تقارير وإضاءات

خلفيات الحرب العقدية ضد المكون السني

إعداد: محمد الأمين مقراوي الوغليسي

بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وإعلان جورج بوش الحرب على الإسلام تحت ذريعة محاربة الإرهاب، ظهرت أطروحات كثيرة في عالمنا العربي، تدعو إلى تجفيف منابع ما يسمى بالإرهاب – الذي لا يريد الغرب إلى الآن تحديد مفهوم واضح له – حتى يحمي الأعمال الإجرامية للكيان الصهيوني، واتفقت جُلُّ هذه الأطروحات على توجيه الاتهامات إلى المُكوِّن السُّنِّي وعقيدته والتحذير منها؛ على اعتبار أنها منتجة للعنف والإرهاب، ثم ما لبث القوم أن تبنَّوا الترويج لمصطلح “الوهَّابية”، الذي أريد له أن يكون رمزًا للتطرف والرجعية، وقد كان الإيرانيون والصوفية النفعية أوَّل المُطبِّلين لنشره؛ من أجل إيهام الكثيرين أن الحرب ليست ضد المُكوِّن السُّنِّي، إنما هي موجَّهة أساسًا ضد تيار معيَّن داخله، وهي سياسة تنتهجها قوى الباطل منذ آلاف السنين؛ من أجل عزل الكثير من القطاعات الاجتماعية عن المعركة، وإيهامها بأن الحرب التي أعلنوها إنما تُخاض ضد فئة أو طائفة معينة من مجموع الأمة، وأنها تُهدد الجميع حسب ادعاءاتهم، وأن الواجب هو التكاتُف لحربها واستئصالها.

تجفيف منابع الحركية والفعالية لدى المسلمين:

وتصدت لترويج هذا الأمر منظَّمات وفِرَق كثيرة، محلية وأجنبية، تفترق في كل شيء، وتتَّحد في حرب العقيدة السُّنِّية التي أزعجت الكثيرين؛ فهي عقيدة مُحَرِّكة للإنسان، موازِية لخط الحرية، متقاطعة مع خطوط الكرامة الإنسانية التي أقرَّها الإسلام، ومدارها الأكبر: تحرير الإنسان من ظلم الإنسان، ولا توافق على الانحرافات الكبرى والصغرى؛ فهي ضد الرِّقِّ بكل أنواعه وتطوراته، وترفض احتكار وسائل وأسباب العيش، وتكافح ضد التمييز بين البشر على أساس ظالم، وترفض الاستبداد بكل أشكاله، وبالتالي فهي تقف بالمرصاد للفئة القليلة المتحكِّمة بموارد الأرض، وتتحكم في مصير ومستقبل العالم كله.

المؤامرة على السُّنة والخط البياني الآثم:

واتَّخذت الحملات في بدايتها المتجددة، مطالبات بحذف بعض آيات القرآن الكريم، غير أن هذه الأيادي العابثة أدركت أن الوصول إلى هذا الهدف يعد ضربًا من المحال؛ ولذلك تم تغيير خط سير المعركة ضد السُّنة – كأهم مكون للعالم الإسلامي – من استهداف القرآن – باعتباره المصدر الأول للتشريع، والمنبع المقدَّس لدى المسلمين – إلى استهداف السُّنة النبوية، وعلى رأس ذلك الصحيحان، واستهداف رموز السنة المعروفين، وكان سبب اختيار هذا الهدف إمكانية إقناع الكثير من الغافلين بأن عملية جمع الأحاديث عملية بشرية بَحْتَة، وأن الذين تولوها بشر، تتنازعهم أهواء مختلفة ومشارب سياسية مشبوهة، لا يُستبعَد أن تترك أثرها على الأحاديث، بل ووُضع الكثير منها لأهداف سياسية، فكانت الحملة على صحيح البخاري شديدة عجيبة في جراءتها، وخرجت تلك الدعاوى من قلب أمريكا إلى قلب مصر، إلى قلب آسيا الوسطى، وصولًا إلى جاكرتا، في خط بياني واضح، ويظهر بوضوح أن وراءه مؤسسات معينة، كلَّفت فرق بحث وإعلام ومؤسسات إشهار لنشر الجراءة على ضرب المصدر الثاني للعقيدة والتشريع في حياة المسلمين، وكانت الحملة شديدة، إلى درجة وصل فيها التأثير في بعض الدول العربية مبلغًا خطيرًا، حتى صار الطعن والاستهزاء بالسنة – وكتب الصحاح خاصةً – أمرًا مألوفًا.

ضرب المكوِّن السُّني من الداخل:

إن ما ساعد على إشعال هذه الحملة طعْنُ الكثير من الأيادي الخائنة – أو الغافلة في صدق – رموز العمل الدعوي، ومهما كانت نية البعض، إلا أن ذلك يعد ضربًا من الغدر بالمسلمين، وهُم في أمس الحاجة إلى مرجعيتهم الصادقة، في مواجهة حملات صليبية عسكرية، وغزوٍ فكري يستهدف ضرب المسلم في صميم إسلامه، فإسقاط رموز أهل السنة أهم ما عمل المخطط الغربي على ضربه؛ من خلال تشويه صورهم، وانتقاء فتاوى شاذة لبعضهم، واتهامهم بالمتاجرة بالدين تارة، بل وصل الأمر إلى استغلال حتى حياتهم الشخصية؛ من أجل اتهامهم باستغلال الدين لمآرب شخصية، ونسبة فتاوى مكذوبة إليهم، مستغلين جهل العامة بضخامة المؤامرة على دينهم.

تفريغ المسلم من مبادئه:

إن ضرب رموز السُّنة كان الهدفُ منه الوصولَ إلى طعن سابقيهم، الذين يَعتمد عليهم المعاصرون، وصولًا إلى الهدف الأكبر، الذي هو: الطعن في المصدر الثاني للأحكام – أي: السنة النبوية الشريفة – وإسقاط هيبتها، وجعل المسلم فارغًا من المضامين الإيجابية التي تحثه عليها النصوص، وصولًا إلى جعله شبيهًا بالنصراني، الذي يرى دينه مجرد طقوس وعادات، والهدف الأكبر: جعل المسلم ميتًا حتى وهو حي، عاجزًا عن التأثير والتغيير، وهي الغاية التي قامت عليها كل هذه الجهود التي تحاول الحفاظ على مكاسبها من الشهوات البدائية المتوحشة، بقلب المعركة والانتقال من الاختباء إلى الدفاع إلى الهجوم كما يحدث حاليًّا.

فالهجوم الشرس الذي تتعرض له السُّنة ورموزها في العالم الإسلامي – يراد منه إفقاد المسلمين الباعثَ الذي يجعلهم يدافعون عن أنفسهم، والدافع الذي يدفعهم نحو إنكار احتكار الحياة بكل ما فيها، من طرف فئة قليلة باغية تتحكم بالعالم بالدماء والتخريب.

 مصاصو دماء الشعوب والخوف من نور الإسلام:

لقد أدركت العصابات العالمية أن الإسلام دين جذاب؛ فهو محضن للحرية، وحصن حصين ضد العنصرية والطبقية، ودرع ضد القهر والاحتقار، وأنه يشكل التهديد الأكبر والحقيقي ضد مصالحهم، وقلاع الظلم التي شيدوها بدماء ملايين البشر، وبنوها بأسمنت مادتُه آمالُ ملايين من البشر الذين رحلوا ولم يعيشوا كما أرادوا؛ لأن القلة المتوحشة أبت إلا خنق أحلامهم وقتلها في المهد.

إن الحقيقة الكبرى تُختزَل في أن الصراع بين الحق والباطل هو صراع بين عالم المُثُل والقِيَم الصالحة، وبين عالم التوحُّش والشهوات البدائية، ويمثل أهلُ السنة العالمَ الأول بحق، ويمثل العالمَ الثاني شركاتُ الاحتكار الكبرى والعائلات الحاكمة المتحكمة بأكثر من تسعين بالمئة من أرزاق الكرة الأرضية، من خلال العولمة المتوحشة.

المكون السني في العالم العربي.. الجدار الأخير:

أخيرًا، يجب القول أن التصدي لحماية السنة وأهلها، هو جهد هام يدخل ضمن الجهود الكبرى التي يبذلها أبناء الأمة البررة؛ من أجل منع سقوط حصون الإسلام المنيعة، لذلك، ومع اشتداد هذه الحملة في السنوات الأخيرة، والدخول إلى مدخل هدمها من باب اللغة العربية، والتلاعب بدلالات الألفاظ تارة، والتلاعب بمعاني الألفاظ الشرعية تارة، والهجوم على رموز السنة القدامى والمعاصرين؛ فإن الواجب على من يملك الطاقة والقدرة على التصدي لهذه الحملة أن يأخذ الأمر بجدية، والعمل على تقوية صف العالم السُّني، فقد رماه القوم عن قوس واحدة، يبغُون تفتيته وتمزيقه، وشغله وإلهاءه، وإذهاب فاعليته الحضارية، ودوره الإنساني القيم بين الأمم، وإن إنقاذ الكثير من المغرَّر بهم ممن ركبوا موجة الاستخفاف بالسُّنة والعالم السُّني ورموزه – يتطلب حملة صادقة منظَّمة تراكمية، صبورة ومبصرة، ولو تخاذلت الأمة عن دفع هذا العدوان على منبع النور الذي يضيء حياتها، فإن موجات ضخمة من المسلمين ستتعرض لإشعاعات هذا التلوث، الذي يراد بثه في منظومة هُويتنا، والنتائج ستغدو أكبر من أن تواجه بجهود فردية أو جماعية، وستغدو محاولة استئناف مسيرة التحضُّر والحضارة ضربًا من العبث على المدى البعيد، وإن حملت الأمة هذه التهديدات والوقائع على محمل الجد، وتصدَّت لها باكرًا، فإن النتائج ستكون مشرقة مزهرة في مستقبل الأمة القريب بإذن الله.

*المصدر : موقع الألوكة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى