مقالاتمقالات مختارة

حكم زيارة المسؤولين المسلمين لفرنسا – د. ونيس المبروك

حكم زيارة المسؤولين المسلمين لفرنسا – د. ونيس المبروك

سألني أحدُ الفضلاء عن الحكم الشرعي لزيارة وزير الداخلية الليبي لباريس، في ظل حملة المقاطعة لفرنسا على خلفية الرسوم السيئة، وهل هي انتهاك لحرمات الله وكبيرة من الكبائر؟

 وقد أعرضت عن الكتابة بادئ الرأي، ثم دفعني واجبُ البيان، ومصلحةُ إثراء الوعي والحوار الفقهي الجاد إلى نشره، وقد كتبت رأيي في مجموعة فقرات، لا تخلو من الإطالة التي أعتذر عنها مسبقا.

1- توقيت الزيارة

لا شك أن الإشكال الأكبر يكمن في توقيت الزيارة، ولا يمكن عزل هذه الزيارة عن سياقها الزماني العام، حيث جاءت في أوج حملة تعبوية إسلامية بعد نشر الرسوم السيئة، ثم رفض الحكومة الفرنسية تعديلَ بعض الإجراءات وقوانينَ النشر؛ رعايةً لمقدساتنا الإسلامية ومشاعرنا الإيمانية، وعليه فإن إنكارَ عامة الناس وتحفظَهم على هذه الزيارة واستهجانهم لها إنما كان بسبب سياقِها الزماني.

وينبغي على أي سياسي أن يتحملَ النقدَ والمعارضةَ والإنكارَ عندما يأتي بأفعالٍ تصادمُ الرأيَ العام،وكما أجاز السياسي لنفسه فعلَ ما يراه واجباً لتحقيق مصلحة، فمن حق الناس أن تُعارضَ فعله، وتُنكرَ عليه فيما تراه مفسدة، وإضعاف لجهودهم في المقاطعة.

2- آراؤنا بين التجريد والمؤثرات

أما من الناحية الشرعية، فإذا أردنا تصنيف الزيارة في ميزان الشرع، فلابد من وضعها في دوائر الأحكام حتى يحسُن تخريج حكمها والتعامل معها، والعلاقات الدولية؛ سلماً،وحربا، وهدنة، وتحالفا، وموادعة، إنما تدخل في باب المعاملات والعاديات تحت فقه ما يسمى بالسياسة الشرعية، وبيانُ الحكم الشرعي في مسائل السياسة قضيةٌ متشعبة، ولكنها تدور بشكل عام في فلك المصالح والمفاسد، التي تلحق بالنفس والمال والعرض والأرض، وتغليب أعظم المصلحتين إن تعارضتا ودرء أشد المفسدتين أن تعارضتا، ومعرفة شر الشرين وخير الخيرين! وجل أحكامها مُعللةٌ ولها مقاصد،  وأحكامها الشرعية تدور مع العلة والمقصد وجودا وعدما، فإن وجدت العلة وجد الحكم، وهكذا

كما أنها قضية تعتريها مؤثراتٌ كثيرة، تُوجِبُ على الناظر فيها -إلى جانب بذل الوسع العلمي-  مجاهدةَ النفس، والتجردَ من النزعات العاطفية الصادقة، والمؤثرات الشعبية الصاخبة، والآراء التقليدية المُسْبَقة.

فقد تحول العاطفة الصادقة دون قبول بعض الأحكام والقرارات السياسية ولو كانت صحيحة ومحققة للمصلحة.

وإن كان لكل إنسانٍ مشاعرَ تؤثر في قراره ورأيه، فإن الفقيه الرباني من أصدق الناس عاطفة، ولا يكاد ينجو من تأثير تلك المشاعر الصادقة أحدٌ، وقد جاء في الكتاب وصحيح السنة ما يفيد أن آراء الأنبياء تتعرض لتلك المؤثرات لولا عصمة الله تعالى لهم، وقد نزلت ثلاثة عشر آية في سورة النساء تعاتب النبيَ صلى الله عليه وسلم وتحذره؛ لأن مشاعرَه الصادقة جعلته يَهمُ بالتعاطف مع مسلم مخطيء ضد يهودي بريء. والآيات تبدأ من قوله تعالى {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} فليُرجع لأسباب نزولها وتفسيرها في مظانها.

كما أن للأعراف الشعبية اعتباراً  وللرأي العام سلطاناً، يصعُب على أكثر الناس حزماً وتجرداً التخلص من سطوة سلطانها، أو هَدرِ اعتبارها! بل لا أبالغ في القول لو قلت بأن مشقة معارضة الحاكم ومخالفته قد تكون أقل سطوة ووطئة من معارضة الجماهير ومخالفتها، بخاصة لمن كانت بوصلته رضى الناس وحشد الجماهير والحفاظ على الأنصار والمعجبين.

3- أحكام الفعل السياسي

 الأصلُ في جُل وأكثر الأفعال السياسية في الإسلام الإباحة، وتلك الأفعال منوطةٌ بالمصلحة التي يغلبُ على الظن تحققها من الفعل، فما غلبت مصلحتُه أُجيزَ، بل يجبُ أحياناً، وما غلبت مفسدتُه مُنعَ، بل سُدت ذريعتُه أحياناً. وتقدير هذه المصلحة يكون باستشارة الخبراء بحَسْب كلِ مجالٍ تعلقَ به الفعلُ، فإن كان المجالُ سياسياً قانونياً؛ قُدّمَ قولُ الخبير القانوني في تقدير المصلحة، وإن كان المجال سياسياً اقتصادياً؛ قُدّمَ قولُ الخبير الاقتصادي في تقدير المصلحة، وقِس على ذلك.

ولما كان الحكم التكليفي هو خطابُ الله تعالى المتعلِق بأفعال المكلفين، ولما كانت السياسيةُ فعلاً وأيما فعل، فإن الخطاب الشرعي يتناولها، ولكنه يتناولها بما يحقق خصائصَ الشريعة ومقاصدَها، ضمن منطق فقه السياسة الشرعية التي تدور في فلك العلل والمقاصد وتحقيق المصالح المشروعة، التي تتوزع على حالات ثلاث:

 فإن كانت المصلحة ممنوعة بنص شرعي صحيح السند صريح الدلالة، ثم انتفت الموانع، من اضطرارٍ، أو إكراه، ونحو ذلك؛ فإن الفعل السياسي حينها يُمنع، وإن كانت المصلحة معتبرة بنص صحيح صريح، وانتفت الموانع التي تحول دون تحقيقها؛ فإن الفعل السياسي يجب، وإن كانت المصلحة مرسلة؛ أي لم يأت نص باعتبارها أو منعها؛ فإن تقدير تلك المصلحة  يعود لاجتهاد السياسي، ويتحمل مسؤولية ترجيحها بعد استشارة أهل التخصص في ذلك الفعل.

وحتى عند ترجيحنا لتلك المصالح المرسلة فإننا نتورع ونتأدب عند نِسْبَة ذلك الحكم لله سبحانه وتعالى، لأننا لا ندري هل أصبنا حكمَ الله تعالى أم لا، وقد دلَّ على هذا الأدب الجميل الحديثُ الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه، وهو قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في وصيته لأحد القادة «…. وإذا حاصرتَ أهلَ حصنٍ فأرادوكَ أن تُنزِلهُم على حُكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حُكمِكَ فإنّكَ لا تدري أتُصِيبَ حُكمَ الله فيهم أم لا»

4- المقاطعة هي تدبير وتعبير، وليست قرارا جامدا

ما تفعله بعض الدول الأوروبية والأسيوية في حق المقدسات الإسلامية أمر لا يقبله مسلم رضيَ بالله تعالى رباً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا و رسولا، ويجب على كل مسلم ومسلمة أن لا يقف مكتوف اليدين ومعقود اللسان وكأن الإساءة لا تعنيه! بل يجب أن يُعبِّرَ المسلمُ عن إنكاره بحسب مراتب الوِسع، وقد اتفق فقهاء العصر الثقات على مشروعية المقاطعة الاقتصادية كوسيلة ضغط، وتدبير جماهيري اقتصادي، ونوع من التعبير عن الإنكار والرفض. وعلينا أن ندعم هذا التوجه العام بضوابطه، لأنه أقل الواجب لنصرة المقدسات، وهو سعيٌ محمود لمنع تكرار تلك الإساءة البالغة.

ولكن المقاطعة فقه له غاية ويدفعه قصد وتنظمه ضوابط! وكل ذلك يوجب على العلماء  طرح أسئلة لتوسيع فقه المسألة، ووضع مسالك وضوابط تحول دون وقوع الفقيه في التناقض وتنزه الحكم الشرعي من الاضطراب.

هل يلزم من المقاطعة الاقتصادية -كتدبير من تدابير السياسة الشرعية- منعُ المعاملة مع فرنسا وكل مؤسساتها السياسية وشركاتها العامة والخاصة في كل حين ومع كل أحد؟

في الحقيقة لم أجد في فقهنا الإسلامي ما يوجب هذا التلازم وهذا التعميم وهذا التأبيد، بل هناك حشد من الأدلة والأفعال دلت على جواز الجمع بين الإنكار على قول أو فعل، وبين المعاملة مع قائله أو فاعله. فأي إساءة أعظم من أن يقول الإنسان «إن الله فقير» وأي إساءة أعظم من أن يقول الإنسان «إن اللهَ ثالثُ ثلاثة» تعالى الله علواً كبيراً، أو يقول إن النبيَ ساحرٌ مجنونٌ كذاب؟!.. ولكن كل هذه الإساءات لم تمنع المسلمين على مر التاريخ من إجراء عقود الصلح والهدنة، بل البيع والشراء والرهن، بل والزواج ومصاهرة هؤلاء «المُسيئين».

أي إساءة أعظم من تهجير الصحابة من ديارهم، واستباحةِ دمائهم، ومنعِهم من السعي والطواف حول بيت الله،.. كل تلك الإساءات لم تمنع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من عقد الهدنة والصلح ولو كان بشروط ظاهرها الإجحاف، ومن المعلوم أن تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم بالإمامة لها دلالة على التشريع لمن بعده، ولنتذكّر أن ذلك الصلح الذي وصفه بعض الصحابة الكرام بأنه الرضى بالدنية في «الدين»!، ووصفه القرآن العظيم بأنه كان «فتحاً مبيناً»

فكيف إن جاءت تلك المهادنة وذلك التخذيل وتخفيف الضرر، من طرف ضعيف لا يملك ما يدفع به الضُر الواقع والفساد المتوقَع على أهله ووطنه؟

ولهذا أجاز بعض الأئمة الكبار موادعة المرتدين إن كانت لهم شوكة لا يمكن دفعها،  قال الإمام الكاساني رحمه الله «وتجوزُ موادعة المرتدين إذا غَلبوا على دارٍ من دور الإسلام، وخِيف منهم، ولم تُؤمن غائِلَتُهم؛ لما فيه من مصلحةِ دفع الشر للحال». بل أجاز الإمام الماوردي رحمه الله دفعَ شيء من المال لمن خِيف من ضرره على بلاد المسلمين، قال رحمه الله «فلا بأسَ أن يبذلوا – أي المسلمين -في الدفع عن اصْطِلَامِهِم- أي اجتثاثهم- مَالًا، يَحْقِنونَ به دِماءَهُم، وقَد هَمَّ رسولُ اللَّه -صلَّى اللَّهُ عليه وسلم – عَامَ الخندق أن يصالح المشركين على الثُّلُثِ من ثمار المدينة»، وقال الإمام القرافي المالكي رحمه الله: «وإن كان- أي الصلح – لمصلحةٍ نحو العجزِ عن القتالِ مطلقًا أو في الوقت الحاضر، فيجوزُ بِعِوَض أو بغير عِوَض، على وفق الرأي السديد للمسلمين»

قال النووي في «شرحه على صحيح مسلم»: «وفي هذه الأحاديثِ دليلٌ لجوازِ مصالحةِ الكفار، إذا كان فيها مصلحة، وهو مُجمع عليه عند الحاجة».

5- انفكاكُ الجهة

غير مستنكر في منطق «السياسة الشرعية» أن تستمر المقاطعة والمعارضة والإنكار والضغط الشعبي من جانب، وأن تكون هناك معاملات تحقق المصلحة من جانب آخر.  وقد يظن فطير الرأي أن في تعدد أحكام السياسة الشرعية نوعُ تناقض وترقيع، وأن في إعمال الموازنات والأولويات تمييعٌ وتضييع! ولكن هذا في منطق الفقه غير صحيح، فقد تتعددُ أوجه الحكم في هيئة أو قضية واحدة، ويُحكَم على كل جهة بحُكْمٍ مختلف! وهذا ما يسمى عند الأصوليين والفقهاء الأَثبات بانفكاك الجهة.

فلا يلزم من كراهية شرك المشركين، أو تثليث النصارى، قطع العلاقة بهم من كل وجه ! وإلا لما جازت كثير من عقود البيع معهم ومصاهرتهم ومهادنتهم وموادعتهم..، بل إن هذا الإلزام أمرٌ في الاجتماع البشري غير مستطاع ولا قِبَلَ للبشر به، والشريعة واقعية لا تُكلِف بما لا يُطاق أو يُستطاع.

وإضفاء صفة التعميم أو الثبات على معاملة العدو أو الخصم ليس صحيحاً ولا مُتجها، بل هو كما قلت منوطٌ بالمصلحة التي يقدرها جهازُ الحكم، أو الإمام أو من ينوب عنهم، ولهذا نصَّ الإمامُ ابن حجر رحمه الله على أن «الموادعة لا حدَّ لهم معلوم لا يجوز غيره، بل ذلك راجعٌ إلى رأيِ الإمام بحسب ما يراه الأحظَّ والأحوطَ للمسلمين» وهو عُرفٌ سياسيٌ في تراثنا الإسلامي؛ قال الإمام القرطبي المالكي «وما زالت الخلفاء والصحابة على هذه السبيل التي شرعناها سالكة، وبالوجوه التي شرحناها عاملة»

ولو سلكنا مسلكَ التعميم لحرّمنا زيارة روسيا وأمريكا وبريطانيا، وقطع كل العلاقات معها  من باب أولى، فلا يخفى على عاقل- حتى إن نسينا أو تناسينا- ما فعلته هذه الدول بأقدس المقدسات وهي دماء المسلمين ومسرى نبينا صلى الله عليه وسلم، وخيرات بلادنا! والتفريق في هذا الموضع  بين فرنسا وتلك الدول دون وجه صحيح، قد يوقع الفقيه في ما أنكرته الشريعة الإسلامية وسمّاه العلماءُ «التفريق بين المتماثلات» وقد يظهر الفقيه -عاجلاً أم آجلا- بمظهر المتناقض، لأن الشيء يُعطى حكم نظيره،  وكما لا يجوز الجمع بين مختلفين فإنه لا يجوز التفريق بين المتماثلين !، وفي هذا المعنى كلام نفيس للإمام ابن القيم،رحمه الله يقول فيه: «وإذا تأملت أسرار هذه الشريعة الكاملة: وجدتها في غاية الحكمة ورعاية المصالح لا تفرق بين متماثلين البتة ولا تسوى بين مختلفين ولا تحرم شيئا لمفسدة، وتبيح ما مفسدته مساوية لما حرمته أو راجحة عليه، ولا تبيح شيئا لمصلحة وتحرم ما مصلحته مساويه لما أباحته ألبتة، ولا يوجد فيما جاء به الرسول شيء من ذلك البتة»

6- ضمير السياسي وأدب الخلاف

من رحمة الله تعالى بأمتنا أنه سبحانه ضرب سياجاً عاليا وسوراً محكماً، من الآداب والحدود والأحكام، تحول دون الحكم على نوايا الناس وما حَوَت صدورُهم، وقد يطرأ الظن والريبة في نية المسلم ودوافعه، بسبب شبهة مُوهِمة أو قرينةٍ ظاهرة، أو فراسةٍ نادرة، ولكن كل ذلك لا يُبنى عليه حكم، ولا ينهض مبررا لاتهام الناس، ومن آداب الإسلام السامية تغليب حسن الظن بالمسلمين، والتماس الأعذار، وحمل الأفعال التي ظاهرها الخطأ على أحسن المحامل، حتى يتبين خلاف ذلك، وقد صحَّ عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما رواه البخاري أنه قال «إنما كانوا يؤخذون بالوحي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم». قال ابن عبد البر في التمهيد: أجمعوا أن أحكام الدنيا على الظاهر.

وعمل السياسي تحيط به الإكراهات والموازنات، لأنه يعالجُ الواقعَ لا المثال، ويتعاملُ مع الممكن لا الخيال، وقد يترك فعلَ الواجب لدرء مفسدة يحفظ بها دماء المسلمين كما فعل فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع المؤمنين الذين لم يهاجروا، حيث أخّرَ فتح مكة نظراً لوجودهم بين أظهر المشركين، قال تعالى {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَٰتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَـُٔوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌۢ بِغَيْرِ عِلْمٍۢ ۖ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِى رَحْمَتِهِۦ مَن يَشَآءُ ۚ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} أي لو تمايزوا وانفصلوا عنهم لأمر الله بقتال المشركين.

    وقد يفعل السياسي المسلم مفسدةً واضحة بينة لكي يحقق مصلحة أخرى، قال تعالى مُخبراً عن سيدنا هارون عليه السلام {قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلَا بِرَأْسِىٓ ۖ إِنِّى خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِى} فقد قدم سيدنا هارون وحدة كلمة بني إسرائيل حتى يرجع سيدنا موسى عليه السلام، على الإنكار على شركهم وعبادتهم العجل وهو ينافي التوحيد الذي هو أساس رسالة كل الأنبياء.

أخيرا

فإني لا أرى في الزيارات الدبلوماسية لفرنسا من قبل مسئولين الدول الإسلامية منكرا في ذاته، إنما هو فعل سياسي يدور في فلك المصالح والمفاسد، أو تغليب بعضها على بعض، مع بعض الضوابط التي وردت في طيات المقال، وتقدير تلك المصالح  يعود بالدرجة الأولى لاجتهاد المسئولين السياسيين، ولا يمنع ذلك من مخالفتهم الرأي في تقدير المصلحة ولكن دون أن يفضي ذلك لتجريمهم بارتكاب المُحرم، أو نعتهم بخيانة الوطن.

هذا رأي في المسألة وفهمي لمنطق الفقه الذي ينظمها، لا أنكر على من يخالفني،وإن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين

ولم أتغيّا بهذه الكلمات استيعابَ الموضوع،أو محاكمة رأي دون رأي، وإسدالَ قولٍ على قول، إنما أردت – كما قلت آنفا- إثراءَ الوعي بقضايا السياسة الشرعية، والمساهمة في تخفيف الأثر المترتب عن غلواء الأحكام القطعية في هذا الباب المتشعب، وإن لم يكن في مقالتي إلا طرح الرأي الآخر والسؤال الُمشكِل فإن في ذلك كفاية وبُغية، فقديما قال إمامنا القرافي رحمه الله: «فإِنَّ (معرفة) الإِشكالِ عِلمٌ في نَفسِه، وفتحٌ مِن الله تعالى»

فَتَحَ الله عليكم خزائنَ رحمته، ووفقنا لعمل الخير وخير العمل، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى