مقالاتمقالات المنتدى

جواهر التدبر (٢٦٦) .. نفائسُ التقوى

جواهر التدبر (٢٦٦)

نفائسُ التقوى

 

بقلم أ. د. فؤاد البنا

– فرقان التقوى:
لما كان التزام الاستقامة على صراط الله أمراً عزيزا بسبب دقة متطلباته؛ فإن المسلم يدعو الله في كل ركعة من ركعات جميع الصلوات بقوله: {اهدنا الصراط المستقيم}، سواء كانت الصلوات مفروضة أو مسنونة، غير أن الدعاء الذي تضمنته الفاتحة لا يجدي وحده شيئا ولو رددناه مليون مرة؛ إذ أن التزام الاستقامة في الأقوال والأفعال وفي البواعث والمشاعر، يحتاج إلى فقه عقلي واع وبصيرة روحية نافذة، ويحتاج إلى إخلاص القلب وشفافية الروح وقوة الجوارح حتى يتم الاستمساك بكل تعاليم الإسلام بقوة.
وقد دلنا القرآن على العمل الذي يمنحنا بوصلة السير المستقيم وهو التقوى، فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم} [الأنفال: ٢٩]، حيث تتولى التقوى محو ما مر من الذنوب وتمنح صاحبها البوصلة أو الفرقان الذي يهديه إلى الصراط المستقيم في كافة أحواله، فيصبح راشدا في أفكاره ومسددا في أقواله وموفقا في أفعاله.

– استثمار التقوى:
أخبر الله تعالى بأن المخلوقات الكونية سواء كانت حية أو جامدة، بجانب وظائفها المادية المسخرة للإنسان فإنها تنتصب كمعالم على طريق الهداية، حيث أن التفكر الواعي فيها يؤدي إلى الاستزادة الإيمانية وامتلاك مقاليد اليقين بأن خلف هذا الكون خالقا يمتلك الإرادة والقدرة والعلم والحكمة وغيرها من صفات الكمال والجلال، فقال عز من قائل: {إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون} [يونس: ٦]، فالآيات هنا هي مخلوقات مرئية في هذا الكون يراها جميع الناس، فلماذا خص الله المتقين بالذكر هنا؟
لأن المتقين هم من يستطيعون استثمار هذه الذخائر الكونية في تقوية إيمانهم ويقينهم بوجود الله ووقوفه خلف هذه الموجودات ووراء التنظيم الصارم لحركة الكائنات كلها من دون تضاد أو تصادم.

– اكتساب معية الله:
من يجتهد في أن لا يراه الله حيث نهاه ولا يفقده حيث أمره، فإن الله يكون معه دوما في كافة أوضاعه، فلا يضعف أمام المغريات وزينات الدنيا ولا ينهزم أمام المخاوف ومؤامرات الأعداء، كما قال عز من قائل: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}، ويمنحه الشعور بمعية الله الشجاعة والجسارة فيُقدم ولا يحجم في مواقف الجهاد الناعم والخشن، ويمنح فائض المال للمحتاجين ولا يخشى الفقر؛ إذ لا يفارقه الإيمان قط بأن البشر لو اجتمعوا كلهم على أن ينقصوا من عمره أو رزقه شيئا يسيرا لا يستطيعون!
ولمعية الله في الحياة تجليات كثيرة نفسية ووجدانية ومادية، وقد استخدم الله هذا الإغراء في دعوة المسلمين للتقوى، فقال عز من قائل: {فاتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين}[البقرة: ١٩٤]، أي ابذلوا كل جهودكم لتجسيد حقيقة التقوى في كل شؤون حياتكم مع استحضار العلم بأن الله يقف دوما مع المتقين، حتى يكون هذا العلم مدداً للصبر وزاداً للسير المستقيم.

– الوقاية من الخطايا:
قال تعالى على لسان مريم حينما جاء الملك على شكل بشر ليمنحها غلاما: {قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا}[مريم: ١٨]، أي إن كنت تقيا فإني أستجير بالله منك وأذكّرك بعظمة الله وعقابه الأليم لمن عصاه، وهذا يؤكد لنا أن التقوى تحضر مع المؤمن فتحجزه عن ظلمه وعصيانه المنبعثين من طبائع التراب، وتزيد من شفافيته الروحية ورقيه القيمي وسلوكه المستقيم.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى