د. عبدالسلام أحمد: سلاحان مؤثران لنصرة مسلمي الهند.. التوعية الإعلامية والمقاطعة الاقتصادية
دعا د. عبدالسلام أحمد، رئيس الجامعة الإسلامية في كيرالا بالهند، إلى نصرة مسلمي بلاده من خلال التغطية الإعلامية والمقاطعة الاقتصادية، مؤكداً، في حوار مع «المجتمع»، أن التغطية الإعلامية المستمرة في وسائل الإعلام العربية سيكون لها تأثير في توعية الشعوب، ما يؤثر في مواقف الحكومات.
مبرزاً ضرورة المقاطعة الاقتصادية لمنتجات الشركات المقربة من الحزب الحاكم في الهند وحركة «RSS”، وتوعية الناس بضرورتها، مشيراً إلى أن الهندوس الذين يهاجمون المسلمين بحجة ذبح البقر هم أنفسهم أكبر مصدري لحوم البقر في الهند للدول العربية والإسلامية!
ما الذي يحدث الآن في الهند تجاه المسلمين؟
– هناك أمور وتقارير كثيرة ترصد ما يتعرض له مسلمو الهند، على سبيل المثال؛ منظمة مراقبة الإبادة الجماعية حذرت من أن الهند على وشك الإبادة الجماعية لمسلميها، وقد وضعت المنظمة 10 مراحل للتعبير عن الإبادة الجماعية أو مقدماتها، وللأسف حذرت المنظمة من أن الهند وصلت إلى المرحلة الثامنة من مراحل الإبادة الجماعية، وأن المسلمين بالهند حالياً على وشك أن يكونوا ضحية لها.
واعتبرت المنظمة أن قضية المواطنة وخطوة سحب الجنسية من مسلمين كانت مقدمة للإبادة، خلال قوانين تمييزية مثل قانون الجنسية «تعديلات قانون المواطنة» عام 2019م، وإلغاء الحكم الذاتي لولاية جامو وكشمير خلال أغسطس 2019م، وهي الولاية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في الهند، وإلغاء الامتيازات التي كانت تتمتع بها الولاية، ثم أعقب ذلك الاضطرابات الطائفية في العاصمة دلهي خلال فبراير 2020م رداً على احتجاجات المسلمين ضد قانون الجنسية؛ إذ حددوا مناطق المسلمين، ثم شنوا الاعتداءات عليهم وعلى مساجدهم، وقتل خلالها عدد من المسلمين، حتى إن هذه الحملة الطائفية كان يقودها عضو برلماني من الهندوس.
وقبل فترة أيضاً كانت هناك اجتماعات ومؤتمرات للهندوس المتطرفين أعلنوا خلالها عزمهم قتل مليوني مسلم بأن يحمل ألف شخص منهم السلاح، ويضعوا هدفاً لهم بقتل مليوني مسلم، وبذلك سيكونون قد نجحوا في إبادة مسلمي الهند؛ فنظرياتهم المتطرفة قامت على هدف محو المسلمين، من خلال إجبارهم على المغادرة إلى باكستان، أو الاستسلام ويكونون عبيداً للهندوس، وبالتالي فالهندوس المتطرفون يعملون على تنفيذ مخططهم.
ثم مؤخراً كانت أزمة الحجاب في ولاية كارناتاكا جنوبي الهند، وفي الجنوب عموماً كانت علاقة المسلمين بالهندوس جيدة، وكان الهندوس في الجنوب مسالمين ويتعاملون بشكل جيد مع المسلمين، ولم تكن هذه الصورة الفجة من العنصرية.
إذاً، ما الذي تغير؟
– الذي تغير أنه قبل سنتين كان الحزب الحاكم هو حزب المؤتمر الوطني، لكن حزب الشعب الهندي الذي يقوده رئيس الوزراء الحالي «ناريندرا مودي» اشترى أعضاء المجلس التشريعي للولاية بالمال، ومن هنا تم سحب الثقة من حكومة حزب المؤتمر الوطني، لينتقل حكم الولاية إلى حزب الشعب الهندي الحاكم، وهذا الحزب بسيطرته على مفاصل الدولة والمال يستميل التجار وأطرافاً متنوعة، حتى إنهم يستميلون مسلمين في بعض الدوائر الانتخابية!
كيف ترى المستقبل في ظل هذه الأزمات؟
– حسب مراقبين إعلاميين وسياسيين، فإن هذا الوضع قد يستمر لـ10 أو 15 عاماً؛ لأن السلطة الحالية للأسف لا ينظر إليها باعتبارها حزباً سياسياً يتعامل في إطار السياسة، وإنما كعصابات ومتطرفين يستعملون كل الوسائل لتحقيق أهدافهم كالكراهية والطائفية والتخريب والتهديد والتهميش، ولديهم سلطات الدولة في قبضتهم على خطى النازية، في المقابل المعارضة ضعيفة وليس لديها مقاعد كافية أو إمكانات مادية، ولهذا فليس هناك بديل قوي لحزب الشعب الهندي الحاكم حالياً.
وفي رأيي، فإنه إذا كانت لدينا إستراتيجية مدروسة يمكن أن نتجاوز هذه الأزمات والتحديات؛ فالهند كدولة عريقة، والمسلمون فيها لهم تاريخ طويل وانتشار في كل الولايات، وأعدادهم لا يستهان بها؛ وبالتالي لا يستطيع المتطرفون القضاء عليهم أو التخلص منهم بالإبادة الجماعية، فالمسلمون في الهند بحاجة ماسة إلى خطط وإستراتيجيات مدروسة تمكنهم من تجاوز هذه المحنة.
هل توجد مؤسسات معنية بمشكلات مسلمي الهند بالخارج تعرّف بواقعهم وما يتعرضون له من تضييق؟
– نعم، هناك مؤسسات معنية بقضايا المسلمين خارج الهند، لكن دورها لا يزال ضعيفاً، فمسلمو الهند للأسف لم ينجحوا في إيجاد وصناعة مؤسسات ترفع أصواتهم في الخارج، وتنقل واقعهم وشكواهم للجهات الدولية المعنية والمحاكم الدولية ولجان حقوق الإنسان، ولهذا السبب التجاوب عالمياً مع قضايا ومعاناة مسلمي الهند ليس على المستوى المطلوب.
هل تؤيدون إقامة مؤتمر خارجي بإحدى الدول الإسلامية للوقوف على واقع المسلمين بالهند؟
– من الضروري جداً إقامة مثل هذا المؤتمر في تركيا أو غيرها من الدول، لكن في رأيي الأفضل هو تجنيب الجهات الهندية المسلمة المشاركة في مثل هذه الأمور، لأنهم إذا قاموا بخطوة كهذه سينعكس عليهم بمزيد من التضييق.
ماذا لو شاركت مؤسسات هندية أو أكاديميون بالخارج في إقامة مثل هذا المؤتمر دون وقوع ضرر عليهم؟
– الأكاديميون ورجال المال الهنود المؤثرون ينتشرون في الولايات المتحدة وبريطانيا، وبإمكانهم المشاركة في هذا المؤتمر، ومنهم كتَّاب، وهناك غير مسلمين منصفون يرفضون ممارسات الحزب الحاكم ضد مسلمي الهند، مثل الكاتبة والأديبة الهندية المعروفة «أرونداتي روي» التي تعارض بشكل صريح سياسة حزب الشعب الهندوسي ضد المسلمين وفي كشمير، وهي تكتب في العديد من الصحف الدولية، وحصلت على العديد من الجوائز، وكتاباتها لها تأثير وانتشار، وغيرها من الشخصيات الهندية المؤثرة في الخارج؛ ما سيكون له أثر في التعريف بقضية مسلمي الهند.
هل لديكم مقترحات تجعل من هذا المؤتمر خطوة فاعلة كمؤسسات تتم دعوتها أو محاور يشملها؟
– أقترح ألا يقتصر على المسلمين فحسب؛ بل يكون مؤتمراً عاماً يمثل كل المكونات بالهند، ويتم دعوة المؤسسات والشخصيات التي تمثل المكونات الأخرى وليس المسلمين وحدهم وممثلين عن حقوق الإنسان، والسيخ المتواجدين في بريطانيا والولايات المتحدة، خاصة أن السلطة في الهند تخشى السيخ أكثر من خشيتها المسلمين، وهناك أيضاً المسيحيون في الهند وهم كذلك متضررون من ممارسات وطائفية السلطة الحالية لكن بوتيرة أقل من استهداف المسلمين، وإن كانت السلطة الحالية تستخدم سياسة التحالفات مع طرف للقضاء على طرف آخر، ولهذا فهم يتحالفون مع المسيحيين أحياناً.
وهناك في بريطانيا أحد أعضاء البرلمان البريطاني من أصول هندية النائب «تانمانجيت سينغ ديسي»، وهو من السيخ، وكثيراً ما يخطب في البرلمان عن الهند وما يتعرض له السيخ، وأيضاً نائبة الرئيس الأمريكي الحالية «كامالا هاريس» هي من أصول هندية، والخبير الاقتصادي الهندي المعروف «راجان راغورام»، وهو مدير البنك المركزي السابق الذي ترك منصبه في عام 2016م؛ فدعوة مثل هذه الشخصيات من غير المسلمين وممن يقيمون في الخارج يمكن أن يساهموا بصورة أكثر فاعلية في التعريف بالواقع الحالي في الهند، وتكون مخرجات المؤتمر أكثر تأثيراً.
لماذا تغيب المواقف العربية عن نصرة مسلمي الهند؟
– الحزب الحاكم ينتهج سياسة التحالف مع بعض الدول العربية، حتى إنه عندما أراد تمرير قانون الجنسية وخشي البعض من رد الفعل العربي، أعلن رئيس الوزراء «مودي» لمؤيديه ألا يخشوا موقفاً عربياً، وذكر أنه قد تفاهم معهم (يقصد بعض الدول العربية)، وبعض هذه الدول تخشى اتخاذ موقف مناصر لمسلمي الهند حفاظاً على مصالحها مع السلطات الهندية، لكن التغطية الإعلامية المستمرة في وسائل الإعلام العربية سيكون لها تأثير في توعية الشعوب، وهذا الوعي الشعبي عندما يتحقق سيكون له تأثير على مواقف الحكومات.
هناك أيضاً فكرة المقاطعة الاقتصادية، وتوعية الناس بضرورتها لكن بذكاء من خلال التعريف بالمنتجات التي تعتبر شركاتها مقربة من الحزب الحاكم في الهند وحركة «RSS»، حتى الهندوس الذين يهاجمون المسلمين بحجة ذبح البقر هم أنفسهم أكبر مصدري لحوم البقر في الهند للدول العربية والإسلامية.
ماذا عن دور وسائل الإعلام في هذه الأزمة؟
– فيما يخص الإعلام، لدينا قناة فضائية تعتبر هي القناة الأولى التي تمثل المسلمين في الهند وهي قناة «media one»، ولدينا جريدة تأسست قبل 30 عاماً ولها انتشار واسع، لكن قبل 3 أسابيع فوجئنا بإلغاء ترخيص القناة دون إبداء أسباب، حتى بعد رفع الأمر للقضاء في ولاية كيرالا طالبت المحكمة الحكومة بتوضيح أسباب إلغاء ترخيص القناة، لكن الحكومة تحججت بأن هذه قضية تخص أمن البلاد ولا تستطيع إعلانها، وقدمت للمحكمة ظرفاً مغلقاً؛ فما كان من المحكمة إلا أن ادعت بأن هذه أسباب خاصة، ولا تستطيع المحكمة التدخل أو إلغاء قرار الحكومة بإغلاق القناة.
فرفعنا الأمر إلى المحكمة العليا في عموم الهند، ولا يزالون يتحججون بأن هذه أسباب خاصة وسرية، لكن في حقيقة الأمر هم يسعون لإسكات كل الرافضين لسياساتهم من خلال إلغاء تراخيص القنوات والصحف حتى لا تكون هناك أصوات داخل الهند تفضح هذه السياسات العنصرية تجاه المسلمين.
كيف ترى دور الكويت ومساعيها لنصرة مسلمي الهند؟
– الشعب الكويتي عموماً كان له دور كبير تجاه الأقلية المسلمة في الهند، والمساهمات الكويتية في هذا الشأن واضحة، سواء من خلال دور مجلس الأمة أم الإعلام الكويتي، وفي مقدمته مجلة «المجتمع»؛ فكانت هناك تغطية واسعة في الصحف الكويتية لواقع المسلمين في الهند، ومثل هذه التغطيات الإعلامية خارجياً لها تأثير قوي على سياسة حزب الشعب الهندي الحاكم في الهند؛ لأن الأصوات الخارجية دائماً ما تزعجهم، وهم يراقبون رد فعل الخارج إزاء سياستهم تجاه المسلمين.
فالحزب الحاكم الآن يسيطر على كل مفاصل الدولة حتى في الجهاز البيروقراطي والمحاكم العليا؛ فحالياً أكثر القضاة يتعرضون لضغوط كبيرة من قبل الحكومة، وكذلك لجنة الانتخابات، كل هذه الجهات لم تعد تتمتع بالنزاهة حتى أصبحت مثار شك، والجامعات لم تسلم من سيطرتهم وتدخلهم؛ فباتوا يعينون مديري الجامعات من قيادات الحزب وأكاديمييه، وأيضاً يعينون السفراء خاصة في الدول العربية، والسلطة الهندية الحالية تنزعج من رد الفعل الخارجي؛ ولهذا نأمل من الشعب الكويتي على وجه الخصوص والشعوب العربية عامة أن يكون تجاوبهم مع ما يتعرض له مسلمو الهند وبذل ما بوسعهم إزاء هذه الانتهاكات كل حسب مجاله.
المصدر: مجلة المجتمع