تقارير وإضاءات

د. محمد صالحين: ركائز الإلحاد بسيطة لكنها قتَّالة لعقلٍ غير واع

إعداد السنوسي محمد السنوسي

تقارير كثيرة تتحدث عن انتشار “الإلحاد” خاصة بين الشباب، حتى تنادى برلمانيون في بلد عربي إلى سنِّ قانون يجرم ترويج الفكر الإلحادي بين الشباب!

“إسلام أون لاين” التقى الأكاديمي المصري د. محمد صالحين، أستاذ العقيدة والفكر الإسلامي بكلية دار العلوم، جامعة المنيا؛ للتعرف على أسباب انتشار الإلحاد، وخطورته، وسُبل مواجهته، بجانب التعرف على المشروع الأكاديمي الذي يشرف عليه لنقد الإلحاد بطريقة علمية منهجية..

كيف ترون دقة ما يقال عن انتشار “الإلحاد” في العالم العربي؟ وهل لدينا مراصد تحدد ذلك؟

اسمحْ لي في البداية أن أبدأ بمفهومي الخاص عن الإلحاد؛ لأنه مفهومٌ واسعٌ عن المعتاد، فليس الإلحاد- عندي- قاصرًا على إنكار أولية الله، وقيوميته، وألوهيته، وربوبيته، بل هو كذلك: إنكار أي معلوم من الدين بالضرورة؛ كإنكار البعث بعد الموت، وما يليه من تفاصيل أخروية، وكإنكار الملائكة، والوحي، والنبوة، وكإنكار الفرائض والمحرمات، وكالمناداة بأنه يكفي أن يكون الإنسان ربوبيًّا؛ يؤمن بأن للكون ربًّا، دون أن يلزمه ذلك بأي تكاليف دينية، وكالمنادة بضرورة تحديث القرآن؛ بحيثُ نحذف منه ما يراه الملاحدةُ غيرَ مناسب لعصرنا، أو كإنكار السنة النبوية بالكلية، أو إنكار حجيتها بالكلية، أو كالاعتداء السافر على الشريعة وحملتها ومؤسساتها… إلخ، فليس شرطًا أن يكون كل ملحد كافرًا، أو مرتدًا، بل يكفي أن يكون منحرفًا عن الصراط المستقيم؛ الذي أجمعت الأمة على معالمه؛ قرنًا بعد قرن.

إذا كان ذلك كذلك: فإني أجيب عن سؤالكم بالإثبات، نعم أرى أن الإلحاد يمثل ظاهرة متفشية في عصرنا هذا، ولا يستطيعُ أحدٌ إنكارَها بالكلية، غير أن المختلف فيه هو: نسبة استشرائها، وهذه لا يمكننا حصرها بدقة؛ لسببين:

الأول: عدم امتلاكنا- في العالم العربي- وسائلَ تداولِ المعلوماتِ، ولا شفافيتها؛ لذلك نفتقد الدقة، ليس في رصد هذه الظاهرة فحسب، بل في رصد كافة الظواهر، حتى لو كانت ظواهر إيجابية محمودة!

السبب الثاني: استخفاء معظم من جرهم تيار الإلحاد، بإلحادهم؛ لأسباب كثيرة، لا تخفى على فطنة القارئ المثقف؛ وعليه: سيكون من الصعوبة أن نرصد بدقة نسبة مئوية لاطراد هذه الظاهرة، أو نموها.

وأُنوِّه هنا عن أمرين:

الأول: أن الإحصائيات الواردة من مؤسسات أجنبية بصدد رصد ظاهرة الإلحاد: غير موثوقة؛ لأنها تميل إلى التهويل والتضخيم في أغلب الأحايين.

الثاني: أن ظاهرة الإلحاد- في مصر على سبيل المثال- ليستْ قاصرة على المسلمين فقط، بل إن هذه الظاهرةَ مستشريةٌ أيضًا في صفوف مسيحيي مصر، وهذا أقولُه عن معايشة، وليس عن مجرد انطباع شخصي.

 

الظواهر الاجتماعية يكون لها أكثر من سبب متداخل.. برأيكم، ما أسباب انتشار الإلحاد؟

بالفعل، الأسباب متعددة، ومتداخلة، ربما إلى حد التشابك؛ وهي في مجموعها: أسباب ذاتية، وأسباب وافدة؛ ومن أهمها:

1- اضمحلال التحصين الديني الصحيح في مجتمعاتنا، فقد باتتْ مجتمعاتنا العربية مستغرقة في حياة مادية بائسة، فلا هي حققتْ طفرةً ماديةً؛ كالمجتمعات العلمانية الغربية منها، أو حتى الشرقية! ولا هي أبقتْ على رصيدها الديني؛ الذي هو ركيزة التقدم الدنيوي؛ بفلسفة: الاستخلاف الرباني؛ لعمارة الأرض، وفق مراد خالقها، وخالقنا، وأمسى الشباب وغيرهم حائرين بين دينٍ حقٍّ لا يمنحُ حياةً إنسانية لأصحابه، وأنظمةٍ غيرِ دينيةٍ يرفلُ رعاياها بجُلِّ المُتع، فضلاً عن العيش الآمن، والسلام النفسي (يزعمون)!!

2- تشوه الثقافة الدينية المعاصرة؛ بين تيارَيْ السلفية المشدودة بكل قوتها للماضي، من غير إسقاط تطبيقي نافع على الحاضر، وبين تيار يزعم ميله إلى التجديد، مع أن أطروحاته تغريبية بجدارة؛ لدرجة إعلان رغبته في: (تحديث الإسلام)؛ سيرًا على خُطة الغرب؛ حين أخرج الدين- في زمن الإصلاح والنهضة- من منظومة الحياة بالكلية، وهو ما مزق لُحمة التدين، ووشيجة الإيمان، في أرتال من المسلمين غير الفقهين.

3- الانفتاح التقني غير المنضبط بمنظومة توعوية رشيدة، وهو ما تم استغلاله أسوأ استغلال، من قِبَلِ مروجي الأفكار الإلحادية؛ فاستقطبوا آلاف الشباب من الجنسين؛ منتهزين فرصة خوائهم الثقافي، وانفتاح مسامهم لتقبل الأفكار التي تُصاغ بأسلوب يروج على هؤلاء المساكين، فلا يكاد أحدهم- إلا من رحم ربي- يقرأ مقالة على الحوار المتمدن، أو يقع على عبارة دُبِّجتْ بأحكام على شبكة الملحدين العرب: إلا ويُعلن أن الدين حديث خرافة، وأن عقيدة الألوهية أسطورة، تم نشرها؛ لاستعباد البشر، والتحكم في مقدرات الأرض!

وتحت هذه الإشارات المجملة: تكمن عشرات التفصيلات المأساوية!

 

 هل انتشار الإلحاد له علاقة بالأوضاع السياسية في عالمنا العربي، التي تشهد تغيرات جذرية؟

بكل تأكيد، وهي علاقةٌ تكاد لا تخفي على متابع ذي بصيرة؛ خاصة وأن التيارات الإسلامية المعاصرة أثبتتْ أنها غير جديرة بثقة الملايين التي منحتها أصواتها بعاطفة حارة، وتفاؤل جياش، وأمل في غدٍ أفضل، يحصل فيه الكادحون على حقوقهم الإنسانية المشروعة؛ بهتافهم الفطري: (عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية!!)، فإذا هي أضغاث أحلام، وسراب بقيعة؛ مما أدى إلى هِزة عقدية خطيرة؛ حتى في أوساط اجتماعية متجذرة في التدين الشعائري؛ فسمعنا عن شباب أعلنوا كفرهم بحقانية الدين؛ بدلاً من أن يثوروا على تكلس المتصدرين، ورأينا شبابًا ينضمون إلى داعش، بعد أن كفروا بالسلمية والديمقراطية، وبين هؤلاء وأولئك: ملايين الحيارى المدهوشين!!

أضفْ إلى ذلك: أن البديل المتغلب يُعلنُ بجَرْأة مذهلة: أن الملحدين مؤمنون، وأن الله أعطى الناس الحق في الإلحاد، وأن المتدينين لا يقبلون التعايش مع مخالفيهم، ويستهدفون 6 مليارات آدمي بالقتل، وأن الأوان قد آن لتغيير أحكام دينية ترسخت منذ 1400 سنة؛ إشارة إلى النبعين الصافيين؛ القرآن الكريم، والسنة النبوية.. وهو ما أربك المتدينين، وحفَّز الملحدين؛ حتى أعلن سيد القمني من لندن أن الأوان قد آن لإنهاءِ مرحلة الاستخفاء، وبَدْءِ مرحلة المعالنة بالإحاد الصريح.

وعلى هامش ذلك: تأتي إرادات سياسية للتطبيع الكامل، بل التماهي مع عدونا الأول؛ المحتل لأرضنا، المستنزف لثوراتنا، المدنس لمقدساتنا؛ لنقبل بالأمر الواقع، بل لنرضخ لإرداة قوى البغي العسكري، والاستبداد السياسي، والتدمير الاقتصادي، فماذا تبقى للدين وأصحابه كي يقدموه؟ فليشد من أراد الرحال إلى حيثُ المصلحة، ولو على حساب العقيدة!

 

 ما خطورة الإلحاد على شبابنا؟

الإلحاد خطر على الجميع، غير أن خطورته على الشباب كارثية؛ لأن الشاب الملحد يوجه طاقاته كلها لمقاومة الدين؛ مظهرًا ومخبرًا، شعائرَ وأحكامًا، فتأخذه بوصلته غير الرشيدة، بل غير الواعية: إلى التفريط في مقدرات أمته، ووطنه، وثقافته؛ فتضيع منه معالم الحاضر، ويتوه منه سبيل المستقبل، في ظل اختطاف المتربصين لوعيه، وتزييفهم إرادته، وتصييره تابعًا خانعًا؛ يخون نفسه، ويزيف الحقائق المستقرة في الفطرة الإنسانية!

 

 ما الركائز الأساسية التي يستند إليها الإلحاد؟

ركائز بسيطة للغاية، لكنها قتَّالة بالنسبة لعقل غير واعٍ، وفكر غير حصين، وهي درجات، بل دركات؛ يروجون أحابيلها على السذج، أو أصحاب التطلعات الدنيوية غير النظيفة:

1- يقولون: قارنْ بين مجتمعين؛ أحدهما تخلص من تسلط الدين ورجاله، وآخر ما زال يرزح تحت نير الكهنوت الديني، واخترْ لنفسك، ومستقبل دولتك!

2- ويتساءلون بكل براءة: من أين لك التثبت من أمور تاريخية، وقعت من آلاف السنين، ومن الذي روى؟ ومن الذي كتب وسجل؟ وهل من ضمانة واحدة؛ لصحة أيٍّ من هذه التفاصيل التي لا تنتهي؟! هل تترك عقلك المحترم الواقعي؛ لتتبع هذه الأساطير التي تقترب من الخرافات؟!! هل هذا يليق بمكانتك السامية في القرن الحادي والعشرين؟!!

3- ثم يتعمقون: ولو سلمنا بصحة بعض الأمور التاريخية: فما سبيل التسليم لعالم الغيب: (الله/ الوحي/ الملائكة/ الجن/ البعث والنشور/ الحساب والجزاء… إلخ) هل يليق بإنسان صعد سطح القمر، وتحكم في الذرة، واخترق المجرة أن يُسلم بهذه الترهات العجيبة؛ التي ليس عليها دليل ماديٌّ واحد، بل كل الأدلة المادية تجزم بأنها أساطير الأولين تُتلى على البسطاء السذج، فيريحون أنفسهم من عناء التفكير؛ بالتسليم لهذه الخرافات، المتجذرة في تاريخ البشرية، وقد آن الأوان لاقتاعها من جذورها.

4- وإذا تركنا كل هذا جانبًا: فأين رحمة الإله المزعوم بالفقراء والمرضى والعوزين، أين عدالته في ظل طبقية اقتصادية بشعة؟ أين حكمته في عالم مليء بالشرور التي لا آخر لها، لماذا خق الكون، ثم تركه بلا رحمة، ولا عدالة، ولا حكمة؟!!

وكما ترون: فالرد على هذه الشُّبهات الواهية لا يحتاج إلا لمؤسسة عصرية، تضم متخصصين عميقي الإيمان، أصحاب عقلية علمية بصيرة، ذوي سمت هاديء، ونبرة واثقة، ترصد، وترد، ثم تأخذ بزمام المبادرة، لكن: أين هي؟!! هذه هي ثالثة الأثافي، بكل أسف!

 

 كيف ترون سبل المواجهة؟

بدون عبارات إنشائية، أشير إلى عشرة سبل، بطريقة رؤوس عناوين، والعاقل تكفيه الإشارة:

– تجديد الخطاب الدعوي: وليس (الخطاب الديني؛ كما يطلقون جهلاً أو عمدًا)؛ كي تنصب مقاصده ووسائلها على القضايا الحيوية التي يعيشها الناس.

– إنهاء الانفصام النكد المتعمد بين الدين والدنيا: لأن الإسلام فلسفة حياة كاملة، لا مجال فيها للفصل الذي احتاجته المجتمعات الغربية؛ إبان سطوة الكهنوت، واستبداد آباء الكنسية، أما غاية ما نحتاجه فهو: التمييز بين واجبات المنوط بهم القيام على شؤون الدين، ومؤسسته، وبين المنوط بهم تطبيق مقاصد الدين في المؤسسات الدينوية؛ لأن الخلط بين الأمرين أخرج نتائج كارثية على كافة المستويات.

– استرداد الشعوب لحريتها: لأن اختطاف حرية الشعوب، والتسلط عليها بالقهر جعل الناس تستخفي بهويتها الحقيقية، فاختلط الحابل بالنابل، وراجت الأفكار الإلحادية في أجواء مفعمة باليأس والإحباط، في حين أن مُناخ الحرية يتيح للجميع أن يستعلنوا بأفكارهم؛ دينية، وسياسية، وغيرها: وهذا يفتح المجال للحوار الإيجابي، دون خشية من أصناف الأذى المعهودة.

– تعميق الثقافة الدينية الرشيدة: وينبغي أن تكون هذه سياسة الدول الإسلامية، في جميع مؤسساته العلمية، والتعليمية، والتربوية، والثقافية، والرياضية، والاجتماعية، والإعلامية؛ فضلاً عن المؤسسات الدينة بالطبع؛ لأن تسطيح المعرفة الدينية تجعل أصحابها عرضة لاختطاف الوعي، ونقل صاحبه من الإيمان الفطري، إلى الإلحاد المتدثر بالعقلانية؛ منكرًا وزورًا.

– فهم معنى الحرية المسؤولة: والتجربة تقول إنه لا وجود للحرية المنفلتة في المنظومات الإنسانية الناجحة، بل إن المنظومة الظافرة هي التي تغلق المثلث الأخلاقي: حرية، مسؤولية، جزاء. وهذه ستجعل الأفراد والمجموعات مدركة لنتائج المسؤوليات المترتبة على حق الحريات.

– مأسسة الفكر الديني المعاصر: لأنه يكفي ما شهدناه على مدى العقود المتطاولة من العدوان على الدين؛ عقيدة وشريعة؛ بدعوى أنه لا كهنوت في الإسلام، وبالتالي أصبح الدين مشاعًا، وهو ما أفرز هذه الفوضى غير الخلاقة، على حساب صحيح الدين، بل على حساب مقاصد الدين.

– الرد الواعي على أراجيف الإلحاد: لأن الردود المتشنجة- أو الجهولة- تضعف من موقف المتدينين، وتظهرهم في مظهر المنهزمين، في حين أن الردود العقلانية- من أصحاب سمت علمي هادئ- تدحض الباطل بأقل جهد، وبأعمق برهان.

– ملء الفراغ الشبابي؛ بالتمكين الحقيقي لهم في أوطانهم: لأن الشباب إذا أصيب بخيبة أمل في الواقع، وبيأس وإحباط من المستقبل، وبحجر وتضييق في التعبير الحر عن آرائه، لا يكون أمامه إلا طريقان متوازيان؛ إما التشدد والتطرف الديني، وإما التفلت الاجتماعي والإلحاد عن سبيل الدين!

– استرداد المؤسسة الإسلامية لحقوقها، المعنوية والمادية سواءً: بحيثُ تستعيد هيبتها في نفوس مواطنيها، وتسترد ثقة الشعوب بها، فقد أصبحت الشعوب مقتنعة أن المؤسسة الدينية الآن ما هي إلا صدًى للأنظمة السياسية الجاثمة على صدر الشعوب المسالمة.

– الهجوم خير وسيلة للدفاع: فينبغي ألا ننتظر هجمة إلحادية، في أعقاب نكسة سياسية أو عسكرية؛ لننتفض ضدها، بل الوقاية خير من العلاج، والهجوم السلمي المنظم هو حائط الصد الأساسي ضد كافة الانحرافات التي تُحاك للإنسانية، وليس للأمة الإسلامية فحسب.

 

هل المؤسسات الدينية تقوم بالدور المنوط بها؟

لا؛ إما لأنها ممنوعة من القيام به، وإما لأنها غير جديرة بالقيام به، وأكتفي.

 

ما أبرز الكتابات المعاصرة التي تتصدى لشبهات الإلحاد بأسلوب يناسب عامة الشباب؟

قد تعجب حين أُعلن لقرائك المحترمين أن أبرز الكتابات المعاصرة التي تتصدى، بل تجابه الموجات الإلحادية: هي كتابات رصينة دبجها فكر ثلة من المتخصصين في العلوم الأساسية التجريبية، أو ثلة واعية من المتخصصين في العلوم الإنسانية واللغوية، وليستْ كتابات علماء الدين، ومشايخه، بالطبع: على جهة التغليب!!

وذلك لأسباب منطقة؛ منها:

– سعة ثقافتهم، وامتلاكهم ناصية اللغة الإنجليزية.

– عمق يقينهم الديني؛ الناجم عن إيمان حر، وليس عن طبيعة وظيفة، لا تتغيا القيام برسالة سامية.

– اضطلاعهم بمهارات التقنيات الحديثة، وسبل استخدامها، والتواصل الوسيع عن طريقها؛ مما أتاح لهم مساحة فكرية، قلما يبصرها علماء الدين التقليديون.

– تحريهم للمباشرة، والبساطة، والبرهان الواضح: بعكس أساليب رجالات الدعوة الإسلامية؛ التي ما زالتْ متأثرةً بمناهج الدراسة الدينية القيدمة المتكلسة، في أغلبها.

ولعلني هنا أشير إلى مثال من هذه الكتابات الرشيدة؛ وهي مؤلفات د. حسام الدين حامد، وهو أستاذ جراحة بجامعة المنصورة؛ فكتاباته نافعة جدًّا؛ لأنها جاءت على خلفية إيمانية غير تقليدية، وخلفية علمية غير محدودة، وثقافة لم تكتف بالمحلية الضيقة.

 

لكم دور أكاديمي في تناول الإلحاد.. كيف نشأ هذا الاهتمام؟ وإلى أين وصل؟

نشأ هذا الاهتمام مُذْ كنتُ مبعوثًا حكوميًّا لدراسة الدكتوراه في مقارنة الأديان، في إحدى الجامعات الألمانية، فقد وجدتُّ متناقضاتٍ تدعو إلى التأمل؛ فبينما يعتنق عشرات من الشباب والفتيات في الغرب دينَ الإسلام: نجد أن ظاهرة الإلحاد بين الشباب المسلم مستشريةٌ، ثم جاءت موجة الإلحاد العاتية إلى أوطاننا؛ خاصة بعد ثورات الربيع العربي، وقد دعاني ذلك إلى التفكير في طرح مشروع أكاديمي، عنوانه: (حِجَاج الإلحاد في قضايا العقيدة.. دراسة فلسفية نقدية في الفكر العربي المعاصر).

وقد آثرتُ أن يكون مشروعًا أكاديميًا، وليس ثقافيًّا؛ كي يبقى في إطار المنهجية العلمية الملتزمة بالعقلانية الهادئة، وليس بالعاطفية المتحمسة.

كذا آثرتُ أن يكون (حجاجًا)، وليس (ردًّا على شبهات)؛ مثلاً؛ لأن الثاني هو مصادرة على المطلوب قبل أن يبدأ، بينما الأول: هو دعوة للحوار والمناظرة، أكثر من كونه انتصارًا في مباراة لا يوجد فيها منافس أصلاً.

كذا حددتُّ بدقة زمن الحجاج (القرن المعاصر)، ودائرته (الفكر العربي)؛ حتى تتوافر للمشروع سمة الحيوية، والمعايشة الآنية.

كذا آثرتُ أن يكون في إطار أطروحات أكاديمية؛ ضمانًا للطابع الرسمي، الذي يضفي الجدة والجدية في آن واحد، على مفردات المشروع، وقد كان مجلس قسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة المنيا خير عونٍ لها، باحتضانه المشروع، وتسجيل خمس رسائل علمية، تحت إشرافي، بحيثُ توزع المشروع على خمسة باحثين؛ اثنين لدرجة الدكتوراه، وثلاثة لدرجة الماجستير؛ في قضايا: الإلهيات/ النبوات/ الوحي/ السمعيات/ القضاء والقدر. وتم إنجاز ثلاث رسائل، وأتطلع إلى إنجاز الرسالتين المتبقيتين قبل انصرام عام 2018م؛ بإذن الله تعالى.

وأُخطط من- مع فريق العمل بالمشروع- لنشر جهدنا العلمي؛ بوسيلتين:

الأولى: نشر الأطروحات؛ ليطلع عليها المتخصصون؛ من الأكاديميين، والدعاة.

الثانية: صياغة كل أطروحة صياغة ثقافية سهلة التناول، في 100 سؤال وجواب، لكل قضية، بحيث تناسب جمهور القراء، وتناسب أذواق الشباب على وجه الخصوص.. ونسأل الله التوفيق.

(المصدر: إسلام أونلاين)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى