د. عبد الحي يوسف.. مواقفه من مسائل الحكم والإستبداد
بقلم سياف مصطفى
الشيخ عبد الحي يوسف لمن لا يعرفه هو داعية إسلامي سوداني تخرج من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة كلية الشريعة، أتم الدراسات العليا في جامعة الخرطوم ونال منها درجة الدكتوراه، يعمل حالياً عميداً لكلية الدراسات الإسلامية جامعة أفريقيا العالمية، وهو إمام وخطيب مجمع خاتم المرسلين الإسلامي بالخرطوم (جبرة) وعضوٌ بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. للشيخ برامج دعوية داخل وخارج السودان عرف بها، كما عرف في السودان بفتاواه وبرامجه التي يقدمها بمسجده وعبر القنوات الفضائية. له مواقف كثيرة لكن لكل مقام مقال، ففي هذه الكلمات بيان لموقفه من مسائل الحكم، وما يلحقه من افتراءات بسبب ذلك من طرفي نقيض.
عرف عنه مواقفه في مواجهة الظلم والاستبداد منذ زمن بعيد، ولا يخشى في قول الحق والصدع به لومة لائم، أول ما ذَكَر ذلك في كتابه (الاستبداد السياسي) الذي بين فيه ما يقع من الأنظمة على شعوبها وتناول ذلك من منظور شرعي، ثم بين ذلك في خطبه المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر القنوات الفضائية داخل وخارج السودان، فالأمر لا يخفى على صاحب بصيرة إلا أن يكون متعمدا تجاهل مجهودات الشيخ وجهاده أو عامداً أن يدلس فيها.
في قضايا كثيرة مست المجتمع السوداني خاصةً والأمة عامة كان منبره مكاناً لطرحها، يجهر ببيانها ويبين رأي الشرع فيها، وفي وقتٍ انخرطت فيه قوى كثيرة كانت تعترض على سياسات الحكم كان رأي الشيخ واضحاً في النأي عنها ورفض كثير منها. أما مسألة المظاهرات فكان رأيه فيها ثابتاً لم يتغير، فهو يرى أنها من باب التعبير ولا يعدها من قبيل الخروج على الحاكم وله فتاوى على المواقع تبين التفصيل الشرعي فيها، لكن رغم أنه يرى ذلك إلا أنه ينصح بعدم الاستمرار فيها لأنه في غالب الأمر يصحبها إضرار بالممتلكات وإزهاق للأرواح.
في الآونة الأخيرة وقبل اندلاع التظاهرات بمدن السودان تحدث الشيخ كثيراً عن الحكم وبين العلاقة بين الحاكم والمحكوم وما يجب على كلٍ منهما، كان ذلك ضمن خطبٍ متتالية وبرامج تلفزيونية ولقاءات جماهيرية، حتى أنه قدم برنامجاً كاملاً يحتوي على عدد من الحلقات عبر قناة طيبة الفضائية بعنوان (بصائر) بين فيه الحكم الراشد وما يجب فيه كما بين فيه صور الحكم الاستبدادي ووضح معالمه وكان تناوله لهذه النقاط بجرأة ووضوح، لم يجامل في ذلك أحداً لا حاكماً ولا محكوماً وهو موجود على قناته على اليوتيوب لمن أراد أن يطلع عليه.
كذلك ناقش الشيخ مع العلامة محمد الحسن الددو عبر برنامج (معالم) الذي بثته قنوات محلية وعالمية مسائل في الحكم والخلافة والربيع العربي والمظاهرات والانتخابات والأمن والإعلام وغيرها وكان الحوار بيناً واضحاً لا لبس فيه ولا غموض، منه يتبين أن رأي الشيخ في هذه المسائل واحدٌ لا اختلاف فيه إلا لمن يريد تأويل الكلام في غير محله أو تحميله ما لم يحتمل. مع هذا كله ورغم كل هذه المجهودات إلا أن بعض الناس لا يعجبه هذا ولا ذاك والبعض يسمع حديثاً واحداً يبني عليه كل أحكامه ونظرته لذلك، فتجد كثيراً من الاتهامات تدور عبر المنصات معظمها عارٍ من الصحة والبعض مبني على موقف واحد.
نسمع كثيراً في كل حادثة بعض الاتهامات التي يقذف بها الشيخ من هنا وهناك، بعضها ناتج من حقد، وآخر من عدم تثبت، وثالث من تسرع، أحيانا يوصف من قبل جماعات بأنه تكفيري وأنه يدعو للتكفير وهو ما يتنافى مع ما يذكره الشيخ عبر منبره لمن كان يتابعه، حتى أن الرئيس (الحاكم) الذي من المفترض أن يكفره الشيخ بزعمهم، في حوار أجراه معه الطاهر حسن التوم قبل سنوات، كان سؤال الصحفي الطاهر: التكفير الشائع هذه الأيام هل بتنا في حالة تراجع من قيمة التسامح العليا التي عرفنا بها كسودانيين؟
كان رد الرئيس: وبعد كلام طويل عن تلك المجموعات ذكر بعض أفعالهم وما يقومون به : ثم قال : بعد المواجهات والصراعات معهم تم جمعهم في النهاية وأتينا ببعض الشباب المتفقهين المستنيرين وأدخلناهم معهم في حوار ومن ضمن من شارك في هذا الحوار على رأسهم الأخ عبدالحي يوسف واستطعنا حقيقة أن نقنع أعداد كبيرة منهم ليتراجعوا عن منهجهم. أما علاقته بتنظيم داعش التي يرمى بها فخطبه وتعليقاته على تنظيم داعش والأعمال التي يقوم بها، كفيلة بالرد على هذا الاتهام ويتضح أن هذا الاتهام جاء من باب الكيد ليس إلا، فقد حذر كثيراً من الانتماء للتنظيم، ونصح الشباب من الانجراف وراء الدعوات التي تطلق من غير ضابط شرعي لكن أنى للقوم أن يتابعوا ذلك، وقد كيلت الاتهامات سابقة لحدثها.
وأطراف أخرى على النقيض تصفه بأنه من علماء السلطان وأنه يفتي بما يراه الحاكم وهؤلاء أيضاً لا يبصرون تلك الخطب والندوات والبرامج التي تبين رأيه الواضح في مسائل الحكم والتي ذكرتها في أول المقال لمن أرادها وأنه ما تابع يوماً حاكماً أو مسؤولا فيما يريد، بل أن كثيراً ممن يصفونه بذلك كانوا من أوائل المصفقين للحكومات لأن لهم مصالح فيها وفي الولاء لها، وكما قيل (رمتني بدائها وأنسلت). ويتضح ذلك جلياً حين تقع على الناس مصيبة يتربصون بحديثه فإن كان رأيه يوافق هواهم صمتوا صمت المقبورين لا تعليق ولا غيره، أما إذا خالف الرأي هواهم جندوا صبيانهم وبدؤا بكيل التهم هنا وهناك ظانين بذلك أنهم يسقطون من هيبته ويقللون من مكانته. يصدق فيهم قول الشاعر:
صمٌ إذا سمعوا خيراً ذكـــرت به
وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
في مجريات الأحداث الأخيرة والظروف التي عصفت بالبلاد وفي وقت كانت فيه قيادات الأحزاب التي تدعي المعارضة تشارك الحكومة في كل ما يجري، وكثير من النشطاء لا تُحسُ منهم من أحد، وقبل أن يخرج الناس تكلم الشيخ عن الضيق وعناء الناس وحذر بلهجةٍ قوية الحكومة من الاستمرار في التضييق على الرعية، ثم لما بدأت المظاهرات وسالت دماء في أولها كان أول تحذير للأجهزة الأمنية ورجالات الدولة صادر من منبره في خطبة الجمعة وعبر حسابه على تويتر في رسالة واضحة منه قبل أن يركب أولئك المندسين ظهر البسطاء ليهتفوا باسمهم في حين أنهم كانوا جزءا مما عاناه المواطن المسكين.
أخيراً.. الكلام يطول لكن ما دفع إليه أن ناساً لا هم لهم إلا التشنيع على الدعاة والمصلحين ورميهم بالسوء، وتنفير الناس منهم وإلصاق التهم بهم لغرض في نفوسهم، عن طريق أساليب وضيعة بالكذب عليهم وتقويلهم ما لم يقولوا تارة، أو ببتر جزء من كلامهم ليؤدي غير المقصود منه، وأحياناً يتهمون النيات، وأحياناً يحملون الكلام ما لا يحتمل لكن سرعان ما يفتضح أمرهم ويتبين للناس سوء فعلهم.
(المصدر: مدونات الجزيرة)