مقالاتمقالات مختارة

حكم إقامة اليهود والنصارى والمشركين في الجزيرة العربية

حكم إقامة اليهود والنصارى والمشركين في الجزيرة العربية

بقلم صفوت بركات

لقد اتفق من يعتد بقوله من فقهاء الأمة وعلمائها على أنها لا تجوز إقامة اليهود والنصارى والمشركين في جزيرة العرب لا إقامة دائمة ولا مؤقتة ما عدا أن بعض العلماء يرى جواز إقامتهم ثلاثة أيام للضرورة، ولا يجوز لمسلم أن يأذن لهم في دخولها للإقامة. معتمدين على الأحاديث الصحيحة عن النبي والآثار الثابتة عن الصحابة رضوان الله عليهم. فمن تلك النصوص:

أولًا: ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي أوصى عند موته بثلاث: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، ونسيت الثالثة».

وفي صحيح مسلم من طريق أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول أخبرني عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله يقول: «لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلمًا».

وفي الصحيحين: «أن عمر بن الخطاب أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز».

ومنها ما رواه الإمام أحمد في مسنده من طريق محمد بن إسحاق قال حدثني صالح بن كيسان عن الزهري عن عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة عن عائشة قالت: «كان آخر ما عهد به رسول الله أنه قال: لا يترك بجزيرة العرب دينان».

وقال الإمام مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه سمع عمر ابن عبد العزيز يقول كان آخر ما تكلم به رسول الله أن قال: «قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقين دينان بأرض العرب».

وحدثني مالك عن ابن شهاب أن رسول الله قال: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب فأجلى يهود خيبر».

وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال: بينما نحن في المسجد إذ خرج علينا رسول الله فقال: «انطلقوا إلى يهود فخرجنا معه حتى جئنا بيت المدراس فقام النبي فناداهم: يا معشر يهود أسلموا تسلموا، فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم فقال: ذلك أريد ثم قالها الثانية فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم، ثم قال في الثالثة فقال: اعلموا أن الأرض لله ورسوله وإني أريد أن أجليكم فمن وجد منكم بماله شيئًا فليبعه وإلا فاعلموا أنما الأرض لله ورسوله».

هذه النصوص وغيرها مما لم أورده تدل دلالة قاطعة على أنه لا يجوز لليهود والنصارى وغيرهم من الكفار أن يبقوا في جزيرة العرب وهي كما ترى في مكان من حيث الصحة والصراحة ووضوح المعنى والإحكام بحيث لا يمكن الطعن فيها بالتضعيف أو التأويل أو دعوى النسخ وذلك أنها مخرجة في الصحيحين وبعضها في المسند وبعضها في السنن وقد اتفق العلماء على أن ما اتفق على إخراجه البخاري ومسلم رحمهم الله أنه يفيد العلم اليقيني لأن الأمة تلقته بالقبول والتصديق فلا مجال للطعن فيما اتفق عليه البخاري ومسلم، وأما عدم جواز تأويلها فذلك لأجل صراحة ألفاظها ووضوحها وكونها نصًا في الموضوع لا يحتمل لفظها معنى غير المعنى الظاهر منها وما كان كذلك فلا يصح تأويله عند علماء الأصول وغيرهم من العلماء إنما الذي يجوز تأويله من النصوص هو الذي يكون لفظه محتملًا لمعنيين فيرجح أحدهما لأجل قرينة تحف به، أما كونها محكمة وغير قابلة للنسخ فلأجل أن النبي أمر وأوصى بإخراجهم من جزيرة العرب في آخر حياته كما روى الإمام أحمد عن عائشة أنها قالت: «كان آخر ما عهد به رسول الله أنه قال: لا يترك بجزيرة العرب دينان». وكما قال الإمام مالك رحمه الله في الموطأ: أنه سمع عمر يقول: «كان آخر ما تكلم به رسول الله أنه قال: قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقين دينان بأرض العرب».

فإذا كان الأمر كذلك فدعوى النسخ غير واردة لمعرفة تأخر تأريخ تكلمه بذلك، وأيضًا فعمر بن الخطاب أجلى اليهود من خيبر والنصارى من نجران بعد وفاة النبي، فلو كان أمره بإخراجهم من الجزيرة منسوخًا لم يجلهم عمر، ولا يقال يمكن أن يخفى على عمر النسخ، كما يدل على هذا ما أخرجه البخاري رحمه الله في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال لما فدع أهل خيبر عبد الله بن عمر قام عمر خطيبًا فقال: إن رسول الله كان عامل يهود خيبر على أموالهم وقال: نقركم ما أقركم الله وإن عبد الله ابن عمر خرج إلى ماله هناك فَعُدِىَ عليه من الليل فَفُدِعَتْ يداه ورجلاه وليس لنا هناك عدو غيرهم هم عدونا وتهمتنا وقد رأيت إجلاءهم فلما أجمع عمر على ذلك أتاه أحد بني أبي الحقيق فقال: يا أمير المؤمنين أتخرجنا وقد أقرنا محمد وعامَلنا على الأموال وشرط ذلك لنا؟ فقال عمر: أظننت أني نسيت قول رسول الله: «كيف بك إذا أخرجت من خيبر تعدو بك قلوصك ليلةً بعد ليلةٍ» فقال: كانت هذه هُزَيْله من أبي القاسم. فقال: كذبت يا عدو الله فأجلاهم عمر وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثمر مالًا وإبلًا وعُرُوضًا من أقتاب وحبال وغير ذلك.

.ذكر طرف من أقوال العلماء في إجلاء اليهود والنصارى من جزيرة العرب:

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: قال الإمام مالك أرى أن يجلو من أرض العرب كلها لأن رسول الله قال: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب» ويقول: «لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلمًا».

وقال تقي الدين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وقد أمر النبي في مرض موته أن تخرج اليهود والنصارى من جزيرة العرب فأخرجهم عمر من المدينة وخيبر وينبع واليمامة ومخاليف هذه البلد ولم يخرجهم من الشام بل لما فتح الشام أقر اليهود والنصارى بالأردن وفلسطين وغيرهما كما أقرهم بدمشق وغيرها).

وقال أيضًا رحمه الله فيما نقله عنه الإمام ابن القيم: (وأيضًا فإن النبي لم يضرب جزية راتبة على من حاربه من اليهود لا بني قينقاع ولا النضير ولا قريظة ولا خيبر، بل نفى بني قينقاع إلى أذرعات وأجلى النضير إلى خيبر وقتل قريظة وقاتل أهل خيبر فأقرهم فلاّحين ما شاء الله وأمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب).

وقال الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله في كتاب الجهاد من الفتاوى ما نصه: (الوثنية المحضة لا تقر بحال لا في مشارق الأرض ولا في مغاربها والمرتدون أغلظ وأغلظ واليهود والنصارى يقرون بالجزية لكن لا في جزيرة العرب «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب». وإقرار النبي لليهود في خيبر بالجزية لإصلاح ما يصلحون منسوخ بما أوصى به عند موته) اهـ.

حكم الاستعانة باليهود والنصارى وسائر الكفار:

تمهيد:

لما أوجد الله الخليقة على هذه الأرض كانوا مفتقرين ومحتاجين لبعضهم في تحقيق أمورهم لأن كل فرد من البشر مهما كانت قدرته وغناه، ومهما بلغ من العلم لا يستطيع أن يقوم بكل شؤونه بل لابد أن يحتاج إلى غيره في تحقيق ما يريد حتى ولو كان ملكًا أو عالمًا أو غنيًّا، فلو كان الملك مثلًا على جانب من الشجاعة والعلم بشؤون الحرب والقتال ماهرًا في علوم السياسة والقيادة وأراد الغزو لقتال العدو فلابد أن يحتاج إلى من يعينه على هذه المهمة من مستشارين وضباط وجنود وغيرهم وأولئك الأعوان محتاجون إلى الملك في ما يأخذونه من أجور على أعمالهم.

ومثال آخر يبين مدى حاجة كل فرد من البشر إلى غيره، فلو أراد إنسان أن يقيم لنفسه قصرًا فإنه لا يقوى على تحقيق ذلك مهما كانت منزلته من الغنى والعلم بشؤون البناء والهندسة بل لابد من احتياجه إلى من يعينه من بنائين وصناع وغيرهم.

والخلاصة أن كل فرد من أفراد البشر محتاج لخدمة غيره، وغيره محتاج لخدمته وإن لم يشعر بذلك:

الناس للناس من بــدو وحاضـــرة ** بعض لبعض وإن لم يشعروا خـــدمُ

ولما كان التعاون بين الناس بهذه المنزلة من الأهمية أمر به الإسلام ورغب فيه وحث عليه قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان….}، وامتن سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين بأن جعلهم أمة واحدة متحدين متعاونين متناصرين بعد أن كانوا مختلفين ومتفرقين قال سبحانه وتعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا…} الآية. وقال سبحانه وتعالى ممتنًا على نبيه: {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم ولكن الله ألّف بينهم إنه عزيز حكيم}، وقال عليه الصلاة والسلام: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر»، وقال عليه الصلاة والسلام: «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه».

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى