مقالاتمقالات مختارة

حق الإنسان في الحياة وحرية الرأي والأمان

حق الإنسان في الحياة وحرية الرأي والأمان

بقلم راجي سلطاني

لقد خلق الله الإنسان، وأعطاه بعض الحقوق الواجبة له، والتي جعل الله الاعتداء عليها جريمة يعاقب الله عليها في الآخرة، ويفرض على من يشرعون بشرعه أن يعاقبوا عليها في الدنيا، إن كانت مقاليد الحكم والقضاء بأيديهم.

وأعظم هذه الحقوق الحياة والحرية والأمان.

حق الحياة

فأما عن حقه في الحياة فهو أول حقوقه التي جعلها الله له، وجعل الاعتداء عليها أعظم جرم، قال تعالى: {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً} [النساء:93].

وقد تحدث العلماء عن قتل النفس بغير حق، وهل يغفره الله أم لا يغفره، وذلك رغم أن الله قد حسم المسألة بقوله {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء:116].

إلا أنهم، ورغم هذه الآية القاطعة في المسألة، تحدثوا عن عدم مغفرة ذنب القتل، وعن خلود مرتكبه في النار، وقد روي عن ابن عباس قوله: (ليس لقاتل توبة).

وإنما يؤكد هذا النقاش والخلاف حول المسألة رغم حسمها في الآية السابقة عظم الجرم وشناعته.

وقد أخرج النسائي حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم).

وأعلن الرسول صلى الله عليه وسلم أن حرمة المسلم أعظم حرمة عند الله من حرمة الكعبة كما جاء في حديثه الذي رواه عبد الله بن عمر حيث يقول: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: ما أطيبك وأطيب ريحك! ما أعظمك وأعظم حرمتك! والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله ودمه وإن نظن به إلا خيرًا) (رواه ابن ماجه).

ويؤكد النبي صلى الله عليه وسلم عظم هذا الجرم إلى حده الأقصى حيث يقول: (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا) (رواه البخاري).

فكيف يتجرأ أولو الأمر في بلادنا العربية والإسلامية على أرواحنا ودمائنا إلى هذا الحد من الاستسهال، وكيف تسوّل لهم أنفسهم أن يقتلوا معارضيهم بطريقة قد تكون في قمة البشاعة!

لقد رأينا أولي الأمر في البلاد العربية والإسلامية يحكمون على معارضيهم بالإعدام لمجرد إبداء آرائهم، بل ويقتلونهم غيلة في غربتهم التي فروا إليها فزعاً منهم، ومنهم من قتلوا معارضيهم بالآلاف في اعتصامات سلمية، وما زالوا يقتلونهم في بيوتهم ومزارعهم وطرقاتهم يوماً بعد يوم.

أي جبروت هذا، وأي ظلم ذاك، فلتسقط كل العروش طالما دماء الشعوب مستباحة.

حق إبداء الرأي

وأما عن حق إبداء الرأي ونقد الحاكم، فهذا ما أراد عبّاد السلاطين أن يسلبوه منا بحديثهم العفن عن حق ولاة الأمور في السمع والطاعة، وعدم الإنكار عليهم في العلن، والإسرار إليهم بالرأي والمشورة، وحرمة الخروج عليهم بالسلاح أو بالكلمة مهما أتوا وأحدثوا، حتى قال قائلهم: ولو زنى الحاكم وشرب الخمر على شاشات التلفاز في بث مباشر لنصف ساعة!

ألا ما أتعس هؤلاء وأتعس فقههم؛ فقه العبودية لغير الله؛ العبودية للحكام والسلاطين. ووالله إن دعوة هؤلاء للعبودية للحكام والسلاطين لتسبق دعوتهم للعبودية لله وتعظم عليها.

لقد خالفت امرأة عمر بن الخطاب في رأي له على الملأ في مسألة مهور النساء، فما عارضها أحد، وأخذ عمر برأيها، كما تذكر كتب السنة والسير.

وقد قال هو يوماً تعقيباً على رجل دعاه إلى تقوى الله وأكثر عليه في حديثه: “لا خير فيهم إن لم يقولوها لنا، ولا خير فينا إن لم نقبل” (أبو يوسف، كتاب الخراج).

ولهذا ستظل حريتنا في إبداء آرائنا، وتوجيهنا للنقد لحكامنا وسلطاتنا، ولن تستطيع الأنظمة الديكتاتورية المستبدة بكل رجال دينها الذين باعوا دينهم بدنيا حكامهم أن تسلب منا هذا الحق.

حق الأمان

وأما عن حق الإنسان في الأمان، فهو حق كفله له الإسلام، فما حق الأمان إلا من مجموعة الحقوق الأخرى، الحق في الحياة وحمايتها، والحق في التملك وحمايته، والحق في الرأي وحمايته.

ومن هذه الحقوق مجتمعة يأتي حقه في الأمان، هذا إن كان في بلاده وموطنه، فأما إن كان في بلاد غير بلاده، فإن الإسلام والقوانين الدولية قد أقرت له حقه في الأمان بعقد الأمان الذي بينه وبين الدولة التي يعيش فيها، وهذا العقد في الأمان هو عقد لازم بمجرد دخول الإنسان إلى هذه البلد بطريقة قانونية وأوراق رسمية، ولا بد لهذه الدولة أن تعمل على أمان هذا الفرد كما تعمل على أمان أفرادها سواء بسواء.

فإذا ما اعتُدي على هذا الفرد المستأمن فكأنما قد اعتُدي على فرد من أفراد الدولة المؤَمِّنة، ويجب على الدولة بكل أجهزتها أن تعمل على رد حق المستأمن المعتدَى عليه وإماطة اللثام عن المعتدين الحقيقيين مهما كانت مناصبهم ومهما كانت مكانتهم.

ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن تناور البلدُ التي اعتُدي فيها على المستأمن عندها البلدَ المعتديةَ ومَن وراءها من حلفائها الدوليين من أجل مكاسب لها ولشعبها مهما كانت المؤامرة الدولية عليها.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى