مقالاتمقالات المنتدى

جواهر التدبر (٢٥٤) .. تفاهاتُ العقول

جواهر التدبر (٢٥٤)

تفاهاتُ العقول

 

بقلم أ.د.فؤاد البنا

– عندما يصنع المخلوقُ خالقَه:
تتسبب الآثام والخطايا التي يقترفها الناس بالخَتم على عقول مقترفيها والطبع على قلوبهم؛ مما يؤدي بها إلى التبلد والعجز عن فهم القوانين الواضحة التي تسير بموجبها الحياة، ومن ثم فإن أصحابها يسيرون بعكس اتجاه سير السنن الثابتة فتتحطم قواهم وربما انتقلت أفكارهم وطاقاتهم إلى خانة التدمير لما هو موجود من إنجازات وبنى تحتية، ولذلك لا تستغرب إن وجدت هؤلاء يصلون إلى الدوس على المعلوم من المنطق بالضرورة، أو يفرطون بمصالح كبرى لشعوبهم وهم يسيرون خلف أوهام أو يستمعون لقطيع ممن يزينون لهم أعمالهم ويزرعون في روعهم أنهم يحسنون صنعاً!
وفي هذا السياق وجدنا وثنيين يصنعون بأيديهم وأزاميلهم أصناماً من الأحجار ثم يتجهون إليها بالتعظيم والعبادة بل ويطلبون منها تحقيق مطالبهم وتجسيد أمانيهم!
وقد استنكر الخليل إبراهيم عليه السلام هذا الانتكاس العقلي والارتكاس الفطري الطافح من أقوال أبناء قومه وسلوكياتهم، واجتهد في أن يستفز عقولهم حتى ترى المنطق العقلي وهو مقلوب رأساً على عقب، وقد اختزل ذلك كله في سؤاله لهم بطريقة استنكارية: {أتعبدون ما تنحتون}؟! وقال لهم في موضع آخر: {إنما تعبدون من دون الله أوثاناً وتخلقون إفكاً…}[العنكبوت: ١٧]، ويا للعجب حينما يتحول المخلوق إلى خالق والخالق المفترض إلى مخلوق!
وكم نرى في عصرنا من مسلمين ينفخون في قادتهم وكبرائهم روح الطغيان صانعين منهم أصناماً تضر ولا تنفع، وذلك من خلال مدحهم المكذوب وثنائهم المليئ بالتلفيق؛ حتى يَصلون بهم إلى درجة التألّه عليهم، والغريب أن هؤلاء لا يترددون عن السير خلفهم بأعين مغمضة والاندفاع لطاعتهم بطريقة عمياء، وإن لم تكن العبادة هي هذا الإجلال والاتباع الصارم فما عساها تكون؟!

– البذرة والثمرة:
من عجائب بعض البشر أنهم يصنعون نتائج مغايرة للمقدمات التي هي محل اتفاق، حيث يُفردون الله في المُدخلات الخَلقية المتصلة بالرب، ويُشركون معه غيره في المخرجات العبادية المتصلة بالإله، بمعنى أنهم ينسبون لله البذرة ويضيفون لغيره الثمرة، فهم يعترفون بربوبية الله في الخلق والرزق، ويشركون في ألوهيته غيره؛ بنسبتهم النعم والثمار للأسباب، والاتجاه بالشكر إلى غيره أو بتصرفهم فيها كما يحلو لهم بعيدا عن توجيهاته الواردة في ثنايا الوحي.
وعن مثل هؤلاء قال تعالى: {فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين. فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء في ما آتاهما فتعالى الله عما يشركون} [الأعراف: ١٨٩، ١٩٠]، فقد أفردوه في الطلب وأشركوا معه غيره في الاستحقاق العبادي!

– هدم الترتيب التأريخي:
أكثر القرآن من ذكر أفلا تعقلون ومفردات المحاكمة العقلية، أثناء إيراده لقصص بني إسرائيل، فقد عطلوا عقولهم واعتمدوا مقولات ما أنزل الله بها من سلطان بل ولا تستقيم على ساق المنطق وليس فيها مسحة من عقل، وقد تنقض الحقائق التأريخية الثابتة، مثل التنازع بين اليهود والنصارى حول ملة الخليل إبراهيم الذي زعم كل فريق أنه ينتمي إلى ملته، فقال لهم الله: {ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانياً ولكن كان حنيفة مسلما وما كان من المشركين}[آل عمران: ٦٧]، والعجيب أن هذا التنازع بين الطرفين قد حدث رغم علمهما أن إبراهيم قد ظهر قبل موسى وعيسى بمئات السنين، وهذا ما أوردته الآية التي سبقت الآية أعلاه بفارق آية واحدة، فقال تعالى: {يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون}[آل عمران: ٦٥]، وتهزهم فاصلة الآية بقوة حينما تقول لهم: {أفلا تعقلون}؟ ذلك أنهم كمن يقولون بأن النهر يسير من القيعان إلى الجبال، وكيف يصير السابق تابعا للاحق وبفارق قرون كثيرة، مع العلم أن كثيرا من الروايات التأريخية تذهب إلى أن موسى ظهر بعد إبراهيم بحوالي ٧٠٠ سنة وأن بين موسى وعيسى حوالي ١٥٠٠ سنة، أي أن الفرق بين إبراهيم وعيسى حوالي ٢٢٠٠ سنة؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى