مقالاتمقالات مختارة

داء المشيخة – د. حذيفة عكاش

بقلم د. حذيفة عكاش

قد يقول قائل: وهل المشيخة داء؟

نعم عندما يتحول طالب العلم إلى شيخ بزِيٍ معيّن، ينتظر من الناس الاحترام والتبجيل، والدعوات للولائم والعطايا، والتصدُّر بالمجالس والمدح والذِّكْر الحسن.. ويشكو انتشار قلة الأدب، ويتباكى على زمان الأدب.

بينما الدعوة مِنْ أُسُسِها: الصبرُ على الأذى، والمحن والابتلاءات، وغِلظة العوام، وتهجّم الحكّام والظلّام.

فلسنا أفضلَ حالاً من أنبياء الله!! والقرآن حاشد بقصص الأنبياء، وذِكْرِ إيذاء أقوامهم لهم، تصبيراً وتثبيتاً لمن تبع سبيلَهم.

فيروى أن أحد الدعاة الكبار المشاهير زار بلدةً فوجد الناس ينتظرونه محتفين  به، محتشدين مرحّبين.

فرجع إلى نفسه متّهماً قائلاً: يجب أن نعيد حساباتنا، فالأنبياء الصادقون كانوا يلقون الأذى!!

طبعا هذا من صدقه ومراقبته لنفسه، وإلا فالهجرة إلى المدينة كان هذا شأنُها.

لكن الهجرة نقطة في بحر الأذى الذي لقيَه صلّى الله عليه وسلم.

مرةً قال أحدُ الكتّاب المثقفين: لا ينقضي عجبي من اتباع العوام لبعض المشايخ! فو الله خطاب هؤلاء المشايخ لا يقنع عاقلاً!! لكنه الرصيد الموجود في وُجدان الناس لعلماء الدِّين عامة، الذي زرعه العلماء الصادقون، وورثه هؤلاء الدراويشُ المتكسِّبون!!

فبعض المشايخ يقتاتون على ما بذله العلماء الصادقون المضحُّون.

هناك فرق بين مَنْ يحملون الإسلامَ، وبين مَنْ يحملهم الإسلام!!

هناك فرق كبير بين الداعية الذي يريد هداية الناس.. وبين المُدَّعي الذي يريد المكاسب والجاه، والاحترام والتقدير من الناس..

هناك فرق بين مَنْ يعتبر العمل للإسلام مكاسب.. وبين مَنْ يعتبرها واجباً عليه أن يتحمّل في سبيلها المصائب..

هناك فرق بين من يعتبر العمل للإسلام مغنَماً، وبين من يعتبره مغرَماً!! وليس مقالي هذا رخصةً وذريعةً للناس لإساءة الأدب مع علمائهم!!

فالمقال موجّه لإخواني طلاب العلم الصادقين، ولكلِّ مقام مقال، وما يقال لطرف، لا يُقال للطرف الثاني، فالأمم الراقية تحترم علماءَها، لأنهم يساهمون في تنمية العقول والأرواح والأنْفُس..

وقد كتب الطنطاوي قديماً مقالاً نعى فيه على بعض المشايخ ما سماه: (صناعة المشيخة) ويقصد أنها: “صارت علامة على طبقةٍ تأخذ من الناس ولا تعطيهم، وتستجيب لدعواتهم ولا تدعوهم، وتقول لهم ولا تسمع منهم، وسمةً لمن هو غريب عن عاداتهم ومواضِعِهم، صارمٌ في وعظهم، شديدٌ في نصحهم، لا يقبل رداً على كلام، ولا جدالاً في رأي، يتكلم (النحْويَّ)..”

وفي النهاية هذا تذكير لي وإخواني، أن يحملوا همّ الدعوة، ويتحمّلوا في سبيلها ما يلاقون، ولا ينتظروا من الناس جزاءً ولا شكوراً.

(المصدر: مؤسسة رؤية للثقافة والإعلام)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى