مقالاتمقالات مختارة

د. تيسير التميمي يكتب: اتفاقية «سيداو» مرفوضة لمخالفتها أحكام الشريعة الإسلامية

د. تيسير التميمي يكتب: اتفاقية «سيداو» مرفوضة لمخالفتها أحكام الشريعة الإسلامية

في عام 2009، وبمناسبة الاحتفال باليوم الثامن من آذار وقعت دولة فلسطين على اتفاقية «سيداو» كهدية للمرأة الفلسطينية، وقصة هذه الاتفاقية أن المجتمع الدولي المعاصر اكتشف ــ في القرن الماضي فقط ــ أهمية حماية حقوق المرأة ورفع الظلم عنها، فأعلنت هيئة الأمم المتحدة العام 1975 عاماً دوليا للمرأة، وبدأ العمل وتتابعت الجهود والاقتراحات والمشاريع لمحاولة القضاء على الظلم والتمييز الذي يمارس ضدها (كغيرها من الفئات الضعيفة في المجتمع) فكانت النتيجة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المسماة «سيداو» فأقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة واعتمدتها، وعرضتها للتوقيع والتصديق على الدول الأعضاء بموجب قرارها رقم 34/180 المؤرخ في 18/12/1979، وأصبحت الاتفاقية نافذة بتاريخ 3/9/1981 وفقاً لأحكام المادة 27/1، وقعت معظم دول العالم على الاتفاقية، وتحفظت عليها بعض الدول العربية والإسلامية، ولكن معظمها رفعت تحفظاتها بعد مرور عدة سنوات.

وهنا أقول: إن هذه الاتفاقية وإن اشتملت على كفالة النزر اليسير من حقوق المرأة إلا أنها لا ترقى أبداً إلى مستوى الحماية التي كفلتها الأسس والمبادئ والقواعد التي أرساها الإسلام في تعاليمه وتوجيهاته وأحكامه التفصيلية ذات الصلة، بل إنها تنتقص المرأة كثيراً من حقوقها وتلزمها واجبات ومسؤوليات هي بمثابة ظلم إضافي لها، ولهذا فهي شديدة الخطورة لأن مآل تطبيقها محاربة الاستقامة والعفاف وغيرها من الأخلاق الرفيعة التي يأمرنا ديننا أن نتمسك بها؛ وبالأخص في ظل غياب قيمة التقوى والحرص على رضا الله من معظم المجتمعات، وسيكون من أبرز نتائجها أيضاً تفكيك النسيج الاجتماعي للأسرة الفلسطينية وتماسكها فهي لبنة المجتمع ومكمن قوته، فالاتفاقية إذن مخالفة لأحكام الشريعة، وسأوضح ذلك في بعض موادها وبنودها على سبيل المثال فقط وبالقدر الذي يتسع له المجال:

* المادة رقم 13 البند الأول: وينص على تساوي المرأة والرجل [في الاستحقاقات العائلية] ويعتبر الإرث من أهم الاستحقاقات العائلية لكل من الرجل والمرأة، إن هذا التساوي المنشود فيه ظلم وحيف على حقوق الأفراد الوارثين وبالأخص أن هناك حالات ترث المرأة فيها أكثر من الرجل، وفي التساوي أيضاً مخالفة عظيمة للأنصبة الإرثية التي قررها الله عز وجل وحددها وفرضها ومنع مخالفتها أو تغييرها، قال تعالى بعد المجموعة الأولى من الفرائض {فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيماً} النساء 11، وقال سبحانه بعد المجموعة الثانية من الفرائض {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} النساء 13-14

* المادة رقم (10) الفقرة الثالثة: وتنص على [ضرورة القضاء على أي مفهوم نمطي عن دور الرجل ودور المرأة في جميع مراحل التعليم بجميع أشكاله، عن طريق تشجيع التعليم المختلط…]

أ- إن ما أسمته الاتفاقية بالدور النمطي للرجل والمرأة منبثق من الموروث الاجتماعي السائد في المجتمع؛ والذي لا علاقة له بالإسلام ولا بالخصوصية الثقافية العربية والإسلامية الصحيحة لمجتمعاتنا (ومنها مجتمعنا الفلسطيني)، وهو بحاجة إلى تصويب شأنه في ذلك شأن كثير من المفاهيم الخاطئة المنتشرة بين الناس باعتبارها جزءاً من الدين وهي ليست كذلك، فالتشريع الإسلامي يقيم العلاقة بين الرجل والمرأة ويوزع أدوارهما في الأسرة وفي المجتمع الكبير على أساس التكامل بينهما وليس على أساس التفاضل.

ب- لا يمكن أن يسهم التعليم المختلط في تغيير المفاهيم النمطية حول دور المرأة والرجل في المجتمع، بل هي التربية والتنشئة التي يتولاها المربُّون في الأسرة والمجتمع (الوالدان والمعلمون ومن يرسمون السياسات التعليمية والتربوية)، ونشر الثقافة الواعية التي يجب أن تضطلع بها مؤسسات المجتمع المدني وفي مقدمتها وسائل الإعلام على تنوّعها، فالملاحظ أن التعليم المختلط على الرغم من وجوده في كثير من مدارسنا الفلسطينية منذ عدة عقود ـفي المراحل التعليمية الأولى بل حتى في الجامعات إلاَّ أنه لم يسهم في تغيير شيء من المفاهيم النمطية السائدة في المجتمع، والملاحظ أيضاً توجّه كثير من دول العالم إلى إلغاء التعليم المختلط لضآلة دوره في هذا المجال قياساً إلى الخلل الذي أحدثه في شخصيات وسلوكيات معظم التلاميذ في المراحل العمرية الحرجة.

* المادة رقم (15) الفقرة الثالثة: وتنص على [بطلان وإلغاء جميع العقود وسائر أنواع الصكوك الخاصة التي يكون لها أثر قانوني يستهدف الحد من الأهلية القانونية للمرأة] ولعلَّ من المعاني المقصودة بهذا النص الأثر القانوني لشهادة المرأة، حيث تثور الشبهات حول أهلية المرأة في الإسلام لأن شهادتها في بعض المسائل على النصف من شهادة الرجل.

والحقيقة أنه لا خلاف بين العلماء في اعتبار شهادة المرأة حجةً كاملة في إثبات الحقوق التي تقبل فيها شهادتها؛ لوجود ما تقوم عليه أهليتها وهو المشاهدة التي يحصل بها العلم، والضبط الذي يبقى به العلم إلى وقت الأداء الذي يحصل به العلم للقاضي، فهي تملك أهلية تحمّل الشهادة وأهلية أدائها، لأن لها القدرة على المشاهدة والضبط والحفظ والأداء، فلها عقل مميز مدرك للأمور، ولها لسان ناطق بالحجة والبرهان أمام القضاة والحكام. فلم يجعل الإسلام مرد قبول الشهادة إلى الذكورة أو الأنوثة، بل جعله إلى العدالة والضبط والمشاهدة أو السماع.

أما اعتبار المرأتين في التحمل أو الأداء الوارد في قوله تعالى { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَّكرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى } البقرة 282 فليس لضعف ونقصان عقل المرأة الذي هو مناط التكليف، بل هو عند كثير من الفقهاء عائد إلى نسيانها مقارنة بالرجل، فوجود امرأتين ضمانة تذكير إحداهما الأخرى إذا نسيت، والأمر ذاته يقال في الرجل، فشهادته وحده لا تقبل أمام القاضي إلاَّ بشهادة آخر أو آخرِين معه، بل هناك مسائل تقبل فيها شهادة النساء وحدهن من غير شهادة الرجال. لذا فالعقود التي تبرم بشهادة امرأتين مقابل شهادة رجل واحد كعقد الزواج مثلاً هي عقود صحيحة قانوناً وشرعاً ولازمة وملزمة.

* المادة رقم (16) البند الثالث: وينص على أن [للزوجين نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه]

تتنوع وتتعدد الحقوق والمسؤوليات المترتبة على كل من الزوجين أثناء الزواج وبعده، وإن تساويهما في ذلك أمر فيه من الظلم ما فيه لكل منهما، فمن الحقوق المالية للزوجة مثلاً المهر بأنواعه وتقسيماته، فهل سيكون للزوج حق مماثل في استحقاق المهر من الزوجة؟ أم سيتم إلغاؤه أصلاً من قائمة حقوقها؟ والنفقة أيضاً من حقوق الزوجة، فهل للزوج حق مماثل كالزوجة؟ هل ستصبح نفقة الزوج واجبة على زوجته؟ هل سنرى في المحاكم الشرعية مستقبلاً دعاوى مطالبة الزوج زوجته بالإنفاق عليه أو دفع المهر له؟ وهل سيصل الأمر إلى حبسها لو لم تنفذ قرار القاضي؟ ومسكن الزوجية من الذي سيكلف بإعداده وتجهيزه؟ هل سيكون ذلك واجب عليهما بالسوية؟ فإن لم تكن الزوجة أصلاً ذات مال؟

يمكنني القول جازماً بأنني أعرف الباعث وراء تحميل المرأة هذه الأعباء، فحسب الاعتقاد الخاطئ السائد بيننا ترتبط فكرة قوامة الرجل في الأسرة بتحمله عبء النفقة الزوجية ونفقة الأطفال، فيظنون أن تكليف المرأة بالإنفاق يجعلها تستحق عند ذلك مركز القوامة والقيادة للأسرة، وهنا أؤكد وأقرر أن القوامة حق للزوجة وتكليف للزوج حتى يقوم بمسؤولياتها وحقوقها ومتطلباتها، فإن قصَّر فيها فهو مبرر كافٍ لها لتطلب هذه الحقوق منه أو أن تطلب الطلاق أمام القاضي مع احتفاظها بكامل حقوقها المترتبة على الطلاق.

وأما من الناحية الشرعية والدينية فكيف يمكن التساوي بين الزوجين في تلك المسؤوليات؟ فمثلاً ماذا بخصوص العدة للزوجة؟ وماذا بخصوص نسب الأولاد؟

البند الرابع: وينص على أن [للزوجين نفس الحقوق والمسؤوليات بوصفهما أبوين بغض النظر عن حالتهما الزوجية في الأمور المتعلقة بأطفالهما]

أ- يضيف هذا النص إلى المرأة أعباء جديدة فوق أعبائها، ومن أكبر الأعباء نفقة الأطفال، إن هذا النص يشرعن إلزام الأم بالإنفاق على الأطفال، ومآل ذلك مساءلتها من الناحية القانونية والقضائية إن امتنعت أو قصرت، ولنا أن نتخيل رفع دعاوى نفقة الصغار مستقبلاً على الأم لدى المحاكم المختصة وصدور الأحكام القضائية ضدها بوجوب دفع النفقة، ولنا أن نتخيل أيضاً مراحل التنفيذ عليها في دوائر الإجراء بحيث يصل الأمر إلى حبسها إن لم تنفذ هذه القرارات.

ب- لكن الأب فمهما كانت الحالة الزوجية له فالأصل أنْ لا تأثير لها على مسؤولياته تجاه أولاده، لأن نفقتهم ومسؤولياتهم تظل واجبة عليه ولا يسقطها إلا امتلاكهم المال أو قدرتهم على الكسب ما لم يمنعهم من ذلك مانع.

* البند السابع: وينص على ذات الحقوق الشخصية للزوج والزوجة بما في ذلك الحق في اختيار اسم الأسرة

النسب حق مقرر للإنسان، ومع ذلك فلا يجوز للإنسان تغيير نسبه أو إنكاره، أو تغيير نسب أي إنسان آخر أو اسم أسرته، قال تعالى {… وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لآبِآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عنْدَ اللَّهِ… } الأحزاب 3- 4. وعليه ينبغي عدم نسبة الزوجة إلى عائلة زوجها في الهوية الشخصية وسجل الأحوال المدنية لمخالفته النص القرآني الثابت.

* الفقرة الثانية: وتنص على أن [لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي أثر قانوني]

الطفل حسب تعريف قانون الطفل الفلسطيني والاتفاقيات الدولية هو كل شخص لم يتم الثامنة عشرة من عمره، مما يعني أن الزواج قبل هذا السن باطل لا يترتب عليه أي أثر قانوني، ولكن من المعلوم أن الزواج قبل سن الأهلية لا يقع باطلاً إذا اكتملت أركانه وشروطه الشرعية والقانونية الأخرى، أما إذا وقع فبل ذلك فقد يكون فاسداً، وفي حالة فسخه تترتب عليه بعض آثار العقد كالنسب للأطفال والنفقة والعدة للمرأة، ولو اعتبرت هذه الآثار لاغية فما مصير الأطفال الذين ولدوا ثمرة هذا الزواج ؟ إن إلغاء آثاره وأحكامه إجحاف بحق المرأة وأطفالها هؤلاء.

إننا لا ننكر أن مجتمعاتنا العربية والإسلامية ـ شأنها في ذلك شأن جميع المجتمعات العالمية ـ تفتقر إلى الارتقاء بأوضاع المرأة ومحاربة الممارسات الخاطئة ضدها، ورفع الجور عنها، ولن يكون الحل أبداً تطبيق اتفاقية سيداو، بل تطبيق شرع الله وأحكام دينه والتزام تعاليمه الربانية العادلة التي حفظت حقوق جميع العباد من المسلمين وغيرهم نساء ورجالاً ومسنين وأطفالاً، بل حتى حكاماً ومحكومين، وكل ما نحتاجه لإنفاذ ذلك صدق العزيمة وبذل الجهد والإخلاص في العمل والحزم في التطبيق، والمطلوب أيضاً من السلطة الوطنية الفلسطينية سحب تصديقها على هذه الاتفاقية وإلغاء كل التشريعات والقوانين التي صدرت بموجبها في مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء، والمطلوب أيضاً من اللجنة المكلفة من قبل وزارة العدل بمواءمة التشريعات والقوانين النافذة في فلسطين مع نصوص اتفاقية سيداو أن توائم هذه النصوص القانونية مع النصوص والأحكام الشرعية التزاماً وتطبيقاً لقوله تعالى {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ…} المائدة 49، فهذا الأولى بها وفقاً للقانون الأساسي الفلسطيني (الدستور) الذي يعتبر الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع.

ومن كان صادق الحرص على المرأة وعلى حقوقها فلدينا مرجعية خيراً من سيداو، لدينا أحكام شرع الله التي كفلت للمرأة حقوقها بشكل جدي صادق ولم تنقص منها شيئاً، فالله سبحانه هو الذي قرر الحقوق لكل إنسان من أفراد المجتمع بغضّ النظر عن جنسه ومركزه ولونه وعرقه، وهو الذي أوجب على الدولة ضمان التمتع بهذه الحقوق جميعها.

ولذا أنوه بأن أي اعتداء على المرأة وأي انتقاص من حقوقها المكفولة شرعاً مما نشاهده إنما هو من الجرائم المحرمة، ومرد ذلك كله إلى غياب تطبيق أحكام الشريعة على مستوى الدولة والفرد والأسرة، وأنوه أيضاً بأن المرأة ليست وحدها التي تعاني الظلم والحيف في ظل غياب تطبيق الشرع، فسائر الضعفاء من الرجال والأطفال والمسنين والفقراء وغيرهم من شرائح المجتمع الذين يفتقرون إلى القوة والإسناد والدعم الحقيقي يعانون الظلم مثلها.

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى