خطاب القرآن الكريم للإنسان .. العودة إلى التربية القرآنية
بقلم محمد العبدة
عندما يخاطب القرآن الإنسان ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ) فإنما يخاطب الإنسان المكلف بحمل الأمانة والعهد والوصية ، يخاطب الإنسان المتميز بالعلم والبيان والعقل ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) يخاطب الإنسان المسؤول عن عمله لايؤخذ واحد بوزر أحد (كل امرئ بما كسب رهين ) يخاطب الإنسان المعرض للإبتلاء بالخير والشر ، والمهيء بفطرته لاحتمال المسؤولية ومشقة الاختيار(لقد خلقنا الإنسان في كبد ) وأنه في الوقت نفسه هو مخلوق ضعيف لا يجب عليه أن يتكبر على خالقه ولا أن تأخذه نشوة الغرور ، ويجب أن يتذكر دائماً نشأته الأولى ( خلق الإنسان من علق ) ( إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً ) كما تذكره الآيات القرآنية بطبيعته التي يستطيع أن يتخلص منها حين يزكي نفسه ( كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) ( وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أوقاعداً أوقائماً فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه ) .
كيف نستفيد في مجال الدعوة وطرائقها من أساليب القرآن الكريم في مخاطبة هذه النفس البشرية ؟ وهذا يعتمد على نظرة القرآن للإنسان التي تخالف نظرة أصحاب الاتجاه المادي أو أصحاب نظرية التطور ، إن الإنسان في الإسلام ليس كما يعرفونه في الفلسفة (الكائن الناطق ) وحسب ، بل هو الكائن المكلف ، وهذا تشريف له ورفع من مكانته ودرجته بين الخلائق ، وهذ التكريم يستدعي أن يكون الإنسان على قدر هذه الغاية ( في أحسن تقويم ) ولا ينحط إلى أسفل سافلين .
وإذا كان هذا الإنسان كما وصفه القرآن ضعيفاً يرتكب الأخطاء ويعيش في صراع بين النفس التواقة للخير والنفس الأمارة بالسوء وهو وضع مرهق لاشك ولكن من السهل تجاوزه حين نعينه على الخير ولانعين الشيطان عليه أو نظهر الشماتة فيه وعندما وصفه القرآن بأنه (ظلوم كفار ) أو ( ظلوماً جهولاً ) أو أنه ( أكثر شيء جدلاً ) إنما يكشف عن جانب من طبع الإنسان ليحذره ويهذبه وليس ليطرده من رحمته وذلك حين يتجه الإنسان نحو الصواب ونحو الخير ، والله سبحانه هو الذي خلقه وسواه على هذه الغرائز والطباع المختلطة الخيرة والشريرة ليبتليه كما قال ( وهديناه النجدين ) .
قال الشيخ ابن عاشور في تعليقه على قوله تعالى ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) : ” تفيد الآية أن الإنسان مفطور على الخير وأن في جبلته جلب النفع والصلاح لنفسه وكراهة ما يظنه باطلاً أوهلاكاً ” ويقول بعض علماء النفس : إن كلا الأمرين الشعور بإنسانية الإنسان وكرامته واستعداده للخير والضد من ذلك هو كامن موجود في طبيعة البشر ، ولكن هناك رغبة عميقة ومتأصلة داخل الإنسان لأن يؤكد الجانب الخير .
لماذا لا نخاطب هذه الفطرة المركوزة في الإنسان ، وهو بفطرته إذا أصابه شيء يتجه إلى الخالق ( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ) وقال تعالى : ( وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير ).
لماذا لا ننظر إلى الإنسان الذي نقابله ونتحدث معه أن عنده القابلية للخير ، والقرآن الكريم يستثير هذه القابلية ويحرض عليها فيذكر الإنسان أنه مخلوق مكرم ( ولقد كرمنا بني آدم ) .
لماذا لا نستشعر ضعف الإنسان كما قال تعالى : ( يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً ) قال المفسر ابن عطية في قوله تعالى حاكياً عن الملائكة ( ويستغفرون لمن في الأرض ) : ” واستغفار الملائكة هنا ليس بطلب غفران الله تعالى للكفرة وإنما استغفارهم لهم بمعنى طلب الهداية التي تؤدي إلى الغفران لهم “.
القرآن يخاطب الإنسان بما يملك من جذور هي من طبيعته ولا يريد منه أن يكون من جنس الملائكة لايخطئ أبداً ، وإنما يذكره بعهده الأول حتى يحقق إنسانيته على أكمل وجه .
ليس صعباً أن يتم نقل الإنسان من دائرة المادة ودائرة المحسوس إلى دائرة الغيب – وإن كان هذا الغيب مجهولاً عنده – بل إن الأدلة على الغيب كثيرة ومن السهل إقامة البرهان عليه ، فالعنصر الروحي في الإنسان يستعصي على التفسيرات المادية ، وإنما هو فعل إلهي ( كن فيكون ) والإنسان لا يمكن أن يكون إنساناً إذا لم يكن هناك خالق هو بحاجة إليه في كل لحظة من حياته.
(المصدر: إسلام أونلاين نقلاً عن موقع العبدة)