خطر الجهل بالعربية على تفسير القرآن وتحريف معانيه
بقلم سمير شريف استيتية
لقد ابتُلينا في هذه الأيام ببعض الجهلة بالعربية وبكتابها العظيم: القرآن الكريم ، وهم يتصدون لِما لم يفهموه من كتاب الله فأوغلوا في تحريف معانيه، على نحو غير مسبوق.
يزعم هؤلاء أنه لم يسبقهم أحد إلى تلك الفهوم. وأنا أشهد لهم بذلك، فهم غير مسبوقين بمثل هذا الفساد في فهم القرآن. وأحذِّر المسلمين منهم، وأذكر على رأس هذه القائمة : علي منصور الكيالي، ومحمد حسن آل ياسين . وأذكر هنا قضيتين ، ثم أوضح فهمهم الفاسد لهما، وأوضح رد القرآن عليهم :
القضية الأولى : قال أحد ( عباقرة الفهم ) من هؤلاء : إنَّ ابن نوح عليه السلام ليس من صُلبه ، واستدل على ذلك بقوله تعالى :{ إنه ليس من أهلك}، وقوله تعالى عن امرأة نوح ولوط عليهما السلام : { فخانتاهما } إذن خانت امرأة نوح زوجها في الفراش، وابنه الذي أغرقه كفره ليس من صلبه. هكذا يكون الفهم وإلا فلا !!!!!
الرد عليه :
أولا : أما قوله تعالى : { إنه ليس من أهلك} فلا تعني إنه ليس من صلبك . ولما كان الأمر كذلك فإن الخيانة في هذا السياق هي خيانة الأمانة وهي الرسالة التي جعلها الله في الأنبياء وكان أهل بيت كل نبي أجدر بالسبق في حفظها.
ثانيا : الآية تتحدث عن الأهل المؤمنين ولا تتحدث عن إثبات النسب ونفيه. فالسياق سياق حديث عن إيمان يثبت الأهليَّة للمؤمنين ، ولو لم يكونوا من صُلب النبي وكفر ينزع من دائرة الأهل من ليس مؤمنا ولو كان ابنا صُلبيا.
ثالثا : أبلغ رد على من قال إنه ليس ابنه أن الله عز وجل يقول : { ونادى نوحٌ ابنه} فهو ابنه إذن، وهذا دليل قاطع الدلالة على أن قوله تعالى : {إنه ليس من أهلك}، يستحيل أن يكون المراد منه أنه ليس من صلبك.
رابعا: إن قوله تعالى : { إنه ليس من أهلك }يفسره ما بعده : إنه عمل غير صالح. وفي هذا الجزء من الآية أدب ربَّاني عظيم في خطاب الرب عز وحل مع أنبيائه ، كيف ؟
فبدلا من أن يقول الله تعالى : إن هذا الطلب : { إن ابني من أهلي }غير صالح، عبَّر عنه بصيغة الغيبة، لكي لا يلامس ذلك قدر النبي بشيء يؤذيه فيما لو قال له : هذا عمل غير صالح. وجعل ضمير الغيبة دالا على الشأن : ” إنه عمل غير صالح “.
قارن بين عبارتي : إن هذا الطلب غير صالح والعبارة القرآنية : {إنه عمل غير صالح}.
فانظر كيف يعلمنا القرآن أدب الخطاب مع الأنبياء.
خامسا : إنَّ دفع وقوع خيانة الفراش عن امرأتيْ نوح ولوط هو في النهاية دفع عن النبِيّيْن وليس عن امراتيهما، لأن المرأة جزء من عرض الرجل، وأما كفرها فليس فيه قدح في النبي ولا عرضه ولا قدره.
القضية الثانية وهي أن الحور العين في الجنة من الرجال والنساء، فكما أن للرجال حورا عِينا، فالنساء لهن حور عين من الرجال، ما شاء الله!
واستدل على ذلك بقوله تعالى في سورة الواقعة :{ وحور عين }فكلمة حور تصلح جمعا للرجال والنساء، وإذن فإن للنساء حورا من الرجال ، كما أن للرجال حورا من النساء!!!
الرد عليه :
أولا : لقد كان العرب يحبون في المرأة سعة العينين ، وكان شعراؤهم يتغزلون بها لهذه الصفة، وما كانت سعة العينين من الصفات التي تريدها المرأة من الرجل، فهناك صفات أخرى مثل الرجولة والكرم والشجاعة. ولما كان القرآن قد نزل بكلامهم ، وما ترضاه أنفسهم ممَّا أحل الله لهم، دل ذلك على أن كلمة (العين) في وصف (الحور) إنما هي في وصف المؤنثة. وبذلك يخرج الموصوف (حور) من كونه مفردًا للمذكر أحور : واسع العينين ، إلى كونه جمعا للمفردة حوراء. ويسمى هذا تقييدا للصفة. فالمراد من قوله تعالى : {حور عين} هو: إناث حور قولا واحدا.
ثانيا: هناك تقييد سياقي يخرج كلمة الحور من احتمال كونها دالة على المذكر في سورة الواقعة إلى يقين دلالتها على المؤنثة فقط، في السورة نفسها، وهو قوله تعالى في وصف الحور. في سورة الواقعة :{وحور عين، كأمثال اللؤلؤ المكنون}. فالرجل لا يوصف بأنه كاللؤلؤ المكنون، لأن في هذا تشبيها لبشرة الحور في نقاء وصفاء اللؤلؤ المحفوظ . وما هذه الصفة من صفات الرجل.
ثالثا: لم أجد أقبح ولا أرذل من فهمهم لوجود رجال من الحور العين يدخلون على نساء المؤمنين، فالمؤمنات لا يقبلن بأحد غير أزواجهن المؤمنين، فإذا لم يكونوا مؤمنين زوّجهنّ الله بمؤمنين غيرهم من البشر المؤمنين.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وأصحابه.
(المصدر: رابطة العلماء السوريين)