إعداد خليل قنديل
أكد رئيس الائتلاف العالمي لنصرة القدس وفلسطين الدكتور همام سعيد أن القضية الفلسطينية معصومة وأنها ستظل حاضرة كقضية مقدسات وعقيدة لا يمكن التلاعب بها أو تجاوز العمق الشعبي الواسع المرتبط بها في جميع بلاد العالم الإسلامي، وأن صفقة القرن أو نقل السفارة الأمريكية لن تؤثر على بقاء فلسطين.
كما اعتبر سعيد – المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن- في حوار مع “بصائر” أن الهجمة التي تمارس بحق حركات الإسلام السياسي تزايدت بعدما أظهرته الثورات العربية من تصدر الحركة الإسلامية وبروزها كتحدٍ وخطر مباشر على الأنظمة الغربية والصهيونية، مؤكداً أن هذه الهجمة اتسعت لتشمل كل العاملين للإسلام وللإسلام نفسه، وليس فقط الحركة الإسلامية التي ازدادت توسعاً وتأثيراً في المجتمعات.
وأشار سعيد إلى أن الشعوب قادرة على التمييز بين الثورة الحقيقية ورموزها ورجالها والثورة المضادة ورموزها ورجالها، وأن الثقة في الثورة الأصيلة ورفض الثورة المضادة يتعمق ويزداد، وأن الأمة على مشارف الثورة القادمة والتي من الممكن أن تندلع في أي لحظة لتصويب الأوضاع.
ويرى سعيد أن الأنظمة التي حاربت الثورات العربية لجأت لاستخدام الإرهاب كشماعة لمواجهة الربيع العربي والحركة الإسلامية عبر تشويه صورة الإسلام، كما اعتبر أن السنوات الأخيرة كشفت حقيقة بعض العلماء ومواقفهم المساندة للاستبداد ما اعتبره خيراً للأمة في كشف حقيقتهم.
وحول قرار ترامب حول القدس اعتبر سعيد أن هذا القرار لن يغير من حقيقة هوية القدس كعاصمة عربية وإسلامية لفلسطين وأنه أعاد الزخم إلى القضية الفلسطينية لدى الشعوب في مختلف دول العالم، كما اعتبر أن الأحداث الأخيرة كشف حقيقة بعض الأنظمة التي مارست التطبيع مع الكيان الصهيوني عبر سنوات سراً وباتت تمارسه علناً.
وأكد سعيد أن توحيد جهود العاملين للإسلام توجهاتهم متاح وميسر، مشيراً إلى تجربة الاتحاد العام لعلماء المسلمين، كما أشار إلى الرفض الشعبي للتجييش الطائفي وما يجري من استخدامه لبسط النفوذ السياسي في المنطقة.
وفيما يلي نص الحوار:
بصائر: هل ترى أن الهجمة التي تمارس بحق الحركات الإسلامية في المنطقة توسعت لتشمل الهجوم على الإسلام نفسه؟
د. همام سعيد: لا شك أن الإسلام أو مراحل العداء للإسلام في القرن الماضي أخذت أشكالاً متعددة، في البداية لم يشكل الإسلام تحدياً كبيراً للدوائر المعادية سواء كانت اليهودية أو الغربية، كان العمل الإسلامي ضعيفاً، والمد الإسلامي في بدايته لم يبرز كخطر مباشر على الأنظمة المعادية للإسلام، ثم بعد نهاية السبعينات وبداية الثمانينيات بدأت الحركة الإسلامية تأخذ طريقها إلى سدة التأثير في المجتمعات العربية والإسلامية، وبدأ يدخل عدد من أبنائها إلى المجالس النيابية ومجالس التمثيل الشعبي المختلفة.
هنا بدأ التوجس من حركات الإسلام السياسي، وكما هو معلوم فتحت السجون وحورب الدعاة الذين يحملون الفكر الإسلامي لكنها لم تكن حرباً استئصالية ضدهم إلى أن جاءت ثورة الربيع العربي، حيث شكلت الحركة الإسلامية تحدياً خطيراً واضحاً للأنظمة المستبدة والمعادية للإسلام ، وبدأت المعركة تستعر نحو هذه الحركة الإسلامية بمختلف مسمياتها سواء كانت جماعات أو أحزاب أو منظمات المجتمع المدني.
وهذه الحرب كان أشدها بحق الجمعيات الخيرية التي كان ينظر إليها على أنها غطاء اقتصادي ومالي للحركات الإسلامية، فأصبح موضوع حركة الأموال حتى وإن لم ياخذ طابعاً إسلامياً مشمولاً بالحصار والملاحقة، إضافة إلى ما بدأ يظهر من مخططات معادية للعمل الإسلامي، فيما تتولى بعض الأنظمة سبر هذه المخططات وهذه المحاربة، فما جرى كان حرب استئصال للإسلام والعمل الإسلامي وليست فقط للإخوان المسلمين.
ففي مصر تم سجن أكثر من 60 ألف مصري ربما نصفهم من أبناء جماعة الإخوان المسلمين لكن النصف الآخر هم من أصحاب التوجهات الإسلامية الأخرى، مما يدلل على أن الحرب موجهة ضد الإسلام بشكل عام.
وكذلك ما حصل في سوريا، فالثورة في سوريا لم تكن مكونة من فصيل واحد أو مجموعة إسلامية واحدة، بل مجموعات متعددة ومتنوعة، لكن وجدنا محاربة لفصائل الثورة السورية بجميع أطيافها، وكذلك الحال في اليمن وليبيا، وفي فلسطين المعركة موجهة ليست فقط لرائد صلاح أو الحركة الإسلامية في أراضي 48 بل جميع العاملين للإسلام سواء كانت حركة إسلامية مثل الإخوان المسلمين أو خارج إطارها.
لذا فمواجهة الحركة الإسلامية مرت بثلاث مراحل، أولها مرحلة الترقب ثم مرحلة الاشتباك وصولاً إلى مرحلة محاولة الاستئصال ، لكن هذه المراحل ما زادت العمل الإسلامي إلا قوة، ففي مرحلة الترقب زاد انتشار الحركة الإسلامية وفي مرحلة الاشتباك زاد توسعها وزادت تفوقاً، وفي مرحلة محاولة الاستئصال أصبح لها الكثير من الأنصار والمؤمنين بفكرتها وأصبحت أكثر انتشاراً وأكثر تأثيراً.
بصائر: هل استخدمت الأنظمة التي تقف وراء ما يسمى بالثورة المضادة الإرهاب كشماعة لمحاربة ثورات الشعوب وحركات الإسلام السياسي في المنطقة؟
د. همام سعيد: ضرب الأصيل بالعميل هو أسلوب قديم في محاربة الحركات الإسلامية وظهر بشكل واضح بعد ثورات الربيع العربي ، حيث بدأت هناك محاولة إنشاء تنظيمات تحمل اسم الإسلام بصورة مشوهة والغرض منها إيجاد عدو من مادة العمل الإسلامي نفسه، وأن يكون هذا المشوه الإسلامي يحمل من صور التشويه ما ينفر من العمل للإسلام، وينفر الشعوب و العالم الغربي بعد أن بدأت إرهاصات تحول كبير في الغرب تجاه الإسلام، فهم يريدون القضاء على التحول الجديد في الغرب عبر إيجاد صور مشوهة للإسلام.
فما يسمى بمحاربة الإرهاب استخدم كمبرر أمام الشعوب التي تنبت مفاهيم الإسلامية عبر السنوات الماضية؛ لكي تتخلى عن هذا الارتباط والانتماء للحركات الإسلامية عبر إقناعهم أن صورة الإسلام المتداولة ليست فيها رحمة أوعدالة أو مراعاة للرفق الذي جاء به الإسلام وأمر به.
بصائر: هل تعتبر أن الثورات المضادة نجحت في وأد الثورات العربية أم أن المرحلة المقبلة ربما تشهد حراكاً شعبيا جديداً في ظل استمرار الاستبداد والفساد؟
د. همام سعيد: من الطبيعي أن يكون للثورة ثورة مضادة، وهذا ما شهدته أغلب الثورات في العالم، فكل ثورة تكون مقابلها ثورة مضادة تريد القضاء على الثورة الحقيقية في نفوس الناس ، لكن هذه طبيعة الصراع بين قوى الاستكبار والاستبداد العالمي، وهذه القوى المتربصة ليس فقط للحركة الإسلامية بل لأي حركة تحريرية للشعوب، ولا يريدون أن تمارس الشعوب حريتها أو أن يكون لها كلمتها، ولذلك هم يسعون جاهدين إلى ترسيخ فكرة الثورة المضادة وأن ترث الثورة الحقيقية برموز وأشكال ثورية لكنها حمل كاذب وهذا في ظني لن ينطلي على الشعوب، فالشعوب قادرة على التمييز بين الثورة الحقيقية ورموزها ورجالها والثورة المضادة ورموزها ورجالها.
ما نلاحظه الآن أن الثقة في الثورة الأصيلة يتعمق ويزداد والرفض للثورة المضادة يتعمق ويزداد، فأتصور أن هذه مرحلة تاريخية تمر بها الأمة على مشارف الثورة القادمة والتي من الممكن أن تندلع في أي لحظة لتصويب الأوضاع وإعادة الثورة الحقيقية إلى نصابها.
بصائر: برزت خلال السنوات الماضية مواقف لعدد من العلماء تساند أنظمة الاستبداد، وتهاجم الربيع العربي وحركات المقاومة، هل تأتي هذه الظاهرة ضمن سياسة لصنع فجوة بين الشارع والعلماء وما خطورة ذلك؟
د. همام سعيد: ما قام به بعض العلماء الذين أقحموا أنفسهم في موافقة الأنظمة السياسية إلى ما ذهبت إليه من افتراءات وما ذهبت إليه من كيد للعمل الإسلامي والعاملين فيه، ما هو إلا عملية إبراز لمجموعة كانت من قبل معروفة عند الشعوب بمواقفها المتخاذلة ومعروفة بعدم مناصرتها لقضايا المسلمين واصطفافها إلى جانب المستبدين والطغاة، ولم يحدث شي جديد ولم يغيروا من مواقفهم فكانوا من قبل يمارسون هذا الدور، لكن أصبح دورهم أكثر وضوحاً وما جرى أزال آخر الأقنعة وأظهر هؤلاء على حقيقتهم وفي هذا خير للأمة.
أما العلماء الربانيون المتمسكون بمنهج الحق ما ازدادوا إلا وضوحاً في مواقفهم وثباتا وثقة من الشعوب بهم بشكل عام، فالعالم الصادق في لهجته والصادق في وفائه لأمته، أصبح معروفاً أكثر ومؤثرا في قومه أكثر، لذا لم نخسر أناساً كانوا في صف الحق ثم تركوا الحق بل ربحنا وضوح صورة أهل الحق وظهور حقيقة أهل الباطل .
بصائر: هل من الممكن توحيد جهود العاملين في العمل الإسلامي؟
د. همام سعيد: توحيد جهود العاملين في الحقل الإسلامي هو مطلب قديم ومتجدد، ومنذ أكثر من ستين عاماً وأنا في حقل العمل الإسلامي وأستمع لمطالب توحيد العاملين في هذا الحقل، ولا شك أن كل العاملين الذين يتمتعون بقدر من العمل الحقيقي للإسلام والولاء لأمتهم وعدم مناصرة الظالمين على اختلاف توجهاتهم موحدون في لقاءاتهم واجتماعاتهم ، وفي ظني أن هناك اتحادات تجمعهم، فهناك اتحاد علماء المسلمين الذي يجمع ما بين خمسين إلى ستين ألف من علماء المسلمين في الأمة ويمثل الجسد الأكبر على مستوى العالم الإسلامي، وهم متعددون في اتجاهاتهم وتنظيماتهم ومناهجهم في العمل وهذا دليل أن توحيد العاملين للإسلام الصادقين في توجهاتهم متاح وميسر.
بصائر: كرئيس للائتلاف العالمي لنصرة القدس وفلسطين، ما تقييمكم للتحرك الشعبي في العالم العربي والإسلامي ضد قرار ترامب اعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل السفارة الأمريكية إليها؟
د. همام سعيد: القدس كسبت من هذا القرار الغبي أكثر مما خسرت، حيث تفاعلت قضية القدس في ضمير العالم الإسلامي في مختلف بقاع الدنيا، وفي عدد من البلاد مثل ماليزيا وتركيا شهدت تفاعلاً كبيراً مع القدس بعد قرار ترامب، لذا فهذا القرار أعاد مزيداً من الحياة إلى القضية الفلسطينية والقدس، مما جعل الكثيرين ينحازون بشكل واضح لقضية العالم الإسلامي وهي قضية بيت المقدس ويناصرونها ويبدون استعداداً للتضحية في سبيلها.
كما وجدنا أن عدد المصوتين في الجمعية العامة للأمم المتحدة كان 190 دولة ضد قرار ترامب، ما عدا بعض الدول القليلة والهامشية في العالم التي أيدت القرار رغم ما بذلته الإدارة الأمريكية من جهود، إلا أن دول العالم لم توافق ترامب فيما ذهب إليه من نقل السفارة إلى القدس سوى غواتيمالا التي ليس لها ثقل في معايير الدول، لذا لم نجد أي دولة أخرى أقدمت على هذه الخطوة لما وجدت من حراك شعبي عالمي تضامناً مع القضية الفلسطينية.
بصائر: كيف ترى ما تقوم به أنظمة عربية من ترويج للتطبيع مع الكيان الصهيوني بدعوى التحالف في مواجهة إيران، وهل سنتجح هذه الأنظمة في إنجاح ما يسمة”صفقة القرن”؟
د. همام سعيد: هذا التطبيع ظهر للعلن وكان يمارس في السر لسنوات طويلة، ولعله من الخير أن تظهر هذه الأنظمة على حقيقتها وأن لا تبقى تعيش حالة خداع للشعوب ، وأتصور أن في هذا خير كثير حتى تعرف الأمة من معها ومن ضدها، وهذا الذي رأيناه في الآونة الأخيرة، وبدأت الأحداث تكشف عن مسارات تطبيعية قديمة جداً ما كانت حاضرة لدى الشعوب، لذا لم نخسر شيئاً كثيراً بل ربحنا جلاء الحقيقية ولا بد من مواجهة تحركات هذه الأنظمة.
وهذه الأنظمة فاشلة وغير قادرة في تحقيق على فرض ما يسمى بصفقة القرن، فهي أنظمة مرفوضة ولا يمكن أن تفرض شيئاً على الآخرين، فالقضية الفلسطينية معصومة بحماية الله لها ورعاية الله لها، فهي قضية مقدسات وعقيدة لا يمكن التلاعب بها أو تجاوز هذا العمق الشعبي الواسع في جميع بلاد العالم الإسلامي المرتبط بهذه القضية وبالمقدسات ، لذا فلا صفقة القرن ولا نقل السفارة ولا غيرها سيؤثر على بقاء فلسطين؛ فهي أرض جهاد، وأرض ترتبط بها القلوب إلى أن يأتي وعد الله بالتحرير.
بصائر: في الختام كلمة توجهها إلى الأمة والعاملين في الحقل الإسلامي؟
د. همام سعيد: أبشر أن نتائج هذا الجهاد قادمة في مختلف ميادين العمل الإسلامي، سواء العسكرية أو الميادين الدعوية والسياسية أو ميادين المواجهة مع القوى المعادية.
أنا اعتبرها معركة واحدة في كل مجال ومكان، وأن هذه المعركة ما زالت قائمة بضوضائها واختلافاتها وتشابكها، وأنا أرى من خلال هذا التشابك والاختلاط ما ستسفر عنه هذه المعركة بتسجيل مظاهر النصر للأمة إن شاء الله وفشل أعدائها برغم ما يملكون من جيوش جرارة وأموال ضخمة ووسائل إعلام نافذة، لكن بالرغم من ضعفنا إلا أننا نمتلك الكثير من الحق والصبر ونسأل الله أن يثبت الأقدام وأن ينصر عباده في معركتهم سواء في فلسطين أو أي بلد من بلاد الإسلام.
(المصدر: موقع بصائر)