ولد قلب الدين حكمتيار يوم 26 يونيو/حزيران 1947 في إحدى قرى مديرية إمام صاحب التابعة لولاية قندز، وهو العام نفسه الذي هاجرت فيه أسرته من ولاية غزني لتحط رحالها في قندز حيث عاش يشارك أباه في رحلات الصيد التي كان مغرما بها.
الدراسة والتكوين
التحق بإحدى المدارس العسكرية ثم تحول إلى مدرسة شيرخان الثانوية ومنها التحق بكلية الهندسة في جامعة كابل عام 1969. وفي مرحلة التعليم العالي، تعرف على شباب التيار الإسلامي بالجامعة وسرعان ما أصبح عضوا ناشطا بينهم.
اعتقل عام 1971 وحكم عليه بالسجن سنتين بتهمة قتل أحد الطلبة الشيوعيين في المظاهرات، لكنه استطاع الفرار والهجرة إلى باكستان عام 1974، ولم يتمكن من إتمام دراسته.
التجربة السياسية
تأثر حكمتيار بالجو الذي كان يعيشه التيار الإسلامي الناشئ بداية الستينيات كرد فعل على الحركة الشيوعية التي ازداد تأثيرها بالمجتمع الأفغاني في عهد الملك السابق محمد ظاهر شاه ورئيس وزرائه محمد داود.
وفي عهد الجنرال ضياء الحق قدمت باكستان -التي كانت تخشى المد الشيوعي القادم من أفغانستان- دعمها للإسلاميين الأفغان، وكان حكمتيار يدها النافذة داخل أفغانستان آنذاك، خاصة بعد أن قتل والده واثنان من إخوته في سجون كابل بعد مجيء الشيوعيين إلى السلطة في أبريل/نيسان 1978.
اتفق حكمتيار مع برهان الدين رباني عام 1974 على إعادة تنظيم الجمعية الإسلامية الأفغانية في المهجر بمنطقة بيشاور الباكستانية، ليؤسس بعد ذلك الحزب الإسلامي عام 1976.
تميز التاريخ السياسي لحكمتيار بكثرة التحالفات، فقد شارك مع الفصائل الجهادية في الحرب ضد الاتحاد السوفياتي التي اندلعت بالفترة 1979-1989، وكان عضوا في الاتحاد الإسلامي الذي رأسه عبد رب الرسول سياف بالفترة 1983-1985، ثم شارك في تحالف المنظمات السبع واختير يوم 24 فبراير/شباط 1989 وزيرا للخارجية بحكومة المجاهدين، إلا أنه جمد عضويته بالحكومة في أغسطس/آب 1989.
وسرعان ما اندلع القتال بين فصائل المجاهدين بعد دخولهم كابل، ما تسبب في عقد العديد من التحالفات والتراجع عنها، وكان حكمتيار في كل تلك التحولات عنصرا فاعلا، لكنه حافظ مع ذلك على خلافه مع رباني ومسعود حتى أخرجتهما حركة طالبان من العاصمة.
اختفى حكمتيار عن الساحة بعد وصول طالبان إلى سدة الحكم في كابل وبسط سيطرتها على أكثر من 90% من أراضي البلاد، لكنه عاد للظهور مجددا بعد بدء الحملة الأميركية على أفغانستان، خاصة بعد أن أعلن أنه يعتزم العودة والوقوف بجوار طالبان قائلا من مقر إقامته في طهران “الوقت وقت دفاع عن أفغانستان وشعبها، وليس وقت بحث عن سلطة”.
وعلى عكس بعض أصدقائه زعماء الحرب الأفغانية، لم تكن علاقته بالغرب جيدة إذ وصفت الخارجية الأميرکية في بيان صادر بتاريخ 19 سبتمبر/أيلول 2003 حكمتيار بأنه “إرهابي عالمي” خاصة بعد أن دعا إلى الجهاد ضد القوات الأميركية في بلاده.
أما على المستوى الإقليمي، فقد تميزت علاقته بباكستان وإيران بالتوتر في فترة ما بعد سقوط طالبان -خلافا لما كانت عليه العلاقة في السابق- بعد أن اتهم إسلامَ آباد بتقديم دعم استخباراتي لواشنطن، في حين اتهم طهران بالتغاضي والتستر على الوجود الأميركي في أفغانستان.
في مارس/آذار 2011، دعا حكمتيار -وهو زعيم ثاني أكبر جماعة مسلحة مناهضة للحكومة- الشباب إلى الثورة على نظام الرئيس حامد كرزاي الذي يتهمه بالعمالة لأميركا.
بعد تأييده تنظيم الدولة الإسلامية، فاجأ قلب الدين حكمتيار عام 2016 الساحة الجهادية الأفغانية بقبوله التفاوض مع حكومة كابل.
وقد أعلن الحزب الإسلامي بقيادة حكمتيار قبوله المشاركة في مفاوضات سلام دعاه إليها الرئيس الأفغاني برسالة خاصة، في إطار المحادثات الرباعية بمشاركة كل من باكستان والصين والولايات المتحدة بالإضافة إلى أفغانستان.
وجاء هذا الموقف بعد فترة وجيزة من اعتبار حكمتيار حركةَ طالبان عميلة لجهات أجنبية وغدة سرطانية يجب استئصالها، وذلك في ظل أنباء عن خلافات داخل الحركة.
اتفاق مصالحة
وفي نهاية سبتمبر/أيلول 2016، وقع اتفاق مصالحة بين الحزب الإسلامي والحكومة الأفغانية حيث تحدث حكمتيار بالمناسبة -وهو أحد أبرز المطلوبين على “لائحة الإرهاب الدولية”- وخاطب الشعب مباشرة عبر جميع وسائل الإعلام الأفغانية من خلال دائرة تلفزيونية مغلقة من مكان مجهول.
وظهر حكمتيار لاعبا سياسيا جديدا بعد أن كان زعيم معارضة مسلحة خلال 16عاما من عمر التدخل العسكري الأميركي الغربي بالبلاد. وتعززت صورته مع حضور معظم القيادات الأفغانية التي اجتمعت في القصر الجمهوري بكابل لمباركة اتفاق يمهد لعودته مع دعم دولي وإقليمي للاتفاق الموقع.
وقد شمل الاتفاق العفو عن أعضاء الحزب وتسريح السجناء منهم، والموافقة على رفع اسم زعيمه حكمتيار من القائمة السوداء لـ الأمم المتحدة، وحقه في العودة والاعتراف بجماعته حزبا سياسيا.
في المقابل، تنازل الحزب الإسلامي عن مطلبه الأساسي، وهو تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، وتعهد مقاتلوه بإلقاء السلاح واحترام الدستور.
وفي أبريل/نيسان 2017، عاد حكمتيار إلى الحياة السياسية بعد عشرين عاما قضاها في المنفى، داعيا طالبان إلى إلقاء سلاحها والانضمام إلى “قافلة السلام”.
وتوجه حكمتيار بعمامته السوداء التي اشتهر بها بكلمة لمناصريه بمدينة مهترلام -عاصمة ولاية لغمان شرقي البلاد- بثت على نطاق واسع بأفغانستان، وقال “تعالوا بالله عليكم وأوقفوا القتال في حرب ضحاياها هم الأفغان”” مضيفا “انضموا لقافلة السلام (…) حددوا أهدافكم وأنا سأكون معكم في أهدافكم الجيدة”.
وفي الرابع من مايو/أيار 2017، عاد زعيم الأفغاني إلى كابل بعد غياب عشرين عاما حيث دعا في كلمة له بالقصر الرئاسي دول الجوار باحترام إرادة الشعب الأفغاني وعدم استغلال فقره، ودعاها لمراجعة سياساتها وفتح صفحة علاقات جديدة مع بلاده.
(المصدر: الجزيرة)