خطورة نموذج طالبان المُلهِم!
بقلم م. محمود صقر
بقوة السلاح تم إخراج الغزاة، وليس أي غزاة، بل أكبر قوة في عالم اليوم، والقوة التي تضع حكاما وحكومات وتطيح بآخرين، وبقوة السلاح تم دحر عملاء الغزاة الذين تولوا مناصبهم بدعم الغزاة ووفق مصالح من عينهم.
جلباب وعمامة وبندقية ولحية وشعر مرسل على الأذنين والرقبة، بساطة شديدة، ولباس قومي لا تقليد فيه لغرب أو شرق، مظهر يستدعي الصحابة الأوائل والتابعين وأبطال الفتوحات الإسلامية كما تصورتها المخيلة الجمعية وثبتتها الصورة السينمائية والدرامية.
صورة تسيطر ببساطتها على المخيلة الشعبية، أيا ما كان خلفها من تعقيدات يعلمها أهل السياسة والمحللون والمفكرون؛ فنحن في عالم اليوم نعيش وضعا معقدا يصعب معه أمام المفكر أن يستسلم لتلك الصورة البسيطة الظاهرة على سطح الشاشة.
فخلف هذه الصورة البسيطة صراعات بين القوى العظمى واستقطابات وحفاظ على المصالح، من يقف أمامها ولا يستطيع اللعب على تناقضاتها يتم فَرمُه، طالبان ابنة المخابرات الباكستانية وربيبتها التي تربت على عينها، والمخابرات الباكستانية أحد أذرع المخابرات الأمريكية، وروسيا والصين وإيران ليسوا بعيدين عن دعم أي قوة تناوئ خصمهم الأمريكي، وروسيا وقنواتها الإعلامية كانت سباقة في نقل تقدم قوات طالبان نحو العاصمة، وأول من أعلن أن سفارته وموظفيه في أمان تحت الحكم المنتظر لطالبان، والرئيس الأمريكي وإدارته كانوا على تمام العلم أن سحب قواتهم من أفغانستان يعني مباشرة سيطرة طالبان.
وبرغم أن هناك ظروفا موضوعية وتفاهمات دولية ساهمت في وصول طالبان للسيطرة على أفغانستان، إلا أن هذا لا ينفي أبدا شرف صمود رجال طالبان ودفاعهم الشرعي عن بلادهم ضد المحتل الأجنبي وعملائه، والصورة المُشْرِقة لتفوق صلابة العقيدة على ما سواها من وسائل مادية.
هذه الصورة الملهمة وضعت تحديا كبيرا أمام المقتنعين بالتغيير السلمي لأنظمة ديكتاتورية مدعومة من دول أجنبية.
فكيف يمكن إقناع المواطن العربي الذي لم يسمع عن شيء اسمه الدستور (هذا إن وجد أصلا) إلا في حالة: تعطيل العمل بالدستور، أو تعديل الدستور، وفي آخر صيحة؛ قيام رئيس جمهورية وأستاذ للقانون بالانفراد وحده بتفسير الدستور وفق قراراته.
كيف يمكن أن تقنعه بالكفاح السلمي عبر الوسائل الديموقراطية، وقد رأى نتائجها أمام عينيه، ووجد الأنظمة الغربية متوافقة مع كل الانقلابات التي تمت على الديموقراطية في عالمنا العربي، بل وكانوا من خلف الستار هم المخططين والمحرضين والممولين للانقلابات، واليوم يراهم متوافقين مع اكتساح طالبان لأفغانستان بقوة السلاح.
الجل الأعظم من الكتلة الحية من الشعوب العربية المتطلعة للحرية، أصبح موقفها ضعيفا جدا في إقناع مَنْ سواهم بسلامة طريق الكفاح السلمي الديموقراطي، في ظل هذه الصورة الملهمة لانتصار طالبان، ومع تلك الصورة المحبطة لتجارب التغيير في عالمنا العربي، ومع وجود الكثرة من شعوب ميتة على قيد حياة البحث عن قوت اليوم، أو الميتة على قيد حياة اللهو والغفلة والعبث.
ومن هنا تأتي خطورة هذه الصورة الطالبانية الملهمة.
المصدر: مجلة المجتمع