مقالاتمقالات مختارة

دراويش الثورة المصرية

دراويش الثورة المصرية

بقلم د. مجدي شلش

تقف الثورة المصرية أمام تحديات كبيرة الآن، منها حالة الدروشة التي أصابت بعض أبنائها الذين اكتفوا لنصرتها بالدعاء فقط والوقوف محلك سر، إن لم يتراجعوا بها للوراء.

الدعاء عبادة عظيمة لاشك تستمر مع الإنسان في كل أحواله من سعة وضيق وفرح وحزن وصحة ومرض؛ فأحوال المسلم مع الدعاء لا تنقطع إذ هو مظهر من مظاهر الذلة والخضوع والخشية من الله تبارك وتعالى.

قد يقع الإنسان في حالة من الاضطرار التي تجعله في حالة من الدعاء الدائم والمتكرر حتى يفك الله الكرب عن صاحبه؛ فسبحانه يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء والقادر أن يجعلنا خلفاء الأرض. الأمثلة الكثيرة في بركات الذكر والدعاء تشبه الكرامات التي فك الله بها الكرب ونفث الهم ورفع بها الغم ووسع في الرزق للصحابة الكرام والتابعين وتابعيهم إلى يومنا هذا، وهو أمر مشاهد ومعلوم ولا ينكره إلا عليل أو مخبول.

قياس نجاح الأمم وانتصارها على عدوها بالاقتصار على الدعاء بتفريج الكرب عن الأشخاص والأفراد، وضع للشيء في غير محله وصورة من صور الدروشة. نجاح الثورات لاشك يحتاج إلى الدعاء بالليل والنهار لكن الاقتصار عليه وحده وترك التكاليف الشرعية المتعلقة بالأخذ بالأسباب من ثبات وجهاد وتضحية وحركة دائمة في حيز المُكنة والطاقة دروشة غير مقبولة.

أين نحن من قوله تعالى : “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة…” وقوله تعالى: “… إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا …” وقوله : “…إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم”.

سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم مشحونة بالكفاح والجهاد والذكر والاستغفار ومواجهة العدو بكل ما استطاع من قوة وأدوات.

حالة دروشة ظهرت على بعض الثوار يكتب الآن ويقول للثورة رب يحميها كما قال عبدالمطلب عندما جاء أبرهة لهدم الكعبة للبيت رب يحميه، وكأننا لسنا متعبدين بشرع جاء بعد عبدالمطلب.

الكلام في النصر والتمكين كسنة من سنن الله عز وجل بعد الظلم والفساد والاستبداد، دون الكلام في تفاصيل كيفية التمكين والدندنة المستمرة حول أسباب النصر ووضع التصورات والخطط التي تتجاوب مع سنة الله في الاستخلاف والظهور على الأعداء، مظهر من مظاهر الدروشة.

الاستدلال ببعض صور النصر والتمكين في شرع من قبلنا وإهمال ما شرعه الله لنا؛ كالاستدلال بأصحاب الأخدود الذين ثبتوا على دينهم حتى الشهادة في سبيل الله، صورة من صور الدروشة.

التكليف في شرعنا بإقامة الأمة والدولة، فما يصح في زمان من صور النصر والتمكين قد لا يصح في زمن آخر.

لعل من أكثر صور الدروشة اعتماد بعض الثوار على المنامات والرؤى في النصر والتمكين، حيث فلان الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره بالنصر وقربه والتمكين وحلوله والاستخلاف وموعده، فيصبح الناس على أحلام .

أدهشني أن أخاً عالماً ونحن في عز الحراك الثوري عام2015م ألف كتاباً من مجلدين في تفسير الأحلام، وكلما التقينا أكثر من الكلام على الرؤى والأحلام وكأنها من مصادر الأحكام الشرعية.

الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد عام 3 هجرية رأى رؤيا عجيبة، فسرت بأن أحدا من أقاربه المقربين سيقتل ولم يعتمد عليها في شيء، ورؤى الأنبياء حق.

المجهود الذي بذله الأخ الكريم في كتابة مجلدين في تفسير الأحلام، كان من الأولى به أن يضع رؤية للخروج من الأزمة وكسر الانقلاب وعودة الشرعية.

الدروشة الآن على قدم وساق؛ إذ البعض ينتظر المهدي المنتظر لحل المشكلات ورافعاً للرايات ومنتصراً على الأعداء.

لا أنكر فضل المنامات الطيبة، لكن لا أجعل منها السبيل الوحيد أو الأول للنصر، أعظم ما فيها الاستئناس للثوار، أما الصراع وإدارته فله قوانينه الشرعية والعقلية والإدارية والسياسية والإعلامية.

أما المهدي المنتظر فوجوده معلوم لكن حتمية ظهوره الآن غير معلومة، والأصل أننا متعبدون بدين وشرع وقد كلفنا بقوله تعالى: “انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون”.

الصورة الصحيحة هي التي تجمع بين الدعاء المتواصل والعمل الدؤوب والصبر والمصابرة والمرابطة، حتى يأتي النصر الموعود الذي يناسب زماننا في قوله تعالى: “عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون”، وقوله تعالى: “وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا…” .

نعم نستفيد من كل صور النصر الجزئية ونتعلم منها العبرة والعظة لكنها ليست الصورة الشاملة التي أرادها الله لنا.

دليل ذلك صورة خباب بن الأرت رضي الله عنه إذ جاء للرسول صلى الله عليه وسلم طالباً الدعاء بالنصر والتمكين، وأن يرفع الله عنهم العذاب الأليم الواقع بهم، فأخبره الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بطبيعة الدعوة وأنها منصورة حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه.

لم يقتصر المصطفى صلى الله عليه وسلم على ذكر صور العذاب فقط كمن يستشهد بقصة أصحاب الأخدود وحدها فقط، وإنما بين له أن النصر في أمتنا أكبر صورة وأعظم حالاً من نصر أصحاب الأخدود.

ولعل في قصة الخندق وتجمع الأحزاب حول المدينة وتكسير الرسول صلى الله عليه وسلم للصخرة التي عرضت للمسلمين في حفر الخندق وبشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح فارس والشام واليمن، دلالة على أنها صورة النصر التي يجب أن نعمل لها بالتمكين لدين الله في الأرض ونُري فرعون وهامان وقارون منا البأس الشديد والعذاب الأليم.

قد نخطئ حين نجعل صورة النصر واحدة وإنما هي متنوعة وقد نخطئ أيضاً بالاستدلال بصورة من قبلنا المحدودة و نعممها على كل عصر، لكن الصحيح أن لكل عصر صورة النصر والتمكين التي تناسبه وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين.

(المصدر: مجلة “كلمة حق”)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى