صحيحة وجيدة نحو وضع الأمور في نصابها.

وفي حديثه للجزيرة نت قال حبلوش -أستاذ الحديث بجامعة الأزهر- إن هذه الدعوة ليست وليدة اليوم، وقد دعا لها وزير الخارجية الأميركية الأسبق هنري كيسنجر في بداية تسعينيات القرن الماضي، بهدف قولبة العالم في دين جديد، لأن أميركا ترى أن الخطر الحقيقي عليها هو الدين الإسلامي، والذي وصفه الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، بأنه العدو الذي يلي الاتحاد السوفياتي (بعد سقوط الشيوعية)، حسب قول المتحدث.

ومن هنا يبدو أنه حان الوقت، بحسب حبلوش، لتحويل تلك التصريحات إلى مفاهيم جديدة خادعة، وهي في الحقيقة إستراتيجية أميركية أوروبية صهيونية من أجل تمييع حقائق العقيدة، بينما يقول ربنا عز وجل “إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ” (سورة آل عمران/ من الآية 19).

https://twitter.com/AlaaMubarak_/status/1457794655265837056?ref_src=twsrc%5Etfw%7Ctwcamp%5Etweetembed%7Ctwterm%5E1457794655265837056%7Ctwgr%5E%7Ctwcon%5Es1_c10&ref_url=https%3A%2F%2Fwww.aljazeera.net%2Fnews%2Fpolitics%2F2021%2F11%2F9%2FD8AFD981D8A7D8B9D8A7-D8B9D986-D8A7D984D8AFD98AD986-D8A3D985-D8B1D981D8B6D8A7-D984D984D8AAD8B7D8A8D98AD8B9-D984D985D8A7D8B0D8A7

دور الأزهر المقبل

بدوره، أكد الأمين العام لرابطة علماء أهل السنة جمال عبد الستار، أن الدعوة إلى الدين الإبراهيمي ليست دعوة دينية بل دعوة سياسية، الهدف منها سحب المسلمين من الانتساب إلى عقيدتهم واستغلال حالة الضعف التي لديهم، وتكررت في التاريخ مرات كثيرة، ولكن ما لبثوا وأن أفاقوا وعادوا إلى صحيح الدين والعقيدة.

وفي حديثه للجزيرة نت، أشار عبد الستار -الأستاذ السابق بكلية الدعوة في جامعة الأزهر- إلى أن هذا المشروع السياسي تقف خلفه وتدعمه بقوة دولة الإمارات العربية بكافة الوسائل، سواء بالمال أو من خلال علماء ورجال الدين المشهورين وغيرهم، لصناعة حالة مختصة بديانة مختصة وفق مراد جهات دولية بعينها، بحسب تعبيره.

وفيما يتعلق بتصريحات شيخ الأزهر، أثنى عبد الستار على موقفه مما يسمى الدعوة للدين الإبراهيمي الجديد، وقال إنه يأتي في إطار انتصاره للعديد من القضايا، ولكن الأهم من تلك التصريحات هو أن يحارب مثل هذه الدعوات، وأن يجيش الأمة الإسلامية لرفض مثل هذه المعتقدات الباطلة من خلال الدعاة حول العالم الإسلامي.

تحضير دولي وتضليل سياسي

من جهته، اعتبر أستاذ العلوم السياسية عصام عبد الشافي، أن الحديث عن اتفاقيات “أبراهام” وربطها بما يسمى الدين الإبراهيمي، هو نوع من التضليل السياسي، سعيا نحو تحقيق درجة من المشروعية والشرعية لهذا الاتفاق، الذي يقوم في جوهره على التطبيع والقبول بالاحتلال الصهيوني للأراضي العربية وانتهاك المقدسات الدينية، سواء الإسلامية أو المسيحية أو حتى اليهودية في هذه الأراضي.

وأضاف عبد الشافي للجزيرة نت، “كما أنه يقوم على الترويج لمقولات عبثية، هدفها النيل من الأديان جميعها، وفي مقدمتها الدين الإسلامي، عبر تصدير رؤية سياسية تقوم على توحيد الأديان، والتقريب بين أنصار كل دين، سعيا نحو طمس الهوية الإسلامية، وتشويه القيم والمبادئ الإسلامية، وتهميش دور الكيانات والحركات والتيارات ذات المرجعية الإسلامية”.

وحذّر الأكاديمي المصري المقيم في تركيا، من هذه الإستراتيجية الدولية الجديدة التي يتم التحضير والإعداد لها على مستوى عال، وذهب إلى القول إن هذه الإستراتيجية “يُشكل النظام الإماراتي رأس حربتها تنفيذا وتمويلا، والكيان الصهيوني تخطيطا وتوجيها”، وفق قوله.

وكان الكاتب الصحفي بجريدة الأخبار المصرية (حكومية) سعيد الخولي، قد تساءل في مقال له تحت عنوان “إنهم يدعون لدين جديد” في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، عن ماهية مشروع الدين الإبراهيمي الجديد.

وفي نهاية المقال طرح العديد من الأسئلة قائلا، “مع سمو المصطلح ونعومة المقصد ونبل الأهداف المعلنة في وثيقة الأخوة الإنسانية (التي وقعها شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان) لا بد أن نتساءل عن مشروع صفقة القرن وأين ذهب بعد ذهاب (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب وإدارته بمن فيهم غاريد كوشنر صهر ترامب ومتولي ملف الشرق الأوسط في إدارة ترامب؟”.

وتابع بالسؤال عن انتهاء هذا المشروع أو الصفقة بذهاب تلك الإدارة للبيت الأبيض؟ هل هو بالفعل مشروع ديني مجتمعي يهدف إلى شيوع المحبة والتعايش ونبذ الحروب؛ أو هو مشروع سياسي يستدرج العالم العربي نحو خريطة جديدة للمنطقة تذوب فيها الحدود ما بين دجلة والفرات حيث الحلم الأكبر “إسرائيل الكبرى” جغرافيا واقتصاديا وعسكريا ودينيا، وأيضا استعدادا لحرب “الهرمجدون” ونهاية الكون كما يراها متطرفو إسرائيل؟

المصدر: الإعلام المصري + الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى