حين تصبح الحقوق مطالب!
بقلم مصطفى أبو السعود
يُحكى أن مناضلاً فلسطينياً أخطأ في مسألةٍ ما، ووصل الأمر للرئيس الشهيد ياسر عرفات، فاجتمع أهل الحل والعقد للتشاور في أمره، فأدلى كل واحدٍ منهم بدلوه، أشار أحدهم إلى ضرورة قطع راتبه كعقابٍ له على جريمته، فغضب ياسر عرفات على الرأي وصاحبه، قائلاً: إن هذا الراتب هو استحقاق لأسرته، وليس له، وأن أسرته ليس لهم ذنب بما وقع منه من خطأ، ولو قطعنا راتبه كيف سيعيش أولاده وزوجته، أم انك تريد أن تصبح هذه العائلة متسولة؟
ويُروى أيضاً أن الشهيد ياسر عرفات وهو على سرير المرض في آخر أيامه أوصى بضرورة صرف رواتب الموظفين في موعدها دون تأخير.
ما سبق من روايا تعكس مدى قدرة القائد الحقيقي على التمييز بين خطأ الفرد وبين أسرته، وعدم إقحام البعد الإنساني في القضية، انطلاقاً من أن “لا تزر وازرة وزر أخرى”، وعلى اهتمام عرفات وحرصه على أبناء شعبه لأنه يعرف أن الأمور المالية وحقوق الناس يجب ألا ترتبط بمصيره شخصياً، أو أن يتم استغلالها استغلالاً قذراً.
لو تأملنا فلسفة القصص السابقة وأجرينا مقارنة بما يحدث الآن في عهد رجل يقول عن نفسه أنه خليفة للرئيس ياسر عرفات، سنجد أن من العيب الربط بينهما في كثير من المسائل، فقد أوصلنا عباس لمرحلة يصعب تبريرها، وصلنا لمرحلة قطع أرزاق الناس تحت مبررات لا تقنع الطفل الصغير، فتارة خلل فني، وتارة عجز مالي، وتارة لفترة مؤقتة.
ولو أردنا تفنيد الحجج لقفزت الأسئلة تقول ما هذه السلطة التي لا تستطيع علاج خلل فني في أجهزتها المالية الصرفية؟ ولماذا يكتوي جزء من الوطن بنار العجز المالي بينما الجزء الآخر لا يشعر به؟ وعن ربط الرواتب بعودة حماس لرشدها، ما معالم حالة الضلال التي تعيشها حماس؟ وما هي معالم مرحلة الرشد المرجو من حماس دخولها، وهنا أسألُ: بأي منطق أكسرُ قدم ابني نكاية بأخي؟ لا منطق في ذلك أبدا، لكنه العناد.
إن سياسة عباس تجاه غزة تؤكد أنه يسير وفق مخطط مدروس بعناية ويسهر على تنفيذه بكل إتقان من أجل خدمة المشروع الصهيوني، فقطع رواتب المحررين والأسرى وأهالي الشهداء والموظفين، وتقليص موازنات غزة حتى أن المستشفيات لا يوجد بها طعام أو دواء، ومنع العلاج بالخارج، ومنع جوازات السفر إلا للمطبلين، هو بوابة يدخل منها لتصفية القضية وليس كما يروج أنه حفاظاً على المشروع الوطني ومنع حماس من تمرير صفقة القرن.
وصلنا مع عباس لمرحلة أن تصبح الحقوق مطالب، وهنا أذكر قصة خفيفة، حيث يُحكى أن مواطناً غربياً سأل مواطناً عربياً عن نوعية المطالب التي ينادون بها في بلدانهم العربية؟ أجاب العربي: نحن نطالب بالعلاج وحرية التنقل والتعبير عن الرأي والتعليم والعمل، فبهتُ الذي سأل، وقال يا عزيزي، هذه حقوق وليست مطالب.
هذا حديث موجز يلخص واقعنا العربي المرير، حتى أن مرارته وصلت لدرجة فقدنا فيها القدرة على التمييز بين الحقوق والمطالب، فأن يحصل المواطن على العمل والتعليم والعلاج، هذا أمر بديهي، بل ومنصوص في كتب القانون، لكن رصيدها على أرض الواقع ضئيل جداً.
فالمواطن العربي يحلم بحياة كالحياة، يحلم بأن يعيش كما يعيش أبسط مواطن في أوروبا في رفاهية ورغد، يجد ما يأكله وليس من يأكله، يجد من يحنو عليه وليس من يقسو عليه، يجد من يحترم رأيه وليس من يقطع لسانه، يجد من يرفع من مستوى دخله المادي وليس يرفع ضغطه، يجد من يضمن راتبه مهما كان رأيه السياسي، وليس من يربط راتبه برأيه وكأنه يقول له “أنت مقابل رأيك، وراتبك مقابل رأيك”.
(المصدر: موقع بصائر)