مقالاتمقالات المنتدى

جواهر التدبر (٢٨٦) .. أثقال المسؤولية

جواهر التدبر (٢٨٦)

أثقال المسؤولية

 

بقلم أ. د. فؤاد البنا

– المسؤولية عن جهاز الوعي:
منح الله كل إنسان جهاز وعي متكامل يتكون من أربع مكونات أساسية، وهي: السمع والبصر والعقل والقلب، كما أخبر القرآن الكريم في عشرات الآيات، وجعل كل إنسان مسؤولا عن جهاز وعيه، بحيث يُفعل مكوناته في استثمار آلاء الله والاستهداء بآياته، بأنواعها الثلاثة وهي:
١- آيات القرآن، وذلك عبر التدبر المفضي إلى الاستهداء المفضي إلى القيام بغاية العبادة.
٢- آيات الكون، وذلك عبر التفكر المفضي إلى القيام بمقصد عمارة الأرض.
٣- آيات الأنفس عبر التبصر المفضي إلى القيام بوظيفة الخلافة عن الله في هذه الأرض.
ومن المسؤولية عن جهاز الوعي عدم الخوض في أي موضوع من دون علم؛ لأن الإنسان سيُسأل يوم القيامة عن جهاز وعيه ومدى توظيفه التوظيف الأمثل في ما يبني ولا يهدم، ويصلح ولا يفسد، وينفع ولا يضر، كما قال عز من قائل بصورة عامة: {وقفوهم إنهم مسؤولون} [الصافات: ٢٤]، ومن الأسئلة التي سيتعرض لها كل إنسان سؤال عن مكونات جهاز الوعي، كما قال تعالى: {ولا تقفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} [الإسراء: ٣٦]، ويبدو لي أن الفؤاد هنا مزيج من الأفكار والمشاعر التي تستوطن العقل والقلب.

– مسؤولية القوامة:
القوامة في المفهوم القرآني ليست مكانة شرفية يتمتع الزوج بمميزاتها لكونه ذكرا، ولكنها مسؤولية ثقيلة بشقيها المعنوي والمادي، وتنبعث حقيقتها ابتداءً من مصطلح (القوامة)، فالزوج (قوّام) على زوجته وأولاده، وكأنهم بالمقابل في حالة جلوس أو استلقاء واسترخاء، فهو (قوام) على حراستهم من مختلف الغوائل المادية والمعنوية، ولا يكف عن السعي في مناكب الأرض بحثا عن الرزق وأسباب الحياة الكريمة لهم، ويجتهد في أن يجلب لأهله المنافع ويدفع عنهم المضار في المعاش والمعاد؛ حيث تقتضي مسؤولية (القوّامين) أن يقوا أنفسهم وأهليهم من لفحات النار والفقر والجهل على حد سواء، وأن يدأبوا لتوفير متطلبات الحياة المعيشية الكريمة فيؤكلوا زوجاتهم وأولادهم مما يأكلون ويسكنوهم حيث يسكنون، ويحموهم مما يحمون منه أنفسهم، وإن استدعى الأمر فإنهم يموتون في سبيل الدفاع عن كرامتهم وحقوقهم، فمن قتل دون ماله أو عرضه فهو شهيد كما أخبرنا الصادق المصدوق!
يتضح هذا الأمر من آية القوامة نفسها، فقد قال تعالى: {الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم}، فالنص القرآني يعلل إعطاء القوامة للرجل بأمرين، بالنسبة للإنفاق المالي فمن الواضح أنه من صميم المسؤولية، أما العلة المتصلة بقوله تعالى: {بما فضّل الله بعضهم على بعض} فتحتاج إلى توضيح، فكما فضّل الله المرأة على الرجل في مقام العاطفة والتربية وتحمل أعباء الأمومة، فقد فضّل الله الرجال في مجال الإدارة والإشراف والتوجيه، إذ بجانب الإنفاق المالي أثبتت الدراسات العلمية والأحداث الواقعية أن الرجل إجمالاً أكثر عقلانية وأقوى إرادة وأقدر على الإدارة وتحمل المشاق والتحديات، بجانب اتصاله بالمجتمع والأسواق، ثم إنه أحرص على بقاء آصرة الزواج لأنه هو من يدفع المهر وكل متطلبات الزوجية!

– قنوت الجبال الصماء:
القنوت في المفهوم القرآني حالة من الطاعة المحضة والخضوع التام لله تعالى، وتشترك فيها الكائنات الحية والجامدة، سواء منها المجبولة على الطاعة أو المالكة لزمام الاختيار.
قال تعالى: {وله من في السماوات والأرض كل له قانتون} [الروم: ٢٦]، فحرف (من) يستخدم في لغة العرب للعاقل والتي تشمل كل الكائنات ذات النفس والحياة.
أما الجمادات ومنها الجبال فيشملها قوله عز وجل: {سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون} [البقرة: ١١٦]، فحرف (ما) يستخدم لغير العاقل أي غير الكائنات الحية ومنها الجبال!
وإذا عرفنا هذا وعرفنا أن الله حينما عرض أمانة الاختيار على المخلوقات كلها، ومنها السماوات والأرض، فاعتذرت عن حمل هذه المسؤولية وحملها الإنسان، فإن الإنسان العاقل يستحي أن تقنت الجبال القاسية الصماء لله ولا يقنت هو لمن خلقه بيديه ونفخ فيه من روحه وأبدع خلقته فجعله في أحسن تقويم، وشرّفه على كل الكائنات وفضّله عليها تفضيلا، وسخرها من أجل خدمته ورفاهيته، وأسجد له ملائكته ووظف أنواعا منها لخدمته، وغضب على الشياطين بسببه!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى