بقلم ليليان أحمد
ها هي أرض الخلافة ” بغداد” حاضرة العالم الإسلامي صاحبة أضخم المكاتب يحاصرها التتار من كل جانب والمسلمين شعبا وقيادة في ثبات عميق، فكان حالهم شبيه بحالنا اليوم تملكت الدنيا من قلوبهم، لم يحركوا ساكن من أجل المسلمين المنكل بهم من التتار ولا الأعراض المستباحة والدماء السائلة، وصل بهم الخوار إلى درجة عدم الاستعداد ولا الانتباه ليوم كهذا، واليوم والتتار على أعتاب البلاد هل من يقظة ليدركوا اللحظة الفارقة؟
حال دار الخلافة
اجتمع الخليفة مع كبار رجال دولته وعلى رأسهم الوزير الخائن ” الشيعي” العلقمي، وبدأ النقاش، ما العمل؟ ما المخرج؟أخذ العلقمي يزرع الرعب في نفوس الحضور وأن الفرق شاسع بيننا وبين التتار والحل الوحيد هو التفاوض والتسليم، ولكن الخير لا يعدم من أمة محمد فقام رجلين من الذين يخشون الله ورسوله ينادون بالجهاد لنيل إحدى الحسنيين وهم ” جهاد الدين أيبك” و” سليمان شاه”، وبعد مشاورات عديدة قرر الخليفة الجهاد.
خرجت فرقة ضعيفة بقيادة مجاهد الدين وقابلت جيش العدو بقيادة ” بيجو” في منطقة الأنبار، ولكن إعداد التتار الممتاز ودراستهم للمكان جعلهم يحاصرون جيش المسلمين بكل سهوله وكعادة التتار بدأت الإبادة في المسلمين، استطاع مجاهد الدين أن ينجو هو وعدد قليل وعادوا إلي بغداد.
قد يتساءل البعض لما لم ينصر الله مجاهد الدين على أعدائه وقد خرج مدافعا عن شرف الأمة؟ ولكن من قال لكم أن النصر بحسن النية فقط أين الإعداد للمعركة فديننا لم يكن دين دروشة فهو دين بذل وسعي وجهد ومع هؤلاء التوكل الكامل على الله.
حصار بغداد
تقدم بيجو وحاصر بغداد من الغرب وهولاكو من الشرق، وهنا عاد العلقمي من جديد يقنع الخليفة بالتفاوض مع التتار، وهنا لا نلقي باللوم على العلقمي الخائن لأنه في الأصل شيعي وداخله حقد على الإسلام فاللوم كل اللوم على من يسمى خليفة المسلمين الذي وصل به الخبل والاستهتار إلى اختيار العلقمي وبطريرك النصارى في بغداد للتفاوض باسم خلافة المسلمين!! ولا أجد أي كلام مناسب للتعليق على هذا الاختيار ولكن لا عجب فالقادم أدهى وأمر
اجتمع وفد الخلافة بـ هولاكو ووعدهم إن ساعداه على إسقاط الخلافة بمكانة عظيمة في نظام الحكم الجديد، وأموال وامتيازات ويكفي تخليصهم من خلافة المسلمين، وبعد الاتفاق عاد الوفد إلي الخليفة بقائمة طلبات التتار
التي تضمنت
1- تسليم من ينادي بالجهاد ضدهم وأولهم مجاهد الدين وسليمان شاه، فهذه هي طبيعة كل الانظمة الجاهلية القضاء على أي نواة للجهاد والمقاومة حتى لو كانت ضعيفة في مهدها
2-تسليم السلاح
3-هدم الحصون، تدمير الخنادق
4-أن تقع بغداد تحت وصاية الحكم التتري
وهذا في مقابل
1-إنهاء حالة الحرب وان يظل المعتصم بالله على كرسي الحكم
2-تتزوج بنت شارب دماء المسلمين هولاكو من ابن الخليفة
3-إعطاء الأمان لأهل بغداد
أخذ الخليفة يفكر ومن حوله يقنعونه بالتسليم حتى ينجو هو ومن ورائه من الرعية، ودب الرعب في قلوب المسلين وقلة قلية من تنادي بالجهاد والمواجهة، وبينما المسلمين في هذه الحالة المزرية إذا بالتتار يقصفون بغداد أربعة أيام متتالية
حادثة عرفة
بينما كان التتار يقصفون المدينة وقصر الخليفة تحديا كان الخليفة منشغل في أمر عظيم، فقد كان ساهرا مع الجارية عرفة ترقص له وتمازحه ولكن التتار عكروا صفوه وقتلوا الجارية بسهم في القصف، ولكن خليفتنا الهمام لم يدع الحادثة تمر هكذا فقد أمر بزيادة الاحتراز وزيادة الستائر واعتقد أنه قرار صائب جدا حتى لا تقتل راقصة أخرى، فلا تضحك بل أبكي قهرا على حال الخليفة وعموم المسلمين في ذلك الوقت.
انهار السور الشرقي للبلاد ولم يعد إلا القليل ويجتاح التتار البلاد، فأشار العلقمي على الخليفة بالخروج للتفاوض مع هولاكو، وجاءت الأوامر ان يخرج ومعه كبار رجال الدولة في كل المجالات
ضريبة الذل
خرج الخليفة ومعه 700 من كبار رجال الدولة، سمح التتار بدخول الخليفة ومعه 17 وباقي الوفد تحجج التتار بأنهم سيخضعون للتفتيش الدقيق ودخل الخليفة الخيمة أما الباقون فقد ساقهم التتار للذبح وبدأت أوامر التتار تملى على الخليفة كالصواعق
1-يقتل أولاد الخلية الكبار ويقع الصغير في الأسر مع اخوات الخليفة
2-يأمر الخليفة المسلمين بألقاء السلاح وعدم المقاومة، كان هذا شرط سهل لان المسلمين كانوا غير راغبين في الجهاد اصلا
3-أن يساق الخليفة مقيد في شوارع المدينة يدل التتار على القصور والثروات
4-كما وضع العلقمي قائمة بأسماء علماء السنة، فكان التتار يأخذون العالم مع أهل بيته فيذبحوه ويسبون النساء
وانتشر الجيش التتري في المدينة يقتل الرجال والنساء حتى الرضع قتلوهم، كل هذا والخليفة حيا يشاهد كل هذا الدمار والخراب حتى حان وقت التخلص منه، فقد اختار هولاكو أن يقتل الخليفة رفسا بالأقدام، كم كانت موتته قاسية وبشعة ومهينة هذا هو خليفة المسلمين يقتل بهذه الطريقة، ألم يكن أشرف له أن يموت فارسا في ميدان القتال! مر اربعين يوم والقتل مستمر لا يتوقف فقد قتل التتار مليون مسلم في أربعين يوم، بعد ذلك اتجه الجنود لتدمير مكتبة بغداد التي تضم كنوز من العلوم في كافة المجالات وفعلوا فيها كما فعل الصلبيين في مكتبة قرطبة.
تلال جثث في الشوارع لم تدفن بعد، الدماء تسيل في الطرقات أصوات نساء واطفال تبكي وتشتكي إلى الله، هكذا اصبحت أرض بغداد الجنة الخضراء على أيدي التتار فخاف هولاكو على جنده من الأمراض المنتشرة من تعفن الجثث فأمر بخروج الجنود وإعطاء أمان حقيقي ليخرج المسلمين لدفن الموتى، ولك أن تتخيل حالهم وكل منهم يبحث في الجثث عن أمه وأبيه أخيه زوجه وعياله موقف ينفطر القلب من قسوته.
استتب الوضع في العراق للتتار وتم تعيين العلقمي حاكم للبلاد، ولكن التتار لا عهد لهم ولا أمن حتى مع الخونة رفقائهم فعاملوه معاملة العبيد، حيث كان أصغر جندي تتري يهينه ويوبخه حتى مات قهرا.
اجتياح الشام
بعد سقوط بغداد بدأ التتار في التجهيز لغزو الشام ، وصلت جيوش التتار أرض الشام وأحكموا الحصار على حلب لمدة سبع أيام، ثم أعطى التتار الأمان لأهل حلب مقابل فتح أبواب المدينة ولكن أميرها توران شاه رفض التسليم، أما أهل حلب لم يسمعوا كلام أميرهم وإخوانه المجاهدين بأن التتار لا عهد لهم ولا كلمة، ففتح بعض الحلبيين أبواب المدينة ودخل التتار، وكما هو متوقع أمر هولاكو بقتل كل المسلمين وأمن النصارى، ثم اتجه نحو قلعة حلب التي تحصن بها المجاهدين وتوران شاه فحاصرها، صمد مجاهدين القلعة شهر ولكن التتار كسروا الأبواب واقتحموا القلعة وتحولت إلي بركة دماء ، هكذا سقطت حلب في أيدي التتار وبدأ هولاكو يفكر في احتلال باقي المدن فأرسل إلى الأمير الخائن الأشرف الأيوبي أمير حمص وأعطاه ولاية حلب وحمص تحت رقابة تتارية فكان حاكم صوري بلا صلاحيات حقيقية. أخذت المدن تسقط في يد التتار الواحدة تلو الأخرى، ففي عام 658هـ سقط دمشق بعد أن استسلم أهلها وفتحوا أبواب المدينة مثل ما فعل أهل حلب، كان سقوط عاصمة الخلافة الأموية بعد عامين من سقوط بغداد عاصمة الخلافة العباسية، استطاع التتار ان يسقطوا مدينتين من أكبر وأعظم حواضر العالم في ذلك الوقت في زمن قياسي وكبر أربعة على المسلمين
احتلال فلسطين
أصبح المسلمون محاصرين فمن هنا التتار ومن هناك الصلبيين، أحكموا الحصار عليهم، أرسل هولاكو جيش إلى أرض فلسطين وبدأت المدن تسقط، فسقطت نابلس ثم غزة وبالطبع لم تقترب جيوش التتار من الأمارات التابعة للصلبيين حلفائهم.
الوضع الميداني سقوط العراق بالكامل، أجزاء كبيرة من تركيا، سوريا بالكامل ثم فلسطين، جيوش العدو تقف على بعد خمسة وثلاثين مترا من سيناء، وهل بعد بغداد والشام سوى مصر ويكون التتار ابتلعوا العالم الإسلامي.
(المصدر: أمة بوست)