كتب وبحوث

حكم البيوع غير المرئية في الفقه الإسلامي

د. مازن مصباح صباح

ملخص البحث:

بيّن الباحث التالي:
–    الرؤية المعتبرة عند الفقهاء وكيفية تحققها كالتالي:
الحنفية: عندما يحصل العلم بالمقصود.
المالكية: إن كان المبيع مثلياً فيُكتفى برؤية بعضه، وإن كان قِيمياً فلا بد من رؤيته كلّه، بشرط ألا يترتب ضرر على البائع.
الشافعية: تجب عندهم رؤية الجملة التي يستدل بها على باقي المبيع دون رؤية جميع الأجزاء.
الحنابلة: ما تُحقق المقصود من البيع، وتحصل برؤية العين أو الشم، أو الذوق، أو بوصف المبيع صفة تكفي في السلم.
الترجيح: رجّح البحث ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة.

–    اتفاق الفقهاء على أن المبيع إن كان حاضراً في المجلس ومُشاهد للمتعاقدين صح البيع إن توافرت شروط العقد.
–    اتفاق الفقهاء على أن المبيع الموصوف في الذمة جائز إذا توافرت فيه شروط السلم المعتبرة.

–    اختلاف الفقهاء في صحّة البيوع غير المرئية وقت العقد كالتالي:
أولاً: إن كان المبيع مما لا يتغير غالباً: رأى جمهور من الفقهاء صحة العقد، ورأى آخرون عدم صحته.
ثانياً: إن كان المبيع مما يتغير غالباً: إن كان مضى من المدة ما يعلم بقاؤها فيها فالبيع جائز، وإن كان قضى من المدة ما يجوز أن يبقى فيها ويجوز أن يتلف، فالبيع باطل.

–    اختلاف الفقهاء في صحة البيع إن كان عيناً غير مشاهدة للعاقدين وقت التعاقد ولم يسبق رؤيتها من قبل إلى ثلاثة أقوال:
الأول: جواز البيع، وللمشتري الخيار إذا رأى، فإن شاء أخذ وإن شاء رد، وإليه ذهب الحنفية والشافعي في مذهبه القديم ومرجوح الحنابلة.
الثاني: جواز البيع بشرط الوصف، وإليه المالكية والراجح عند الحنابلة.
الثالث: عدم صحة بيع الغائب مطلقاً وإليه ذهب الإمام الشافعي في مذهبه الجديد والحنابلة في مرجوح مذهبهم.
الترجيح: رجّح البحث القول الأول.

–    اختلاف الفقهاء في البيع بالنموذج، فجمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية يرون صحته، والحنابلة يرون عدم صحته، رجّح البحث صحة البيع بالنموذج.

المقدمة:

الحمد لله الذي شرع الشرائع ووضع الأحكام وبين لعباده الحلال والحرام، ليعيش المجتمع في سلام إذا ساروا على ضوء تلك الشرائع والأحكام، وهذا من فضل الله على عباده الذي منّ عليهم بهذه الشريعة الخالدة التي لم يلحقها نسخ، ولم يشبها نقص، فكانت خاتمة الشرائع السماوية لتكون دستور حياة، وسبب صلاح، ونهج استقامة، وطريق سعادة في الدين.

وما كان الله ليختار هذه الشريعة للناس كافة ويجعلها خاتمة الرسالات إلا لأنها تحمل في تعاليمها ونظمها ما يجعلها جديرة بهذه الغاية السامية، فقد واجهت كل مرافق الحياة وبسطت سلطاتها على كل شيء.

ومما هو جدير بالذكر بيان سمو هذه الشريعة وتنظيمها للعلاقات المختلفة، لأجل تحصيل المصالح وتكميلها وتقليل المفاسد وتعطيلها، فجاء النهي عن كثير من البيوع، ومنها بيع الغرر الذي اندرج تحت مفهومه الكثير من الفروع.

وبالتأمل والتعمق في معيار الغرر، فإننا نجد أن الفقهاء لم يتفقوا على تحديد معيار له، الأمر الذي أدى إلى اختلاف الفقهاء في أحكامه، فمنهم من يحل البيع فيحكم بصحته، ومنهم من يحكم بحرمته فيحكم بفساده وبطلانه، فمن حكم بالصحة لم يعتبر ذلك من قبيل الغرر أو منه ولكنه يسير، ومن حكم بفساده أو بطلانه اعتبر ذلك من قبيل الغرر المنهي عنه، ومهما كان الخلاف بين الفريقين إلا أنهم يتفقون على غاية ومفهوم واحد وهو جلب المصلحة أو دفع المفسدة.

وعلماؤنا – رحمة الله عليهم – قد تعرضوا في كتبهم لبعض أنواع من البيوع تتلاءم وواقعهم المعاش، ومنها البيوع غير المرئية أو ما يطلق عليها بيع المغيبات، وهي البيوع التي تكون السلعة فيها حاضرة ولكن لم تتحقق رؤيتها، ومثلوا لها ببيع الجزر واللفت والبصر والثوم المغيب في التربة، والثياب والبسط المطوية والزرابي والجوز واللوز في القشر والقشرين إلى غير ذلك مما هو حاصر في عصرهم.

ولكن مع تطور العصر واختلاف الزمان والمكان الذي تعددت فيه الحاجات، وكثرت فيه العباد ونشطت الأمور الاقتصادية، وتوسعت الأسواق وزادت المنتجات فشملت هذه البيوع عدة جوانبK منها ما هو خاص بالأطعمة والأشربة التي تنوعت منتجاتها بالتطور الصناعي، فمنها ما هو محفوظ في علب، ومنها ما هو في أكياس على اختلاف أنواعها، ومنها ما هو في علب من الكرتون إلى غير ذلك مما لا يظهر السلعة فلا يراها المشتري ولكن يرى نموذجاً منها فقط، ومنها ما هو خاص بأثاث المنزل كالتلفاز والمذياع والمكيفات والأدوات الكهربائية المنزلية، بجميع أشكالها وأنواعها، كالملابس وحافظاتها وأدوات النظافة، والأسرة والمفروشات، يستوي أن تكون للنوم أو الاستراحة، فهي محشوة لا يعلم ما بداخلها لأنها مغيبة بالبطانة إلى غير ذلك من السلع التي انتشرت في أنحاء هذا العالم المتمدن.

فأغلب ما ذكرنا من نماذج تكون معروضة في صالات العرض فقط، والمباع مغيب وموجود في المستودعات ولا يرى المشتري إلا نموذجاً منها فقط دون رؤيتها.

ومنها ما هو خاص بالدور والأراضي فقد يشتري الإنسان داراً مكتفياً بالنظر إلى مظهرها الخارجي واعتبار موقعها دون النظر إلى تفصيلاتها الداخلية، كما أن البعض قد يشتري بعض الأراضي المتميزة من على الخارطة المعدة لذلك كما هو منتشر الآن دون النظر إلى طبيعة الأرض وحدودها، ومكانها، وجيرانها.

فكل ما ذكرنا ليس محل اتفاق بين الفقهاء لذا سوف نبين في هذا البحث – إن شاء الله – الحكم الشرعي لمثل هذه البيوع.

المبحث الأول: في الرؤية المعتبرة عند الفقهاء وكيفية تحققها:

تباينت آراء الفقهاء في كيفية تحقق الرؤية المصححة للعقد وذلك تبعاً لاختلافهم في تجويز بيع العين الغائبة من عدمه.

أولاً: الرؤية المعتبرة عند الحنفية:

تتحقق الرؤية عند الحنفية عندما يحصل العلم بالمقصود، فقد جاء في شرح فتح القدير عند تفسير المراد بالرؤية من حديث “من اشترى شيئاً لم يره فله الخيار إذا رآه إن شاء أخذه وإن شاء تركه”(1).

هو العلم بالمقصود، فهو من عموم المجاز، عبر بالرؤية عن العلم المقصود، فصارت حقيقة الرؤية من أفراد المعنى المجازي، وهذا لوجود مسائل اتفاقية لا تكفي الرؤية فيها، كما لو اشترى شيئاً فوجده متغيراً، لأن تلك الرؤية غير معرفة للمقصود الآن، وكذا شراء الأعمى يثبت له الخيار عند الوصف، فأقيم فيه الوصف مقام الرؤية(2).

ولكن العلم بالمقصود يختلف باختلاف رؤية المبيع، فإن رأى بعض المبيع دون البعض الآخر، فإن المبيع لا يخلو حاله من أمرين:
الأمر الأول: أن يكون شيئاً واحداً.
الأمر الثاني: أن يكون أشياء متعددة.

فإن كان شيئاً واحداً، فرأى بعضه فلا يخلو أن يكون ما رآه منه مقصوداً بنفسه، وما لم يره تبعاً له، وإما أن يكون كل واحد منهما مقصوداً بنفسه.

فإن كان ما لم يره تبعاً لما رآه، فلا خيار له سواء رؤية ما رآه تفيد له العلم بحال ما لم يره أو لا تفيد، لأن حكم التبع حكم الأصل، فكأن رؤية الأصل رؤية التبع.

وإن كان مقصوداً بنفسه ينظر في ذلك:
فإن كان رؤية ما رأى تفيد له العلم بحال ما لم يره فلا خيار؛ لأن المقصود العلم بحال الباقي فكأنه رأى الكل.
وإن كان لا يفيد العلم بحال الباقي فله الخيار، لأن المقصود لم يحصل برؤية ما رأى، فكأنه لم ير شيئاً منه أصلاً(3).

فعلى هذا الأصل تم تخريج المسائل التالية:
لو اشترى فرساً أو حماراً أو نحو ذلك فرأى وجهه لا غير روى ابن سماعة عن محمد أنه يسقط خياره، وعن أبي يوسف أن له الخيار ما لم ير وجهه ومؤخرته وهو الصحيح؛ لأن الوجه والكف كل واحد منهما عضو مقصود في الرؤية في هذا الجنس، فما لم يرهما فهو على خياره.

وفي شراء شاة اللحم، فلا بد من الجس حتى رآها من بعيد فهو على خياره؛ لأن اللحم مقصود، وكذلك الحكم في شاة وناقة الحلب المشتراة للقنية، فلا بد من النظر إلى ضرعها، لأن الضرع مقصود من الحلوب(4).

وفي شراء ثوب مطوي طوياً لم يقسه ولم ينشره فاشتراه على ذلك فلا خيار له، لأن الثوب الواحد يستدل برؤية طرف منه على ما بقي، فلا تتفاوت أطراف الثوب الواحد إلا يسيراً وذلك غير معتبر، لأن رؤية كل جزء متعذر، وهذا إذا لم يكن في طي الثوب ما هو مقصود. فغن كان في طي الثوب ما هو مقصود كالعلم لم يسقط خياره(5).

وفي شراء الدار والبستان فلا بد من رؤية داخل الدار وخارجها على الصحيح، لأن رؤية خارج الدار لا تفيد العلم ويبقى المشتري على خياره إن لم ير داخل الدار، وذلك لتفاوت الأبنية وباطن البستان وهو رأي زفر رحمه الله.

وفي ظاهر الرواية أنه يكتفي برؤية خارج الدار ورؤوس الأشجار، ويسقط بهذه الرؤية خيار المشتري، لأن الدار شيء واحد فكان رؤية البعض كرؤية الكل.

هذا الرأي قد يتناسب وزمان هؤلاء الأئمة حيث كانت أبنية أهل الكوفة لا تختلف في البناء، وكانت على تقطيع واحد وهيئة واحدة كما قال أبو حنيفة(6).

أما إذا كان المبيع أشياء متعددة فرأى وقت الشراء بعضها دون البعض الآخر، فلا يخلو إما أن يكون من المكيلات أو الموزونات فرأى بعضها وقت الشراء، فإن كان في وعاء واحد، فلا خيار له، لأن رؤية البعض تفيد العلم بالباقي فكان رؤية البعض كرؤية الكل، إلا إذا وجد الباقي بخلاف ما رأى فيثبت له الخيار لكن خيار العيب لا خيار الرؤية، وإن كان المبيع في وعائين، فإن كان الكل من جنس واحد وعلى صفة واحدة اختلف الفقهاء فيه على قولين:

القول الأول: إن للمشتري الخيار، لأن اختلاف الوعائين جعلهما كجنسين.

القول الثاني: إن المشتري لا خيار له وهو الصحيح، لأن رؤية البعض من هذا الجنس تفيد العلم بالباقي سواء كان في وعاء أو وعائين بعد أن كان الكل من جنس واحد وعلة صفة واحدة، فإن كان من جنسين أو من جنس واحد على صفتين، فله الخيار بلا خلاف.

وإن كان من العدديات المتفاوتة، كالدواب والثياب فرأى بعضها أو كلها إلا واحدة، فله الخير بين أن يرد الكل أو يمسك الكل، لأن رؤية البعض من هذا الجنس تفيد العلم بما وراءه فكأنه لم ير شيئاً منه، بخلاف المكيل والموزون لأن رؤية البعض منه تفيد العلم بالباقي(7).

أما إذا كان المبيع مغيباً في الأرض كالجزر والبصل والثوم والفجل وغيره ففيه تفصيل في المذهب رواه الإمام بشر.
فإن كان الشيء مما يكال أو يوزن بعد القلع كالثوم والبصل والزعفران فإن باعه بعد ما ينبت نباتاً يفهم به وجوده تحت الأرض، جاز البيع.

وإن قلع المشتري بغير إذن البائع، أو قلع البائع برضى المشتري، سقط خياره في الباقي، لأن رؤية بعض المكيل كرؤية الكل.

وإن قلع المشتري شيئاً بإذن البائع، وكان المقلوع له ثمن، لم يكن له أن يرده رضي بالمقلوع أو لم يرض، لأنه بالقلع صار المقلوع معيباً لعدم الاستمرار في نموه وزيادته، وإن كان المبيع شيئاً مما يباع عدداً كالفجل والجوز ونحوها، فإن قلعه البائع أو المشتري بإذنه كان له الخيار في الباقي حتى لو رضي به ولا يلزم البيع في الكل، لأنه عددي متفاوت، فرؤية بعضه لا يكون كرؤية كله، وإن قلعه المشتري بغير إذن البائع بطل خياره، وقال أبو يوسف ومحمد إن رؤية بعضه كرؤية كله وجعلاه كالمكيل والموزون والعددي المتقارب لأن بعضها يستدل في العادة على الكل(8).

المالكية:

فرق فقهاء المالكية بين المثلي والقيمي لإظهار حدود الرؤية المعتبرة والمصححة للعقد فقالوا: إن كان المبيع مثلياً فيكتفي برؤية بعض المثلي من مكيل كالشعير والقمح أو موزون كالقطن والكتان.

أما إن كان قيمياً فلا يكتفي برؤية بعضه، بل لا بد من رؤية كل المبيع شريطة ألا يترتب على رؤيته كله ضرر يصيب البائع(9).

أما لو اشترى المبيع على صفة ما قد رآه منه قال الإمام مالك:

إذا وصفها وجلاها بنعتها وماهيتها فأتى به أو خرج إليها فوجدها على الصفة التي وصفت له، لزمه البيع، فإن لم يكن رآها فليس له أن يأبى ذلك عليه بعد أن يراها إذا كانت الصفة التي وصفت وله أن يقول لا أرضاها.

وإن كانت السلعة قد رآها المشتري قبل أن يشتريها فاشتراها على ما كان يعرف عنها وهي غائبة عنه، وجب البيع بينهما، فإن وجدها على حال ما كان يعرف فالبيع له لازم. وقال كبار أصحاب مالك: لا ينعقد بيع إلا على أحد أمرين، إما على صفة يوصف له أو على رؤية قد عرفها أو شرط في عقد البيع فإنه بالخيار إذا رأى السلعة بأعيانها على غير ما وصفت، فالبيع منتقض غير جائر.

وإذا رأى المشتري السلعة منذ زمن بعيد وأراد أن يشتريها على تلك الرؤية السابقة، قال مالك: السلع تختلف وتتغير في أبدانها، فالحيوانات تتغير بالعجف والنقصان والنماء، والثياب تتغير بطول الزمان، فإن باعها على أنها بحال ما رآها فلا بأس بذلك ولا يصلح النقد فيها، لأنه ليس بمأمون، هذا في النماء، ولا يمكن هذا في الحيوان، لأن الحيوان بعد طول المكث لا يمكن أن تكون حالته واحدة(10).

الشافعية:

إن الرؤية المعتبرة عند الشافعية على ضربين:
الضرب الأول: رؤية لا تلحق فيها المشقة: وهي رؤية الجملة دون جميع الأجزاء.
الضرب الثاني: رؤية تلحق فيها المشقة وهي رؤية جميع الأجزاء كالعيوب الخفية والمأكولات في قشورها.

فالرؤية التي تجب وتكون شرطاً في صحة العقد هي رؤية الجملة لعدم المشقة فيها دون رؤية جميع الأجزاء لوجود المشقة فيها، وقالوا لو رأى بعض المبيع دون البعض وهو ما يستدل بعضه على الباقي، صح البيع بلا خلافن وذلك كصبرة الحنطة تكفي رؤية ظاهرها، ولا خيار له إذا رأى بعد ذلك باطنها إلا إذا خالف ظاهرها.

وفي قول شاذ أنه لا يكفي رؤية ظاهر الصبرة، بل يشترط أن يقلبها ليعرف باطنها، والمشهور هو الأول وبه قطع الأصحاب وينطبق هذا على ما في معنى الحنطة كصبرة الجوز واللوز والدقيق ونحوها.

فلو رأى شيئاً منها في وعائه، فرأى أعلاه أو رأى أعلى السمن والزيت والخل وسائر المائعات في ظروفها، كفى ذلك وصح البيع، ولا يكون بيع غائب.

ولو كانت الحنطة في بيت معلوم منها، فرأى بعضها من الكوّة أو الباب يكفي ذلك إن عرف سعة البيت وعمقه، وهذا ليس على إطلاقه، فلا يكتفي برؤية صبرة البطيخ والسفرجل والرمان، بل لا بد من رؤية كل واحد منها، ولا يكفي في سلة العنب والخوخ والجوافة والبلح والتين برؤية أعلاه وذلك لكثرة الاختلاف فيها بخلاف الحبوب(11).

أما إذا لم يستدل برؤية بعضه على الباقي، فقد اختلف فيه أصحاب الشافعي على وجهين:

أحدهما: وهو قول أبي إسحاق المروزي إن الشافعي إنما أبطل بيع الثوب يرى بعضه على القول الذي لا يجيز فيه بيع خيار الرؤية.
فأما على القول الذي يجيز فهذا البيع أجوز، وكيف يجيز بيع ما لم ير شيئاً منه ولا يجيز بيع ذلك الشيء وقد رأى بعضه.

الثاني: أن بيع الثوب يرى بعضه لا يجوز على القولين معاً والفرق بينه وبين العين الغائبة من وجهين:
الوجه الأول: أن الثوب إذا رأى بعضه اجتمع فيه حكمان مختلفان، لأن ما رأى منه لا خيار له فيه، فصار حكمين متضادين جمعهما عقد واحد فبطل، وليس كذلك إذا كان غائباً كله.

الوجه الثاني: أن بيع العين الغائبة إنما أجيز على خيار الرؤية للضرورة الداعية إليه عند تعذر الرؤية لينفع النفع العاجل للبائع بتعجيل الثمن، وللمشتري بالاسترخاص وليس كذلك في العين الحاضرة، لأن الضرورة ليست داعية إليه، ولا الرؤية متعذرة منه(12).

وبناء على الرأيين السابقين في تجويز وعدم تجويز بيع الغائب وشراؤه، خرج فقهاء الشافعية العدد من المسائل.

أولاً: المسائل المخرجة على الرأي القائل بعدم جواز بيع الغائب وشراؤه:

لو اشترى غائباً قبل العقد نظر: إن كان مما لا يتغير غالباً كالأرض والأواني والحديد والنحاس ونحوها، أو كان لا يتغير في المدة المتخللة بين الرؤية والشراء صح العقد لحصول العلم بالمقصود(13).

إذا رأى أنموذجاً من البيع منفصلاً عنه، وبني أمر المبيع عليه نظر: إن قال بعتك من هذا النوع كذا وكذا فالمبيع باطل، لأنه لم يعين مالاً ولم يراع شروط البيع، ولا يقوم ذلك مقام الوصف في السلم على الصحيح، لأن الوصف باللفظ يرجع إليه عند النزاع(14).

إذا اشترى الثوب المطوي وصححناه فنشره، واختار الفسخ ولم يحسن طيه وكان لطبه مؤنة، لزم المشتري مؤنة الطي، ولذا لو اشترى شيئاً ونقله إلى بيته فوجد به عيباً، فإن مؤنة الرد على المشتري(15).

إذا اشترى داراً فلا بد من رؤية البيوت والشغوف والسطوح والجدران داخلاً وخارجاً، وفي البستان رؤية الأشجار ومسايل الماء ولا حاجة إلى رؤية أساس البستان وعروق الأشجار ونحوها، لأن الرؤية في كل حسب ما يليق به(16).

ثانياً: المسائل المخرجة على الرأي القائل بجواز بيع الغائب:

إن بيع اللبن في الضرع باطل، فلو قال بعتك اللبن الذي في ضرع هذه البقرة، لم يجز على المذهب لعدم تيقن وجود ذلك القدر، وقيل فيه قولاً بيع الغائب.

إن بيع الصوف على ظهر الغنم لا يجوزن وفي وجه يجوز بشرط الجز وهو قول شاذ ضعيف.

إن بيع الشاة المذبوحة قبل السلخ باطل، سواء بيع الجلد واللحم معاً أو أحدهما، ولا يجوز بيع الأكارع والرؤوس قبل الإبانة، وفي الأكارع وجه شاذ بجوازها، ويجوز بيعها بعد الإبانة نيئة ومشوية وكذا المسموط نياً ومشوياً(17).

إن بيع المسك في الفأرة باطل، سواء بيع معها أو دونها كاللحم في الجلد، سواء فتح رأس الفرأة أم لا وقال في التتمة إذا كانت مفتوحة نظر:

إن لم يتفاوت ثخنها وشاهد المسك فيها صح البيع، وإلا فلا، وقال ابن سريج يجوز بيعها مع الفأرة مطلقاً كالجوز.
ولو رأى المسك خارج الفأرة ثم اشتراه بعد الرد إليها، فإن كان رأس الفأرة مفتوحاً فرآه، جاز وإلا فعلى قولي بيع الغائب(18).

إذا لم يشترط الرؤية، فلا بد من ذكر الجنس ونوعه بأن يقول بعتك فرسي العربي، ولا يكفي بعتك ما في كمي أو كفي أو خزانتي إذا لم يعرفه المشتري، وفي وجه يكفي ذكر الجنس، ولا حاجة إلى النوع.

لو تلف المبيع في يد المشتري قبل الرؤية، ففي انفساخ البيع وجهات نظر في خيار الشرط، ولو باعه قبل الرؤية لم يصح، بخلاف ما لو باعه في زمن خيار الشرط، فإنه يصح على الأصح، لأنه يصير مجيزاً للعقد، وهنا لا إجازة قبل الرؤية(19).

لو رأى ثوبين، فسرق أحدهما فاشترى الباقي، ولا يعلم أيهما المسروق، جاء في الوسيط:
“إن تساوت صفتهما، وقدرهما، وقيمتهما صح قطعاً، وإن اختلفا في شيء من ذلك، خرج على بيع الغائب”(20).

الحنابلة:

إن الرؤية المعتبرة عند الحنابلة: هي الرؤية التي تحقق المقصود من البيع، كداخل الثوب ونحوه، فلو باع ثوباً مطوياً أو عيناً حاضرة لا يشاهد فيها ما يختلف الثمن لأجله، فإنه كبيع الغائب، وللمشتري الخيار عند رؤية المبيع في الفسخ أو الإمضاء، ويكون على الفور، فإن اختار الفسخ انفسخ العقد وإن لم يختر لزم العقد، لأن الخيار خيار الرؤية، وقيل ينعقد بالمجلس الذي وجدت الرؤية فيه(21).

كما أن الحنابلة قد فرقوا بين الرؤية المقارنة للبيع وغير المقارنة.
فإن كانت مقارنة لبعضه ودلت على بقيته صح البيع، فرؤية أحد وجهي الثوب تكفي فيه إذا كان غير منقوش، وكذا ظاهر الصبرة المتساوية الأجزاء من حب وتمر ونحوهما، وما في الظروف من مائع متساوي الأجزاء، ويكتفي بالرؤية فيما لا تتساوى أجزاؤه كالأرض والثوب والقطيع من الأغنام، فلو قال بعتك الدار من هاهنا إلى هاهنا جاز، لأنه معلوم وإن قال عشرة أذرع ابتداؤهما من هاهنا لم يصح، لأنه لا يدري إلى أين تنتهي، ولو قال بعتك نصف داري ما يلي دارك لم يصح(22).

واستثنوا من ذلك ما مأكوله في جوفه كالرمان والبيض والجوز واللوز في قشرته، لأن قشرة الأعلى من مصلحته لأنه يحفظ رطوبته.

وإذا لم ير المبيع، فتارة يوصف له، وتارة لا يوصف له، فإن لم يوصف له لم يصح البيع على الصحيح من المذهب.
وإن وصف له فتارة يذكر من صفته ما يكفي في السلم، وتارة يذكر له ما لا يكفي في السلم، فإن ذكر له من صفته ما لا يكفي في السلم لم يصح البيع على الصحيح.

وإن ذكر له من صفات المبيع ما يكفي في صحة السلم صح بيعه في ظاهر المذهب وهو قول أكثر أهل العلم لا يصح حتى يراه لأن الصفة لا يحصل بها معرفة المبيع فلن يصح البيع كالذي لا يصح السلم منه.

والصحيح أنه بيع بالصفة فيصبح كالسلم، لأن الصفة تحصل بالصفات الظاهرة التي تختلف بها الثمن ظاهراً ولأنه لا يعتبر في الرؤية الاطلاع على الصفات الخفية(23).

وبناء على هذا المفهوم للرؤية المعتبرة عندهم خرجوا العديد من المسائل منها:

–    عدم جواز بيع الحمل في البطن، واللبن في الضرع، والمسك في الفأرة، والنواة في التمر، والبيض في الدجاجة للجهالة سواء في الصفة والمقدار، لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المضامين(24) والملاثيم(25).

–    عدم جواز بيع الصوف على الظهر في مشهور المذهب، لأنه متصل بالحيوان فلم يجز إفراده بالعقد كأعضائه وقيل يجوز بشرط جزه في الحال، لأنه معلوم ممكن تسليمه، فجاز بيعه كالزرع في الأرض(26).

–    عدم جواز بيع الملامسة والمنابذة، كأن يبيعه شيئاً ولا يشاهده فيقول أي ثوب لمسته أو نبذته فهو بكذا، وكذا عدم جواز بيع ما هو مستور في الأرض ويظهر ورقه كاللفت والفجل والقلقاس والثوم وغيره.

–    عدم جواز بيع شاة من قطيع، أو شجرة من بستان، لأن شياه القطيع غير متساويات القيم فتكون مجهولة لأن ذلك يفضي إلى النزاع، ولما فيه من الغرر المنهي عنه.

وكذا لا يجوز بيع قطيع إلا شاة نص عليه أحمد – رحمه الله – وهو قول أكثر أهل العلم استناداً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نهى فيه عن الثنية إلا أن تعلم(27).

وقد وضعوا ضابطاً لذلك فقالوا: إنه لا يصح استثناء ما لا يصح بيعه منفرداً أو بيع ما عداه منفرداً عن المستثنى ونحوه(28).

وبعد هذا العرض للرؤية المعتبرة وحدودها عند الفقهاء، أرى أن الرؤية التي يتحقق فيها العلم بالمقصود هي الأولى بالترجيح وذلك لاتساع هذا المفهوم وحدوده، وخاصة أن العلم بالمقصود يختلف باختلاف رؤية المبيع سواء كان المبيع شيئاً واحداً أو أشياء متعددة، وسواء ما رآه مقصوداً بنفسه أو تبعاً له.

ولأن في ترجيح هذا الرأي اتساع لدائرة مفهوم الرؤية التي تتناسب وتطور العصر وليواكب التطبيق العملي، والذي عليه بيوع الناس في هذا الزمان.

فإذا ما تحقق العلم بالمقصود، تحقق المراد من البيع، وخاصة أن حق المشتري مكفول بالرد بخيار الرؤية إن رأى المبيع ولم يناسبه.

وهذا ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة وإن كان الحنابلة قد ذهبوا إلى أبعد من ذلك فقالوا أن العلم يحصل برؤية العين أو الشم، أو الذوق، أو بوصف المبيع صفة تكفي في السلم.

المبحث الثاني: آراء الفقهاء في بيع العين غير المرئية:

اتفقت آراء الفقهاء جميعاً أن المبيع إن كان حاضراً في المجلس ومشاهداً للمتعاقدين، فالبيع صحيح إذا توفرت فيه جميع شروط العقد، كذلك اتفقت كلمتهم على أن المبيع الموصوف في الذمة جائز إذا توافرت فيه شروط السلم المعتبرة من جانب الشارع.

هذا موضع اتفاق الفقهاء، أما اختلافهم فكان في شأن المبيع الذي رآه المتبايعان قبل العقد، ثم تم العقد بعد رؤيته وهو غير مشاهد لهما عند التعاقد.

فهل تكفي الرؤية التي سبقت العقد فقط، أم هو في حاجة ماسة إلى رؤيته عند التعاقد.

كذلك اختلافهم في شأن المبيع إن كان عيناً غير مشاهدة للعاقدين وقت التعاقد ولم يسبق رؤيتهما من قبل، فهل يصح العقد أم لا؟

أولاً: البيوع غير المرئية وقت العقد:

فرق الفقهاء في شأن هذا المبيع بين أمرين:
الأمر الأول: إن كان المبيع بما لا يتغير في الغالب.
الأمر الثاني: إن كان المبيع يتغير في الغالب.

فإن كان المبيع مما لا يتغير في الغالب، كالأراضي والأوزان والحديد والنحاس نحوهما، أو كان لا يتغير في المدة المتخللة بين الؤية والشراء صح العقد عند جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية وجمهور الشافعية وراجح الحنابلة لحصول العلم المقصود(29).

وقال أبو القاسم الأنماطي لا يصح البيع حتى يشاهد المبيع حال العقد وهو قول شاذ مردود، وهو الرواية الثانية عن الإمام أحمد(30).

الأدلة:
أولاً: استدل الجمهور لما ذهبوا إليه بالقياس والمعقول:
أما القياس فقالوا: إن الرؤية في هذه الحالة كالرؤية وقت العقد بجامع العلم بالمبيع في الحالتين، فإذا كان العقد صحيحاً، وكان المبيع مشاهداً وقت العقد، فيكون كذلك إذا رآه المتبايعان قبل التعاقد طالما لم يتغير وآمنا تغيره(31).

أما المعقول: إن الرؤية إنما أريدت ليصير المبيع معلوماً، ولا يكون مجهولاً، وهذا المعنى موجود في الرؤية المتقدمة بالعقد.

ثانياً: دليل أصحاب الرأي الثاني القاضي بعدم صحة البيع بالقياس على الشهادة في النكاح فقالوا: إن ما كان شرطاً في صحة العقد يجب أن يكون موجوداً حال العقد كالشهادة في النكاح(32).

ونوقش دليل القياس: بأنه قياس مع الفارق، لأن المراد من الشهادة على النكاح، إنما هو للاستيثاق، والاحتياط أما المراد من الرؤية في المبيع، هو العلم به، وقد تحقق العلم بالرؤية السابقة على العقد خاصة إذا آمن تغير المبيع، وعلى ذلك إن وجد المبيع على الصفة التي رأى المبيع عليها، فلا خيار للمشتري، لأن العلم بأوصاف المبيع حاصل بتلك الرؤية السابقة، ويكون المبيع لازماً في حقه ويلزمه دفع الثمن للبائع(33).

أما إذا كان المبيع لا يتغير في الغالب ولكن قد تغير بالفعل لأي سبب من الأسباب، ثبت الخيار للمشتري، لأن الرؤية السابقة لم تقع معلمة بأوصافه فكأنه لم يره.

وبناء عليه حق للمشتري طلب فسخ العقد، وله حق الإجازة وهذا ليس بسبب الخيار، وإنما هو لتغير المبيع بيد البائع.

ومن الفقهاء كالغزالي يرى بطلان العقد إذا تغير المبيع ليتبين ابتداء المعرفة السابقة “أي حالة العقد” وهو شرط لصحة العقد(34).

أما إذا كان المبيع مما يتغير في الغالب في مثل تلك المدة كالفواكه الرطبة التي يتسارع إليها الفساد ينظر: إذا كان قد مضى من المدة ما يعلم بقاؤها فيها فبيعه جائز، وإن كان قضى من المدة ما يجوز أن يبقى فيها ويجوز أن يتلف، فبيعه باطل، لأنه عقد على عين لا يعلم بقاؤها فيه، ولأن المبيع بمنزلة مجهول الحال والعلم به شرط لصحة العقد.

وأما إذا كان المبيع قد مضت مدة عليه يحتمل منها أن يتغير ويحتمل أن لا يتغير، فالأصح الصحة لأن الأصل سلامته، وبقاؤه على حاله، وذهب الشافعي إلى القول بعدم الجواز، لأن المبيع متردد، بين السلامة والعطب(35).

فإن وجده متغيراً، فللمشتري الخيار، فإن وقع الخلاف بينهما فقال المشتري: تغير وقال البائع هو بحاله، لم يتغير، فالأصح عند الشافعية والحنابلة أن القول قول المشتري مع يمينه، لأن البائع يدعي عليه علمه بهذه الصفة، فلم يقبل كادعائه إطلاعه على العيب.

لأننا لو قلنا بأن القول قول البائع لكان في هذا إلزام للمشتري بأمر لم يعترف به وهو الثمن(36).

وذهب الحنفية وبعض الشافعية إلى القول: بأن القول قول البائع مع يمينه، لأن الأصل عدم التغير، ولأن دعوى التغيير بعد ظهور سبب لزوم العقد وهو رؤية ما يدل على المقصود، ولأن التغيير حادث، لأنه إنما يكون بعيب أو تبدل هيئة، وكل منهما عارض(37).

أما المالكية فقد أسندوا الأمر إلى أهل الخبرة، فإن هم رجحوا التغيير، فالقول قول المشتري، على اعتبار أن الترجيح يحصل به العلم أو الظن القوي.

وإن هم رجحوا عدم التغيير أو عدمه، فالقول قول البائع، وإن انتابهم الشك فلم يقطعوا بالتغيير أو عدمه فالقول للبائع مع يمينه، على اعتبار أن الشك يفسر لمصلحة البائع، فيصدق، لأنه منكر والقول قول المنكر، لأن المشتري في ادعائه تغير المبيع، يدعي حقاً له وهو الرد على البائع(38).

ثانياً: شأن المبيع إن كان عيناً غير مشاهدة للعاقدين وقت التعاقد ولم يسبق رؤيته من قبل:

اختلف الفقهاء في حكم هذا المبيع على ثلاثة أقوال:

القول الأول: ذهب أنصار هذا الرأي إلى القول: بأن من اشترى شيئاً لم يره، فالبيع جائز، وللمشتري الخيار إذا رآه، إن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء رده سواء رآه على الصفة التي وصفت له، أو على خلافها، ويكفي عند أصحاب هذا الرأي الإشارة إلى المبيع أو إلى مكانه، فإن لم يشر إليه لم يجز بالإجماع(39).
وإلى هذا ذهب الحنفية والشافعي في مذهبه القديم(40) ومرجوح الحنابلة(41).

القول الثاني: ذهب أنصاره إلى القول: بجواز هذا البيع بشرط الوصف، سواء كان المبيع على البت، أم على الخيار، أو سكت المتعاقدان فلم يتعرضا للبت أو الخيار وإلى هذا ذهب المالكية والراجح عند الحنابلة.
وقال بعضهم: يجوز بيع الغائب بلا وصف ولو شرط فيه الخيار وهذا ما رجحه ابن رشد، وصححه الدسوقي عن الخطاب وهو قول بعض الشافعية من مرجوح مذهبهم وهو قول الشعبي والحسن، والنخعي، والثوري وغيره من أهل الرأي(42).

القول الثالث: ذهب أنصاره إلى القول بعدم صحة بيع الغائب مطلقاً وإليه ذهب الإمام الشافعي في مذهبه الجديد والحنابلة في مرجوح مذهبهم(43).

أدلة أصحاب الرأي الأول:
استدل أصحاب الرأي الأول القائل بصحة البيع بالكتاب والسنة والمعقول.

أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة:275]، دلت الآية بعمومها على حل كل بيع ما لم يرد دليل على تحريمه من كتاب أو سنة أو إجماع، وعليه يدخل بيع الغائب تحت عموم الآية.
نوقش الاستدلال بالآية: بأن الآية عامة مخصوصة لحديث النهي عن بيع الغرر، ومنه بيع الغائب لجهالة المبيع(44)، ولأنه باع ما لم يره ولم يوصف، فلم يصح كبيع النوى في التمر.

أما السنّة:
أولاً: فما رواه ابن أبي شيبة والبيهقي عن مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من اشترى شيئاً لم يره، فله الخيار إذا رآه، إن شاء تركه وإن شاء أخذه”(45).
وجه الدلالة: يدل الحديث على إثبات الخيار لمن اشترى شيئاً لم يره، فدل ذلك على مشروعية هذا البيع.
نوقش الاستدلال بالحديث، بأنه لم يصلح الاحتجاج به، لأن الحديث جاء مرسلاً لأن مكحولاً تابعي، كما أن في إسناده أبا بكر بن أبي مريم هو ضعيف(46).
أجيب عن ذلك: لا نسلم لكم أن المرسل ليس بحجة مطلقاً، فهو حجة عند أكثر أهل العلم، وتضعيف ابن أبي مريم بجهالته لا ينفي علم غير المضعفين بها، وقد روى هذا الحديث الحسن البصري وابن سيرين وهو رأي ابن سيرين وعمل به مالك وأحمد وهو ممن نقل عنه تضعيف ابن أبي مريم فدل قبول العلماء على ثبوته(47).

ثانياً: بما روي أن عثمان بن عفان – رضي الله عنه – باع أرضاً بالبصرة من طلحة بن عبد الله فقيل لطلحة إنك قد غبنت، فقال: لي الخيار لأني اشتريت ما لم أره، وقيل لعثمان إنك قد غبنت فقال: لي الخيار لأني بعت ما لم أره فحكّما بينهما جبير بن مطعم، فقضى بالخيار لطلحة، وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم(48).
وجه الدلالة: إن إثبات الخيار من جبير بن مطعم، لأحد الصحابيين فيه من الدلالة على صحة عقد البيع الذي يريا منه المعقود عليه.
نوقش الاستدلال لهذا الحديث بأنه قول صحابي، ولم ينتشر في الصحابة فانتفت الحجة به(49).
أجيب عن ذلك بأنا لا نسلم لكم عدم انتشاره بين الصحابة بل كان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم(50).
قال النووي: والصحيح عندنا أن قول الصحابة ليس بحجة إلا أن ينتشر من غير مخالف(51).

ثالثاً: بما رواه عمر بن إبراهيم بن خالد عن وهب البكري عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من اشترى شيئاً لم يره فهو بالخيار إذا رآه”(52).
نوقش الاستدلال بالحديث بأنه ضعيف، ويرجع ذلك بسبب ما نسب لراويه من ضعف ووضع الحديث، وممن ضعفه الدارقطني والبيهقي.
قال الرداقطني: “عمر بن إبراهيم يضع الحديث، وقال هذا حديث باطل، لم يروه غيره، وإنما يروي هذا عن ابن سيرين من قوله”(53).

أما القياس: إن عقد البيع عقد معاوضة، فعدم رؤية المعقود عليه لا تمنع جوازه كالنكاح(54).
وأجيب عن ذلك بوجهين:
الوجه الأول: إن المعقود عليه بالنكاح هو الاستمتاع، ولا يمكن رؤيتها، ولأن الحاجة تدعو إلى ترك الرؤية لمشقتها في الغالب، أما رؤية المبيع فالغرض منه هو حصول العلم به(55).

الوجه الثاني: النكاح لا يمكن منه المعاوضة، ولا يفسد بفساد العوض، ولا يترك ذكره، ولا يدخله شيء من الخيارات، كما أن اشتراط الرؤية مشقة على المخدرات وإضرار بهن، كما أن الصفات التي تعلم بالرؤية ليست هي المقصودة بالنكاح، فلا يضر الجهل بخلاف البيع56).

وعلى هذا فإنه يشترط رؤية ما هو مقصود بالبيع، فلو باع ثوباً مطوياً أو عيناً حاضرة لا يشاهد منها ما يختلف الثمن لأجله، كان كبيع الغائب، وإن حكمنا بالصحة، فللمشتري خيار الرؤية عند رؤية المبيع في الفسخ والإمضاء ويكون على الفور، فإن اختار الفسخ فله ذلك، فإن لم يفسخ فسد العقد، لأن الخيار خيار الرؤية(47).

الوجه الثالث: إن تفريقكم بين النكاح والبيع في الرؤية لا مبرر له، لأن الرؤية عندما تكون شرطاً في انعقاده، ولو لم تكن الرؤية شرطاً في لزوم النكاح لم تكن شرطاً في انعقاده(48).

دليل أصحاب الرأي الثاني: القائل بصحة البيع بشرط الوصف استدلوا بالكتاب والمعقول.
أما الكتاب: فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء:29].
وجه الدلالة: الآية أباحت كل تجارة أساسها التراضي، وبيع الشيء الغائب قد تراضى عليه الطرفان، فيكون البيع داخلاً تحت العموم الذي أباحته الآية.
نوقش الاستدلال بالآية: بأننا لا نسلم عموم ما أباحته الآية، لأنها لم تفصل بين غائب موصوف وغير موصوف، ومن ثم يكون بيع الغائب جائزاً على إطلاقه، وهذا نقيض ما ذهبتم إليه حيث لا تجيزون بيع الغائب إلا بالوصف فقط.

أما المعقول: إن بيع المغيب مع الوصف يكون معلوماً للعاقدين، لأن الصفة تحصل بمعرفة المبيع فصح كالسلم(59).
فإن قيل بأنه لا يصح البيع لأن الصفة لا تحصل بمعرفة المبيع، فلم يصح البيع بها كالذي لا يصح السلم فيه.
وأجيب عن ذلك: لا نسلم أنه يحصل به معرفة المبيع فإنها تحصل بالصفات الظاهرة التي يختلف بها الثمن ظاهراً وهكذا يكفي، بدليل أنه يكفي في السلم أنه لا يعتبر في الرؤية الاطلاع على الصفات الخفية،وأما ما لا يصلح سلم فيه فلا يصح بيعه بالصفة لأنه لا يمكن ضبطه بها.

وعليه إذا ثبت هذا البيع ووجده المشتري على الصفة لم يكن له حق الفسخ، وهو قول أكثر أهل العلم وقال أبو حنيفة والنووي وصأحابه، له الخيار بكل حال، لأنه يسمى بيع خيار الرؤية، ولأن الرؤية من تمام العقد فأشبه غير الموصوف.

والراجح: إن سلم له المعقود عليه بصفاته فلم يكن له الخيار كالمسلم فيه، ولأنه مبيع موصوف فلم يكن للعاقد فيه الخيار في جميع الأحوال كالسلم(60).

أدلة أصحاب الرأي الثالث القائل: بعدم صحة بيع الغائب مطلقاً:
استدل أصحاب هذا الرأي بالسنة والمعقول:
أما السنّة: فيما رواه مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: “نهى عن بيع الغرر”(61).
وجه الدلالة من الحديث: إن بيع العين الغائبة اشتمل العقد فيه على الغرر، لأنه بيع ما لم ير، ولم يوصف، فلم يصح مع الجهل بصفة المبيع لم فيه من الغرر المنهي عنه، ولأن حقيقة الغرر ما تردد بين جائزين أخوفها أغلبها، والغرر هنا من وجهين أنه لا يعلم هل المبيع سالك أم هالك، والثاني أنه لا يعلم هل سيصل إليه أم لا(62).

نوقش الاستدلال بحديث: “النهي عن بيع الغرر” من عدة وجوه:
الأول: ليس الاستدلال بالحديث مثبتاً لدعواكم، لأن الحديث محمول على البيع البات الذي لا خيار فيه، لأنه هو الذي يوجب ضرر المشتري والنهي قطعاً ليس إلا كذلك(63).

الثاني: إن الغرر المنصوص عليه في الحديث يحتمل أن يكون هو الخطر، ويحتمل أن يكون من الغرور بمعنى أن يغر البائع المشتري بما ليس بالمبيع، فلا يكون حجة مع الاحتمال.

الثالث: إنما يلزم الضرر لو لم يثبت للمشتري الخيار إذا رآه، فإذا ما رآه، أوجبنا له الخيار فلا ضرر فيه أصلاً، بل فيه مصلحة، وهي حاجة كل من البائع والمشتري.

رابعاً: إن المراد الحقيقي من الغرر في الحديث هو الغرر الواقع في صلب العقد بالتعليق بشرط أو بالإضافة إلى وقت عملاً بالدلائل كلها، وعلى هذا تكون دعوى الغرر ممنوعة(64).

ثانياً: “فيما رواه حكيم بن حزام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تبع ما ليس عندك”.
والحديث معناه على عدم جواز البيع، إذا لم يكن المبيع حاضراً وقت التعاقد على اعتبار أن الكلمة “عند” في الحديث تفيد الحضور، وكما هو المعروف بأن النهي حقيقة يفيد التحريم، وهو ما يدل على الفساد، فيكون البيع الغائب فاسداً.
نوقش الاستدلال بالحديث بأن المراد بالنهي عن بيع ما ليس عند الإنسان، وهو ما ليس بالملك اتفاقاً لا ما ليس في حضرتك، وقد شرطنا في هذا البيع كون المبيع مملوكاً للبائع فقضينا عهدته، ويحتمل أن يكون المراد منه بيع ما ليس بمملوك له لا بطريقة النيابة عن مالكه، أو بيع شيء مباح على أن يستولي عليه فيملكه فيسلمه والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال(65).

أما المعقول: فاستدلوا به من وجهين:
الأول: إن جهالة الذات تمنع صحة العقد ولإفضائه إلى المنازعة، لأن الأعيان تختلف رغبات الناس فيها لاختلاف ماليتها، فالبائع إذا سلم عيناً فمن الجائز أن يطلب المشتري عيناً أخرى أجود منها باسم الأولى فيتنازعان.
الثاني: إن جهالة الوصف مفضي إلى المنازعة أيضاً، لأن الغائب عن المجلس إذا أحضره البائع، فمن الجائز أن يقول المشتري هذا ليس عين المبيع بل مثله من جنسه فيقعان في المنازعة بسبب عدم الرؤية، لأن عدمها يوجب تمكن الغرر في المبيع وهو منهي عنه.

نوقش الاستدلال بالمعقول من وجهين:
الوجه الأول: بأن دعوى الغرر ممنوعة، فإن الغرر هو الخطر الذي استوفى فيه طرف الوجود والعدم بمنزلة الشك، وهنا ترجح جانب الوجود على العدم بالخبر الراجح صدقه على كذبه، فلم يكن فيه غرر.
الوجه الثاني: إن الجهالة من بعد الرؤية لا تفضي إلى المنازعة، لأنه لو لم يوافقه رده، فصار كالجهالة الوصف في المعاين(66).

الرأي الراجح:
بعد أن ذكرنا رأي كل فريق والأدلة التي استند إليها لا بد لنا لنقف على الرأي الراجح أن أبين مواضع الاتفاق ومواضع الخلاف بين الفقهاء.

إن منشأ الخلاف بين من قال بعدم جواز بيع العين غير المرئية وبين القائلين بالجواز هو في الأخذ بالدليل الخاص بخيار الرؤية فمن طعن في سند الحديث لم يأخذ به، ومن أثبته كالحنفية أخذ به مع الاتفاق جميعاً على أن بيع الغرر منهي عنه، ولكن ليس هذا على إطلاقه، فالحنفية، يرون أن الغرر في مثل هذه البيوع يأتي من قبيل انعقاد البيع مع الجهالة بالمبيع، وهم لا يقولون بانعقاد العقد مع الجهالة لعدم الرؤيا، وإنما أثبتوا للمشتري الخيار إذا رأى المبيع، فإن لم يوافقه رده، وبهذا تنتفي المنازعة التي ربما تنشأ بين البائع والمشتري(67).

أما جمهور الفقهاء من الشافعية والحنابلة، فلم يثبتوا خيار الرؤية للمشتري، وعليه فإن انعقاد البيع مع الجهالة غرر يفضي إلى المنازعة ومن ثم يكون منهياً عنه.

أما في قيام الوصف قيام الرؤية فقد اختلف الشافعية مع الحنابلة والمالكية، وسبب الخلاف في ذلك هو نقصان العلم بالصفة، وهل هو جهل مؤثر في البيع أم ليس بمؤثر فمن رأى تأثيره اعتبره من الغرر الكبير كالشافعي، ومن رأى عدم تأثيره اعتبره من الغرر اليسير كالمالكية(68).

الراجح:

بعد معرفة منشأ الخلاف بين الفقهاء والأدلة التي استند إليها كل فريق، ترجح لي في هذه المسألة رأي الحنفية الذين يثبتون خيار الرؤية للمشتري، وذلك لسلامة دليلهم المستند إلى سيدنا عثمان وطلحة عن المعارض.

كذلك فإن الحاجة اليوم لمثل هذا الخيار طالما لم يقم مانع شرعي يمنع من ذلك، فالحكم يصح إذا قام المقتضي وهي الحاجة، انتفى المانع.
بالإضافة إلى أن أفعال العباد واعتيادهم خيار الرؤية فكان هذا بمثابة عرف شرعي طالما انتفى المانع، فكل شرط كان في مصلحة العقد فهو صحيح، وبه قال غير المجوزين، لأن في خيار الرؤية مصلحة عظيمة للطرفين طالما أن الضرر منفي.

المبحث الثالث: في البيع بالنموذج(69)
الأُنموذج: هو بضم الهمزة وفتح الذال المعجمة، مقدار تسمية السماسرة عيناً، وأنموذج مثالاً لبعض المبيع الدال على باقيه(70).
وصورته: أن يرى المشتري المبيع دون سائره، كما لو كان المبيع أثواباً متعددة وهي من نمط واحد لا تختلف في العادة، فيشتريها المشتري بعد أن يرى نموذجاً منها، وهذا ينطبق على كل مثلي سواء كان حبوباً أو أقمشة ونحوها.

حكم البيع بالنموذج:

اختلف الفقهاء في حكم هذا المبيع، فذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية إلى القول بصحته، وذهب الحنابلة إلى القول بعدم صحة هذا البيع، وسأفرد رأي كل مذهب على حدة تحقيقاً للفائدة.

أولاً: الحنفية:

بالتأمل في كتب الحنفية يستشف أن المتقدمين من فقهاء المهذب لم يتعرضوا لبيان حكم هذه المسألة إلا أن المتأخرين منهم قد نبهوا عليها كما ذكر ذلك ابن عابدين حيث قال: “ويبقى شيء لم أر من نبه عليه وهو ما لو كان المبيع أثواباً متعددة وهي من نمط واحد لا تختلف عادة، بحيث يباع كل واحد منها بثمن متحد، ويظهر على أنه يكفي رؤية ثوب منها إلا إذا ظهر الباقي أردأ، وذلك لأنه تباع بالنموذج في عادة التجار، فإذا كانت ألوانه مختلفة ينظرون من كل لون إلى ثوب واحد، بل قد يقطعون من كل لون قطعة قدر الأصبع ويلصقون القطع في ورقة، فيعلم حال جميع الأثواب برؤية هذه الورقة”(71).

ويكون طول الثوب وعرضه معلوماً، فإذا وجدت الأثواب كلها على الحال المرئي والمعلوم بلا تفاوت منها ينبغي أن يسقط خيار الرؤية، لأنها حينئذ بمنزلة العددي المتقارب كالجوز والبيض، إذ لا شك أنه قد يحصل تفاوت بين جوزة وجوزة ولكنه يسير لا ينقص الثمن، فإذا كان النوع من الثياب على هذا الوجه الذي لا يختلف ثوب منها عن ثوب اختلافاً ينقص الثمن عادة كان ذلك، ولا سيما إذا كانت الثياب من سدى واحد، لأنه داخل في قول الهداية وغيرها أن يكتفى برؤية ما يدل على العلم المقصود(72).

وقال السرخسي في المبسوط: “إن كل ما يفرض بالنموذج، فرؤية جزء منه يكفي لإسقاط الخيار منه، وما لا يعرض بالنموذج فلا بد من رؤيته كل واحد منهما لإسقاط الخيار”.

وفيما يعرض بالنموذج إنما يلزم العقد إذا كان ما لم يره مثل ما رآه، أو أجود ما رأى، فإن كان مما رأى فله الخيار، لأنه إنما رضي بالصفة التي رآها، فإذا تغير لم يتم الرضا به(73).

وإن اختلفا فقال المشتري قد تغير، وقال البائع لم يتغير فالقول قول البائع مع يمينه وعلى المشتري البينة، لأن دعواه التغيير بعد ظهور سبب لزوم العقد وهو رؤية جزء من المعقود عليه بمنزلة دعوى العيب في المشتري(74).

ثانياً: المالكية:

اتفق المالكية على جواز البيع بالنموذج إذا كان المبيع مثلياً كأن رأى بعض المثلي من مكيل أو موزون كالقطن أو الكتان.
أما إذا كان المبيع متقوماً فظاهر المذهب برؤية بعضه، بل يشترط رؤية جميع المتقوم باستثناء مسألتين.
الأولى: مسألة الضرر الواقع على البائع، فإن وجد ضرر على البائع يكتفى برؤية بعض المبيع.
الثانية: مسألة الشراء على الصفة: “فلو اشترى على صفة ما قد رأى منه فقد قال ابن عبد البر القرطبي: “لا يجوز بيع الثوب إذا كان ظاهراً مطوياً حتى يفتح ويظهر وينظر له ويقلب داخله وظاهره ويعرف طوله وعرضه فإذا نظر إلى بعضه واشتراه على آخر صفة ما رأى فيه جاز(75).

ثالثاً: الشافعية:

اختلف فقهاء الشافعية في بيع النموذج على قولين:
القول الأول: ذهب أنصاره إلى القول ببطلان بيع النموذج كما لو رأى أنموذجاً من البيع منفصلاً عنه وبنى أمر المبيع عليه، مثل قوله بعتك من هذا النوع كذا وكذا، فالبيع باطل، وعللوا لرأيهم بأنه لم يعين مالاً، ولم يراع شروط السلم ولا يقوم ذلك مقام الصفة في السلم على الصحيح من الوجهين، لأن الوصف يرجع إليه عند النزاع بخلاف هذا.
الرأي الثاني: ذهب أنصاره إلى التفرقة بين ما كان النموذج داخلاً في البيع كما لو قال بعتك الحنطة التي في هذا البيت، وهذا النموذج منها كما لو رآه متصلاً بالباقي صح على الصحيح.
أما إذا لم يدخل النموذج في المبيع، فأصح الأقوالن أنه لا يصح البيع، لأن المبيع غير مرئي.
ولا يخفى مسألة النموذج مفروضة في المتماثلات المتساوية الأجزاء كالحبوب ونحوه(76).

الحنابلة:

ذهب الحنابلة إلى عدم صحة بيع النموذج، بأن يريه صاعاً، ويبيعه الصبرة على أنها من جنسه على الصحيح في المذهب.
كذكر الصفات وذلك لأنه يشترط عندهم رؤية المتعاقدين المبيع رؤية مقارنة للبيع، وذلك برؤية جميع المبيع أو بعض منه يدل على بقيته(77).

الراجح: ما ذهب إليه الحنفية، وذلك لتعارف الناس على مثل هذه البيوع برؤية البعض منها خاصة إذا كانت وفق الشرع على اعتبار أن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، واليوم إن الحاجة تدعو إلى مثل هذه البيوع مع التطور الذي حدث من شراء عبر الإنترنت لنماذج من السلع، وعبر القنوات الاقتصادية بالتلفزة وعبر الوسطاء في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى الدقة في الصناعة وانضباط الأوصاف في السلعة المنتجة، يصل إلى حد الكمال في جميع الأشكال والأحجام، بالإضافة أن في تجويز مثل هذه البيوع مصلحة كبيرة للمتعاقدين، طالما انتفى الضرر لأه الخلاف هو خلاف عصر وزمان لا خلاف حجة وبرهان. والله أعلم.

المبحث الرابع: بيع العين غير المرئية بين الفقه النظري والواقع العملي المعاصر:

بعد التأمل فيما أورده الفقهاء من آراء وأدلة لإظهار بيع العين غير المرئية، معتمدين في ذلك على البيوع السائدة في زمانهم، مستندين في حكمهم إلى علة أساسية تدور مع الحكم وجوداً أو عدماً، ألا وهي الغرر والجهالة المفضية إلى المنازعة، “فحيث وجد الغرر وجد الحكم، أو انعدم الغرر انعدم الحكم، فالضابط في مسألتنا هو معيار الغرر(78).

فالغرر والجهالة ثلاثة أقسام: كثير ممتنع إجماعاً كالطير في الهواء، وقليل جائز إجماعاً كأساس الدار، ومتوسط اختلف فيه، هل يلحق الأول أو الثاني.

فأجاز الحنفية بيع ما يشمل على غرر يسير كالأشياء التي تختفي في قشرتها كالجوز واللوز والفستق والبازيلاء والأرز والسمسم في قشرتها الأعلى والحنطة في سنبلها والبطيخ والرمان على أن يكون المشتري خيار الرؤية.

أما المالكية والحنابلة فأجازوا مطلقاً كل ما فيه غرر يسير أو التي تدعو إليه الضرورة(79).

أما الشافعية: فقد وسعوا من دائرة الاحتراز من الغرر، فلذا لم يجيزوا بيع النموذج على الخلاف في المذهب، ولا بيع شيء مغيب في الأرض كالفجل والجزر والثوم، لأن بيع المجهول يشتمل على الغرر، كعدم جواز بيع الغائب مطلقاً، وهو ما لم يره المتعاقدان أو أحدهما وإن كان المبيع حاضراً لما فيه من الغرر حتى في بيع ما لا يعرف جنسه أو نوعه، لما فيه من غرر كبير، وكذلك ما عرف جنسه ونوعه ففي المذهب الجديد لا يصح بيعه، لوجود الغرر، ويسبب الجهل بصفة المبيع، كما لا يصح السلم مع جهالة صفة المسلم فيه(80).

وكذلك الحنطة في سنبلها والعدس والحمص والسمسم والحبة السوداء فما دامت في قشورها لا يجوز بيعها منفردة بلا خلاف، وهو القول الجديد للإمام الشافعي، لأنه لا يعلم قدر ما فيها(81).

ومهما كان الأمر فلا بأس بالتسليم في هذا الرأي مع تسليمنا أيضاً بأن النهي عن بيع الغرر أصل من أصول الشرع يدخل تحته مسائل كثيرة، ولكن لا بد من تبيان أن الشريعة السمحة وضعت ضابطاً لهذه المسألة وهو: “أن كل ما يدخل في المبيع تبعاً بحيث لو أفرد لم يصح بيعه كبيع أساس البناء تبعاً للبناء واللبن في الضرع تبعاً للدابة، بحيث لو أفرد لم يصح بيعه كبيع أساس البناء تبعاً للبناء واللبن في الضرع تبعاً للدابة، وكذلك أن كل ما يتسامح بمثله عادة لحقارته أو للمشقة في تمييزه أو تعيينه كدخول الحمام بالأجر مع اختلاف الناس في الزمان، ومقدار الماء المستعمل، وكالشرب من الماء المحرز، وكالجبة المحشوة قطناً”(82).

فهذه الأمور مستثناة من بيع الغرر، حتى نرفع المشقة عن تعامل الناس حيث يسر الشريعة ومرونتها، ومع تسليمنا بأن في الغرر مفسدة مكنونها العداوة والبغضاء، ولكن هذه المفسدة إذا عارضتها المصلحة الراجحة قدمت عليها كما قال ابن تيمية في مجموع فتاويه(83).

وقال أيضاً: “معلوم أن الضرر على الناس بتحريم هذه المعاملات أشد عليهم مما قد يتخوف منها من تباغض وأكل مل بالباطل، لأن الغرر فيها يسير والحاجة إليها ماسة، والحاجة الشديدة يندفع بها يسير الغرر والشريعة جميعها مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضتها حاجة راجحة أبيح المحرم فكيف إذا كانت المفسدة منتفية”.

وفي زماننا هذا حيث التقدم العلمي، وما تبعه من نهضة صناعية، جعلت بعض الضوابط الفقهية تختلف تماماً عما كان عليه زمان وعصر الفقهاء القدامى.

فالسلعة أصبحت منضبطة الوصف، بحيث تصل جودتها إلى درجة الكمال في جميع ما كان يطلب من وصف في السلعة عند الفقهاء من طعم أو لون أو رائحة، وذلك لاتحاد المنتج في المصنع حيث إن إنتاج آلاف الوحدات في السلعة المنتجة في الساعة الواحدة بالشروط والمواصفات ولا اختلاف بينها في الشكل والسمك والعرض واللون.

ونخلص أن الاختلاف بين ما كان عليه الفقه النظري، والفقه الواقعي اليوم، هو اختلاف عصر، وعلة حكم لا اختلاف حجة وبرهان، وعلى هذا نستطيع القول بأن بيع السلعة عن طريق العرض في المحال التجارية “البيع بالأنموذج” جائز على إطلاقه لاتحاد وصف السلعة الواحدة في جميع الوحدات، ولانتفاء الغرر الذي هو علة التحريم في الغالب عند الفقهاء.

فلو رأى شخص تلفزيوناً معروضاً فإن جميع الوحدات من هذا المنتج تكون بنفس المواصفات ونفس الجودة، فلذا لا مكان لاحتمالات الغرر هنا، ومن ثم يكون هذا الشخص كأنه رأى جميع الوحدات.

ومثله في المثليات والقيميات والعدديات المتفاوتة والمتقاربة، ومع دقة الصناعة اليوم فإن ما كان يعد قيمياً قد يكون مثلياً، وما كان يعد من العدديات المتقاربة يعد من العدديات المتماثلة وذلك لانضباط الأوصاف في السلعة المنتجة.

ويسري هذا الحكم، أي حكم بيع الأنموذج على جميع البيوع على الصفة، حيث إن المالكية والحنابلة أجازوه وإن كان المالكية قد اشترطوا في البيع على أساس الصفة أو وجود حالة الضرورة(84).

ومثاله السلعة التي تكون مستوردة وتتلف بفتحها، والبيع بالصفة هو ما عليه العمل في الوقت الحالي في غالبة البيوع، وذلك، لأن هذا ما هو مطلوب للسلعة المباعة، يكتب جميع صفاتها بطريقة علمية، سواء ما تعلق بالمكونات والمقادير وتاريخ الإنتاج والانتهاء والجنس والنوع.

أما إذا كانت من نوع واحد فيلزم بيان نوعها، ولونها، وحجمها، ومقاسها، وذلك لاختلاف أحجامها ومقاساتها وألوانها.

ومن الملاحظ على غالبية السلع اليوم وجود صورة غلاف للسلعة غير المرئية، توضح الشكل العام لها وحكمها فإنها لا ترقى إلى درجة الوصف الحقيقي للسلعة المستوردة، وذلك قد يحدث أن تكون تلك السلعة المستوردة مخالفة لوصفة الغلاف، ولاحتمالات التدليس على المشتري، وحماية لحقه في هذه الحالة يكون للمشتري حق رد هذه السلعة التي هي على خلاف الصفة بخيار التدليس أو خيار الصفة.

كما يوجد بعض المبيعات المغلفة التي لا بد من العلم المقصود منها بالصفة كالمسك والطيب والأطعمة فهي بحاجة إلى زيادة تأكيد لهذه الصفة عن طريق الشم والذوق، وهذا يكون بواسطة نموذج لهذه المبيعات أو عينات يتذوق منها بشرط أن لا يترتب على ذلك ضرر بالبائع، هذا في غير ما تعارف عليه الناس من شراء السلعة بالصفة دون ذوق، ومثال ذلك ما تعارف الناس عليه عند شراء زيت الزيتون قبل عصره، إن توافرت شروطه المعهودة من صفاء وخضورية وبياض كما صرح بذلك المالكية(85).

أما إذا لم يتعارف الناس على المنتج أو السلعة الجديدة، وإنما يتم عرض ذلك عبر الإعلانات المبوبة، أو عن طريق إنتاج عبوات صغيرة توزع على المستهلك للتذوق أو وضع عبوة كبيرة ليتذوق منها الناس للحكم على طعمها، مما يؤدي إلى شيوع طعمه بين الناس، ومع كل هذا قد يحدث أن يدفع المشتري مبلغاً كبيراً ثم لا يستفيد منها شيء، لأن الطعم لا يروق له.

ويوجد بعض البيوع غير المرئية في زماننا هذا، لا يمكن للمشتري رؤيتها بسبب ما غلفت به أثناء صناعتها مثل كراسي الجلوس ومقاعد صالات الاحتفالات وغيرها مما هو مستور ما بداخلها من اسفنج أو حشو لا يمكن رؤيته، ولا يعرف نوعه هل هو جيد أم رديء؟ فينتفي بذلك الوصف الحقيقي، وطريق تصحيح ذلك بأن توصف وصفاً جلياً واضحاً يطمئن إليه المشتري عن طريق عرض عينه مكشوفة كنموذج لمثل هذه البيوع لأن في بيعها من غير وصف غرر كبير وأكل لأموال الناس بالباطل.

وهنالك بعض البيوع غير المرئية تباع من غير رؤية ولا وصف والأرجح جوازها، كما ذهب إلى ذلك الحنفية حيث قالوا: إن عدم الرؤية هو السبب لثبوت الخيار سواء رآه على الصفة التي وصفت له أو على خلافها، فثبوت الخيار للمشتري ينتفي الغرر، فلا تؤدي الجهالة إلى النزاع مطلقاً ما دام للمشتري الخيار(86).

أما الدور والأراضي والبساتين، فتباع إما بالوصف فقط من غير رؤية، أو من غير وصف ويكون للمشتري الخيار بعد أن يراها.

فالفقهاء تعرضوا لحكمها بما يتناسب مع عصرهم وزمانهم فقالوا: لو اشترى داراً فرأى خارجها أو بستاناً فرأى خارجه أو رؤوس الأشجار فلا خيار له، لأن الدار شيء واحد، وكذا البستان فكان رؤية البعض رؤية للكل، هذا إذا لم يكن في داخل الدار بيوت وأبنية لتحصيل المقصود برؤية الخارج، أما إذا كان فيها أبنية فله الخير ما لم يرد داخلها، لأن الداخل هو المقصود.

هذا لأن زمان الفقهاء الدور لا تختلف في البناء وكانت على تقطيع واحد وهيئة واحدة وإنما كانت تختلف في الصغر والكبر، أما الآن فلا بد من رؤية داخل الدار وذلك لاختلاف الأبنية اختلافاً فاحشاً، فرؤية الخارج لا تفيد العلم بالداخل، وخاصة مع التطور في البناء وأنواع الخامات الداخلية في الطلاء، والديكورات، وتوزيع الكهرباء، وغير ذلك مما يضيف للمبنى صفات عالية، وعليه لو بيعت مثل هذه الدور بالوصف، فلا بأس بذلك لانتفاء العلة من التحريم وهو الغرر(87).

الخاتمة:

بعد هذا البسط للبيوع غير المرئية سواء فيما يتعلق بالرؤية المعتبرة عند الفقهاء، وآراء الفقهاء في بيعها، والبيع على البرنامج، “النموذج” وما صاحب ذلك من مقارنة بين الفقه النظري والتطبيق العملي بهذه البيوع في واقعنا المعاصر نخلص إلى ما يلي:

أولاً: اتفق الفقهاء جميعاً على أن المبيع إذا كان حاضراً في مجلس العقد ومشاهداً للمتابعين، فالبيع صحيح إذا تحققت باقي الأمور التي يعتبرها الشارع.

ثانياً: اتفق الفقهاء على جواز بيع العين غير المرئية المستورة بأصل الخلقة، كقشر الرمان والبيض، لأن المبيع يحتاجه لصلاحه لرفع الفساد عنه.

ثالثاً: اتفق الفقهاء على أنه إذا كان المبيع موصوفاً في الذمة جاز بيعه متى استجمع ما اعتبره الشارع لصحة السلم.

رابعاً: ذهب الحنفية إلى صحة بيع العين الغائبة، وكذا الراجح من المذهب القديم للشافعي، ورواية مرجوحة عند الحنابلة، بينما ذهب المالكية، والراجح من مذهب الحنابلة، إلى صحة بيع العين الغائبة إذا وصف المبيع أو كان المبيع على الخيار، أو شاع أمر المبيع بين الناس، بينما ذهب الشافعية إلى عدم صحة بيع العين غير المرئية في المذهب الجديد، والرواية الراجحة عند الحنابلة.

خامساً: القائلون بعدم صحة مثل هذه البيوع، استندوا في حكمهم على علة أساسية تدور مع الحكم وجوداً وعدماً، ألا وهي الغرر المفضي إلى المنازعة وكما ذكرنا فإن الفقهاء لم يتفقوا فيما بينهم على تحديد ضابط معين للغرر، فمنهم من وسع من دائرة الغرر كالشافعية، ومنهم من أجاز المبيع مع الغرر اليسير كالحنفية والمالكية والحنابلة.

سادساً: الرؤية قد تكون لجميع المبيع، وقد تكون لبعضه، والضابط فيه، أن يكتفى برؤية ما يدل على المقصود ويفيد المعرفة كما ذهب إلى ذلك الحنفية والحنابلة على التفصيل الذي ذكرناه في البحث، ومنهم من فرق بين المثلي والقيمي لإظهار حدود الرؤية بالمعتبرة، فإن كان مثلياً فيكتفى برؤية بعض المثلي وإن كان قيمياً فلا يكتفى برؤية بعضه، بل لا بد من رؤية كل المبيع شريطة أن لا يترتب على رؤيته كله ضرر، كما ذهب إلى ذلك المالكية، بينما ذهب الشافعية إلى أن الرؤية التي يجب أن تكون شرطاً في صحة العقد هي رؤية الجملة لعدم المشقة فيها دون رؤية جميع الأجزاء.

سابعاً: اتضح من الدراسة التطبيقية للفقه النظري والواقع العملي لمثل هذه البيوع، أن هذا البيع يأتي صورة تارة موافقة للفقه النظري، وتارة مخالفة له، وذلك لاختلاف العصر والزمان.

ثامناً: من البحث يتضح رجحان القول بالبيع بالنموذج، كما ذهب إليه الحنفية، والمالكية، ومرجوح الشافعية وذلك لانضباط الصفات المعتبرة شرعاً والتي بها قد ينتفي الغرر، ولكن ليس هذا على إطلاقه فهناك من البيوع التي لا يمكن تجويزها وهي التي يترتب على بيعها ضرر بالبائع، وكما في البيوع التي تحتاج إلى تذوق أو شم، ولا يكفي تحقق العلم بالمقصود الصفة، فتضر بالمشتري كما لو اشترى أشياء لا يمكن رؤية ما بداخلها، كالمقاعد المحشوة بالإسفنج أو بالقطن مما هو مقصود في نظر المشتري ولا يعرف نوع هذا الحشو فيكون مغروراً بهذا البيع إن كان على خلاف ما هو مقصود بعد دفع مبلغ كبير فيه.

وفي نهاية هذا البحث أستطيع أن أقول: إن اختلاف الزمان والمكان كان له كبير الأثر في حكم هذه البيوع وكان ذلك واضحاً في مسائل كثيرة أفتى بها بعض الفقهاء ويعللون أن الاختلاف راجع إلى اختلاف العصر والزمان فقد قال الكاساني في البدائع، ذكر الكرخي عن أبي حنيفة عند جوابه على عادة أهل الكوفة في زمانه فقال: فإن دورهم في زمنه لا تختلف في الصغر والكبر، والعلم به يحصل برؤية الخارج، وأما الآن فلا بد من رؤية داخل الدار، لاختلاف الأبنية، والدور في زماننا اختلافاً فاحشاً، فرؤية الخارج لا تفيد العلم بالداخل.. والله أعلم.

_______________________________

(1)    الحديث رواه البيهقي في سننه 5/268 كتاب البيوع باب من قال يجوز بيع العين الغائبة طبعة دار الفكر، كما رواه الدارقطني في سننه 3/4 كتاب البيوع طبعة دار المحاسن للطباعة.
(2)    الكاساني، بدائع الصنائع 5/434-435 ط دار الفكر – السرخسي، المبسوط 7/62 طبعة دار الفكر.
(3)    البابرتي، العناية على هامش فتح القدير 6/342-343 طبعة دار الفكر، الكاساني، البدائع 5/434-435 – السرخسي، المبسوط 7/62.
(4)    القشري، الجواهر المضيئة 3/600، اللكنوي، الفوائد البهية 225 طبيعة بيروت، البابرتي، العناية بهامش فتح القدير 6/342.
(5)    السرخسي، المبسوط 7/62، البابرتي، العناية بهامش فتح القدير 6/342، الكاساني، البدائع 5/453.
(6)    الحصفكي، الدار المختار 4/568 طبعة الحلبي، ابن همام، شرح فتح القدير 6/344، السرخسي، المبسوط 13/66.
(7)    الكاساني، البدائع 5/435-436، ابن الهمام، شرح فتح القدير 6/343، الزيلعي، تبين الحقائق 4/26 طبعة دار المعرفة، السرخسي، المبسوط 7/66، الموصلي، الاختيار لتعليل المختار 2/7 طبعة دار الكتب العلمية.
(8)    ابن الهمام، شرح فتح القدير 6/345، الكاساني، بدائع الصنائع 5/436، الموصلي، الاختيار لتعليل المختار 3/17 طبعة دار الشعب.
(9)    قال الدسوقي: قال مشايخنا: “ألا يكون في نشره إتلاف كالشاش وإلا اكتفى برؤية البعض”، الدسوقي، حاشية الدسوقي 3/24 طلبعة الحلبي.
(10)    الأصبحي، المدونة الكبرى 4/208 ط دار صادر.
(11)    الماوردي، الحاوي الكبير 6/21 ط دار الفكر بيروت.
(12)    الماوردي، الحاوي الكبير 6/23.
(13)    النووي، روضة الطالبين 3/83.
(14)    النووي، روضة الطالبين 3/38، النووي، المجموع 9/283.
(15)    النووي، روضة الطالبين 3/40، النووي، المجموع 9/9/283.
(16)    النووي، المرجعين السابقين ونفس الصفحة.
(17)    القفال، حلة العلماء 4/113 طبعة الرسالة الحديثة، النووي، روضة الطالبين 3/41، النووي، المجموع 9/283.
(18)    القفال، حلية العلماء 4/102، النووي، روضة الطالبين 3/42.
(19)    النووي، المجموع 9/280-281.
(20)    النووي، المجموع 9/280، النووي، روضة الطالبين 3/43.
(21)    ابن قدامة، الكافي في فقه الإمام أحمد 2/10 طبعة دار الفكر.
(22)    المرداوي، الإنصاف 4/295 طبعة دار إحياء التراث العربي ببيروت، الصالحي، الإقناع وشرحه كشاف القناع 3/187 طبعة دار الكتب العلمية ببيروت.
(23)    ابن قدامة، الشرح الكبير 4/26 طبعة دار الكتب العلمية ببيروت، ابن قدامة، الكافي 2/11-12، المرداوي، الإنصاف 4/295-296، الصالحي الإقناع وشرح كشاف القناع 3/189.
(24)    المضامين، قال أبو عبيد المضامين ما في أصلاب الفحول، والملاثيم ما في البطون من الأجنة. ابن قدامة، الشرح الكبير 4/27.
(25)    ابن قدامة، الشرح الكبير 4/28، ابن قدامة، الكافي 2/10.
(26)    ابن قدامة، الكافي 2/10، ابن قدامة، الشرح الكبير 4/28.
(27)    الحديث أخرجه أبو داود في البيوع 3/259، والترمذي في البيوع 3/5765 طبعة الحلبي، والنسائي في البيوع 7/260 طبعة المكتبة العلمية بيروت، باب النهي عن بيع الثنيا حتى يعلم.
(28)    ابن قدامة، الشرح الكبير 4/29.
(29)    الكاساني، البدائع 5/433-434، ابن رشد، بداية المجتهد 2/152، المكتبة التجارية بمصر، النووي، روضة الطالبين 3/63، القفال، حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء 4/96، ابن قدامة، المغني 4/27.
(30)    القفال، حلية العلماء 9414، المغني 10/27.
(31)    قال الإمام النووي: ليس المراد بتغيره حدوث عيب، فإن خيار العيب لا يختص بهذه الصورة، بل التغيير عما كان عليه والصفة الموجودة عند الرؤية. النووي، روضة الطالبين 3/313، الخطيب، مغني المحتاج 2/19 طبعة الحلبي.
(32)    القفال، حلية العلماء ج4/98.
(33)    ابن قدامة، المغني لابن قدامة 4/27، النووي، المجموع 9/288، الماوردي، الحاوي الكبير 6/17.
(34)    النووي، المجموع للنووي 9/281، ابن الهمام، شرح فتح القدير 6/352.
(35)    القفال، حلية العلماء 3/96، النووي، روضة الطالبين 3/37، النووي، المجموع ج9/281، ابن قدامة، المغني لابن قدامة 4/26، الأصبحي، المدونة 4/205.
(36)    النووي، المجموع 9/282، ابن قدامة، المغني 3/584.
(37)    ابن الهمام: شرح فتح القدير 6/352، الكاساني، البدائع 5/434، النووي، المجموع 9/282.
(38)    الشرح الكبير 4/25.
(39)    الحصفكي، جاء في الدر المختار 4/593 ط الحلبي وصح الشراء والبيع لما لم يرياه والإشارة إليه – أي المبيع – أو إلى مكانه شرط الجواز، فلو لم يشر إليه لم يجز إجماعاً.
(40)    جاء في المجموع شرح المهذب للنووي 9/276 وفي بيع الأعيان الحاضرة التي لم تر، قولان مشهوران، قال في القديم والإملاء والصرف من الجديد، يصح وقال في الأم وعامة الكتب الجديدة يصح.
(41)    الدسوقي، حاشة الدسوقي 3/25، ابن رشد بداية المجتهد 2/150، الشربيني، مغني المحتاج 2/18، النووي، المجموع 9/276، الماوردي، الحاوي الكبير 6/22.
(42)    جاء في مغني المحتاج: وإلا ظهر أنه لا يصح بيع الغائب، وهو ما لم يره المتعاقدان أو أحدهما، والثاني يصح إذا وصف بذكر جنسه ونوعه اعتماداً على الوصف، الخطيب، مغني المحتاج 2/18.
(43)    ابن قدامة، المغني لابن قدامة 4/25 طبعة دار الكتب العلمية، وجاء فيه “ولنا أنه بيع مجهول، لم يره ولم يوصف له، فأشبه بيع الحمل” ولا خلاف بين الفقهاء على عدم جواز بيع الحمل لورود النهي عنه استدلالاً بما روي عن أبي سعيد الخدري: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع، وعما في ضروعها إلا بكيل أو وزن، لأنه قد يكون حملاً وقد يكون ريحاً، وذلك غرر من غير حاجة فلم يجز، لأنه إن كان حملاً فهو مجهول القدر ومجهول القدر ومجهول الصفة، وذلك غرر من غير حاجة فلم يجز. الشيرازي، المهذب 9/332، القفال، حلية العلماء 4/113، الماوردي، الحاوي الكبير 6/22.
(44)    النووي، المجموع 9/286، النووي، روضة الطالبين 3/37، ابن قدامة، المغني والشرح الكبير 4/25.
(45)    الحديث رواه البيهقي في سننه 5/268 في كتاب البيوع باب من قال يجوز بيع العين الغائبة، كما رواه الدارقطني في سننه 3/4 كتاب البيوع.
(46)    النووي، المجموع 9/286.
(47)    ابن الهمام، شرح فتح القدير 6/337.
(48)    رواه البيهقي في السنن الكبرى 5/268 في كتاب البيوع باب من قال يجوز بيع العين الغائبة.
(49)    النووي، المجموع 9/286-287.
(50)    قال الكمال بن الهمام “الظاهر أن مثل هذا يكون بمحضر من الصحابة – رضي الله عنهم – لأن قضية يجري فيها التحالف بين رجلين كبيرين ثم إنهما حكما غيرهما فالغلب على الظن شهرتها وانتشار خبرهما، فحين حكم جبير بذلك ولم يرد عن أحد خلافه كان إجماعاً سكوتياً. ابن الهمام، شرح فتح القدير 6/340، المرغيناني، الهداية 3/25.
(51)    النووي، المجموع 9/302.
(52)    الحديث روي مسنداً ومرسلاً، المسند عن أبي هريرة، والمرسل من مكحول رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، نقل النووي اتفاق الحفاظ على ضعفه، الزيلعي، نصب الراية 4/9.
(53)    النووي، المجموع 9/286.
(54)    السرخسي، المبسوط 13/60، المرغيناني، الهداية 2/25.
(55)    النووي، المجموع 9/287.
(56)    ابن قدامة، المغني 4/25، الماوردي، الحاوي الكبير 6/21.
(57)    المرجع السابق ونفس الصفحة.
(58)    الماوردي، الحاوي الكبير 6/21.
(59)    ابن قدامة، المغني 4/26.
(60)    ابن قدامة، المغني 4/64.
(61)    الحديث، أخرجه مسلم في البيوع باب بطلان بيع الحساه والبيع الذي فيه غرر (1513)، والنسائي في البيوع 7/212، والبيهقي 5/338، والدارقطني 32/15-16.
(62)    الماوردي، الحاوي الكبير 6/19، ابن قدامة، المغني 4/25.
(63)    ابن الهمام، شرح فتح القدير 4/336.
(64)    البابرتي، شرح العناية بهامش فتح القدير 6/336.
(65)    الكاساني، بدائع الصنائع 5/163، ابن الهمام، شرح فتح القدير 6/336.
(66)    سعدي حلبي، حاشية سعد الدين حلبي بهامش فتح القدير 6/336.
(67)    جاء في حاشية سعدي حلبي بهامش فتح القدير (أن الجهالة بعدم الرؤية لا تفضي إلى المنازعة مع وجود الخيار، فإنه إذا لم يوافقه رده، ولا نزاع ثمة يقتضي خياره، وإنما أفضت إليها لو قلنا بإبرام العقد، ولم يقل به فصار كالجهالة بالوصف في المعاين المشار إليه، بأن اشترى ثوباً مشاراً إليه غير معلوم وعدد ذرعانه، فإنه يجوز لكونه معلوم العين، وإن كان ثمة جهالة كونها لا تقضي إلى المنازعة).
(68)    قال ابن رشد: (هل نقصان العمل المتعلق بالصفة عن العلم المتعلق بالحس جهل مؤثر في بيع الشيء، فيكون من الغرر الكثير، أم ليس مؤثر، وأنه من الغرر اليسير العفو عنه، فالشافعي رآه من الغرر الكثير، ومالك رآه من الغرر اليسير).
(69)    لقد أطلق بعض الفقهاء على هذا البيع بالأنموذج، والبعض الآخر بالنموذج، والأصح هو الثاني، لأن التعبير الأول لحن شائع، الزحيلي، الفقه الإسلام وأدلته ج5/2591.
(70)    السرخسي، المبسوط 13/71.
(71)    الحصفكي، الدر المختار 4/598.
(72)    ابن الهمام، شرح فتح القدير 5/597-598.
(73)    ابن الهمام، شرح فتح القدير 6/342، السرخسي، المبسوط 13/62.
(74)    السرخسي، المبسوط 13/62.
(75)    الدسوقي، حاشية الدسوقي 3/34، القرطبي، الكافي في فقه أهل المدينة 2/38، الأصبحي، المدونة 4/208.
(76)    النووي، روضة الطالبين 3/38، الشريعي، مغني المحتاج 2/19، النووي، المجموع 9/298.
(77)    الماوردي، الإنصاف 4/295، البهوتي، الروض المربع ص167، البعوتي، كشاف القناع 3/187.
(78)    الغرر لغة: الخطر، يقال غرته الدنيا غروراً خدعته بزينتها وغير الشخص يغر من باب ضرب غرره بالفتح فهو غر، وغرر بنفسه تقريراً عرضها للهلكة، والاسم الغرر المغربي المصباح المنير 2/682.
الغرر في الاصطلاح:
عند الحنفية: ما يكون مجهول العاقبة أم لا أو هو ما طوي عنك علمه البابرتي: العناية بها مسن فتح القدير 6/512 عند المالكية: ما تردد بين السلامة والعطب الآبي، جواهر الإكليل 2/21.
أو هو التردد بين أمرين أحدهما على الغرر والثاني على خلافه. الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3/55.
عند الشافعية: الغرر ما انطوت عنا عاقبته، النووي، المجموع 9/244.
أو ما تردد بين أمرين أغلبهما أخوفهما، الشرقاوي، تحفة الطلاب 2/9.
عند الحنابلة: الغرر ما تردد بين أمرين ليس أحدهما أظهر، مطالب أولي النهى 3/25.
(79)    الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته 5/3414 طبعة دار الفكر المعاصر.
(80)    الشيرازي، المذهب 1/263 مطبعة الحلبي، المجموع 9/284، الشربيني، مغني المحتاج 2/18.
(81)    القفال، حلية العلماء 4/103.
(82)    النووي، المجموع 9/246، الزحيلي 5/3411.
(83)    ابن تيمية، مجموع الفتاوى لابن تيمية 29/48 مكتبة المعارف، المغرب.
(84)    البهوتي، كشاف القناع 3/187، البهوتي، الروض المربع 167، مكتبة الرياض الحديثة، ابن قدامة، الكافي في فقه أهل السنة 2/38، الدسوقي، حاشية الدسوقي 3/34.
(85)    الدردير، الشرح الكبير للدردير 3/17، الأصبحي، المدونة 4/156-160.
(86)    البابرتي، العناية على شرح فتح القدير 6/334.
(87)    الكاساني، البدائع 5/435، البابرتي، العناية بهامش فتح القدير 6/344، السرخسي، المبسوط 13/66.

(المصدر موقع المسلم)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى