بقلم رامي زودة
مثل كل موسم انتخابي، ظاهرتين يلحظها المتابع: الشعارات وصور المرشحين. أما ما بدا مستجداً في هذا الاستحقاق هو تجانس الحظوظ وانعدام توقع النتائج الانتخابية بخاصة لدى المجتمع السني. ففي كل شارع تتعارك 5 إلى 7 لوائح، ما بين مستقل وسياسي وتغييري، تتعدد الخطابات وتتشابك التحديات، وقد بدا الاستشعار بتغيّر المسار الانتخابي ملموساً لدى كل الأطراف، ما يجمعهم رؤية واحدة في وسط الشعارات المتشعبة: “لا يسعنا رؤية شيئاً واضحا في الأفق!”. فالقانون الجديد هذا أصبح مدحلة للقديمين ومشعل أمل للجدد، انه زمن التغيير الذي انتظره كثيرين من المتفائلين بالسلطة ويخشاه كثيرين من المتعلقين بها، فما سبب هذا الانقسام المستجد؟ واي رؤية ومستقبل لما بعد الاستحقاق الانتخابي في المجتمع السني؟
إن الكلمة الفيصل بعد هذه المقدمة هي (اتفاق الطائف)، فبعد إن خرجت طائفتان مهزومتان من الحرب الأهلية اللبنانية هما الموارنة والسنّة، سارع رجل الأعمال اللبناني-السعودي والمقاول الناجح رفيق الحريري إلى ابرام اتفاق يجمع كل الأطراف اللبنانية على “لبنان جديد” في معادلة جديدة يترسخ فيه توازن دقيق على الطريقة “الكسنجرية”: محور المقاومة-العروبة مقابل محور الانماء-الرأسمالية.
لا يسعنا توقع شيء لما بعد الاستحقاق الانتخابي غير الانقسام في الشارع السني، انقسامات ستحددها شعارات مناطقية ومذهبية (حصلت مسبقا في احدى شوارع بيروت) إلى جانب الإضافة السياسية. |
لقد لعب الرئيس رفيق الحريري وزناً ودورا دولياُ في منصب هذه اللعبة إلى إن استشهد في بغتة المنافسين سنة 2005، وقد استمر هذا التوازن قائماً حتى بعد إن ورث وارثوه ثروته وثروة (اتفاق الطائف)، فكان للرئيس سعد الحريري قسمة الأسد من إرث والده. فبعد أن خرج السوريين من لبنان وتبلورت التوازنات الجديدة بين 8 و14 اذار، بقي الميزان يكيل بين من هم ممناعين-مقاومين وبين من هم سياديين. حتى في عز ازدهار البلد كان هذا الشرخ في أوجه. ففي حين كان الانقسام التأسيسي يعود للتداول بين ماروني رئيس جمهورية وسني رئيس حكومة، اجتمع الأفرقاء وأسسوا لعهد جديد قائم على المحاصصة والمشاورة بدلاً من التوازن الذي أنشأه الميثاق الوطني 1943 واتفاق الطائف 1990.
لذلك فإن التجاذبات القائمة في الشارع السني تحوم حول رؤيتين: موقع رئيس الحكومة ووظيفته، وهي كلها مؤشرات تصاغ في خانة “الزعامة السنية”. الرئيس السابق نجيب ميقاتي يدعو عبر حملته إلى الحفاظ على “الموقع السني الأول”، فباعتباره إن التسوية السياسية الأخيرة زعزعت من قيمة هذا الموقع مقابل سلطات أخرى. أما اللواء المتقاعد والوزير السابق أشرف ريفي الذي فاز ببلدية طرابلس الأخيرة، يرى إن التسوية الماضية التي أوصلت ميشال عون رئيساً للجمهورية أخلّت بوظيفة الزعامة السنيّة المجابهة تقليدياً للحور الممانع والحامية الأولى للسيادة اللبنانية وكيانية لبنان. في المقابل، يرى الرئيس سعد الحريري أنه الوريث الشرعي لاتفاق الطائف الذي أسسه والده بضمان سعودي، وبإرثه هذا فهو يمسك ورقة الشرعية، فبدا يعيد التوازن الماضي رافعاً شعار “بيروت عربية وليست فارسية” مجددا خطاب التشابك مع حزب الله ومحاور النظام السوري. لقد كان الاستشعار مبكرا بأهمية التوازن السياسي مع الأطراف الأخرى ولعنة التناغم والتماسك معها(حزب الله). إنها اذاً اللعبة الذي يدركها القائمين على اتفاق الطائف وعلى مرحلة الميثاق الوطني ولبنان الكبير بحيث كانت التوازنات الطائفية ثم العقائدية هي أساس اللعبة.
لا يسعنا أخيراً توقع شيء لما بعد الاستحقاق الانتخابي غير الانقسام في الشارع السني، انقسامات ستحددها شعارات مناطقية ومذهبية (حصلت مسبقا في احدى شوارع بيروت بين من هم أحباش وغير أحباش) إلى جانب الإضافة السياسية. إن المسألة السورية والإلغاء الطائفي الدموي الذي تكرّس في الجوار أدى إلى تراكمات نفسية في المجتمع السني ككل بحيث بدت المسألة أقرب إلى المسألة الوجودية مجانسة قضايا جيرانهم في الوطن وهو ما أضحى يعكس بشكل مباشر وغير مباشر السلوك السياسي والسلوك الشعبي العدائي لهذه الطائفة. ختاماً، فان القانون النسبي ليس بالقانون الأمثل لدى الأطراف لكنه بالتأكيد سيخفف الاحتقان الكبير في الشارع السني وذلك بإيصال كل القيادات الوازنة إلى سدة البرلمان، ولكن يبقى السؤال الأهم: هل المجتمع السني يعيش على الأحادية السياسية؟ وهل يمكن لاتفاق الطائف إن يستمر بغير الأحداية الحريرية؟
(المصدر: مدونات الجزيرة)