مقالاتمقالات المنتدى

جواهر التدبر (٢٦٨) .. طبائع بشرية

جواهر التدبر (٢٦٨)

طبائع بشرية

 

بقلم أ. د. فؤاد البنا

– الطمع البشري:
عن التجربة الأولى للحياة الإنسانية في الجنة قال تعالى: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكُلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين} [البقرة: ٣٥]، بمعنى أن الإنسان بأكله للحرام إنما يظلم نفسه؛ لأنه يجر عليها ويلات وأضرارا متعددة قبل مجيئ العذاب الأخروي!
ونعود لنتساءل: كم ستكون مساحة الشجرة إلى مساحة الجنة؟ ولو افترضنا أن في الأكل من الشجرة متعة، كم ستكون لذة هذه المتعة بجانب لذائذ الجنة كلها والحياة الرغيدة فيها؟!
لكن الطبع الآدمي الناتج عن تأثير التراب يبحث دائما عن الممنوع ويعتقد أن سعادته ثاوية فيه، وقد سنّ لهم هذا الطريق أبوهم آدم حينما ظن أن إكسير خلوده يكمن في الأكل من تلك الشجرة، ومهما يكن فقد أدى الطمع بالشجرة إلى فقدان الجنة كلها!
وبالطبع فقد حدث ذلك بالتعاون بين النفس الأمّارة بالسوء وبين الشيطان الذي أقسم أن يحتنك ذرية آدم ويوردها النار إلا المعصومين منهم، وقد أشار القرآن إلى هذا الدور الإبليسي في الآية التي أعقبت الآية السابقة، قال تعالى: {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين} [البقرة: ٣٦].

– الثقة العمياء في التسويل والتزيين:
عندما يترك الإنسان حصن الطاعة لربه، فإنه يصير بين مطرقة النفس وسندان الشيطان، ويصبح حينئذ أسيرا لتسويلات نفسه ووسوسات شيطانه، وما تفتأ تتضافر مع بعضها حتى تزين له ما يختلج في صدره من إثم وما يعتمل بين يديه من ظلم، مما يجعله يتمادى في غيه، ويصم أذنيه عن سماع أصوات الناصحين الذين قد يكونون حادبين به مشفقين عليه، كحال نوح مع ابنه الذي رفض الاعتصام بالله من الطوفان واعتصم بدلا عنه بالجبل، وحال إبراهيم مع والده الذي ظل يقينه قويا بالأصنام التي يصنعها بيديه، حيث نجح الخليل في تحطيم الأصنام الرابضة في المعبد لكنه لم ينجح في تحطيم الصنم الذي يسكن قلب والده؛ لأن الوالد رفض سماع صوت ابنه وظل أسيرا للتسويل والوسوسة!
وما ينطبق على الأفراد في هذا الأمر ينطبق على الجماعات والأقوام، وأمامنا نموذج لقوم ثمود الذين كفروا بصالح وربه، وبعد أن عقروا الناقة ولم يحدث لهم شيء على الفور ازداد تماديهم حتى أنهم تحدوه أن يأتيهم بالعذاب، قال تعالى: {فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما. تعدنا إن كنت من المرسلين} [الأعراف: ٧٧]، وهذا التمادي المعبر عنه بالعتو ناتج عن ثقة عمياء بتزيين الشيطان وتسويلات النفوس الأمارة بالسوء!
ومن قبلهم قال قوم نوح لنبيهم: {يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين} [هود: ٣٢]، أما كفار قريش فقد زادوا على من سبقهم بالاستهزاء والسخرية من الأمين محمد عليه السلام، قال تعالى على ألسنتهم: {وقالوا يا أيها الذي نُزل عليه الذكر إنك لمجنون. لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين} [الحجر: ٦، ٧]، فقد سخروا من تنزل الوحي عليه واتهموه بالجنون والكذب في آن واحد، مع أنهم هم من لقبوه بالصادق الأمين قبل تنزل الوحي عليه!
ونلاحظ هذه الثقة العمياء بعدم صدق المرسلين موجودة عند كل الكافرين، وكأنهم ينهلون جميعا من مشرب واحد!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى