مقالاتمقالات مختارة

د. أبو يعرب المرزوقي يكتب: صراع إرادات.. المنعرج التاريخي الكوني

د. أبو يعرب المرزوقي يكتب: صراع إرادات.. المنعرج التاريخي الكوني

صراع إرادات.. المنعرج التاريخي الكوني:

? من يقارن من حول ماكرون من الغرب

بالمقارنة مع من حول أردوغان من الشرق

يتصور أن الاول بخلاف الثاني له سند عظيم.

وما هذا الوهم إلا لعلتين:

⁦1️⃣⁩- الأولى قيس من حول أردوغان بالعربان.

⁦2️⃣⁩- الثانية قيس من حول ماكرون بما يظهره كاثوليك أوروبا للاتينية

? وفي الحقيقة

فإن من مع اردوغان أكثر عددا  وأصلب عودا ممن هم مع مكرون.

فهذا معه الخونة من العرب وبعض الخونة من شعوب الإقليم، والمنافقون من كاثوليك أوروبا وكلاهما ممن لا حول لهم ولا قوة.

لكن اردوغان معه كل شعوب الاقليم بل وكل الشعوب الإسلامية، وحتى حكومات المسلمين ممن ليسوا من العرب في افريقيا وآسيا وحتى في أوروبا (حكومتان).

? وبذلك فالحساب الذي ينبغي أن يعتمده من يريد أن يحلل ميزان القوى في شرق المتوسط -واعتقد أن كل الاستراتيجيين الغربيين يعلمون ذلك -هو هذا المعطى الأساسي في المعادلة.

ولي على ذلك دليلان يعسر دحضهما:

⁦1️⃣⁩ فالدليل الأول أنه لو لا ذلك لكان أعداء تركيا قادرين على تكرار سايكس بيكون الأولى لتحقيق الثانية بنفس الخونة من عرب الإقليم ومن انضم إليهم من بقية شعوبه وهم قلة قليلة لا وزن لها.

وكل المحاولات لتحقيق ذلك فشلت وآخرها الانقلاب الذي أثبت أمرين: أن الشعب صار الحام الحقيقي للديمقراطية بعد أن عادت تركيا لذاتها وأن من كانوا يدعون حماية العلمانية فيها ليسوا إلا من جنس  الخونة العرب.

والمعلوم أنه لا وزن للحكام إذا كانوا لا يمثلون الشعوب ولا وزن حتى للشعوب التي ليس لها من الدولة إلا الاسم لان الإمارات والبحرين كلا شيء. وحكومة السعودية ومصر وحكومات مستعمرات إيران في الاقليم (سوريا والعراق ولبنان واليمن) لا وزن لها.

⁦2️⃣⁩ والدليل الثاني وهو ما حال دون الأعداء والتطبيق السريع لخطة ضرب تركيا منذ شروعها في استعادة ذاتها كما فعلوا لما كانت خلافة مريضة.. وما يعلل ترددهم هو علمهم بأنها تعافت أولا وبأنها تعلم أن أعداءها يعلمون من معها بعد الله طبعا.

? لذلك فهي  استطاعت -لعلمها بعلم أعدائها بذلك وبسر قوتها الفعلية بخلاف الظاهر- أن تنتصر ليس على فرنسا وحدها بل وعلى روسيا وأمريكا:

⁦1️⃣⁩- فتمنع مشروع محاصرتها ارضيا إذ حالت دون تكوين الدولة الكردية العلمانية في سوريا وهي لو تكونت لفصلتها عن قلب دار الإسلام أي مركز الحضارة الإسلامية الذي هو إقليمنا مشرقه ومغربه.

⁦2️⃣⁩- وتمنع الحصار البحري وهي ستنتصر في شرق المتوسط كما بدأت العملية بانتصارين لا شك فيهما فهي استطاعت إنقاذ ليبيا عسكريا وإنقاذ حظها وحظ ليبيا في مياه المتوسط  وكل من يريد من مسلميه مشرقا ومغربا لو عادت لقياداتهم شهامة الرجال الأحرار.

⁦3️⃣⁩- وهي بصدد إخراج فرنسا من أفريقيا بدءا بليبيا وما وحولها وشروعا في ما وراء الصحراء الكبرى في أفريقيا إلى حدودها على البحر العربي والبحر الأحمر وكل ما يرجع فرنسا وغيرها إلى حجمهم الطبيعي الذي كان لهم لما كانت تركيا مركز الخلافة.

? وطبعا ليست قيادات تركيا متخلفة ذهنيا بحيث تفكر في حصر بناء المستقبل بتكرار الماضي دون التغيير المناسب للعصر. فهم لا يفكرون في إعادة الخلافة العثمانية بشكلها الأول (الراشدة) ولا حتى الثاني (بعد تحريفها) بل بشكل أفضل منهما.

فالمسلمون اليوم بفضل تعميم التعليم والثقافة الواعية برهانات العصر وبفضل أدوات التواصل والاتصال الحديثة كل ذلك يمكنهم من تكوين قطب متحد الأهداف السياسية بصنفيها، أي شروط الرعاية وشروط الحماية بمنطق  العصر وهو معنى الوحدات الكبرى التي ينتظم بمقتضاها العالم في عصرنا على أساس الوحدة الحضارية والمصيرية.

? ولعل المبادرة الهادفة لتحقيق المشروع بدأت حتى قبل الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان لأن صاحبها هو أربكان أستاذه وعاد إليها أردوغان بجمع خمس قوى إسلامية كبرى يمكن أن تكون نواة القطب الإسلامي في نظام العالم الجديد.

فجمع بين قوتين من جنوب شرق آسيا وقوة باكستان وقوة تركيا ممثل للعرب حتى وإن لم تكن دولة كبرى فهي ذات إمكانات اقتصادية مهمة.

لكن نخب تونس المتخلفة في كل شيء -وخاصة أدعياء الحداثة ممن لا يفهمون منها إلا قشورها ونتائجها دون شروطها العلمية والخلقية-ما زالت تتغنى بالدولة الوطنية التي ليس لها من الدولة ومن الوطنية إلا الاسم.

من لم يفهم فهم ماكرون لحاجة أوروبا للوحدة وسعيه لتوحيدها من أجل أن يكون لها سيادة مشتركة على المتوسط وفي العالم-ويحارب أردوغان خوفا على سيادة تونس التي هي مطلقة التبعية ودائمة التسول رعاية وحماية-أصم وأبكم وأعمى ولا يعقل.

ولو كان لهم ذرة من عقل لما كانوا توابع لفرعي الثورة المضادة في الإقليم: فهم توابع للعرب التوابع لإسرائيل وأمريكا أو توابع للعرب التوابع لإيران وروسيا. ولا يدرون أنهم توابع لأعداء شعوب الإقليم وحماه الحاميين الإقليميين لا يمكنهم محاربة شعوب الإقليم.

فروسيا لا تستطيع محاربة تركيا لأن قوة تركيا تتجاوز دولة تركيا إلى كل الأتراك الذين يمثلون الجمهوريات المستقلة التي كانت تابعة لروسيا والتي من دونها تصبح روسيا شديدة الهشاشة وتفقد شروط الأمن في مجالها الحيوي.

وأمريكا لا يمكن أن تستعد للصراع مع الصين مع مواصلة الحرب على الإسلام والمسلمين. وهي تعلم أن تركيا مع الأربعة الذين بدأوا في مشروع أربكان وعادوا مع أردوغان هم  الممثلون الحقيقيون للأمة وليست محميات الخليج أو الهلال.

لذلك فأنا مطمئن إلى أن التاريخ في منعرج كوني تمثله عودة الأمة إلى الفاعلية  التاريخية. ولعله من صدفها أن تكون تركيا في بداية القرن الماضي علامة على بلوغ الضعف غايته وهي في بداية القرن الحالي علامة بلوغ الاستئناف بدايته. فالحمد لله والشكر على ما يمن به علي الأمة من شروط القوة والعنفوان.

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى