دراسة في أصول الفقه «الأدلة الشرعية»
إعداد فاطمة الزهراء المجدوب
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على رسول الله محمد، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
محاور الموضوع:
- تعريف أصول الفقه.
- في الأدلة على التفصيل.
قال إمام الحرمين رحمه الله: «أمَّا بَعْدُ؛ هَذِهِ وَرَقَاتٌ تَشْتَمِلُ عَلَى مَعْرِفَةِ فُصُولٍ مَنْ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَذَلِكَ مُؤَلَّفٌ مِنْ جُزْأيْنِ مُفْرَدَيْنِ. فالأَصْلُ: مَا بُنِى عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَالْفَرْعُ: مَا يُبْنَى عَلَى غَيْرِهِ، وَالْفِقْهُ: مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ».
وقال أيضا: «وَأُصُولُ الْفِقْهِ: طُرُقُهُ عَلَى سَبِيلِ الإِجْمَالِ، وَكَيْفِيَّةُ الاستِدْلالِ بِهَا».
ذكر المصنف، رحمه الله، معنيين للفظ أصول الفقه، أحدهما: معناه الإضافي، وهو ما يُفهم من مفرديه عند تقييد الأول بإضافته للثاني، وثانيهما: معناه اللَّقبي، وهو العلم الذي جُعل هذا التركيب الإضافي لقبًا له، ونُقل عن معناه الأول إليه.
أولًا: تعريف أصول الفقه باعتباره مركبًا:
عرف المصنف أصول الفقه باعتباره مركبًا بتعريف جزأيه حيث قال: «فَالأَصْلُ ما يُبْنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَالْفَرْعُ مَا بُنِى عَلَى غَيْرِهِ، وَالْفِقْهُ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ».
تعريف الأصل:
عرف المصنف الأصل بقوله: «فالأصْلُ مَا بُنِىَ عليهِ غَيْرُهُ»، أي: فالأصل الذي هو الجزء الأول من المركب الإضافي، ما بُني عليه غيره، كأصل الجدار أي: أساسه، وأصل الشجرة أي: طرفها الثابت في الأرض. وهو أقرب تعريف للأصل؛ فإن الحسَّ يشهد له كما في أصلِ الجدار والشجرة. فأصول الفقه أدلته التي يبنى عليها.
وتعريف المصنف هذا أحسن من قول بعض الأصوليين: «الأصل هو المحتاج إليه»، فإن الشجرة محتاجة إلى الثمرة من حيث كمالها، وليست الثمرة أصلًا للشجرة، ومن قول بعضهم: «الأصل ما منه الشيء»، فإن الواحد من العشرة وليست العشرة أصلًا له.
تعريف الفقه:
الفقه لغة هو الفهم، واصطلاحًا عرفه المصنف بقوله: «وَالْفِقْهُ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ».
عرفه المصنف بقوله: «وَأُصُولُ الْفِقْهِ: طُرُقُهُ عَلَى سَبِيلِ الإِجْمَالِ، وَكَيْفِيَّةُ الاستِدْلالِ بِهَا» فقوله: «طُرُقُهُ»، أي: طرق الفقه الموصلة إليه، وقوله: «عَلَى سَبِيلِ الإجْمَالِ» أي: من غير تعيين، كالكلام على مطلق الأمر والنهي وفعل النبي، صلى الله عليه وسلم، والإجماع والقياس، والاستصحاب، والعام والخاص، والمجمل والمبين، وغير ذلك، المبحوثِ عن أوَّلها بأنه للوجوب حقيقة، وعن الثاني بأنه للحرمة كذلك، وعن البواقي بأنها حُجَجٌ وغير ذلك مما سيأتي. بخلافِ طُرق الفقه الموصلة إليه على سبيل التعيين والتفصيل، بحيث إنَّ كل طريقٍ توصل إلى مسألة جزئية تدل على حكمها نصًا أو استنباطًا.
إذن أصول الفقه هو مجموعة القواعد الكلية التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية، ويهتم هذا العلم بدراسة الأدلة الشرعية ومراتبها، الحكم الشرعي وأقسامه، دلالات الألفاظ وطرق الاستنباط، الناسخ والمنسوخ، التعارض والترجيح، مقاصد التشريع، شروط الاجتهاد.
الدليل: هو ما استدل بالنظر الصحيح فيه على حكم شرعي عملي على سبيل القطع أو الظن، وفي اصطلاح الأصوليين، هو ما يستفاد منه حكم شرعي عملي مطلقًا، سواء كان على سبيل القطع أو الظن.
الأدلة الشرعية:
أولًا: القرآن الكريم
القرآن هو كلام الله، المنزل على محمد، صلى الله عليه وسلم، المتعبد بتلاوته، وهو مدون بين دفتي المصحف، المبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس، المنقول إلينا بالتواتر كتابة ومشافهة جيلًا بعد جيل، محفوظًا من أي تبديل أو تغيير.
حجيته: البرهان على أن القرآن حجة على الناس، وأن أحكامه قانون واجب عليهم اتباعه، أنه من عند الله ونقل إلينا عن طريق قطعي ولا ريب في صحته، إعجازه للناس أن يأتوا بمثله، إخبار بوقائع لا يعلمها الإعلام الغيوب، فصاحة ألفاظه وبلاغة عباراته وقوة تأثيره.
دلالة آياته إما قطعية وإما ظنية:
النص قطعي الدلالة: هو ما دل على معنى متعين فهمه ولا يحتمل تأويلًا، مثل قوله تعالى ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُومنين﴾، فهذا قطعي الدلالة على أن الزنا مائة جلدة لا أقل ولا أكثر.
النص ظني الدلالة: هو ما دل على معنى ويحتمل تأويل، لقوله تعالى ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، فلفظ القرء في اللغة العربية يطلق على الحيض والطهر، والنص دل على أن المطلقات يتربصن ثلاثة قروء، فيحتمل ثلاثة أطهار ويحتمل ثلاثة حيضات، فهو ليس قطعي الدلالة لهذا اختلف المجتهدين في أن للمطلقات ثلاثة حيضات أو أطهار.
ثانيًا: السنة النبوية
هي ما صدر عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من قول أو فعل أو تقرير.
حجيتها:
– نصوص القرآن الكريم.
– أمر المسلمين إذا تنازعوا عن شيء أن يردوه إلى الله وإلى رسوله، لقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾.
أقسامها باعتبار سندها:
السنة المتواترة: وهي السنة التي رواها عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، جمع من الصحابة لا يقل عددهم عن ثلاثة ولا يشك في صدقهم لتعددهم وأمانتهم ونقلها منهم جمع بهذه الصفة في العصور الثلاثة، عصر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين.
السنة المشهورة: هي التي رواها عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، عدد من الصحابة لم يبلغ حد التواتر (واحد أو اثنان) ثم انتشر في عهد الصحابة والتابعين وتابعي التابعين فبلغ عدد رواته جمعًا من جموع التواتر.
السنة الآحاد: هي التي رواها عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، آحاد ونقلها عنهم في عصرهم التابعون وتابعي التابعين.
قطعها أو ظنها:
من جهة الورود: السنة المتواترة قطعية الورود عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، والمشهورة قطعية الورود عن الصحابة، وسنة الآحاد ظنية الورود عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، لأن سندها لا يفيد القطع.
من جهة الدلالة: فكل سنة من هذه الأقسام قد تكون قطعية الدلالة إذا كان نصها لا يحتمل تأويلًا، وقد تكون ظنية الدلالة إذا كان نصها يحتمل تأويلًا.
ثالثا: الإجماع
هو اتفاق جميع المجتهدين من المسلمين في عصر من العصور بعد وفاة الرسول، صلى الله عليه وسلم، على حكم شرعي في واقعة.
أركانه.
- أن يوجد في عصر وقوع الحادثة عدد من المجتهدين.
- اتفاق على حكم شرعي في الواقعة جميع المجتهدين من المسلمين في وقت وقوعها.
- إبداء الآراء صراحة في الواقعة.
- تحقق الاتفاق على جميع المجتهدين على الحكم.
حجيته:
- أن الله سبحانه وتعالى في القرآن أمر المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله، صلى الله عليه وسلم.
- أن الحكم الذي اتفقت عليه آراء جميع المجتهدين في الأمة الإسلامية هو في الحقيقة حكم الأمة ممثلة في مجتهديها.
- الإجماع على حكم شرعي لا بد أن يكون قد بني على مستند شرعي، لأن المجتهد الإسلامي له حدود لا يمكن أن يتعداها.
أنواع الإجماع:
الإجماع الصحيح: هو اتفاق مجتهدي العصر على واقعة وإبداء كل واحد منهم رأيه صراحة، وهو قطعي الدلالة.
الإجماع السكوتي: هو إبداء مجتهدي العصر رأيهم صراحة، ويسكت باقوهم، ويعد هذا الإجماع اعتباريًّا، وهو ظني الدلالة.
رابعًا: القياس
ويعرف عند الأصوليين بأنه رد واقعة غير منصوص عليها إلى واقعة منصوص عليها لاتفاقهما في العلة.
أركان القياس:
- المقيس: هو الواقعة التي لم ينص عليها.
- المقيس عليه: هي الواقعة التي نص عليها.
- العلة: هي وصف في الأصل بني عليه حكمه ويعرف به وجود هذا الحكم في الفرع، وبعض الأصوليين جعل العلة والسبب مترادفين ومعناها واحد، فقصر الصلاة الرباعية علة وسبب.
شروط العلة:
- أن تكون وصفا ظاهرًا: أي أن يدرك بحاسة من الحواس.
- أن يكون وصفًا منضبطًا، بمعنى أن تكون له حقيقة معينة محدودة يمكن التحقق من وجودها، لأن أساس القياس تساوي الفرع، والأصل في علة حكم الأصل، وهذا التساوي يستدعي أن تكون العلة مضبوطة حتى يمكن الحكم بأن الواقعتين متساويتان، كالقتل العمد من الوارث لموروثه حقيقته مضبوطة.
- أن تكون وصفًا مناسبًا: أي ربط الحكم به وجودًا وعدمًا.
- أن تكون وصفًا قاصرًا على الأصل.
مسالك العلة:
وتعني الطرق التي يسلكها المجتهد للوصول إلى علة الحكم.
- المسلك الأول: علة بالمنقول، أي القرآن الكريم أو السنة النبوية أو الإجماع.
- المسلك الثاني: علة بالمعقول، أي استنباط العلة بالعقل.
خامسًا: الاستحسان
الاستحسان هو عدول المجتهد عن مقتضى قياس جلي إلى مقتضى قياس خفي، أو عن حكم كلي إلى حكم استثنائي لدليل انقدح في عقله رجح لديه هذا العدول.
أنواعه:
- ترجيح قياس خفي على قياس جلي بدليل.
- استثناء جزئية من حكم كلي بدليل.
حجيته: هو حجة شرعية عند الحنفية والمالكية والحنابلة.
سادسًا: المصلحة المرسلة
عند الأصوليين هي التي لم يشرع الشارع حكمًا لتحقيقها، ولم يدل دليل شرعي على اعتبارها أو إلغائها، وسميت مطلقة لأنها لم تقيد بدليل اعتبار أو إلغاء.
أدلة من يحتجون بها:
ذهب جمهور علماء المسلمين إلى أن المصلحة المرسلة حجة شرعية يبني عليها التشريع أحكام، وأن الواقعة التي لا حكم فيها بنص أو إجماع أو قياس أو استحسان، يشرع فيها الحكم الذي تقتضيه المصلحة المرسلة.
ثامنًا: العرف
العُرف هو ما تعارفه الناس وساروا عليه، من قول، أو فعل، أو ترك، ويسمى العادة. وفي لسان الشرعيين: لا فرق بين العرف والعادة، فالعرف العملي: مثل تعارف الناس البيع بالتعاطي من غير صيغة لفظية. والعرف القولي: مثل تعارفهم إطلاق الولد على الذكر دون الأنثى، وتعارفهم على أن لا يطلقوا لفظ اللحم على السمك. والعرف يتكون من تعارف الناس على اختلاف طبقاتهم عامتهم وخاصتهم بخلاف الإجماع فإنه يتكون من اتفاق المجتهدين خاصة، ولا دخل للعامة في تكوينه.
أنواعه:
فالعرف الصحيح: هو ما تعارفه الناس، ولا يخالف دليلًا شرعيًّا ولا يحل محرمًا ولا يبطل واجبًا، كتعارف الناس عقد الاستصناع، وتعارفهم تقسيم المهر إلى مقدم ومؤخر.
وأما العرف الفاسد: هو ما تعارفه الناس ولكنه يخالف الشرع أو يحل المحرم أو يبطل الواجب، مثل تعارف الناس كثيرًا من المنكرات في الموالد والمآتم، وتعارفهم أكل الربا وعقود المقامرة.
ثامنًا: الاستصحاب
اصطلاح الأصوليين: وهو الحكم على الشيء بالحال التي كان عليها من قبل، حتى يقوم دليل على تغير تلك الحال، أو هو جعل الحكم الذي كان ثابتًا في الماضي باقيًا في الحال حتى يقوم دليل على تغيره.
فإذا سئل المجتهد عن حكم عقد أو تصرف، ولم يجد نصًّا في القرآن أو السنة ولا دليلًا شرعيًّا يطلق على حكمه، حكم بإباحة هذا العقد أو التصرف بناء على أن الأصل في الأشياء الإباحة، وهي الحال التي خلق الله عليها ما في الأرض جميعه، فما لم يقم دليل على تغيرها فالشيء على إباحته الأصلية.
حجيته:
الاستصحاب آخر دليل شرعي يلجأ إليه المجتهد لمعرفة حكم ما عرض له.
تاسعًا: شرع من قبلنا
المقصود بشرع من قبلنا: أحكام العبادات والمعاملات وغيرها في الشرائع السماوية السابقة قبل بعثة النبي، صلى الله عليه وسلم، والتي نزلت على أحد الأنبياء عليهم السلام.
أصل «شرع من قبلنا» بهذا المعنى الذي ذكرناه أخذ به الإمام مالك رحمه الله وأغلب المالكية من بعده، وبنوا عليه مجموعة من الأحكام الفقهية، وقد استدلوا على مشروعيته بنصوص من الكتاب والسنة.
أمثلة ما ثبت عن طريق هذا الأصل عند المالكية:
اعتمد المالكية على أصل «شرع من قبلنا» في مجموعة من الأحكام مبثوثة في مذهبهم، ونذكر هنا بعضًا منها على سبيل المثال لا الحصر:
جواز تزويج البنت البكر دون استئمارها لقوله تعالى على لسان نبي الله شعيب: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ﴾.
لزوم أجرة الكيل للبائع لوجوب التوفية عليه لقوله تعالى على لسان إخوة يوسف عليه السلام: ﴿فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ﴾ يوسف: 88، قال الإمام القرافي مبينًا وجه الدلالة في الآية: «فدل على أن الكيل على البائع لأن شرع من قبلنا شرع لنا حتى يدل الدليل على نسخه».
ثبوت العمل بالعرف والعادة والحكم به في القضاء استنادًا إلى قوله تعالى في قصة يوسف عليه السلام: ﴿شَهِدَ شَاهِدٌ مِّنَ إهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ، وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ﴾
الدليل العاشر: مذهب الصحابي
لا خلاف في أن قول الصحابي فيما لا يدرك بالرأي والعقد يكون حجة على المسلمين، لأنه لا بد أن يكون قاله عن سماع من الرسول، كقول عائشة رضي الله عنها: «لا يمكث الحمل في بطن أمه أكثر من سنتين قدر ما يتحول ظل المغزل»، فمثل هذا ليس مجالًا للاجتهاد والرأي، فإذا صح فمصدره السماع من الرسول، وهو من السنة وإن كان في ظاهر الأمر من قول الصحابي.
ولا خلاف أيضًا في أن قول الصحابي، الذي لم يعرف له مخالف من الصحابة يكون حجة على المسلمين؛ لأن اتفاقهم على حكم واقعة مع قرب عهدهم بالرسول، وعلمهم بأسرار التشريع واختلافهم في وقائع كثيرة غيرها دليل على استنادهم إلى دليل قاطع، وهذا لما اتفقوا على توريث الجدات السدس كان حكمًا واجبًا اتِّباعه، ولم يعرف فيه خلاف بين المسلمين.
وإنما الخلاف في قول الصحابي الصادر عن رأيه واجتهاده، ولم تتفق عليه كلمة الصحابة.
المصدر: ساسة بوست